قراءة متأنية في مضامين الآية - ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ بسم الله الرحمن الرحيم لا يختلف اثنان من المسلمين العقلاء على أن التنزيل الحكيم صادقٌ مُتطابق مع الواقع، دقيقٌ في تراكيبه ومعانيه وعلى أعلى مستوى من البلاغة، وإلى جانب ذلك خالٍ من حشو الكلام، واللغو والعبثية، ويغني عن أي قول وعن أي إجماع، فعندما يقول الحق سُبحانه ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ (البقرة: 187) فهذا حديث صادق لا تشوبه شائبة، (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا (النساء: 87) وعندما يروي البخاري ومسلم في صححيهما.. عن عمر بن الخطاب (رض) أن النبي (ص) قد قال: "إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا، وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ" فهذا خبر مشوه يرفضه القرآن جملة وتفصيلاً، كذلك المنطق، لأن في الحديث شُبهة، إذ كيف تكون العِبرة بغروب الشمس، والنبي (ص) إن ((صحّ عنه)) هذا الحديث، قد ((حصرَ)) ذلك بأمرين مُتلازمين، ((إدبار النهار و إقبال الليل)) لذلك، فإننا نكاد نجزم بأن جملة ""وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ"" هي من الحشو، وتحريف الكلام من بعدِ مواضعه، والتقول على النبي – صلوات الله عليه. ومن ناحية ثانية، فالحديث يوحي بأن إقبال الليل يسبق إدبار النهار وغروب الشمس، وهذا مُحال عقلاً، ولا يستقيم مع فصاحة الرسول (ص) الذي تنزل القرآن وحياً على قلبه، فلو صحّ هذا الحديث عن النبي (ص) لجاء مُطابقاً لقوله – سُبحانه- ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ، وعلى هذا النحو: "إذا أدبر النهار من ها هنا، ((وأقبل الليل)) من ها هنا، أفطر الصائم" ليعذرنا القارئ الكريم إن أطلنا، فالمقام قد يقتضي ذلك، فنحن نحقق في روايات يحاول أصحابها الضحك على عقولنا، لنقرأ سوية هذا الحديث التي يبرز فيه التناقض وتغيب عنه المصداقية: حدثنا إسحاق الو اسطي حدثنا خالد عن الشيباني عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وهو صائم، فلما غربت الشمس قال ((لبعض القوم؟)) يا ((فلان؟)) قم فاجدح لنا فقال: يا رسول الله ((لو أمسيت)) قال: انزل فاجدح لنا قال: يا رسول الله ((فلو أمسيت)) قال: انزل فاجدح لنا قال: ((إن عليك نهارا)) قال: انزل فاجدح لنا، فنزل فجدح لهم فشرب النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: ((إذا رأيتم الليل قد أقبل)) من ها هنا فقد أفطر الصائم!!!!! فهمنا من هذا الحديث المكذوب على رسول الله (ص) بأنه – صلوات الله عليه - شرب قبل أن يُمسي وكان عليه نهاراً، بالرغم من إصرار (فلان) عليه ثلاثة نوبات بالانتظار! والسؤال الذي يثور في رأسنا ولا يهدأ، كيف لنا بأن نوفق بين شرب الرسول (ص) في النهار ((إن عليك نهارا)) وقبل أن يُمسي ((فلو أمسيت)) وبين قوله: إذا رأيتم الليل قد أقبل من ها هنا فقد أفطر الصائم؟ إذ أنه من غير المعقول أن يفطر الرسول (ص) وعليه نهاراً، وفي نفس الوقت يتلو على المؤمنين قوله تعالى " ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ" ولماذا لم يخبرنا الراوي عن طبيعة هذا السفر، وعن أسماء الذين كانوا برفقة رسول الله (ص) في هذا السفر المزعوم، ومن هم بعض القوم المجهولون الذين قال الرسول (ص) لأحدهم يا فلان، قم فاجدح لنا؟ أليس لهذا المجهول أيضاً اسم أو لقب يُكنى به؟ وهل يَصِحُّ أن نأخذ بالرواية ونُلقي بقوله سُبحانه وراء ظهورنا؟ مهمة الرسول – صلوات الله وملائكته عليه لقد أشرنا في بحثنا "قراءة مُعاصرة في خصائص السُنة النبوية" إلى مهمة رسول الله (ص) التي حصرها الحق - سُبحانه وتعالى - في ((البلاغ المبين)) وانتهينا بعدها إلى القول: بأنه من حق الناس والنبي (ص) بصفته نبياً وإماماً وقائداّ ومؤسساً لهذه الأمة في سن القوانين التي لا تتصادم مع سُنن قوانين الله، لأن سُنة (قوانين) الله تعالى هي المُهيمنة على سُنن البشر في كل الأحوال. وأشرنا إلى حقيقة هامة، وهي أن سُنن (قوانين) العليم القدير، ثابتة أزلية، بمعنى أنها لا تتأثر بالزمان ولا بالمكان، ولا يُمكن لها أن تتصادم مع الحقائق الكونية، ولا تتبدل ولا تتحول لقوله سُبحانه وتعالى: فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا ( فاطر 43 ) بعكس سُنن النبي (ص) الصحيحة ( الفعلية والعملية والمُتواترة ) فهي ليست ثابتة، ((ولكنها ظرفية زماناً ومكانا، متحركة تُراعي احتياجات الناس وَمُتَطَلَّبَاتهمْ اليومية)) (وهي ليست وحيا) وهو ما نصت عليه آيات التنزيل صراحة، كقوله تعالى: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ ((فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ)) (التغابن:12) ((فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ)) وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (آل عمران:20) وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ ((أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ)) (المائدة: 92) وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ ((فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ)) وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (الرعد:40) ((فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ)) (النحل:35) فَإِن تَوَلَّوْاْ (فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ) (النحل:82) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ) ( النور:54) وَإِن تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ((وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ)) (العنكبوت: 18) ((مَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ)) (بس:17) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً ((إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ)) وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنسَانَ كَفُورٌ (الشورى:48) بعد تدبر هذه الآيات الواضحة، نخلص إلى القول بأن كل ما فعله النبي (ص) بعيداً عن الرسالة ليس تكليفاً شرعياً، ((وأن مهمة الرسول (ص) الوحيدة تقتصر على تبليغ الرسالة التي نزلت على قلبه وحياً، كاملة بأوامرها ونواهيها)) لقوله تعالى: أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ ((مِنَ النَّاسِ)) إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (المائدة:67) لقد نظرنا في قوله تعالى" مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَٰكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (الأحزاب: 40) فوجدنا ثلاثة مقامات للنبي الكريم – صلوات الله عليه: محمد الرجل، محمد النبي، ومحمد الرسول، فأعماله وأقواله (ص) من مقام الرجل غير ملزمة لأحد، كعلاقته الزوجية والأسرية، وشرابه وطعامه ولباسه، ومعاشه وغدوه ورواحه، وحزنه وفرحه، كذلك الأمر في المقام الثاني، النبي، لأن جميع آيات الطاعة كانت لمقام الرسول (ص) حصراً، وأن الأوامر والتنبيهات التي جاءت إلى النبي (ص) مُخاطبة إياه بعبارة "يا أيها النبي" احتوت على تعليمات وإرشادات أو حالات خاصة بمقامه كنبي كريم و ليس لها عُلاقة بالحلال والحرام، وأنه لا يوجد في التنزيل الحكيم آية قرآنية واحدة تقول: وأطيعوا النبي. أما المقام الثالث والأخير، فهو مقام محمد الرسول صلوات الله عليه، فقد جاءت طاعة الرسول (ص) المُكلف ((حصراً)) بتبليغ الرسالة للناس بأوامرها ونواهيها ((مُقترنة بالرسالة المكلف بتبليغها)) لقوله سُبحانه: وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ( آل عمران: 132) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (المجادلة: 13) وقد عزز سبحانه وتعالى هذه الطاعة بربطِها مباشرة بطاعته بقوله: مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّه وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً (النساء: 80) ((فالنبوة أنباء وعلوم تحتمل التصديق والتكذيب، والرسالة أحكام وتشريعات تحتمل الطاعة والمعصية، والمعيار الوحيد للأخذ بالسُنن النبوية، (الأحاديث) هو انطباقها على التنزيل الحكيم والواقع المُعاش، فإن تعارضت تركناها)) زعموا بأن السُنة شارحة مبينة لأحكام الكتاب ونحن نقول هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين، فإذا كانت مهمة الرسول (ص) وكما تزعمون بيان التنزيل وشرحه، فأين هذا الشرح المزعوم وهناك سوراً بأكملها لم يشرح الرسول (ص) منها حرفاً واحدا، وفي نفس الوقت بين أيدينا عشرات التفاسير، إن اتفقت على مدلول آية اختلفت في غيرهاّ؟ وما هي الحكمة التي غابت عنا من وجود هذا العدد المرعب من التفاسير المغلفة بالأحاديث المكذوبة على رسول الله (ص) والإسرائيليات، التي أضحت تلموداً للمسلمين، ومصدراً من مصادر تفسيره؟ ثم كيف نوفق بين قوله – سُبحانه - ويسألونك، وقل؟ ما هي الكلمة العصّيةِ على الفهم عند أصحاب الفهم المغلوط للسُنة النبوية في قوله تعالى: (أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً) و (تبيانا لكل شيء) و (قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ) و (فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلا)؟ ثم أين تفسير وشرح الرسول(ص) لهذه الكلمات المص، يس، حم، ألم؟ وأخيراً وليس آخراً، فبعد بحث حثيث، وجهد كبير، فإنني لم أجد من بين هذه التفاسير ما يستحق أن يكون مرجعاُ يُعتد به، لأنها لم تُفرق بين النبي والرسول، وبين الكتاب والقرآن والفرقان والذكر، أو بين الزوج والبعل، أو بين الولد والأب، والوالدة والأم، والحظ والنصيب، ناهيك عن الفرق بين الفعل والعمل، وجاء وأتى، والأهم من ذلك كله فإنها لم تُفرق بين التحريم والنهى والمنع، وكله وللأسف الشديد عند أئمة التفسير صابون! لقد أطلنا التفصيل في هذا كله، لنصل بعده إلى القول، بأننا نعود اليوم لنقرأ قوله تعالى " ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ" بعيداً عن كل موروث أموي وعباسي، وبعيداً عن كل تأويل وفقه يهدف إلى إثبات صحة الصحيحين، وأنه لا يوجد أي قيمة لكتب الأحاديث بمعزل عن كتاب الله تعالى، بينما كتاب الله يبقى مُحتفظاً بقيمته بدون هذه الكتب. لقد شاء الحق سُبحانه وتعالى أن يكون الكتاب الذي تنزل على قلب رسول الله (ص) مُعجز لكل العصور، ولكل الأزمنة، يقوم فقط على حقائق تؤيدها كل يوم الاكتشافات العلمية الحديثة وخالٍ من الأوهام والأباطيل والتناقضات، ولا سبيل لأي مؤلف لغوي أن يستبدل أو أن يضيف أو أن يحذف كلمة واحدة وإلا فسد المعنى، ((وقطعاً لا يحتاج إلى البخاري ومُسلم والترمذي وبن ماجة وأبو داود ومسند أحمد وغيرها من كتب الأحاديث)) أقوال العلماء لقد أجمع السادة العلماء، سلفا وخلفاً بأن الحكم الشرعي للإفطار "يكون عند غُرُوب الشمس، ولا عبرة بالحمرة الشديدة الباقية في الأفق، وفور سماع الآذان لصلاة المغرب، ومن خالف ذلك فقد اتبع سبيل غير المؤمنين، وابتدع ما ليس له به برهان ولا إثارة من علم" وهذا ليس عندنا بشيء، نرده على أصحابه رداً جميلاً، وقطعاً لن ندق به أعناق المعارضين الذين يتصدون لنا كحراس للشريعة، بالويل والثبور وعظائم الأمور، منهم من يحرمنا الجنة، وآخرون يدخلوننا النار، وكأنهم ظل الله في الأرض! وبعيداً عن التطويل المُمل والإيجاز المُخل، وانطلاقاً بأن كتاب الله تعالى هو أساس الأسس، وأصل الأصول، وأنه المحك المعياري الني يحب أن تقاس عليه كل الأحاديث النبوية، فإننا نجزم بأن فصل الخطاب، هو في قوله سُبحانه وتعالى في هذه الآيات التي لا تقبل التأويل: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (البقرة: 187) فالمتأمل في قوله تعالى يخرج بمفهومين اثنين: أولهما: أن الإمساك عن الأكل والشرب ((حصراً)) وعدم مُباشرة النساء ثم إتمام الصيام إلى الليل، وفي المساجد على وجه الخصوص، ((هي حدود الله التي لا يجوز الاقتراب منها)) وثانياً: إن حد البداية للإمساك عن ألأكل والشرب ومُباشرة النساء، هو تمييز الخيط الأبيض من الخيط الأسود من ((الفجر)) وحد النهاية للإمساك عن الأكل والشرب ومباشرة النساء هو ((الليل)) وليس المغرب كما هو معتمد عند أصحاب الفهم المغلوط للسنة النبوية، والفرق بين المغرب والليل لا يخفى على أهله، إلا على من أنكر وكابر من الذين إذا ذُكر ((القرآن وحده)) ولوا على أدبارهم نفوراُ، فلو ضربنا في الأرض من شرقها إلى غربها، ومن جنوبها إلى شمالها، وطلبنا من تلاميذ الصفوف الابتدائية تعريف الليل، لأجابوا ببداهة، بعد صلاة المغرب، فغروب الشمس هو الطرف الثاني من النهار، لقوله تعالى: أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ( الإسراء: 78) ودلوك الشمس هو ميلها إلى المغيب، ((والغسق هو إقبال لليل وظلامه)) نحن ننطلق من أن التنزيل الحكيم وحيّ سماوي وصياغة إلهية، صاغها صانع هذا الكون، صُنع الله الذي أتقن كل شيء، ومن هنا نؤكد على أنه لا مجال إطلاقاً للقول بأن الليل هو أول الغروب، بدليل أن الفجر غير النهار، والتنزيل الحكيم بين لنا بأن المغرب كينونة بحد ذاته، كذلك الليل، وأنه بين الغروب والليل بقية من ضوء الشمس وحمرتها في الأفق بعد الغروب، أطلق عليه التنزيل الحكيم ((الشفق)) أنظر إلى قوله تعالى إن شئت: فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ * وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ * وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ (الانشقاق: 15-17) فإذا غاب الشفق، أقبل غسق الليل وأفطر الصائم، فالليل ضد النهار، والنهار ضياء، ((والليل ظلام)) وهذا ما قرره التنزيل الحكيم وأشار إلى بوضوح تام في قوله تعالى: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ ((مُظْلِمُونَ)) ( يس: 37) وفي حياتنا اليومية نستخدم اليوم الشمسي، ويقسم هذا اليوم إلى 24 فترة متساوية تسمى كل فترة ساعة والتي تقسم بدورها إلى 60 دقيقة، والدقيقة تقسم أيضاً إلى 60 ثانية، وقد كان تقسيم اليوم إلى 24 فترة معروفاً لدى العرب، وتسمية كل فترة باسم مناسب حسب موقعها من الليل أو النهار كما في الجدول. إلا أن القائلين بتقديس التراث وأصحاب التراث، استبدلوا آيات التنزيل الحكيم بالذي هو أدنى، بالأحاديث والروايات المُمتلئة بالطي والرمم، والغث والسمين، والموضوع الكثير والصحيح القليل كمصدر للدين والعلم، فوقع السواد الأعظم من المسلمين في المحظور، والعُلماء الأفاضل في الحرام، وحرّموا ما أحله الله بالرغم من قوله تعالى في آيات لا تقبل التأويل، كقوله: وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ ((هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ)) إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ) النحل: (116 وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ ((وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ)) إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (الأنعام: 119) ((قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللّهَ حَرَّمَ هَذَا)) فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ –الأنعام 150 قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ ((مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ))) الأنعام:151) فإن سئل سائل:ألم يقل الحق سُبحانه: "وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا" نُحيب بالقول: الآية الكريمة تتحدث عن مصارف أموال الفيء الغنائم ووجوهه، وتتحدث عن نصيب الرسول (ص) منها وذي القربى واليتامى والمساكين ومستحقيها من المسلمين، وتحث المسلمين على طاعة الله تعالى في أوجه صرف الفيء، وطاعة رسول الله (ص) في هذه الآية تحديداً، هي طاعة خاصة بها لا تشمل العمومية، ولا يجوز سحبها على كل ما ورد في كتب الأحاديث. فقوله سُبحانه: وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا، فالإشارة هنا واضحة إلى أن للنبي (ص) أن ((يأمر وينهى)) ولكن ليس له أن يُحل الحرام، أو أن يُحرم الحلال، ((فالحلال والحرام أبدي وشمولي وتوقيفي من الله حصراً، لا شريك له فيه)) حيث أنه من بديهيات المنطق، الإقرار بأن المُحرمات لها خواص لا يُدركها إلا العليم البصير، كامل المعرفة في الغيب والشهادة، التي لا يحدها الزمان ولا المكان، ((هذه المعرفة لا يملكها رسول من عند الله، أو فقيه، ولا إجماع أو مجلس نيابي. الأمر والنهي أمرٌ يشترك فيه الله سبحانه وتعالى والناس)) فإذا فهمنا ما سبق حق الفهم، وعلى ضوء ذلك، تُصبح كل التشريعات التي شرّعها الفقهاء ولا أصل لها في كتاب الله، باطلة نصاً وروحاً، ولا مكان لها في شرع الله الذي لا يشرك في شرعه أحد، ((كائناً من كان)) أقوال العلماء في صيام الحائض قالوا: أنه لا يجب على الحائض الصيام اتفاقاً، فإذا صامت أثمت، وإذا صامت فلا ينعقد صيامها، ووقع باطلاً! قال ابن عبد البرّ رحمه الله: وهذا إجماع أن الحائض لا تصوم في أيام حيضتها، وتقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، لا خلاف في شيء من ذلك والحمد لله! ((وما أجمع المسلمون عليه فهو الحق والخبر القاطع للعذر!)) وقال الله عز وجل: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا، والمؤمنون هنا الإجماع! لأن الخلاف لا يكون معه إتباع غير سبيل المؤمنين، لأن بعض المؤمنين مؤمنون وقد اتبع الْمتَّبِع سبيلهم، وهذا واضح يغني عن القول فيه. اه . وقال الإمام النووي رحمه الله: لا يصح صوم الحائض والنفساء، ولا يجب عليهما، ((ويحرم عليهما ويجب قضاؤه؛)) ((وهذا كله مُجْمَع عليه)) ولو أمسكت لا بنية الصوم لم تأثم، وإنما تأثم إذا نوته وإن كان لا ينعقد . اه . نأتي الآن إلى الدليل الذي أتكئ عليه القائلون بالتحريم، وكما توقعنا تماماً، فقد كان حديثاً مكذوباً على رسول الله (ص) على لسان أبي سعيد ألخدري: حدثنا سعيد بن أبي مريم، قال اخبرنا محمد بن جعفر، قال اخبرني زيد هو ابن اسلم عن عياض بن عبد الله، عن أبي سعيد ألخدري، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى، فمر على النساء فقال: يا معشر النساء تصدقن، فاني أريتكن أكثر أهل النار، فقلن: وبم يا رسول الله قال: " تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين اذهب للب الرجل الحازم من أحداكن" قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلن: بلى، قال: فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم ، قلن: بلى. قال: فذلك من نقصان دينه.. فهمنا من هذه الرواية المكذوبة على أن النبي (ص) قد أفسد على هؤلاء النسوة وعموم معشر النساء يوماً من أيام عيد الفطر أو عيد الأضحى بأن قال لهم، بأنهن أكثر أهل النار، وأنهن يكثرن اللعن، ويُكفرن العشير وأنهن ناقصات عقل ودين؟! وهذا ليس عندنا بشيء لسببين اثنين، أولهما: ليس في كتاب الله تعالى ما يؤيده، فشهادة رجل بامرأتين لا علاقة له ألبته بنقصان العقل لا من قريب أو بعيد، فقوله تعالى أوضح من أن ينكره عاقل " إِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ ((أنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ)) (البقرة: 282) ولا يوجد عقل ذكر وعقل أنثى، فالعقل عقل وقوده العلم والثقافة، وهما أمران مُتاحان للمرأة والرجل على حد سواء، والقول بأن الحيض يُنقِص الدين فهو قول مُتهافت، لأن الدين لا ينقص أبداً، وهو أكبر من مجرد الصلاة والصوم، والله سُبحانه وتعالى أكبر وأعقل من أن يجعل من الحيض الذي أبدعه سُبحانه وتعالى ((هو)) فيها سبباً لتحقيرها ونقصان دينها، ولكن أكثر الناس لا يعلمون. والسبب الثاني هو أن الخطاب القرآني جاء عاماً بالنسبة لصيام شهر رمضان " فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون (البقرة: 184) ((فالشارع الحكيم لم يشترط على الصائمين والصائمات الطهارة البدنية مُطلقاً)) وللقائلين بتحريم صيام الحائض نقول: هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، فالبينة على من ادعى، أما إذا كان صيام الحائض فوق طاقتها الجسدية، فعليهن ما على المسافر والمريض: فعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر، وهذا ما قرره التنزيل الحكيم فقط، وغير ذلك هو من التقول على الله سُبحانه وتعالى ورسوله الكريم – صلوات الله عليه، نرفضه جملة وتفصيلا. سوف أختم هذه الفقرة بكلمة أخيرة أوجها إلى الأخوات الحائرات بين الحديث المكذوب وقوله سُبحانه وتعالى: فأقول: مجرد قبولك بهذا الحديث الذي وصفك بناقصة العقل والدين، معناه قبولك بكل الأحاديث المكذوبة الأخرى، وكل ما تناولته كتب الفقه التراثية التي أفتت بوجوب مخالفة المرأة في كل شيء لأن في مخالفتها بركه! ودعوا إلى حبسها حبساً مُطلقاً، وشبهوها بالعبد على نحو ما قاله ابن تيمية "بأن المرأة كالعبد فكلاهما مملوك" يقول الإمام الغزالي في "كتاب علوم إحياء الدين للإمام الغزالي، الجزء الثاني من الباب العاشر": ذلك أن القول الجامع في المرأة أن تكون قاعدة في مقر بيتها، قليلة الكلام لجيرانها، لا تخرج من بيتها، ولا ترى الرجال ولا يراها الرجال، فإذا اضطرت للخروج بإذن زوجها، ((خرجت خفية في هيئة رثة!)) أما الزواج عند الغزالي فهو بالنسبة للمرأة في كتابه المشار إليه آنفا، مجرد نكاح فقط بين السيد وجاريته: والنكاح نوع من الرق، فالزوجة رقيقة عند زوجها، وعليها طاعته مطلقاً، ((وعليها أن تقدم حقه وحق أقاربه على حقها وحق أقاربها)) ((كذلك عليها أن تكون مستعدة لزوجها في جميع أحوالها ليتمتع بها)) والرجل هو السيد المطاع، لا يشاور المرأة، فإذا شاورها خالفها، لأن في خلافها بركة، لأن كيد النساء عظيم، ((وسوء الخلق، وقلة العقل من صفاتهن)) فعلى الرجل أن يكون حذراً منهن (( أما المرأة الصالحة فيهن فهي كمثل الغراب الأعصم بين مائة غراب)) أه هكذا تم تحقير المرأة والحط من مكانتها بصياغة إطار فقهي بشري عنوانه ((قال النبي وقال الرسول)) ضاربين تعاليم الإسلام وقيمه الإنسانية بعرض الحائط، مستهترين بكرامة النفس البشرية التي كرمها الله سُبحانه وتعالى. الحكمة من صوم رمضان من هنا نقرر جازمين بأن الغاية الأساسية، أو قل إن شئت الحكمة الإلهية من صيام شهر رمضان ((حصراً)) هي في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ ((لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ))(البقرة: 183) فالتقوى هي التي تستيقظ في القلوب طاعة لله الذي شريك له، وإيثاراً لرضاه، والمخاطبون في هذه الآية يعلمون مقام التقوى عند الله ووزنها في ميزانه، وهي غاية تتطلع إليها النفس البشرية امتِثالاً لأمره واحتساباً لأجره، ففي الصوم تزكية للنفس والبدن، وتضيق لمسالك الشيطان، وللنفس الأمارة بالسوء، فإذا كانت التقوى كذلك، وهي قطعاً كذلك، فإنني ومن هذا المقام أتوجه إلى عموم المسلمين، وأهل السُنة على وجه الخصوص، بأن يتقوا الله في صيامهم وإفطارهم، وأن يُتموا صيامهم إلى الليل، فإذا غاب الشفق أقبل غسق الليل وأفطر الصائم، وصدق الله العظيم الذي قال: وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُون. أدعو الله سُبحانه وتعالى وأتضرع إليه، أن يتقبل صيامكم وأعمالكم، وعملي هذا خالصاً لوجهه الكريم، وأن يكتب له توفيقاً وتأييداً من عنده، وقبولاً من الناس أجمعين. إنه سميع مُجيب. وكل عام وأنتم بخير 5- الهاجرة 6- الظهيرة 7- الرواح 8- العصر 9- القصر 10- الأصيل 11- العشي 12- الغروب 13- الشفق 14- الغسق 15- العتمة 16- السدفة 17- الفحمة 18- الظلمة 19- الزلفة 20- البهرة 21- السحر 22- الفجر 23- الصبح 24- الصباح 1- الشروق 2- البكور 3- الغدوة 4- الضحى