لا أحد يختلف حول ضرورة انتشال مدينة القصر الكبير من التهميش ومظاهر الترييف التي تعيش على ايقاعاتهما، ولا احد من ابنائها الشرفاء سيكون معترضا على اي مبادرة اياجبية تروم تحقيق هذا الهدف، أو على الأقل تعسى إلى المساهمة في تحقيقه، لكن لا أظن كذلك أن أحدا من أبنائها سيكون سعيدا، إن كانت هذه المبادرة غير شاملة، او تهم فئة دون أخرى، أو تستثني فئة وتحمل فئة أخرى تكاليف هذا الهدف. فمثلا لا احد سيكون موافقا على استثناء الأغنياء من حملة تحرير ما يسمى ملكا عاما، أو لنقل أنه أنه لا يمكن استثناء المقاهي مثلا من هذا التحرير، أو تحرير وسط المدينة واستثناء هوامشها (سوق المرينة مثلا ). ان أبناء مدينة القصر الكبير سيكونوا سعداء ان هم لمسوا اختلافا في طبيعة معالجة هذا المشكل المأزقي ، الذي كلما حل ضيفا جديدا في صفوف السلطة إلا وقيل أنه سيتنهي وسيذهب دونما رجعة، وسيكونوا سعداء اذا ما رافقت هذه العملية، عملية أخرى يمكن تسميتها ب” تحرير محتلي الملك العام ” من الملك العام نفسه لانه فرض نفسه عليهم كبديل للبطاقة، ومن الفقر، وذلك عن طريق هيكلة القطاعات الاقتصادية العشوائية وغير المهيكلة، الشيء الذي لن يحدث إلا بتوفير أسواق نموذجية وتوزيعها بشكل عادل بين المنتسبين لهذه الفئة وتنظيمها ودعمها ماديا في إطار مبادرات نوعية و شفافة. وارتباطا بما سبق فإننا كأبناء هذه المدينة الموغلة في القدم، نسجل غياب هذا المستوى من النقاش، أو تغييبه بفعل فاعل، وهيمنت النقاش او المقاربة الأمنية، وكأن المقاربة الأمنية قادرة لوحدها على تحقيق الأهداف التي تتطلع اليها الساكنة، وكأن الحلقات هذه الحلقات الضعيفة المتمثلة في الباعة على الرصيف أو في الأسواق العشوائية يملكون حلولا بديلة ورغم ذلك يحتلون الملك العام كنوع من أنواع الترف أو” تقصاح الرأس” مع العلم أن معظمهم يعيل اسرة بأكملها أو ربما اكثر. لهذا فإنني كمواطن بسيط لست فرحا بما يجري رغم اعجابي الكبير ببعض صور الشوارع المحررة في غزوة البارحة خصوصا وانني لسنوات لم اتمتع بجمالية هذه الشوارع والساحات التي امضينا فيها جزءا من طفولتنا الموؤودة. ولا أظن أن أحدا سيكون فرحا بسيطرة أنصار المقاربة الأمنية الذين يقفون وراء استثناء فئة أصحاب المقاهي والمحلات التجارية -التي تم إخبار أصحابها بساعات قبل انطلاق هذه الغزوة المظفرة!- أو بعدم إشراك كل معني من قريب أو بعيد من مشكل الملك العام، واشراكه في إيجاد الحلول من خلال تنظيم ايام دراسية جادة ومسؤولة تشارك فيها علاوة على هذه الفئات المعنية كل الاطارات المدنية الحقوقية والسياسية والنقابية النزيهة، لبلورة حل جدري يراعي كل الجوانب ويؤمن قولا وفعلا أن هذا الحل يوجد بعيدا كل البعد عن المقاربة الأمنية، وان مدخله الأساسي هو وجود إرادة سياسية حقيقية ومداخل اقتصادية بعيدة كل البعد عن اشكال الريع الذي يربط كل المشاكل بالانتخابات أو الربح السياسي الضيق الافق.