تحركت مؤخرا السلطات الإقليمية و المحلية لمحاربة التجارة العشوائية و احتلال الملك العام. و هي حملة اعتبرها المتتبعون انتقائية و جاءت متأخرة بعد أن استفحلت و بشكل كبير ظاهرة احتلال الساحات و الأزقة من طرف الباعة الجائلين، و قد تمت بمناطق حساسة دون غيرها و استهدفت بالأساس باعة الفواكه و بعض المواد الأخرى الذين يستعملون العربات المدفوعة لبيع و عرض سلعهم. و الهدف منها هو ، حسب بعضهم ، الحفاظ على جمالية المدينة و جعلها تأخذ طابع التمدن عوض تركها عرضة لتجارة الفوضى و العشوائية و طابع الترييف. و هي عملية محمودة و وجب التصفيق لها و تشجيعها لو تمت بشكل شمولي و لم تقتصر على بعض الأماكن دون غيرها ، و حبذا لو كان أصحاب هذه الحملة يتوفرون على حلول و اقتراح بدائل للحفاظ على قوت المستهدفين منها و ضمان مصدر عيشهم المتمثل في مزاولة التجارة وبيع الفواكه و الخضر عبر بوابة عرض السلع بالساحات الفارغة و بواسطة العربات المدفوعة. فالمناطق التي اختارتها السلطات لمطاردة الباعة الجائلين و محاربة العشوائية مستنفرة فيها كل قواها هي تلك التي توجد في واجهة المدينة و بالشارع الرئيسي للمدينة، الذي تجري أشغال التجميل و التلميع لواجهته و فضاءاته بشكل متواصل و مستمر و يحرص المسؤولون على مواكبتها ليل نهار لأسباب أصبحت غير خفية على المواطنين، و كأن هذه العملية هي الوحيدة التي ينتظرها السكان من المسؤولين و المنتخبين لتأهيل المدينة و الإقليم تنمويا، حيث قامت بحملة واسعة لإخلاء الساحات من الباعة الجائلين بمحيط السوق البلدي و كذا بالقرب من المسجد العتيق. لكن حسب ما استنتجه المواطن السليماني منها هو أن محاربة العشوائية و احتلال الملك العام لم تتم بشكل شمولي، إذ أنها استثنت أصحاب النفوذ و أصحاب المقاهي و المحلات التجارية الذين استباحوا الملك العام و اغتصبوه بشكل فاضح أمام أعين السلطات التي لا تنام . فعلى طول شارع الحسن الثاني احتل هؤلاء الرصيف وممرات الراجلين، و وضعوا الكراسي و الستائر لمحلاتهم التجارية و الخدماتية التي تشوه جمالية المدينة، و دفعوا الراجلين عنوة إلى استعمال طريق الشارع الخاص بوسائل النقل ( السيارات، الحافلات، الناقلات، الدراجات و...) و تعريض حياتهم لخطر حوادث السير، لدرجة اختلطت فيها الأمور بين من له الحق في استعمال الطريق، و أدت إلى اختناق الشارع الرئيسي الذي يعتبر هو المنفذ الوحيد للتنقل داخل المدينة و في الاتجاهات المؤدية إلى خارجها. «حماية» أصحاب النفوذ الذين يحتلون الملك العام بالمدينة و تشجعيهم على احتلال و استغلال الفضاءات الفارغة و المساحات الخضراء لممارسة الأنشطة التجارية و الخدماتية يطرح أكثر من علامة استفهام حول تعامل السلطات الإقليمية و المحلية مع مشكل احتلال الملك العام بالكيل بمكيالين و تعاطيها معه بأسلوب يتسم بالازدواجية، من خلال تطبيق القانون على المستضعفين دون غيرهم في محاربة هذه الظاهرة؟ لكن ما يحير المواطنين في هذا الجانب و يثير استغرابهم هو غياب المسؤولين عن المجلس البلدي عن هذه الحملة و كأن عملية تأهيل المدينة و مراعاة حقوق الباعة الجائلين و تأمين حياتهم و مصدر عيشهم لا تعنيهم؟ فتحرير الملك العام من المحتلين هو مبادرة جريئة و إجراء يطمح إليه الجميع، لكن لا ينبغي أن يكون ظرفيا و موسميا و لا أن يستهدف البعض دون الآخر. كما أن محاربته ينبغي أن تراعى فيها ظروف الباعة الجائلين و كذا حاجيات السكان الذين يستفيدون من مبيعات هؤلاء. فالحل ، حسب البعض، يكمن في معالجة المشكل في شموليته بإيجاد البديل لتنظيم هؤلاء الباعة من خلال إقامة سوق بلدي نموذجي و متكامل يضمن لهم أماكن لمزاولة أنشطتهم التجارية عوض اتخاذ قرار مفاجئ بمنعهم و محاربتهم من كسب قوتهم بدعوى محاربة العشوائية، الشيء الذي نتج عنه ضياعهم و تشريدهم خصوصا أن أغلبهم ينحدرون من شرائح اجتماعية فقيرة و يعيلون أسرا ولهم أبناء هم في حاجة إلى المأكل و الملبس و الدراسة، و أن المصدر الوحيد لعيشهم هو ممارسة هذا النوع من التجارة، لكون فرص الشغل منعدمة بالمدينة التي لا تتوفر على معامل و لا على مصانع و لا على شركات. فالمنطقة الصناعية التي راهن عليها المسؤولون لتشغيل حوالي 4000 يد عاملة تعيش عدة مشاكل و شابتها عدة خروقات، كما أن ساكنة المدينة في حاجة إلى مبيعات و سلع هؤلاء بسبب قلة المحلات التي تباع فيها الخضر و الفواكه. فمدينة بنسليمان التي يقارب عدد سكانها حوالي 50 ألف نسمة، لا يوجد بها سوى ثلاثة تجار لبيع الخضروات و الفواكه، واحد بسوق حي كريم و اثنان بالسوق البلدي. هذا الأخير أصبحت وضعيته جد مزرية نتيجة انعدام الصيانة و الإصلاح لبنيته التحتية و افتقار محلاته التجارية للماء و لقنوات الصرف الصحي. و هي وضعية كان من الطبيعي أن تساعد على التجارة العشوائية بين أزقة و أحياء المدينة و تشجع على إقامة الأسواق العشوائية التي انتشرت على نطاق واسع و لم تشملها الحملة المشار إليها و أصبحت شبه يومية بحي للامريم و حي الفرح في غياب تأهيل السوق البلدي و عدم إقامة سوق نموذجي و متكامل لتنظيم الباعة الجائلين، و الذي سبق لإحدى الجمعيات أن طالبت بإقامته بالفضاء المجاور للسوق البلدي و خصصت له وزارة التضامن و الأسرة سابقا مبلغا ماليا مهما. لكن طلبها قوبل بالتجاهل و التهميش من طرف المسؤولين بالسلطات و بالمجلس البلدي. فمرحبا بكل إجراء يهدف إلى تحرير الملك العام و محاربة العشوائية و الفوضى، لكن بالاعتماد على مقاربة شمولية و دون انتقائية.