بزاوية رصيف كبير تقع عند تقاطع شارع رئيسي بالمدينة بزقاق ملوث بسوائل تسربت و أزبال تدلت من حاويات "غبية"، بعد ان اخلفت شاحنات SOS آجال الشحن بساعات كعادتها كل يوم، رائحتها تزكم الانوف قبل ان تُدمع المُقل، تقف امرأة سحنات وجهها توحي انها دنت من ربيعها الستين، مرتدية زيا مغربيا اصيلا، أمارات الاتساخ بادية عليه رغم لونه الرمادي الداكن، فيما رأسها ملفوف بخرقة بيضاء. اثناء وقوفها الذي دام عشرين دقيقة هنا، مر عدد ليس باليسير من سيارات الاجرة الصغيرة، بعد ان تستوقفهم واحدا تلو الاخر لفترات متفرقة، تنطق بكلمات وجها لوجه مع كل سائق على حدة، منهم الشاب المثقف و منهم الرجل الكبير و منهم ايضا من لا يفقه ابجديات النقل العمومي للاشخاص، من النافذة الامامية للجهة اليمنى، تستجدي و تستعطف، مع اشارة منسبابتها اليمنى تلوح بها نحو بهو الزقاق مختتمة حوارها، جل السائقين اداروا "رؤوسهم" نصف دورة صوب المكان المشار اليه، جميعهم اعربوا عن رفضهم، بعد الذي لاحظته اعينهم، منهم من قدم اعتذارا بأن زبونه الجالس جانبه وجهته غير التي طلبت منه، و بعضهم الاخر حمل هاتفه في يده مرددا ان زبونا قد اتصل به قبل الان و عليه الا يتأخر عنه!!!!!. بعد كل محاولة فاشلة تتنهد المراة المغلوبة على امرها، تهمس بكلمات لن يفهمها الا من تجرع من "فنجان" معاناتها، و اقتسم سويا "كعكة" الحزن و التحسر على غياب ابسط الحقوق، و لعلهم كثر بوطن كهذا. بقيت المراة على حالها هكذا شاردة الذهن، غير مصدقة لما يحدث، بعد مخاض عسير حل الخلاص، سائق متوسط العمر، مرهف الاحساس، منشرح الصدر، تفاوضا معا بأدب قل نظيره، ترجل من سيارته، فتح بابها الخلفي، انتظر أخذ السيدة المقعدة مكانها، انحنى بتمهل، حمل الكرسي المتحرك بيديه الكريمتين واضعا اياه بصندوق الامتعة، عاود التقدم أماما، اغلق الباب ببطئ، غير مبال بضياع الوقت الذي يشبه السيف، تنصب امام مقوده و انطلقت الرحلة، رحلة الاخلاق، رحلة الادب مع الزبون، رحلة الاحساس بمشاعر المرضى، رحلة الشعور بمن حولك، رحلة اندثار "الكونفيونص" رحلة البطاقة بلا مهنية. #الاحساس_بالاخر_نعمة_لا_توجد_عند_من_هب_ودب