اتذكر ملامح رجل يعود لقائي به لأكثر من اربعين سنة، كان يشع نورا وبهجة لكل ناظريه ، واثق من نفسه، يثقن جيدا عمله، يحترمه كل الناس، ابواب بيته كانت مفتوحة دوما لكل من يحتاجه، ثابث في مبادئه ، يعرف كيف يجعل الاخر ينصث اليه. هكذا كان خارج بيته مع كل من يعرفه ومع من لا يعرفه. ومع اسرته الصغيرة، كان ابا يثقن فن القسوة الملفوفة في ثوب العطف و الحنان، قسوته مع ابنائه كانت درسا من دروس الحياة ، ليتعلموا ان ليس كل الناس يحملون نفس مشاعر الطيبوبة ، فالشارع مخيف وعليهم ان يتعودوا كيف يتصرفون حينما يكبرون. اتدرون من يكون هذا الرجل! انه ذاك الوطن الذي لا تسعه مساحة الارض ولا السماء، انه اول حبيب لابنته، انه معطف امان في الليال الممطرة. ان تسالوني عن من هو الفخر لي ،ساقول لكم بكل انحناء هو ابي. ابي ذاك الرجل الذي كان كل من يعمل معه يصفه بالرجل الانيق، المواظب دوما على عمله بابتسامة وجدية، اتذكرجيدا اصدقائه مغاربة كانوا ام اجانب كيف كانوا يحترمونه بتقدير كبير، كان يعشق العمل السياسي والنقابي كل زملائه في حزب الاستقلال في تلك الفترة يعرفونه جيدا وكيف لا وهو ظل وفيا لمبادئه وبرامجه حتى اخر السنوات التي سبقت مرضه بحيث ظل يدعم مرشحي ذاك الحزب، فحبه له يرجع الى طفولته حينما كان جدي رحمه الله منتميا لحزب الشورى والاستقلال خلال فترة الاستعمار. هكذا كان ابي قبل ان تتحول حياته بمرض والدتي رحمها الله، حيث لم يعد له اي اهتمام سوى الوقوف معها وقوفا قل نظيره ، خمسة سنوات بين المستشفيات وحصص الكيمياوي وحصص التصفية ، سهلة ان تكتبها او ان تقراها لكن صعبا ان تعيشها يوما بعد يوم ولو حولتها الى شريط تلفزي مع موسيقى حزينة فلن يكفيه وساما لتضحيته واصراره على ذاك الحب الى ان ورى التراب جسد امي. استمرت الحكاية بعد ذلك في اتجاه اكثر درامي بعد اصابة ابي بجلطة دماغية، كانت لها من العواقب ما سيغير كل حياتنا. فابي الذي كان يكتب بخط عربي فصيح من اجمل الخطوط التي رات عيني لم يعد يكتب، والدي الذي كنت دائما اسمعه بعد صلاة العصر يستظهر ويرثل القران الكريم لم يعد يتكلم بل لم يعد يحفظ حتى قصار السور، تتغير حياتنا بين حال ومحال في لحظة ، يؤلمني كثيرا ان ارى ابي قد صار مسالما للحياة لم يعد ذاك الرجل القوي الذي كان يعمل له كل الناس الف حساب، الملح لا تعرف قيمته الا عندما تفتقده هكذا هو ابي ثمين جدا لدرجة انني افتقده كثيرا، افتقد صوته، ضحكاته بل افتقد تلك القسوة التي لم تكن الا رغبة بان نكون احسن من كل الناس. اعلم يا ابي انك ذاك النور الذي مازال يضيء حياتي ، افتخر بك لكونك جعلتني امتدادا لك في جديتك وحبك للناس، يكفيني فخرا ان يشار الي من بعيد ويقولون رحم الله من رباك، انت من سقيتني وعلمتني كيف يكون الايمان بالقضاء والقدر، وكيف احمد الله سبحانه في السراء والضراء. مهما كتبت ، يعجز قلمي ان يجد كلمات تليق بمقامك في عقلي ووجداني، وما اكنه لك من انحناء وتبجيل يفوق كل نبضات قلبي، كنت خير اب ربيتيني انا واخي فاحسنت تربيتنا، علمتنا ان نحيا و نموت بشرف وبكرامة حتى ولو خسرنا كل الناس الاهم هو انفسنا، سنستمر على نهجك وسنظل اوفياء لكل ما علمته لنا اياه ابي . فيارب اشف والدي وارحمه في مرضه بعدد ماذكرك الذاكرون و شكرك الشاكرون و بعدد من صلى لك وكبر. الحمد لله..