تسونامي يميني يجتاح إسبانيا، هكذا علقت صحفية في القناة الأولى الإسبانية على الفوز التاريخي الكاسح للحزب الشعبي بزعامة ماريانو راخوي في الانتخابات البرلمانية السابقة لأوانها. راخوي بدا مزهوا في خرجته أمام أنصار الحزب مباشرة بعد الإعلان عن النتائج الأولية، كيف لا وهو الذي قاد معارضة شرسة ضد حكومة الإشتراكيين ورئيسها ساباتيرو التي أنهكتها الأزمة الاقتصادية ومعدلات البطالة المرتفعة وبالتالي لم تستطع الصمود أمام خصم سياسي يعلن امتلاكه مفاتيح حالة الركود العام الذي لم تشهدها إسبانيا من قبل. اكتساح الحزب الشعبي جاء نتيجة رغبة الإسبان في التغيير وفقدانهم الأمل في قدرة الحزب الاشتراكي على تجنيب البلد كارثة إفلاس اقتصادي وشيك وعدم اقتناعهم بالجدول الزمني الذي وضعته حكومة ساباتيرو من أجل أن يتحقق النهوض وفق التصميم المالي الجديد الذي طرحته.. الإسبان يعرفون جيدا مدى تغلغل الحزب الشعبي ونفوذه على طبقة المستثمرين ورجال الأعمال، وصعوده لإدارة شؤون البلاد سيعطي ثقة لحواريه الأثرياء من أجل ضخ رساميل جديدة في الاستثمار المنتج لفرص الشغل وبالتالي التخفيض من الأرقام القياسية لعدد العاطلين الذي يناهز حاليا 4 ملايين شخص .. على مستوى آخر ففوز راخوي وحزبه الشعبي سيطرح نقاشا آخر في أوساط المهاجرين الذين يعتبرهم المحللون الفئة الأكثر تضررا من الأزمة الاقتصادية الحالية . فمنذ بداية نشر استطلاعات الرأي المتكهنة بعودة اليمين ولا حديث وسط مغاربة إسبانيا إلا عن هذا “البعبع” الذي يلمح في تصريحاته إلى عزمه على معالجة إشكالية الهجرة بأساليب وقوانين جديدة.. راخوي صرح أكثر من مرة أن المهاجر الذي لا يجد عملا في إسبانيا عليه أن يحمل حقائبه ويعود لبلاده.. هكذا يريد زعيم “البي بي” بكل بساطة .. لا يذكر أن إسبانيا هي التي فتحت ذراعها لهاته الجيوش من المهاجرين في مرحلة كانت فيه في حاجة إلى اليد العاملة لدرء الخصاص البشري في قطاعات البناء والفلاحة والطرق والنظافة .. لا يعترف راخوي بصعوبة عودة هؤلاء إلى بلدانهم الأصلية وهم الذين خلقوا روابط جديدة في بلد الإقامة كالأسرة والأبناء الذين خضعوا للمناهج الدراسية الإسبانية .. لا يريد راخوي أن يعترف أن إسبانيا هي التي يجب أن تتحمل نتائج السياسة الارتجالية التي طبقتها في قطاع الهجرة والتي أعطت هذا التنافر الكبير بين المجتمع الإسباني والمهاجرين الذين يتهمهم بعض غلاة العنصرية بشكل مضحك أنهم السبب الرئيسي في الأزمة الاقتصادية .. الحكومة اليمينية القادمة يجب أن تطرح حلولا واقعية لمشكل الهجرة وأن تبتعد عن استغلال الملف في تجييش الرأي العام ضد فئة لا يد لها فيما يقع من هزات اقتصادية واجتماعية .. على صعيد العلاقات المغربية الإسبانية، تطرح الآن بعد عودة الحزب الشعبي إلى الحكم أسئلة عديدة تتمحور حول مدى استعداد الطرفين لفتح صفحة جديدة مختلفة عن الماضي الذي خلفته حقبة أزنار التي كادت أن تنتهي بنزاع مسلح مع المغرب على خلفية احتلال إسبانيا لجزيرة ليلى لولا تدخل الولاياتالمتحدة لإخلائها من الطرفين .. راخوي من خلال رسالة التهنئة التي تلقاها من ملك المغرب بمناسبة فوزه، ومن خلال تصريح مقتصب حول عزمه إقامة علاقة تعاون استراتيجي مع الجار الجنوبي، يبدو أنه سيحاول فتح صفحة جديدة تحكمها المصالح بعيدا عن العنتريات الفرنكاوية التي تعامل بها سلفه أزنار .. فالمتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية الحالية التي حدثت طوال ولايتي ساباتيرو ستساهم بكل تأكيد في تحول جذري في علاقة الحزب الشعبي مع المغرب.. لأن رئيس الوزراء المنتخب سيسعى إلى ضمان نفس وتيرة التعاون التي يحظى بها الإشتراكيون من قبل سلطات المغرب كالتعاون في المجال الأمني ومحاربة تهريب المخدرات والبشر ، إضافة إلى معطى التزايد الملحوظ للمقاولات الإسبانية بالمغرب ناهيك عن اتفاقية الصيد البحري مع الاتحاد الأوربي التي تضمن مناصب شغل قارة للآلاف من الصيادين الإسبان .. إذن فاتح يناير المقبل سيكون راخوي قد قدم أعضاء حكومته للملك خوان كارلوس وسيشرع بعدها في مهام ولاية قد يدخل فيها التاريخ.. سواء تمكن بمخططه الاقتصادي من الخروج بإسبانيا من غرفة الإنعاش.. أو قادها إلى إعلان الإفلاس .. وذلك أسوأ احتمال تفاداه ساباتيرو طويلا .