قادتها الصدفة إلى الإشتغال بالتلفزيون وهي لازالت طالبة في شعبة الأداب الفرنسية، في بداية الأمر أوكلت لها مهمة مذيعة الربط بين البرامج، بعد تمكنها وظبطها لعوالم التلفزيون وطرق إشتغاله، سيتم ترقيتها لتلتحق بمصلحة إنتاج البرامج الثقافية والفنية، ولأن أوكسجين التلفزيون يُوزع بالتقسيط وفي محيط مؤطر ومحدود، فإنها إختارت أن تحلق خارج سماء المغرب، لتحط المقام بقناة أبو ظبي الإمارتية، لتصبح بعدها وجها عربيا إعلاميا محبوبا، لكن هذا النجاح جاء على حساب غربتها، فلم تستطع إكمال المغامرة، لتعود إلى حضن قناتها الأم عبر برنامج "مراكش إكسبريس" الذي تعرض أثناء بثه لإنتقادات لاذعة من طرف بعض المشاهدين والمختصين، لتعلن بعدها الطلاق مع التلفزيون، وتؤسس لمرحلة جديدة عبر إنشاء موقعين إلكترونيين، الأول بتوجه إخباري، والثاني مجلة تعنى بشؤون النساء. في هذا الحوار سنحاول أن نقترب من فاطمة النوالي المثقفة والإعلامية والإنسانة، لنستفزها على البوح بأرائها وتفاعلها الوجداني مع مواضيع كثيرة س: إحقاقا لراهنية اللحظة السياسية التي نعيشها وهي إنسحاب المغرب من منطقة الكركارات بشكل مفاجئ، وهي التي كانت تشكل رئة صادراته نحو إفريقيا، ماهي قراءتك الصحفية للحدث، أريد رأيا بعيدا عن سفسطة التبرير، وبعيدا عن لغة القداسة المتحفظة، وأن لا تستعملي الميكروفون نفسه الذي يستعمله خزنة الإعلام الرسمي، وديماغوجية محللي السلطة؟ ج :لا أستطيع أن أعطي رأيا في الموضوع لسبب بسيط وهو أننا لا نمتلك كل المعطيات التي تمكننا من تكوين رأي منطقي حول ما يقع، الشيء الوحيد الذي يمكنني قوله، وعن حسن نية، وبما أن ملف الصحراء والنزاع الحاصل مع البوليساريو لايناقش بصراحة من خلال الإعلام العمومي ليكون كل مواطن على علم بتطورات الأمور، فسأقول أن أصحاب القرار في هذا الملف هم أدرى بما يجب فعله، والإنسحاب ربما هو فكرة صائبة لتجنب إستفزازات الطرف الآخر وجر المغرب للوقوع في حرب رمال هو في غنى عنها . س :في إسبانيا، المؤسسات الإعلامية، (لاحظي أني إستعملت هنا لفطة المؤسسة وهي مختلفة جذريا عن طبيعة ونوعية الممارسة الصحافية في المغرب والتي هي عبارة عن دكاكين إخبارية، أوفي أحسن أحوالها مقاولات تخضع لرجل سلطة واحد وأوحد وهو مدير النشر، الذي يمكن أن يحذف مقالا، او مادة ما ، نزولا عند رغبة الممول، أو توبيخ من سَدنَة الدولة الرسمية) هي من كشفت عورة الفساد المالي لزوج أخت الملك "إنياكي اوردنغارين" وفي فرنسا "LE CANARDE ENCHAINE هي من حولت" فرنسوا فيون" من حالم برئاسة الجمهورية الفرنسية، إلى باحث عن شرف ضاع خلف شبح إسمه "بينولوبي فيون" زوجته المتهمة بتحصيل أموال غير مشروعة، أين نحن من هذين النموذجين؟ مالذي يمنع الصحافة في أن تنشر الأراء التي تنتقد إدارة الدولة لقضية الصحراء، مالذي يمنعها أن تقول أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية فشلت، نحتاج إلى صحافة الإستقصاء، أما صحافة الزواج والطلاق والسرقة، فتلك قضايا يتكلف بها رواد المقاهي. ج :سيكون الجواب أقصر من سؤالك، لا توجد مؤسسات صحفية مستقلة بالمغرب، ولا يوجد قارئ يدفع مقابلا لتلقي المعلومة الصحيحة. فعندما تمول الصحافة من جهات معينة فلا يمكنها أن تكون محايدة وسلطة رابعة كما يجب أن تكون. س: ربما لو كان الأمريكي "ويليام راندولف هيرست" أب ومرجع الصحافة الصفراء التي ترنو إلى إثارة المتلقي عبر أخبار الفضائح والجرائم، حيا، لقال أن صحافة المغرب هي أبَرُّ متعلم عنده، حافظ على فلسفة مدرسته الإعلامية. نشر موقعكم الإلكتروني "ماروك بلوس" شريطا مرئيا تحت عنوان "حصريا وبالفيديو إنفجارات بشارع محمد الخامس بالرباط" من يقرأ العنوان دون أن يطَّلع على محتواه سيستبد به الخوف، وسيأخذ كيمياء جسده شكل "الذهول والهرع" وسيظنها عملية إنتحارية، لكن نكنتشف في النهاية أنها مجرد مشاهد لتصوير الفيلم الصيني "عاصفة الصحراء" الذي يقوم بأداء دوره الممثل الكبير "جاكي شان"، لو كنا حقا أمام صحافة ذكية، لكان العنوان كالتالي" بؤس مدينة الرباط تثير شهية منتجي افلام الحرب، ولتحولت المادة الإخبارية إلى إثارة ذكية، تناقش البنية التحتية لمدننا التي يسكنها الخراب. هل توافقيني الرأي إذا قلت لكم أنكم على غرار بعض المنابر الصحافية الأخرى صرتم مثل ذلك المتسول السليم الذي يصطنع إعاقة ما، ليضاعف من مدخوله؟ ج :سأجيبك بصراحة: لاحظ معي أن العنوان لم يكن كاذبا مائة في المئة، وأن الإنفجارات كانت فعلا بشارع محمد الخامس بالرباط، غير أنها كانت سينمائية وليست حقيقية، وهذا ليس تبريرا.. هناك فوضى كبيرة على مستوى المواقع الإلكترونية الإخبارية، وأغلب أصحابها لا يمثون لمهنة الصحافة بصلة، والمنافسة شديدة وغير عادلة، والطرق المستعملة في إصطياد النقرات بعيدة كل البعد عن أخلاقيات المهنة. وفي ظل هذه الفوضى نجد أنفسنا مضطرين في بعض الأحيان إلى ركوب هذه الموجة حتى لا نبقى في ذيل الترتيب، والمسؤول الأول عن هذا المستوى الذي نحن فيه هو المتلقي الذي لا يقرأ إلا المواضيع التي عناوينها من شاكلة إقرأ قبل الحذف.. شاهد فضيحة.. إظافة إلى أخبار ملفقة وكاذبة.. ولحد الآن لم نستعمل في ماروك+ مثل هذه العناوين س: من المخجل جدا أن تصفق النقابة الوطنية للصحفيين المغاربة، على قانون الصحافة الجديد وتنوه به، فحتى وإن ألغى العقوبات السالبة للحرية فإنه فقط إستبدل شراً بشرٍ، فقد ترك فصل الغرامات المالية قائما دون أن يشير صراحة إلى المخالفات بعينها التي يتوجب الحكم فيها بذلك، فقد جعل الحسم والتقدير فيها بيد القاضي، هذه الثغرة سيستغلها من يزعجهم صوت الصحافة، ليغرقوا المحاكم بالدعاوى ضدها والمطالبة بتعويضات ماليك خرافية، وما الأمر في النهاية إلا تمهيدا لإقبارها وإعدامها، والأخطر من هذا كله أننا سنوقف عجلة تطور الصحافة بحيث ستصبح حذرة جدا، مخافة أن يجذبها التيار إلى فلك ممنوع عليها السباحة فيه. لدي سؤالين في هذا الجانب ما هو تقييمك لمقررات قانون الصحافة الجديد؟ والسؤال الثاني ألا تعتقدين أنه حان الوقت للقضاء على داء السياسة الذي يستوطن قطاع الصحافة؟ فالصحافة للصحفيين وليست أرضا مشاعا للأحزاب واللاعبين السياسيين لتصفية حساباتهم، فمن السخرية والسخافة أن يترأس نقابة الصحفيين رئيس تحرير جريدة لا تبيع إلا مئات من النسخ وموقعها الإلكتروني يزوره نزر قليل جدا أغلبه من المتعاطفين مع حزب الإستقلال ؟ ج: في غياب نخبة صحفية جيدة يمكنها التصدي لكل ما من شأنه سلب حرية التعبير، والكشف عن التجاوزات التي نعيشها، وتقوم بدور المراقب الحريص على فضح الفساد، وكذا وجود الكثير من الأقلام المأجورة والمحسوبة على السياسيين الذين أصبحوا بدورهم بعيدين كل البعد عن مفاهيم العدالة التي يجب أن يدافعوا عنها، ومراعات مصلحة الوطن وأبنائه، فقانون الصحافة يشبه العبث الذي نعيشه. س :كان لي الشرف أن أطلع على مؤلفين مهمين يؤرخان للعمل الإذاعي والتلفزيوني بعد الإستقلال، وهما "رحلة حياتي مع الميكروفون" للإعلامي محمد بن ددوش، و "هذه أنا" لبديعة الفاسي أو بديعة ريان، يقول بن ددوش أنه لما أَلحق إدريس البصري حقيبة الإعلام بالداخلية كان يقف على كل صغيرة وكبيرة، بل كان يتصل شخصيا ليطلع على فحوى الأخبار قبل بثها، وكان يعامل مستخدمي التلفزيون بحقارة كبيرة، اذ كان يضطر هذا الأخير إلى إرسال ثلاث محررين ليغطوا نشاطا سيقوم به الوزير فينتظرون اكثر من ثلاث ساعات وأحيانا يعودون دون إنجاز شيء، وبديعة ريان فصلت من عملها لأنها رفضت الإمثتال لأوامر البصري، ورغم أنها عادت بعد العفو الملكي فإن البصري عمل على تجميد ترقيتها، أنت واحدة ممن ساقه القدر إلى أن يشتغل تحت إمرة الراحل إدريس البصري، قربنا من ظروف الأشتغال آنذاك ، وكيف كان يُصنع الخبر؟ وما هي حدود تدخل الراحل ادريس البصري في صنع المشهد الإعلامي المرئي ؟ ج: لا يمكن أن أكون دقيقة في نقل ماكان يقع أنذاك، لأنني لم أكن أشتغل في قسم الأخبار، فأنا إلتحقت بالتلفزيون وعمري 19 سنة وكنت لازلت طالبة، وكانت بدايتي في التلفزيون كمذيعة ربط بين البرامج ملحقة بقسم البرمجة وبعد ذلك قسم إنتاج البرامج الثقافية والفنية، إلا أن هذا لا يمنع أن أقول أنه لا يخفى على أحد أن الأخبار في التلفزيون الرسمي كانت تكتب حسب التوجيهات، ولازالت بعض آثار هذا التوجه قائمة لحد الأن، فلا زال البعض يحن إلى عهد البصري ويريد أن يشتغل بنفس الطريقة رغم إختلاف المرحلة وغياب التوجيهات. – في الأخير سأعطيك خمسة أسماء عبري لنا عن تفاعلك الوجداني معها : "زوجك المخرج المقتدر سعيد ازر" زوجي وصديقي ورفيقي "شيخ التلفرة المغربية مصطفى العلوي" صحفي متمكن رغم مايقال عليه، له أسلوبه الخاص "الراحل إدريس البصري" – شخصيا لا يعني لي شيء، لم ألتقيه يوما "فرقة زهجوكة للغيطة الجبلية" الموسيقى الجبلية بالنسبة لي هي طفولتي وارتباطي بجذوري، وفرقة جهجوكة واحدة من مكونات هذا المخزون في ذاكرتي، وشهرتها العالمية تملؤني فخرا بالإنتماء لهذا الجزء من الوطن "القصر الكبير" مدينتي التي ساهمت في تكويني ويحز في نفسي ما آلت إليه