راودني الحنين الى "السفنج" .. تلك العجينة المستديرة الذهبية التي لا تكاد تبرح زيتها المتراقص في المقلاة الكبيرة حتى تجد من يخطب ودها الجميل. وقفت هذا الصباح في طابور صغير انتظر دوري..انظر للمعلم السفنجي البدين وهو يداعب دوائره المتقنة بمخطاف معقوف.وما ان يفرغ مقلاته من بعض ما نضج على مهل حتى ياخذ قبضات من عجين رخو في سطل ليصنع منه دوائر اخرى بسبابته وابهامه وبسرعة واتقان. وجدت المعلم كعادته واقفا بجانب المقلاة الكبيرة السوداء المحزومة بجبص نال من اللهيب والدخان حتى اسود هو الاخر.ومن حين لاخر ينحني ليضبط درجة النار الهادئة اصلا. معلمنا لا يحابي احدا..ما ياتيه زبون مسرعا طالبا ما تيسر لجيبه اقتناءه من "السفنج" الساخن الا امره بانتظار النوبة بصراحة وتلقائية.ثم ما يفتا الخوض في موضوع مع من اوشك النيل مما هو جاهز. سال رجلا امامي عن احوال البيع والشراء والزيتون والفلاحة والمطر.من المؤكد ان صاحبنا المعلم له من الموسوعة المعرفية ما اغنتها تجربته في قلي الاسفنج.زاد من تاكدي مشاركته للرجل اسرار ما سال عنه. عندما حان دوري نظر الي مبتسما بعد استقباله لطلبي..حنحن فعرفت انه سيتكلم..هيا لي خمسة اسفنجات مغريات في "شرك" من الدوم الاخضر وبتوادة قال: "كيف حال الما والضاو امولاي الشريف..ورفقو بنا راحنا هيدراوش". قابلت المعلم مداعبته بضحكة اعقبها رد: "الله يحشرنا مع الدراوش اسيدي…" اتجهت ب "سفنجاتي" الساخنة الى مقهى قريبة لتحتفل بها بطني في صباح بارد وانا اعرف ان المعلم ينوع مواضيعه بتنوع زبائنه لينتصر على رتابة الزمن.