سأل شاب عشريني جده قائلا: أضحى مصطلح السرقة أو الرشوة أو الاختلاس مصطلحا شديد الارتباط بالإدارات العمومية و الشبه العمومية بإقليمنا و خاصة جزيرة الوقواق التي نسكنها ، لما ؟... يحكى أنه منذ زمن بعيد؛ كان هناك قاضيا يعاقب اللص بجعله رئيسا لحراس بيت المال ، لإيمانه أنه لايعرف اللص إلا لص مثله . هذه الحكمة الغريبة آمن بها أصحاب الحال عندنا و أحسنوا تنزيلها بجزيرتنا؛ فأصبحوا كلما تعددت حالات الاختلاسات المعلنة منها أو الخفية ذات الأرقام الخيالية والمختلفة من حيث مستويات ومواقع المسؤولية، بادروا لإصدار المذكرات القاضية بتحويل المشتبه بهم إلى حماة للمال العام ومسؤولين على تتبعه ومراقبته ومحاسبة المتورطين في تبذيره، وذلك للاستفادة مما راكموه من خبرات في عالم الاختلاس النظيف الذي لا يترك أثراً ولا دليلا، بل وحتى إن تركهما فقد وضعوا قانونا أسموه قانون سويسرا للإدارات، يعفيك من المسائلة بشرط عدم فضح أولي الأمر وأصحاب القرار، وأن تكون نفسك من الأخيار ولك جذورا في عالم المختلسين الكبار، وهو مالم يستوعبه العربي؛ ذاك الشاب النحيف الجسد الدائم الانفراد في إحدى زوايا مقهى ‘الجلدة‘؛ حيت أصابعه لا تتوقف عن مداعبة لفافات الحشيش التي تجعله دائم الشرود والتيهان في عالم خاص به يرسم ملامحه بمساعدة لفافة أو لفافتين. ففي لحظة انتشاء؛ تولدت له رغبة جامحة بالانضمام لعالم مختلسي المال العام الكبار؛ حيث أصغى بإمعان لما دار من حديت بين علي وعمر عن عثمان الذي اختلس أموال الشعب من بيت المال؛ وعوقب بأن تحول من مصلحة البيع لمصلحة تدقيق الحسابات بعد ان أكلت النار كل الأوراق؛ فغنم المال ومعه الجاه. لف لفافة وسبح في عالم ما بعد عملية الاختلاس، عالم الثراء في دول البيض والشقر بعيدا عن جزيرة الوقواق؛ فقد سئم من شعارات مول الكاراج، خطط بإحكام ونفذ بسهولة؛ مع غياب تام للمسة الكبار حيت تكثر الغنائم و تختفي الآثار، مستفيقا على غنيمة لا تتعدى دريهمات هي مجرد فكة في عالم الكبار. لتبدأ قصة كورومبو رجل المهام الصعبة، ومكتشف أغشى المجرمين والمجرمات، في استعراض العضلات ولأنه حامل لكتاب البركة ومداوم على زيارة الشيوخ وفقهاء الفڭوس والكوار، و ما أن حط بقدميه في مسرح الجريمة حتى وجد صورة علي تحت حذاءه؛ ولأن العربي ليست له جذورا في عالم المختلسين الكبار؛ شرع كورومبو بإعطاء الأوامر والتعليمات لإلقاء القبض على اللص الخطير ناهب المال العام ومزعزع الاستقرار ومعطل مصالح المواطنات والمواطنين والمهين لذكاء كورومبو ومختلسينا الكبار. ألقي القبض على العربي، وانسل إعلامنا لتنوير الرأي العام عن إنجازات ومشاق كورومبو إبان مراحل البحت والتحري وإلقاء القبض السريعة في الزمان والوازنة من حيث النتائج والإنجازات. كما أجرى إعلامنا حوارات مع أصدقائنا حماة المال العام أصحاب الأيادي البيضاء؛ اللذين أكدوا قيام لجان عليا بعمليات حسابية دقيقة اكتشفوا منها أن خرم المزانية وحافة الإفلاس هي من عمل العربي الذي سطى على أموال الشعب؛ حيث كان الرقم خياليا والمسؤولية واضحة؛ وبهذا حكمت محكمتنا العادلة بسرعة خيالية بعشرات السنين؛ وبه أزاحت عن عالم الكبار آخر متطفل على عالم الكبار و أضحى الاختلاس من شيم الكبار.