الصيف غريب جدا، فيه وحده يمكن أن تحدث نزاعات دولية غبية، لا يكاد أحد يعرف لماذا نشبت. الناس هذا الصيف فاجأهم النزاع المسلح بين روسيا وجورجيا على منطقة اسمها أوسيتيا. وقبل ست سنوات فوجئ المغاربة، في عز الصيف، بوجود جزيرة في ملكيتهم اسمها «ليلى»، وأصبح المغرب وإسبانيا على شفا نزاع مسلح في جزيرة يرعى عليها الماعز. بعد ست سنوات من ذلك النزاع الغبي، ماتت تلك المرأة الطيبة التي كانت تملك قطيع الماعز في الجزيرة الذي قفز إلى البحر مذعورا بعد تدخل القوات الإسبانية الخاصة. في صيف 2002، تداولت وسائل الإعلام الإسبانية اسم السيدة رحمة، الضحية الوحيدة لذلك النزاع الأحمق. وقبل بضعة أيام، رحلت رحمة عن هذا العالم وحيدة ولم يذكر موتها أحد. ظلت هذه المرأة الطيبة تطالب لسنوات بتعويضها عن خسائرها الفادحة بعد أن فقدت مصدر رزقها الوحيد. لا أحد التفت إليها فغادرت هذا العالم الفاني. في الصيف أيضا تختلط السياسة برائحة المخدرات، وقبل بضعة أيام صدر حكم ضد الشريف بين الويدان وجُرّد من كل أملاكه تقريبا، وفوجئ الكثيرون بامتلاك الرجل لكل تلك الأموال والعقارات والأراضي. كثيرون لم ينتبهوا إلى ذلك الحكم لأنه جاء صيفا. الكثيرون لا يفهمون لماذا يتم القبض على تجار المخدرات صيفا وتصدر ضدهم أحكام في الصيف أيضا. وقبل بضع سنوات، ألقي القبض على تلك المرأة السلاوية المعروفة باسم «الجبلية»، والقبض عليها تم صيفا، إلى درجة أن المغاربة صاروا يعتقدون أن سقوط تجار المخدرات صيفا يتم عندما يأخذ الذين يحمونهم «الكونجي»، والدليل على ذلك أن الجبلية عندما سقطت فإنها أسقطت معها الكثير من الرؤوس الأمنية ومن مختلف الرتب. الحكم الصادر ضد بين الويدان وتجريده من كل أملاكه، بما فيها تلك المسجلة في اسم زوجته وأبنائه، جعل الناس يتمنون أن يكون القضاء المغربي حازما أيضا في إصدار أحكام مماثلة ضد اللصوص الكبار ومختلسي المال العام. لو أن القضاة في المغرب أصدروا أحكاما بمصادرة أملاك عشرة فقط من كبار لصوص المال العام لتوفرت خزينة الدولة على أموال لبناء مدرسة ومستشفى في كل قرية مغربية، وليتم شق الطرق ومد المناطق المعزولة بالماء والكهرباء من طنجة إلى الكويرة، لكن الصرامة يبدو أنها تنزل فوق رؤوس تجار المخدرات فقط. وبما أننا نتحدث عن مختلسي المال العام في عز الصيف، يمكن لمن يهمهم الأمر أن يتوجهوا إلى مدينة ماربيا لكي يعاينوا كيف أن سياحا مغاربة من طينة خاصة ينافسون كبار أغنياء العالم في تبذير الأموال بطريقة مجنونة. ما الفرق، إذن، بين تجار المخدرات ومختلسي المال العام؟ لا فرق بينهم لأنهم جميعا خارج القانون. لماذا، إذن، هذه الصرامة المذهلة ضد تجار المخدرات، أو ضد بعضهم بعبارة أصح، وهذا التسامح المدهش مع اللصوص والمختلسين؟ لماذا لم يسمع المغاربة إلى حد الآن حكما صارما يقضي بتجريد مختلس ما من كل أملاكه بما فيها تلك التي يسجلها في اسم زوجته وأبنائه وأقاربه؟ لماذا توقفت التحقيقات في قضايا الاختلاسات الشهيرة بدءا بالقرض العقاري والسياحي ومرورا بالبنك الشعبي والقرض الفلاحي وصندوق التوفير الوطني وقضايا كثيرة أخرى...؟ على أية حال هذا ليس وقت طرح الأسئلة. الناس الآن على شواطئ البحر يأخذون بدون حساب الشيء الوحيد الذي بقي في هذه البلاد بالمجان وهو أشعة الشمس، وإذا طرحوا على أنفسهم الكثير من هذه الأسئلة فإنها يمكن أن تغرقهم عند أول غطسة.