في إطار سباق المدن الذي قدم مؤخرا، كان موعد الجمهور مع مسرحية "عودة المجذوب"، المسرحية التي تطرح علاقة سيدي عبد الرحمان المجذوب القادم من مدينة أزمور إلى مدينة القصر الكبير، حيث استقر زمنا طويلا، واشتهر بين الأهالي بشطحاته الصوفية وحكمه الاجتماعية، وبعودته من أعماق التراث المغربي، يطرح مشكلا حضاريا على مستوى التغيير الذي طرأ على مدينة القصر الكبير أول حاضرة في المغرب لا زالت آهلة بالسكان. ومن خلال الرؤية العامة للمدينة، تهيأ للمجذوب أن مدينة القصر الكبير فعلا عرفت تطورا يليق بأصالتها وقدسيتها التي اكتسبتها من دورها الديني والوطني، والجهادي ببلائها الحسن في معركة وادي المخازن، هذه المعركة التاريخية التي أقبرت الزحف الصليبي نحو العالم الإسلامي عبر جناحه الغربي، وبكونها عانقت باعتزاز وحنان عددا كبيرا من المجاهدين الذين ضحوا بنفوسهم في سبيل عزة الإسلام وكرامة هذا الوطن. ورغم الحفاوة المتميزة التي لقيها "المجذوب" وضيوف البرنامج من سكان المدينة، فإنه قد غاضه وألمه غياب ممثلي السكان عن المساهمة الجادة في إعداد هذه التظاهرة الفنية! فأدرك سر تهميش هذه المدينة العتيقة عن برامج الإصلاح، وعندما نزل "المجذوب" من خشبة المسرح قام بجولة عبر شوارع المدينة، يتفقد آثارها، ويستقرئ حاضرها عن ماضيها، فاصطدم بواقع مرير: فالشوارع مليئة بالحفر والأزبال، والبطالة تقتل الطموح والبراءة في آلاف الشباب، وجحافل المتسولين أظلمت الابتسامة في وجوه العاملين، وحولتها إلى يأس وجراح، والمحسوبية بنت حواجز في وجه البعض، وفرشت الطريق للأهل والأحباب، لاحتكار مناصب الشغل والوظيفة في مكاتب البلدية والحالة المدنية. وقد آثار انتباه "المجذوب" العدد الهائل من عربات الجر التي فاقت طلب الخدمات، وعندما استفسر عن هذه الظاهرة، وعن هذا العدد المتكاثر من العربات، أخبر بأن العربات أصبحت وسيلة ناجعة لزحزحة بعض أعضاء المجلس عن مواقفهم، ومكافأة بعض "المناضلين" من جناح الأغلبية، وبين زوابع هذه المساومات ظل البعض الآخر ثابتا على مبدأ خدمة الصالح العام، وفيا لالتزامات الحملة الانتخابية، فعلق "المجذوب" على هذه الظاهرة بقوله: إذا لم تعالج الآن فإن عربات الجر ستجر المدينة إلى الهاوية، ومصالح السكان إلى الإهمال. كما لاحظ المجذوب، وهو يتجول في الدوائر الانتخابية أن بعضها استفاد من بعض التجهيزات، وأن البعض الأخر قد حرم حتى من التجهيزات الضرورية، كدائرة الفرفارة، واروافة، وحي بوشويكة، فلماذا هذا الحيف؟، وما الغرض من هذا التمييز بين أبناء المدينة الواحدة؟، أم أن على قدر أهل الشأن تصلح الدوائر؟، الجواب بسيط جدا، يستنتج من نفس التصرفات والخروقات والتنكر للالتزامات، إنها وسيلة أخرى لإحباط عزائم بعض الأعضاء في المجلس البلدي، وتهميش دوائرهم وحرمانها من أي إصلاح. أهكذا ترعى مصلحة المواطنين؟، أين الشعارات؟، أين الوعود ؟ أين الوعي بالمسؤولية الديمقراطية؟، فليست المدينة مجرد تجمعات سكنية، ولكنها وحدة متكاملة، ومجتمع متفاعل ومتكامل، ولهذا يجب الاعتناء بجميع دوائرها، والتفكير في حل مشاكل جميع أفرادها. وقد أنهى "المجذوب" جولته بقوله: "الرجوع الرجوع إلى روح العمل الجماعي، وخدمة مصلحة الوطن والمواطنين، لأنه الميثاق الوطني الذي يربط بين الناخبين والمنتخبين". لميثاق الوطني عدد: 4014 / 3 يونيو 1987 ملحوظة: أعجبت كثيرا بتعليق الآنسة نسيبة الطود على صورة "حديقة عبد السلام عامر" فأحالني على الرغبة في إعادة نشر موضوع سابق حول عودة المجذوب إلى مدينة القصر الكبير، حيث فوجئ بأن المدينة فقدت كثيرا من رونقها وجمالها....