يشير عدد من سكان منطقة في قبيلة أنجرة، ما بين طنجة وتطوان، إلى شجرة زيتون قديمة جدا، ويقولون إنها نبتت على حافة كنز ضخم وأن الكنز تم نهبُه، يوما ما، من طرف أشخاص غرباء عن المنطقة، يبدو أنهم جاؤوا من أقصى الجنوب، وعلى الأرجح من منطقة سوس. ويضيف السكان أن شجرة الزيتون كان إلى جانبها قبر لشخص لا يعرفون هويتَه بالتحديد، منهم من يقول إنه ولي منسيّ، وآخرون يقولون إنه قبر رجل «مْجذوب» كان يتسكع عبر الجبال فمات ودُفن هناك، ومنهم من يعتقدون أن في الأمر «شُبهة» وأن القبر مجرد تمويه عن شيء ما، وهذا ما ثبت صدقه في نهاية المطاف... يقول سكان المنطقة إنهم سمعوا من آبائهم أن أشخاصا جاؤوا المكانَ، في عز الليل، وأشعلوا نارا وبدؤوا يضربون بمعاولهم في بطن القبر.. وقبل أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، كانوا قد رحلوا وقد خلَّفوا وراءهم حفرة عميقة، وهي حفرة ظل سكان المنطقة يتداولون بشأنها، إلى أن أجمعوا على أن الأمر يتعلق بكنز مدفون وعلى أن الذين بنوا قبرا في ذلك المكان كان هدفهم فقط حمايته من الفضوليين، إلى أن يجيء وقت الحفر. هكذا «طار» الكنز من المنطقة ورحل نحو مكان بعيد، بعيد جدا... كنز على شكل صاروخ!.. هناك حكاية أخرى، من نفس المنطقة، عن كنز كاد ينفجر، لولا الألطاف الإلهية التي جعلت الفؤوس تتوقف في الهواء، بعد أن اكتشف الحفارون أن هذا «الكنز« لا يشبه غيرَه من الكنوز. بدأت الحكاية عندما شرع بضعة أشخاص في حفر بئر وسط حقل، من أجل استخراج «كنز» حقيقي، أي الماء الذي لا تعتبر الحياة ممكنة بدونه.. بعد حفر حوالي ثلاثة أو أربعة أمتار، بدأت فؤوس الحفارين تصطدم بشيء صلب، شيء يصدر عنه ما يشبه الرنين حين يلتقي الحديد مع الحديد. اهتزت قلوب الحفارين وقالوا إن الأرض وهَبتْهم كنزا من ذهب بدل الماء.. وقبل أن يكملوا عملية الحفر، كان الخبر قد شاع في المنطقة، وبدأ الحفارون يزيحون التراب بعناية من حول صندوق «الكنز» المتخيَّل.. وبين الفينة والأخرى، يضربون بقوة كأنهم يتعجّلون الحصول على «الثروة»، إلى أن اكتشفوا أن شكل الصندوق يشبه كثيرا شكل صاروخ صغير أو قنبلة... هكذا تبخرت أحلام الثروة والغنى، وتبين أن «الكنز» مجرد قنبلة كبيرة منسية من عهد الحماية الإسبانية، خصوصا وأن منطقة أنجرة كانت قد تعرضت لوابل من القصف من طرف الإسبان، بما فيه قصفها بالسلاح الكيماوي!... «كنوز» فوق الأرض.. عدا هذا، لا توجد في طنجة حكايات كثيرة حول استخراج الكنوز. وعند محاولة استقصاء أرشيفات الأمن أو ذاكرة الناس، فإنهم لا يعثرون على أمثلة ثابتة، وكثيرون يرددون كلاما هو مزيج من الجِدّ والهزل حول استخراج الكنوز في طنجة أو في الشمال، عموما. سبح رجل مسنّ عكس التيار وقال إن استخراج الكنوز في طنجة كان منتشرا وما يزال، لأنه عندما خرجت طنجة من عهد الحماية الدولية ودخلت حظيرة الاستقلال، فإن كثيرين جاؤوا من كل مكان من أجل استخراج الكنوز، ولم تكن هذه الكنوز في عمق الأرض، بل كانت فوق سطحها، وبعضها كان في الهواء.. وكلها كنوز اختُطفت في واضحة النهار أو في عز الليل، وتم أخذها إلى أمكنة بعيدة أو صارت جزءا من «ديكورات» قصور الأغنياء وأصحاب النفوذ، ولم يحاسبهم أحد. تساءل هذا الرجل كيف جاء مغاربة من مناطق الرباط والدار البيضاء وفاس ومناطق أخرى إلى طنجة، مباشرة بعد الاستقلال لنهب كنوز طنجة؟ «كنوز» كانت عبارة عن أملاك الأجانب الذين غادروا طنجة، مرغَمين، بعد القضاء على نظامها المالي والاقتصادي المتطور. آخرون نهبوا الكثير من الأراضي التي غاب أصحابها، بينما اشترى آخرون أملاكا وعقاراتٍ كثيرةً ب«ثمن التراب« من أصحابها الذين لم يعودوا يجدون في طنجة ذلك السحر الدولي والعالمي. ليس القادمون من بعيد فقط هم الذين نهبوا «كنوز» طنجة، بل يتداول السكان أسماء أشخاص عديدين نهبوا الكثير من ممتلكات طنجة وثرواتها، ولا أحد ينسى ممتلكات الدُّوقْ الإسباني دوطوفار، الذي كان واحدا من أغنى أغنياء العالم، وعندما شارف على الموت، كتب وصية يهَبُ بموجبها الكثيرَ من أملاكه لسكان طنجة، عبر إقامة مستشفيات ومدارس وجمعيات خيرية. وفي النهاية، استولت «عصابة» من النافذين في المدينة على كل شيء. أسماء أخرى، كثيرة، يتداولها السكان، وهي أسماء معروفة باستيلائها على كل شبر من الأرض في طنجة يغيب صاحبه... لا جنّ ولا تعاويذ.. الذين عايشوا تلك الحقبة من عملية النهب الكبرى لكنوز طنجة، يتساءلون: أين ذهبت ساعات عتيقة وثمينة كانت في الساحات العامة؟ وأين ذهبت الكثير من اللوحات الفنية العالمية التي كانت تُزيِّن مكاتب الإدارات الدولية؟ وأين ذهبت الكثير من التُّحَف النادرة التي كانت في بيوتات ومنازل، عامة وخاصة؟.. وكيف تم تحويل قصور وفيلات من ملكية الدولة أو ملكية الأوقاف إلى «ملكية» أشخاص جاؤوا إلى طنجة خصوصا من أجل نهب ثرواتها، وكأنها غنيمة حرب وليست مدينة مغربية تتمتع، كغيرها، بعهد «الحرية والاستقلال«؟... هكذا يبدو، إذن، الوضع مختلفا في طنجة، لأن أغلب كنوزها المنهوبة موجودة فوق الأرض وليس تحتها، والذين ينهبونها لا يوظفون الجن، بل يوظفون الإنس المرتشين.. ولا «يحفرون» عن الكنوز، بقدر ما يحفرون الحُفَر لكل من يقف في طريقهم ولا يستخدمون التعاويذ الغامضة والطلاسم المبهَمة، بل يستعملون أختاما وأوراقا وتواقيع وإمضاءات رسمية، لكي يحولوا إلى ملكيتهم كل ما يشاؤون.. بهذه الطريقة، إذن، تم نهب الكثير من كنوز طنجة بعد الاستقلال، وعندما انقرضت هذه «الكنوز»، بدأ نهب كنوز أخرى حاليا، وهي بدورها كنوز فوق الأرض وليس تحتها، والدليل على ذلك هذه المقاولات العقارية «المتوحشة»، التي تبني المدن العشوائية فوق كل شبر من طنجة، ومقابل ذلك تجني الملايير. ولو أن هذه المقاولات بقيت مئات السنين تحفر بحثا عن الكنوز الباطنية، لَما وجدت شيئا. هكذا، يبدو واضحا أن كل مدينة أو كل منطقة لها خاصياتها في مجال «الكنوز«...