إن المتتبع لبعض أشكال المجالس المحلية المنتخبة ببلادنا يستطيع أن يتبين بوضوح حقيقة تكشف عن رؤساء صنعوا مواقع قرارهم بشراء الضمائر، وتقديم الهدايا، في مرحلة حساسة من تاريخنا الوطني يكاد الرأي العام فيها يتطلع إلى غد أحسن، ومستقبل أفضل. فهل يستحق هؤلاء أن نضع على صدورهم الأوسمة لقرصنتهم الاحترافية، أم يستحقون المحاكمة ليروي التاريخ قصة اغتيالهم للديمقراطية، وخيانتهم للمبادئ والقوانين. ما أفرزته التجربة من خلال الممارسة الميدانية تؤكد أنهم طائفة من المتسلطين على بعض مجالسنا ممن ليست لهم أخلاق وأنهم زمرة من الوصوليين والانتفاعيين ساروا على القاعدة المتهورة. لكل شيء ثمنه، ولكل وقت رجاله، واستخدموا في سبيل تحقيق أغراضهم أفرادا إذا ما لقوهم قالوا إنا لكم.. (وإذا خلوا إلى شيطانهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون، أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين). ومنذ أن عرفناهم وهم يصطادون في الماء العكر، و موعد لهم، ولا عهد عندهم، وكأنهم من طينة لا نعرفها، أما الإدارة المحلية في نطاق مسؤوليتهم فقد عرفت سوء التسيير والارتجال، والخروقات واستنزاف الأموال العامة في الحفلات، والمآدب، والضيافات والهدايا، والتنقلات مع جميع المبالغات في مجال السمسرات مما يطرح شهادة ناطقة معززة بالحجج الدامغة تكفي لإدانتهم إذ ليس هناك أفظع من تلك الصفات والسلوكات في باب الخيانات فلماذا يا ترى يترك حبلهم على الغارب لا رادع، ولا زاجر، في حين أن الحالة تقتضي في حقهم تطبيق مبدأ من أين لك هذا؟ حتى يوضع الحد الفاصل للقراء غير المشروع باعتبار أن محاربته يعد فاتحة الإصلاح لطي السنوات العجاف، وبتر اليأس، وبث الأمل. لغريب في الأمر، إن كل ما اقترفوه من جنايات لا يلزمهم بالمحاكمة لسبب بسيط يتمثل في أصداف النصوص، فهناك الكبار، وهناك الصغار، والمؤسف يا سادتي أن منطق –حكومتنا الموقرة- يرضى عني الكبار، ويسخط على الصغار. ولكم كان الشاعر العربي صادقا في هذا الإطار عندما قال: ما بين نصوص ولصوص فرق في الأعلى والأدنى لصغارهم الشنق المزري وكبارهم الشرف الأسمى هذا ما يقع بالفعل لصغار المتهورين في مجالسنا بينما يظل الكبار طلقاء ينعمون بالحرية والكرامة والشرف. ويبقى هاجسنا الكبير هو الخوف من أن تذبل الأحلام الوردية، وتتحول إلى كوابيس سوداء، تزعج المواطنين، وتفتح جرحا عميقا في جسد الأمة، وتصبح بذلك المسيرة التنموية المنتظرة في البلاد أمرا صعبا بل دونه النجوم. وبكلمة وجيزة، تلك هي الأنماط السلوكية التي تطغى في فضاء الممارسات المحلية وهي سلوكات قاسية ومفسدة من شأنها أن تجعلنا أمام تجربة دبمقراطية محلية فاشلة تكون الخاتمة فيها كالبداية سيما وإنها باتت تعطي الدليل تلو الدليل على إقبار كل الآمال والطموحات في هوة سحيقة لا قرار لها.. وإنها لمؤشرات تحول الأفق سرابا يخاله الظمآن ماء زلالا وما هو بماء، وإنما مجرد رؤية كاذبة وتلك قمة المأساة.