راقبت بنوع من التشاؤل، تفاؤل مشوب بالتشاؤم، منذ ليلة السبت التحضيرات التي دعا لها "الحزب العالمي الجديد" غير المعلن وأعني به " حزب حركة الفايسبوكيين"، ولأنني لا أتوفر على "حساب فايسبوكي"، رغم أنني من أول المغاربة الذين استخدموا تقنية الإنترنت وفتح بريد إلكتروني سنة 1997؛ فكنت أستعين بأخي وببعض الأصدقاء للاطلاع على آخر الترتيبات. لا أخفي أنني انتابني شعور فيه نوع من الاعتزاز والفخر بما كان يتمتع به ويروج له هؤلاء الشباب أو "الفايسبوكيون الجدد" على وزن المحافظين الجدد ما دمنا نتكلم على نظام عالمي جديد، من روح المسؤولية ودرجة الوعي والتأطير الذي عجزت عليه أكثر الأحزاب السياسية عراقة في المغرب الحديث منذ فجر الاستقلال. فلم يترك هؤلاء الشباب مجالا للخطأ في التنظيم وتأطير الرأي العام الفايسبوكي وغير الفايسبوكي من خلال تداول المعلومات ونشرها لغير المنتسبين للحزب من أمثالي. ولا أخفي أيضا أنه طيلة يوم الأحد ومنذ ساعات الصباح الأولى، هنا مع مراعاة الفارق الزمني، ظل بالي مشدودا إلى هناك حيث الوطن والأهل والأصدقاء والماضي والحاضر والمستقبل. انتابني تخوف من أن تأخذ المظاهرات السلمية طابعا غير سلمي وانفلاتات أمنية من بعض المحسوبين او المندسين إما بفعل فاعل أو بلا وعي وسطحية في فهم أهداف وروح التظاهرة. وجاء الخبر السعيد أن الأمور تمر بمنتهى الوعي والمسؤولية التي تبين للعالم أن الشعب المغربي له من سلاح الوعي وروح المسؤولية وحسن النوايا ما يؤهله لمستوى عال من الديمقراطية والحقوق المدنية. وقد شاهد العالم كيف تلاحمت كل القوى والتوجهات السياسية المغربية في جو مسؤول بكل الساحات العمومية وسط كبريات المدن وصغرياتها إلى المساء. ثم جاء الخبر المحزن والذي أعاد تخوفي وجعله في محله، حيث بدأ بعض المحسوبين وغير المسؤولين والطائشين من الشباب يقومون باعمال شغب تخريبية لمؤسسات وممتلكات عامة وخاصة، فعكروا علينا فرحة الاعتزاز بوعي مغاربة القرن 21 وقدرتهم على الظهور بالمظهر الديمقراطي الراقي والمسؤول. هؤلاء "الرعاع" و"الغوغاء" الذين يظنون انهم بفعلهم المشين ذاك قد حققوا شيئا للوطن وللتظاهرة، أفسدوا على الحكماء والعقلاء ممن أطروا هذه المظاهرات فرحتهم وأرجعونا سنوات إلى الوراء وفتحوا الباب لذوي النفوس المريضة من المتربصين بوحدة شعبنا وترابطه لأطماع مريضة انتظروها طويلا. من منا كمغاربة لا يريد الخير لبلدنا الحبيب؟ نعم نريد التغيير ولكن نريده تغييرا يخدم المصلحة العليا للبلاد وضمان عيش كريم لكل أبناء شعبنا العظيم، حق في السكن اللائق وحق في التعليم الراقي وحق في الرعاية الطبية المجانية وعلى قدر عال من الجودة، وحق في التعبير وفي تسيير الشأن العام وفي تداول السلط وفي تحقيق الذات وأخذ المبادرات والتشجيع المستمر من الدولة لطموحات الشباب والمواطنين. حق في الشغل وألا تظل المناصب تورث لأبناء وأحفاد الوزراء ومن والهم، بل لمن يستحق وله الكفاءة العالية لخدمة الوطن وليس المصلحة الخاصة. كلنا ضد الأرستقراطية والبورجوزاية الفاسية الغاشمة التي تستولي على شريان الحياة في البلاد، وأنا هنا لست ضد أهل فاس العلم الشرفاء المهمشون ولكن تلك المافيا المحسوبة عليهم بالاسم والتي تأكل الأخضر واليابس. ما قام به هؤلاء "الرعاع"، وآسف لاستخدام هذا المصطلح، لأنهم بفعلتهم تلك أعطوا لمن يستولي على خيرات البلاد الفرصة بوصف الشعب بعدم الوعي والغوغائية وتبرير الضغط عليه وقمعه. ثم ماذا جنى هؤلاء من تكسير مقهى أو وكالة بنكية أو إحراق مبنى حكومي او خاص كما حدث في طنجة والحسيمة والعرائش ومراكش...؟ هل بتلك الطريقة البدائية واللاحضارية يمكن لنا المطالبة بحقوقنا والحصول على ما نريد من تظاهرة كهذه؟ لا والله إنهم ضربوا في الصميم مشروع النضج المغربي الكبير الذي سعى إليه الفايسبوكيون الجدد. السؤال الآن بعد ما جرى وبعد التظاهر في 20 فبراير، هل حققت التظاهرة مبتغاها؟ هل من وقع لها على المسؤولين؟ هل لها إيجابيات أم أن سلبيات المتهورين من التخريبيين غطت على إيجابياتها؟ شخصيا ليست لدي أجوبة على هذه الأسئلة لكني أكاد أجزم أن "مظاهرة 20 فبراير" في شقها السلمي والذي ولله الحمد هو الغالب، بلغت الرسالة إلى من يهمه الأمر من أن الشعب المغربي لا يريد تغييرا على الطريقة المصرية وقبلها التونسية، بل على العكس من ذلك يريد إثارة انتباه أعلى سلطة في البلاد إلى أن الحاشية أو البطانة ليست صالحة وبالتالي وجب إجراء أكبر قدر من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية جملة واحدة وتنحية رؤوس الفساد الذين لا يحتاجون لخدمة "غوغل أورث" لاكتشافهم بل إن العادي والبادي يعرفهم. رفع المتظاهرون المسؤولون شعارات راقية وأبانوا عن حبهم لملكهم الشاب وتمسكهم بشرعية نظام الحكم الذي يختلف عن الأنظمة الرئاسية المتهاوية في تونس ومصر والبقية تأتي. نعم كل المغاربة يقولون بصوت واحد إنهم يحبون ملكهم لا خوفا ولكن يقينا بأن شرعية الملكية والنظام في المغرب هي الضامن لوحدة المغاربة على اختلاف توجهاتهم وانتماءاتهم. لا نريد بأي شكل من الأشكال أن يتحول مغاربة القرن 21 إلى مقلدين ومستنسخين لما يجري في المشرق. فالمغاربة لم تؤثر فيهم أبدا التيارات القادمة من الشرق منذ الأزل. وكلنا يعرف من خلال التاريخ أن المد العثماني وصل الجزائر ثم توقف لسمعة ملوك السعديين ومعركة الملوك الثلاثة وكسر عظمة الإمبراطورية البرتغالية القوية آنذاك، والكل يعلم أن نظام الحزب الواحد والمد الناصري الشيوعي توقف بدوره في الجزائر ولم يقو على اختراق جدار الوعي المغربي والفطنة المغربية، ولهذا لن نسمح " للفاسبوكيين الجدد في مصر وتونس" أن يفعلوا بالمغرب ما لم تفعله الناصرية ولا المد العثماني. لذلك كان " فايسبوكيينا الجدد" على قد المسؤولية وأطروا تظاهرة واعية بلغت الرسالة ووحدت الأمة وكشفت أن الغوغاء والدهماء في المغرب قلة ولله الحمد. ونحن الآن نناشد ملكنا الشاب، جلالة محمد السادس، أن يأخذ بعين الاعتبار مطالب الأمس وقبله واليوم وبعده وأن يبادل حب الشعب له وإعلان ذلك في ظروف تتساقط فيها الأنظمة الراشية والمبنية على شرعية الحاشية والبطانة السيئة بدلا من استمداد شرعيتها من الشعوب، باجتثات كل رموز الفساد وكبار المفسدين المتمسكين بخيرات البلاد في حين مازال عدد ضخم من المغاربة لا يجدون المأوى ولقمة العيش الكريم. وهناك أسر بالكامل من 6 و 7 أفراد تقتسم غرفة واحدة مع الجيران! وهناك فقراء ومعاقين وأسوياء في القرى النائية لا يلتفت إليهم أحد بل إن المؤسسات الحكومية التي وجدت من أجلهم تعاملهم معاملة سيئة ولا تعدل في تقديم المعونة بين صغار الفلاحين وكبارهم وتجامل من له نفوذ وسلطة، والنماذج موثقة. هناك معطلون بالجملة أمام البرلمان هناك محسوبية في التوظيف والتشغيل، هناك موظفون اشباح، وهناك سيطرة لعائلات لا داعي لذكرها على معظم الوظائف السامية ومنهم من يجمع ما لا يقل على ثلاث وظائف، والكل يعرف عمن أتحدث، وهناك وهناك، حتى لا يأتي أحدهم يعلق ويقول إن من كسر مقهور ومظلموم، لكني اقول إن من خرب لم ينتبه لدراسته ويركز على تعليمه أولا فهم شباب متهورون ولا يتمتعون بروح المسؤولية. وأخيرا أريد أن أختم بهمسة: أيها الشباب المغربي المبدع أيها الشعب المغربي العظيم لا تجرفوا وراء ما يجري في المشرق شكلا بل استفيدوا من الدرس واجعلوا مطالبكم بشكل راق، ثم إن ما قام به شباب مصر في مجموع 18 يوما من تخريب، قام به بعض الرعاع عندنا في ساعات فهل المصريون أحرص على بلدهم منا؟ أترك لكم الجواب.