إذا كنت في مقالي السابق "شوارع القصر الكبير لا تقبل الضعفاء" قد تطرقت للحالة المزرية لشوارع المدينة و التي أضحت غير صالحة للاستعمال من قبل ضعاف النظر و العجزة و ذوي الاحتياجات الخاصة ، في ظل غياب تدبير حكيم لشؤون المدينة من قبل المجلس البلدي، و خلصت في خاتمة المقال إلى أن نجاح أي مجلس بلدي رهين بمدى قدرته على تقديم الخدمات الضرورية للساكنة و توفير ظروف العيش الكريم ، و اليوم أحاول أن أتطرق لمسألة هامة و مؤشر هام من مؤشرات نجاح أي مجلس بلدي ، ألا و هو مؤشر الأمن...و هنا أقصد الأمن بشموليته ، أقصد الأمن المعيشي و الأمن الأسري و الأمن الصحي...، ثم بعده الأمن من جهة سلامة الأبدان و الأرواح و الممتلكات. ففي ظل الظروف المعيشية المزرية ، حيث تعيش معظم ساكنة القصر الكبير تحت عتبات الفقر و الحاجة ، تبرز الكثير من الظواهر التي تهدد النسيج الأسري و المجتمعي للمدينة ، فمدينة القصر الكبير يرتكز اقتصادها على الفلاحة و التجارة ، مع العلم أن هذه الأخيرة أخذت منحى تنازلي خطير منذ إحداث طريق السيار و الذي كرس تهميش المدينة و إبعادها عن مدار التنمية الوطنية ، و انحصرت التجارة بالمدينة في البضائع المهربة عن طريق بوابة سبتة و التي بدورها رهينة مد و جزر الجمارك ، ليظل مصير البسطاء من السكان رهين بذاك التنازل المستمر في المؤشر الاقتصادي للمدينة ، و ليست الفلاحة بأفضل حال من التجارة حيث تعاني القرى المجاورة للمدينة تهميشا و ظروف معيشية خطيرة و زحف جشع المقاولين على أراضيها ، مما دفع بسكانها إلى الهجرة نحو المدينة ، الأمر الذي خلق إختلالا واضحا في البنية المجتمعية لمدينة القصر الكبير . قد تبدو الصورة قاتمة من خلال السطور السابقة ، لكن الواقع المعاش أكثر سودوية و أكثر تعقيدا ، و لن تستطيع بضع كلمات أن تصف حالة الفقر و التهميش التي ترزح تحته المدينة ، فالحالة العامة للمدينة جعلتها بيئة خصبة للانتشار المخدرات بكل أنواعها ، حيث تحولت المدينة لنقطة تبادل و رواج مهمة لكل أنواع المخدرات ، و ما خبر الطائرات التي تحط قرب المدينة من أجل نقل المخدرات إلى أوربا و مقتل أجنبي برصاص مجهولين ، إلا تأكيد صريح على الموقع " الهام" الذي باتت تحتله المدينة في مجال المخدرات بكل أصنافها ، و الخطير في الأمر أن تلك المخدرات أصبحت تعزو المؤسسات التعليمية و تحصد في كل يوم ضحايا جدد من فئة التلاميذ ذكورا و إناثا، كما أن انتشار المخدرات ساهم في إنتشار الجريمة بكل أشكالها ، فالأيام القليلة الماضية شهدت اقتحام ثلاثة منازل بحي السلام من قبل عصابات إجرامية و سرقة محتوياتها، و ارتفعت أخبار السرقة و اعتراض سبيل المارة و التهديد بالسلاح الأبيض ، فأضفت بذلك إلى قائمة هموم المواطن البسيط هما جديدا هو كيفية الحفاظ على سلامته و سلامة عائلته . و بالتالي يبقى السؤال مطروحا من المسؤول ؟؟؟ ...و بكل تأكيد أن الجميع مسؤول ، بداية بأجهزة الأمن التي لا تتعامل مع المسألة بالجدية المطلوبة ، حيث و مع معرفتها المسبقة بأهم المروجين لأنواع المخدرات لا تستطيع إيقافهم ، و ذلك يثير الشك و الريبة و يعطي للأمر أكثر من تفسير ، فعلى سبيل المثال حي السلام أو منطقة المرينة أصبحت محجا لكل المدمنين بالمدينة لوجود أهم مروج مخدرات بها و بكل أصنافها...هذا الأمر جعل سكان حي السلام يعيشون حالة خوف و ذعر و فقدان الأمن في بيوتهم ، فمتى تتحرك أجهزة الأمن؟؟ المسؤولية كذلك ملقاة على عاتق جمعيات و هيئات المجتمع المدني الذي عددها يضاهي عدد الجمعيات بالمدن الكبرى ، لكن في الواقع هي مجرد أسماء وهمية و أغلبها تم إحدثها لأغراض انتخابية و انتهازية لقضاء مصالح شخصية ضيقة ، أما تلك الجمعيات القليلة العاملة في الساحة فيظل عملها لا يتجاوز الحملات التوعوية الموسمية ، و التي في الغالب تفتقد الأليات الناجعة من أجل دور فعال في مجال محاربة المخدرات و خلق البدائل أمام الشباب القصري و إعطاء الحلول التي تعالج الدوافع و الأسباب المؤدية للإدمان...و أن لا يبقى عملها أو حملاتها مجرد استعراض موسيمي لا يمس جوهر القضية و لبها، بقدر ما يخدم مصلحة الحزب أو الجماعة التي تتبعها تلك الجمعية. ثم المسؤولية الكبرى على عاتق المجلس البلدي الذى بيده معالجة الأسباب و الدوافع و هي في الغالب منحصرة في الفقر و البطالة و غياب الفضاءات التربوية الكفيلة بتسخير طاقات و مؤهلات الشباب القصري في ما يعود بالنفع على المدينة .