للاسف أن بعض الشباب القصري لا يحب أن يسأل هذا السؤال،لأنه سيجد نفسه في موقف محرج تحمر خلالها خذوذه و ينعقد لسانه و يضطر للكذب فلا يستطيع أن يقول أنه من مدينة القصر الكبير ، و في أحسن الأحوال يربط انتمائه للمدينة ب"لكن" التي تعيده لأصوله القبلية و تخلصه من "عار" الانتماء للمدينة. كنت قبل أيام بمدينة الرباط و في طريق العودة إلتقيت بشاب يشغل وظيفة سامية باحدى الوزارات ، تجاذبنا أطراف الحديث و ناقشنا مواضع كثيرة ، و في لحظة قفز بشكل عفوي من لساني السؤال: من أي مدينة أنت؟؟ تورد خذ الرجل و بدأت قطرات العرق تتسلل من جبهته ، و أجاب بعد نوبة التمتمة التي أصابته :" أنا...أنا من العرائش" لم يسألني بعدها عن مدينتي و لم ينطق بأي كلمة و فضل الصمت...انتهزت تلك الفرصة و بدأت أنبش ذاكرتي حتى عرفت بالضبط من يكون...هو شاب ولد و نشأ بمدينة القصر الكبير، لكن هو يتملص من تلافيف الانتماء القصري...لماذا؟؟؟ لم تكن المرة الأولى التي أصادف فيها أناس يتملصون من هويتهم القصرية ، الرجل لم يذهب بعيد و ادعى أنه ينتمي للعرائش ، فهناك من تجده يتكلف في كلامه ليتقن إحد اللهجات المغربية و يدعي أنه ينتمي لمدينة أبعد من العرائش كطنجة أو الرباط أو أكادير... ألهذه الدرجة أصبحت جروحنا عميقة و مؤلمة حتى أصبحنا نتملص من مدينة احتضنت طفولتنا و أجمل أيام شبابنا؟؟ الواقع اليومي للاسف يصدمنا في كل لحظة بكلمات و مشاهدات تستبطن رفضا و نكران للمدينة ، شباب يتنكرون بكل بساطة للذكريات التي تجمعهم بالمدينة ، كان عليهم في المقابل أن يستذكروا الوجه الجميل منها و يجعلوه وقودا لحبها و خدمتها و نسيان المظلم و القاسي من تلك الذكريات و طرده. الانتماء تفاعل مع الزمان و المكان ، و طموح نحو المستقبل ، التفاعل علاقة بها روح تنمي الحي و تدفن الميت ، تستذكر الجميل و تنسى القبيح ، يجب أن تكون لدينا مقابر كما يقترح ذلك المفكر الجزائري الراحل "مالك بن نبي" من خلال مصطلح "مقبرة الأفكار" ، قد يكون البعض جعل المدينة على الهامش و أغرقها في أزمات متتالية و جعلها تبدوا في بعض الأحيان كحفرة البؤساء ، تفتقد لأبسط مقومات الحواضر ، و قد تكون أضواء المدن الكبرى أخاذة لدرجة تجعلك تتمنى الانتماء لها ،كل ذلك و غيره لا يجب أن يجعلنا ندير الظهر للمدينتنا. قد نلتقي شخصا يحاول التملص من المدينة ، لكننا في المقابل نجد أشخاصا يفكرون و يتحركون و يعتزون بالانتماء لها. فلا تخشى الجواب على السؤال و قل أنا من مدينة القصر الكبير.