عندما تتحدث إلى العشرات من الشباب في القصر الكبير، يصارحونك بأنهم يموتون ببطء لأن فرص الشغل غير متوفرة، وأنه ''رغم قلة المصانع في المنطقة، فإن أصحابها أصبحوا يفضلون العمال الوافدين من بلديات أخرى''. فالفراغ حول حياتهم إلى ما يشبه الجحيم في ظل حرمانهم أيضا من المرافق الرياضية والترفيهية والثقافية. ما يشد انتباهك ببلدية القصر الكبير الواقعة على بعد 35 كيلومترا لإقليم العرائش، هو خزان الشباب. وحيثما وليت وجهك لن ترى إلا هذه الشريحة في الساحات العمومية، في الشوارع، في المقاهي... حتى أن شابا اقترح علينا عدم مغادرة المنطقة إلى أن يحل المساء، لنقف على الواقع الحقيقي لهذه الشريحة بهذه البلدية. تفاصيل هذا الواقع، اختصرها عدد من الشباب ممن وجدناهم متحلقين بالقرب من مقر البلدية في حرمانهم من الشغل وضيق أفق المستقبل. فالحياة اليومية لديهم منمطة جدا نتيجة الروتين والملل والاستسلام للفراغ. وبينما أنت منهمك في الحديث إليهم، تلتف حولك مجموعات أخرى لتقول لك إنها لم تستسغ بعد حالة الضياع التي تعيشها، والقصر الكبير تفتقر لمصانع ومشاريع. ما عدا مصنع للأحذية. وبالنسبة لهؤلاء فإن السلطات المحلية لا تنظر بعين الجد لمشاكلهم، بالنظر إلى أن بعضهم أودعوا ملفات طلب الشغل لدى البلدية منذ سنوات، ومع ذلك فإن المسؤولين يواصلون الصمت إلى حين، ولا شيء في الأفق يؤشر على أن التكفل بانشغالاتهم سيكون في الغد أو بعده. ولكن مقابل ذلك، تلمس حالة غضب واستياء راحت تكبر في نفسية هؤلاء ناجمة عن احتضان المصنع الوحيد بالمدينة لبعض الشباب الوافد من مدن أخرى دون أبناء القصر الكبير. وعموما، فإن حالة الفراغ التي يعيشها المئات بل الآلاف من الشباب جعلت منهم هدفا للقيل والقال ومحل ارتياب وتحرش رجال الأمن هناك، خاصة وأن البعض فضل مصارحتنا على أن نسبة هائلة من هذه الشريحة أصبحت مستهلكة للمخدرات والكحول. وفي الواقع، إن انشغالات الشباب لا تتوقف عند هذا الحد، إذ يثير أغلبهم مسألة ضيق الأفق والفضاء في القصر الكبير نتيجة غياب المرافق الثقافية والرياضية والترفيهية. فمرفق المركز الثقافي بالنسبة إليهم هو هيكل بدون روح، اما فيما يتعلق بالمسبح البلدي فإن مسؤولي البلدية يتعاملون معه كما لو أنه ملك خاص لهم ''بالنظر إلى أنه مباشرة بعد احتضانه لحفل من الحفلات يتم غلقه''.