و أنا أقرأ مقالا جميلا للأستاذ عبد الصمد الحراق حول موضوع البنية الديموغرافية لمدينة القصر الكبير والذي تناول فيه بمقاربة تاريخية التركيبة السكانية للمدينة التي امتزج فيها الجبلي بالأندلسي و اليهودي و المسيحي، حيث عاشا معا في انسجام و تناغم ردحا طويلا من الزمن حتى استوقفني تعليق شاذ كتبه أحدهم بلهجة دارجة رديئة قائلا "قصراوة فيهوم غير جبالة و العروبية ماكاينا لا نصارى و لا ليهود ". في حقيقة الأمر إن هذا التعليق يعكس جهلا كبيرا لتاريخ المدينة أو ربما" شيئا" من العنصرية اتجاه الآخر، و هذا ذكرني بما حكي إلي من طرف أفراد العائلة عن بعض "المسلمين" الذين كانوا يعاملون جيرانهم الغير المسلمين أيام الحماية و خاصة اليهود منهم بنوع من الاحتقار و الازدراء خاصة بعد النكبة الأولى لسنة 1948 ، حيث كانوا يستعملون عبارة نابية في حقهم مثل " اليهودي حشاك" أو " أجي اليهودي" أو "خواف بحال شي يهودي" و يعنفون البعض منهم و يقاطعونهم، و يرمون منازلهم بالقاذورات بدون وجه حق، وهو ما عجل الكثير منهم بالرحيل من المدينة نحو مدن كبرى أو شجعهم على التصهين و الذهاب إلى ما يسمى "أرض الميعاد". كما أن مقابر اليهود و المسيحيين لم تسلم أيضا من النهب و التخريب، مع العلم أن هذا يتنافى بشكل قاطع مع تعاليم ديننا الحنيف التي تنهى عن تدنيس المقابر أيا كان أصحابها سواء كانوا من المسلمين أو من أصحاب الديانات الأخرى، فللميت حرمة لا تنتهك . و هنا أستحضر ذكرى الطبيب القصري الاسباني الرائع Harnet الذي يعرفوه القصريون الأقحاح، حيث كان يمتلك عيادة في ساحة سيدي بو حمد مقابل الجهة الشرقية للضريح و كان أيضا جارا لنا . كان يعرف ب"طبيب الفقراء" حيث كانوا يحجون إلى عيادته صباح مساء من المدينة و البوادي المجاورة ، فيعالجهم بمقابل أو بدون في زمن كان الأطباء يعدون على رؤوس الأصابع. و قبل وفاته سنة 1977 كان قد أوصى أن يدفن في مدينته التي أحبها داخل المقبرة المسيحية قرب ضريح سيدي بلعباس الذي يحج إليه اليهود كل سنة . غير أنه و في اليوم التالي لدفنه قام بعض المنحرفين العنصريين بإخراجه من قبره و شنق جثته في شجرة و هو عاريا كما ولدته أمه بعدما تمت سرقة ملابسه التي دفن بها، و كأن هذا جزاء إحسانه و حبه لمدنية القصر الكبير. و قد لقي ذلك الحادث استنكار و شجب سكان المدينة لهذه الفعل الإجرامي الذي يندى له الجبين. و حسب ما روت لي سيدة من أقاربه المقيمة حاليا في مدينة أشبيلية و هي بالمناسبة قصرية أسبانية ، أن أبنائه بعدما سمعوا هذا الخبر صدموا و أصيب بعضهم بحالة انهيار من جراء هذه الجريمة البشعة التي تذكرنا بأفلام الرعب، و قرروا نقل جثة أبيهم وإعادة دفنها بأحد مقابر المسيحية بمدينة الجزيرة الخضراء Algeciras و هل ننسى أيضا الطبيب الطيب البشوش Don Luis الذي كان يملك عيادة مجاورة للفقيد Harnet، حيث كان يتميز أيضا بخصال حميدة جعلته منه أيضا طبيب الفقراء بامتياز. و بعدما أصيب بمرض السرطان في أواسط الثمانينيات رجع إلى أسبانيا قصد العلاج غير أن المنية وافته هناك. و كان جزائه أن أصبح مدخل عيادته مملوءا بالأزبال و القاذورات و مرحاضا شعبيا "يرويه" السكارى و المعتوهون، "كعربون محبة " للأعمال الجليلة لهذا الطبيب. هذا باختصار شديد استحضار لبعض المسيحيين القصريين الذين عاشوا و شاعوا في مدينتهم، و أهينوا بعد وفاتهم من طرف البعض المنحرفين الذين لا يمثلون المدينة . أما بنسبة لليهود القصريين فربما أحتاج إلى كتاب لحصر البعض منهم على الأقل . فمن منا لا يتذكر اليهودي القصري Flalou، صاحب ورشة إصلاح الدرجات الهوائية قرب غرسة بنجلون و الذي تتلمذ على يده الكثير، و زوجته Alegria، و اليهودية الجميلة Fortuna ، صاحبة كشك لبيع السجائر بحي الديوان و عائلة Abitbol و عائلة Crespine ووووو. أخيرا أقول لصاحبة التعليق إذا كان إنكارك لليهود و المسيحيين القصرين عن جهل فتلك مصيبة، و إذا كان ذلك عن عنصرية فالمصيبة أكبر. هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته * العاصمة ملابو، غينيا الاستوائية.