من له الحق في الانتساب لسيدي يحيى بن يونس؟ يهود وجدة أم مسلموها؟ اعتبر كتاب” طقوس الأضرحة والأولياء اليهود بالمغرب”، لمؤلفه اليهودي” بن عمي” أن الولي سيدي يحيى بن يونس من بين 36 وليا الذين يتصارعهم اليهود والمسلمون، وقد أشار المؤلف إلى وجود 126 وليا يشترك المسلمون واليهود في زيارتهم وقد قسم هذه اللائحة إلى ثلاثة أنواع، أولياء يهود يزورهم المسلمون من بينهم سيدي ابراهيم، وأولياء مسلمون يزورهم اليهود ومن بينهم سيدي رحال وأولياء يتصارعهم اليهود والمسلمون ومن بينهم سيدي يجيى بن يونس، وقد أشار الكاتب إلى مجموعة من العادات اليهودية والمغربية المشتركة في الإحتفالات والولائم بمناسبة إحياء المناسبات الخاصة. و يستشهد العديد من سكان واحة سيدي يحيى على هذه العلاقة بين الضريح واليهود بالزيارات المتتالية لبعض اليهود المغاربة إلى هذا الضريح أثناء زياراتهم إلى مدينة وجدة، بل منهم من يذهب إلى أن الإصلاحات التي عرفها الضريح سابقا أو التي سيعرفها لاحقا كان وراءها يهود مغاربة، ولا يمكن مقاربة هذه الظاهرة إلا بالبحث في الوجود اليهودي بمدينة وجدة فالكثير من الآثار تؤرخ إلى وجود يهودي قوي في الماضي. ففي شارع طارق بن زياد بوسط المدينة، مباشرة خلف شارع محمد الخامس، توجد بيعة يهودية قديمة على وشك الانهيار الكامل، بعد أن انهار سقفها تماما وأصبحت معرضة للسقوط التام في أي وقت. ويبدو من جدران البيعة المتآكلة، أنها بنيت في بداية القرن الماضي، بينما توجد فوق بابها، أو ما تبقى من علامات الباب، نجمتان سداسيتان، واحدة مشكلة بالحديد، وأخرى منقوشة على الجدار. ولا تثير هذه البناية القديمة، أي اهتمام خاص بين السكان باستثناء دعوتهم إلى ضرورة الانتباه إليها، قبل أن تسقط على المارة في يوم ما، في شارع يعرف عادة حركة مرور دائبة. وفي مقهى المولودية المجاور للبيعة القديمة يثير انتباه الزبناء الدائمين الاهتمام المتزايد لبعض المصورين الذين يلتقطون صورا للبيعة ثم يذهبون. وقال رجل متقدم في العمر إنه جاء قبل مدة قصيرة حوالي خمسة عشر شخصا من رجال ونساء، والتقطوا صورا للبيعة القديمة، وقالوا إنهم يهود ولدوا في وجدة ويعيشون الآن في إسرائيل أو فرنسا. وفي نهاية الشارع نفسه، ما زال أحد الفنادق يحمل اسم «فندق سيمون»، يخرج منه سكارى إلى الشارع بعد منتصف كل ليل، غير أنه لم يعد في ملكية اليهود الذين باعوا كل شيء وغادروا. ويتذكر السكان بصعوبة، أسماء يهود سبق لهم العيش في المدينة، حيث يشيرون إلى بعض بائعي الحلي والذهب، أو طبيب كان يعيش قرب سينما الملكي، أو آخرين كانوا يعيشون في بلدة دبدو، القريبة من وجدة. وطبيب يهودي آخر يدعى دافيد بنحاييم، وكان شهيرا في المنطقة في جبر الكسور، وكان يملك ضيعة في المنطقة باعها سنة 1970 ثم هاجر إلى مكان ما، ويتذكر عدد من كبار السن في وجدة، أن اليهود لم يكونوا يعيشون في مناطق خاصة، مثل تلك الحارات التي عرفت باسم الملاح في عدد من مدن الأخرى، بل عاشوا متفرقين في كل مناطق المدينة، جنبا على جنب مع السكان المسلمين والمسيحيين وتلك في اعتقاد الباحثين ميزة خاصة لمدينة وجدة وسكانها. ويجمع السكان، بمن فيهم يهود، على أن الكثير من أفراد الطائفة اليهودية في المدينة، كانوا يختصون أحيانا في أعمال وضيعة مثل «تمليح» رؤوس البشر وتعليقها فوق أسوار المدينة، حتى تكون عبرة للصوص أو المتمردين أو المعارضين السياسيين لنظام الحكم وقتذاك. وكانت الهجومات التي تتعرض لها وجدة، عادة ما تخلف العشرات من الرؤوس المقطوعة التي تعلق على أسوار المدينة القديمة، وخصوصا فوق باب «سيدي بن عبد الوهاب» من الجهة الجنوبية للمدينة. وكان اليهود يأخذون تعويضا ماديا مقابل رش الرؤوس المقطوعة بالملح، حتى لا تتعفن، ووضعها فوق الأسوار. و تشير مدام بنعبيدة، وهي يهودية مغربية، تشرف على العقد الثامن من عمرها، إن ذلك كان يحدث منذ وقت طويل. وكانت قطع الحديد التي تعلق فوقها رؤوس البشر المملحة، موجودة فوق باب سيدي عبد الوهاب إلى وقت قريب، غير أنها اختفت أو كادت. ولم تكن تلك الرؤوس تتعلق برؤوس مجرمين أو لصوص فقط، بل أيضا رؤوس معارضين سياسيين أو ثوار، عادة ما تلصق بهم تهمة اللصوصية، وتعلق رؤوسهم على الأسوار لتكون عبرة لباقي المعارضين. وأوضح مصطفى نشاط، أستاذ التاريخ بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بوجدة، ل«الشرق الأوسط» أثناء إجراء تحقيق حول “عمير بيريتس” بمناسبة صعوده إلى رآسة حزب العمل الإسرائيلي، أن عددا أكبر من اليهود كانوا يعيشون في دبدو، وأن عددا منهم كانوا من الذين تم طردهم من الأندلس في القرن الرابع عشر. ويضيف نشاط أن دبدو التي تبعد عن مدينة وجدة بحوالي 140 كلما جنوب غربي وجدة، كانت في الأصل مدينة ذات أغلبية يهودية، وأن منطقة تيك شبيلة، هي في الأصل عبارة، أصلها «طريق إشبيلية»، والتي حرف نطقها مع مرور الزمن، وأصبحت أغنية شعبية متداولة على نطاق كبير في مختلف مناطق المغرب، خصوصا في المدن التي عرفت وجودا يهوديا قويا، وهي في الأصل أغنية شعبية يهودية، تبدأ بعبارة «تيك شبيلة تيو ليو لا. ما قتلوني ما حياوني…». من جهته يشير الكاتب الوجدي محمد العرجوني بذات المناسبة، إلى أن الوجود اليهودي في المدينة، يتمثل أيضا في «التنافس» بين المسلمين واليهود، في إضفاء قبر «سيدي يحيي بنيونس» بضواحي المدينة، حيث يزعم اليهود أيضا أنه من نسلهم، فيما يستنكر المسلمون ذلك ويقولون إنه مسلم. ويوجد قبر سيدي يحيى بن يونس في واحة من أشجار النخيل في سفح «جبل حمرا»، تدعى واحة سيدي معافة، حيث يقام حوله موسم زيارة شهر في سبتمبر من كل عام، يجمع كل قبائل المنطقة. ويشير العرجوني إلى ما حدث خلال الأحداث الشهيرة في المنطقة في أواخر الأربعينات من القرن الماضي، التي عرفت باسم «زازة اليهود»، وهي أحداث قتل فيها عدد منهم في صدامات مع السكان المسلمين، أججتها أياد خفية من أجل دفع يهود المنطقة للهجرة إلى إسرائيل. ويقول العرجوني، إن تلك الأحداث ما زالت ذكراها حاضرة إلى الآن، حيث لعبت دورا كبيرا في رحيل يهود المنطقة، من غير أن يستبعد وجود أياد للموساد فيها من أجل دفع يهود المنطقة للرحيل، في وقت كانت إسرائيل في أوج حماسها من أجل استقبال كل يهود العالم بعد إنشاء إسرائيل. ومن المحتمل جدا أن تكون هجرة أسرة رئيس حزب العمل الإسرائيلي الحالي، هاجرت من منطقة وجدة مباشرة بعد أحداث «زازة اليهود». وتذكر المصادر التاريخية، أن عددا كبيرا من الأسر اليهودية، كانت تسكن وجدة من بينها أسر بن سادون وبن عيشو وبن سوسان وبواعزيز وشقرون وكوهن ودحان ودراي والباز والغوزي والقايم والقوبي وإمسالم وقارسنتي وطبول وتواتي والصبان وسوسان وعمياش وأسولين وبن وليد وأزويلوس وأزنقوط وبن حاييم وبن حمو وبن غيغي وبن عبيدة وبن عروس وبن شتريت. غير أنه لم يبق اليوم أحد من هذه الأسر اليهودية، باستثناء أفراد قليلين جدا معدودين على رؤوس الأصابع، غابوا تماما في زحمة النمو السكاني الكبير للمدينة، ومعها الجهة الشرقية التي أصبح سكانها اليوم يقاربون المليوني نسمة. إن اليهود والمسلمين يلتقون في نقاط مشتركة أمام ظاهرة زيارة الأولياء والصديقين حسب التعبير اليهودي، مع احتفاظ كل من الظاهرتين بخصوصيتها، خصوصا فيما يتعلق بشخصية الولي أو الصديق، ويمكن إرجاع هذا التقارب بين المجتمعين اليهودي والإسلامي فيما يخص هذه الظاهرة إلى التعايش الذي يزيد عن ألفي سنة من الزمن، امتزجت فيها الثقافتان على أرض المغرب فأنتجت عادات وتفاليد مشتركة دون أن تتنازل إحداهما عن حقها في رسم طريقها المميز لها في مجمل المجالات، كما أنتجت صراعا على أضرحة بعينها من بينها ضريح سيدي يحيى بن يونس.