كشف رئيس نادي قضاة المغرب، عبد اللطيف الشنتوف، أن جائحة فيروس كورونا التي تضرب العالم منذ أشهر سيكون لها تأثير على تراكم وتأخر القضايا بالمحاكم، لافتا إلى كون القضاة على أتم الاستعداد لبذل الجهد للتغلب على ما فات بتأطير من مؤسساتهم القضائية المركزية ومسؤولي المحاكم. وشدد الشنتوف، في حواره مع جريدة هسبريس الإلكترونية، على أن هذه الأزمة الصحية ممثلة في وباء كورونا أبانت عن كون الحديث عن المحكمة الرقمية مازال بعيد المنال؛ ذلك أن محاكمنا بحسبه “لو كانت رقمية وفق ما هو عليه الحال في الكثير من الدول لما توقفنا عن العمل بهذه النسبة الكبيرة”. كيف تقيمون عمل المحاكم في هذه الفترة الحرجة المتمثّلة في جائحة كورونا؟. المحاكم المغربية بحكم كونها مرفقا عموميا مفتوحا يرتاده الجمهور بكثرة لقضاء مصالحه فإنه منذ تاريخ 16-03-2020، وحتى قبل صدور قرار فرض الطوارئ الصحية يوم 20 مارس 2020، تم اتخاذ قرار توقيف جل الجلسات بها، بمقتضى بلاغ مشترك للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ووزارة العدل ورئاسة النيابة العامة؛ وذلك في إطار إجراءات الوقاية التي اتخذتها السلطات العمومية في هذا المجال، وبالتالي بقيت تشتغل فقط القضايا التي تهم المعتقلين والقضايا الاستعجالية وقضايا التحقيق والنيابة العامة كذلك. وفي هذا الشق فإن الزميلات والزملاء القضاة ومسؤولي المحاكم يقومون بواجباتهم ويقومون بتضحيات كبيرة، لاسيما في ما تعلق بتطبيق قانون الطوارئ الصحية، إذ إن الأرقام الصادرة عن رئاسة النيابة العامة تعد مرتفعة جدا، ولو أن عملهم هذا غير مسلط عليه الضوء إعلاميا كثيرا كما باقي بعض القطاعات الأخرى.. ولكن أؤكد أن هناك عملا كبيرا يتم القيام به في هذا الإطار. ألا ترون أن تعليق الجلسات سيجعل الملفات تتراكم وتتأخر بشكل كبير ما سيضرب النجاعة والسرعة في الأحكام؟. نعم، مما لا شك فيه، لأننا دخلنا الآن في شهر ونصف من التوقف ولا ندري إلى متى سيستمر، لكونه مرتبط بالحالة الوبائية ببلادنا ووجوب اتخاذ الاحتياطات للحد من انتقال العدوى، وبالتالي فهذا التوقف الاضطراري الاستثنائي الذي لم تعرف المحاكم وباقي القطاعات مثيلا له سيكون له تأثير على تراكم وتأخر القضايا بالمحاكم. ولكن الأمر مرتبط بظروف قاهرة خارجة عن إرادة الجميع وليست مسؤولية أحد، والمعول عليه هو انتهاء الجائحة وعودة الأمور إلى طبيعتها حتى يتم تدارك ما فات. بالنسبة للمحاكمات عن بعد، في نظركم، ألم يكن حريا اتخاذ هذا الإجراء منذ زمن قبل كورونا؟. نعم، الظروف الوبائية فاجأت الجميع، وكانت فوق قوة الجميع، ولم يكن أحد على استعداد لها، ولكن كان يمكن أن يكون أثرها أقل حدة – وأتحدث هنا عن المحاكم- لو كنا طبقنا على الأقل البرامج المسطرة والتوصيات التي صدرت من هيئات رسمية بالسرعة اللازمة، وأقصد هنا إحدى توصيات لجنة الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة التي عينها جلالة الملك سنة 2012 وأنهت أشغالها صيف سنة 2013، وفيها تمت الدعوة إلى تحديث المحاكم واستعمال التقنية الإلكترونية في عملية التقاضي. وأعتقد أنه من سنة 2013 إلى سنة 2020 كان يمكن فعل الكثير في هذا الإطار، ما كان سيمكن محاكمنا من أن تبقى مشتغلة بنسبة كبيرة جدا في عدة قضايا مدنية وتجارية وليس فقط في المحاكمات الجنائية عن بعد، ولن تضطر إلى التوقف، مع استثناءات قليلة، كما هو عليه الحال. اليوم ستكون هناك ملفات متراكمة بعد نهاية الجائحة..كيف يمكن تجاوز هذا الوضع؟. بعد نهاية الجائحة التي نأمل أن تكون قريبا وعودة الأمور إلى طبيعتها، الأمر موكول إلى ضرورة تعاون جميع المتدخلين للقضاء على الأشغال المتراكمة والتأخر الحاصل. وأقول جميع المتدخلين لأن العمل القضائي لا تنجزه جهة واحدة بل عدة متدخلين، وبالتالي ففي غياب تعاون الجميع لن ننجح حتى ولو أراد طرف واحد القيام بجهد كبير. وأعتقد أن الجميع واع بذلك، لاسيما الزميلات والزملاء القضاة بحكم احتكاكي بهم كثيرا، فهم على أتم الاستعداد لبذل الجهد للتغلب على ما فات بتأطير من مؤسساتهم القضائية المركزية ومسؤولي المحاكم. بالنسبة لكم كقضاة، ولقطاع العدالة، ما هي العبر المستخلصة من هذه الجائحة؟. العبرة الوحيدة التي علينا استخلاصها من هذه الجائحة هي ضرورة تغيير أساليب اشتغالنا وطرق تفكيرنا، فعالم ما بعد الجائحة سيكون مختلفا تماما عما قبله كما أكد ذلك صناع القرار في العالم. وبالتالي يتعين علينا الاستعداد لذلك بتغيير نمط عملنا وإدارتنا التقليدية وطريقة تفكيرنا ونظرتنا للأمور؛ وهي دعوة كذلك إلى ضخ دماء جديدة في المؤسسات القضائية والمحاكم وإعطاء الفرصة للكفاءات الشابة وغيرها – وفق ما دعا إلى ذلك جلالة الملك في خطاب العرش الأخير- والتي تتقن التعاطي مع التقنية وطريقة تفكيرها عصرية وتتقن لغة التواصل مع المرتفقين، والمحيط المهني الفاعل والعنصر البشري اللازم للاشتغال، والإعلام بالاعتماد على معطيات واقعية مقنعة للرأي العام لكون هذا الأخير أصبح لديه عدة مصادر بين يديه، وبالتالي كل معطى غير سليم يتم تزويده به سيفقد الثقة بينه وبين المؤسسة المعنية به. والجائحة أثبتت أن الكفاءات التقليدية (الإدارية والقانونية) وحدها غير كافية بدليل توقف العمل بجل القطاعات؛ فالمطلوب الآن الكفاءة المهنية والتقنية والتواصلية. ألا ترون أن الأزمة الحالية أبانت عن عدم وجود محكمة رقمية على اعتبار أنكم توقفتم عن العمل؟. نعم، بالفعل لو كانت محاكمنا رقمية وفق ما هو عليه الحال في الكثير من الدول لما توقفنا عن العمل بهذه النسبة الكبيرة، بل العكس سيكون هو الحاصل؛ فربما كنا سنتوقف في قليل من القضايا والباقي سيستمر في العمل بشكل رقمي. والمقصود بالمحكمة الرقمية بطبيعة الحال هو الاستغناء عن الورق بشكل كلي وليس تقديم بعض الخدمات الإلكترونية. في ظل هذه الأزمة، تم القيام بمحاكمات عن بعد، ما مدى نجاح هذه التجربة وكيف تقيمون الشروع فيها؟. أذكر أولا أن المحاكمة عن بعد وفق ما تم في الأسبوع الأخير هي فقط اجتهاد استثنائي من المؤسسات القضائية المركزية (المجلس الأعلى للسلطة القضائية ووزارة العدل ورئاسة النيابة العامة وبتنسيق مع مندوبية السجون)، لتجاوز مشكل دخول العدوى إلى بعض السجون المغربية؛ وبالتالي كان من الضروري توقيف تنقل السجناء من السجن وإلى المحاكم بالنظر لتعرض حياتهم وحياة مخالطيهم للخطر – وهو الأمر الذي سبق للمكتب التنفيذي لنادي قضاة المغرب أن نبه إليه في بيان له بتاريخ 24-03-2020، أي قبل أكثر من شهر من إصابة بعض السجناء – وهذا الاجتهاد ثارت بشأنه عدة نقاشات قانونية وحقوقية، ولكن كان لا بد من إيجاد حل لوضع فرض نفسه رغم عدم وجود نص. وتقييم الأمر من الناحية التقنية أولا، ثم ثانيا هل تم في هذه المحاكمات عن بعد احترام جميع مبادئ الحاكمة العادلة- وهذا هو المهم – يحتاج لرصد غير متوفر حاليا، وخاصة في هذه الظروف. بالنسبة لمسودة مشروع قانون يتعلق باستعمال الوسائط الإلكترونية في الإجراءات القضائية، ما تعليقكم على مضامينه؟. توصلنا كجمعية مهنية بمراسلة وزارة العدل لإعطاء رأينا في هذا القانون بشكل مستعجل، والزملاء يشتغلون عليه وسوف نقوم بتقديم مذكرتنا قريبا ونشرها للعموم كما جرت عادة نادي قضاة المغرب. وطبعا نحن مع مبدأ تحديث المحاكم وإدخال التقنية إليها ولكن عن طريق إطار قانوني بمقاربة تشاركية كافية ونقاش في الموضوع كاف، هو الآخر يضمن عدم الإخلال باستقلال القضاء ومبادئ المحاكمة العادلة وتحفيز العنصر البشري الذي سيشتغل بهذا القانون، وبما يضمن تسهيل مهامه بهذه التقنيات وليس إضافة تكاليف أخرى. دافعتم عن حرية وحق القضاة في التعبير..اليوم هناك مشروع القانون 22.20 المتعلق بمواقع التواصل الاجتماعي، ما موقفكم منه؟. طبعا، نحن كجمعية مهنية للقضاة نضطلع بجانب حقوقي كذلك، نرفض أي مسودة أو مشروع أو قانون كيف ما كان به مساس بحقوق وحريات المواطنين المنصوص عليها دستوريا.