الكَوْفَنَة التي أعقبت نزول الجُائحة وانتشارها بالمغرب أخذت تفكك عيوبها وتعلن عن سلبياتها، ولذلك كان من الطبيعي بل من الضروري أن يُطرح اليوم موضوع عقد الجلسات والمحاكمات في بعض القضايا عن بُعد، وخصوصا تلك المتعلقة بملفات المعتقلين جنحيا وجنائيا، اعتبارا أن عملية الحذر الصحي التي اختارها المسؤولون القضائيون مبكرا وقبل قانون الحذر الصحي، أثرت على مرفق العدالة ونشاط المحاكم وعلى حياة الملفات والقضايا وعلى المتقاضين، حيث سُدت القاعات وانصرف أغلب القضاة والمحامين للتستر ببيوتهم، وكانت النتيجة أن ظهرت عيوب قرار تكفين المحاكم منذ منتصف مارس تقريبا بنوع من السرعة بعيدا عن أية مقاربة ديمقراطية تروم التشاور والتفاهم مع الأطراف المعنية في موضوع لا يَهم السير الإداري للمحَاكم فحسب، بل يتعلق بحياة المتابعين وحرياتهم، و بحيوية القضاء الذي لا يُسمح له بالغياب والدفن. ويبدو لي أن الموضوع يقتضي بعض التركيز والانتباه، للبحث عن القرار الصائب والمناسب قدر الإمكان، الذي يضمن حقوق المتقاضين، وحقوق دفاعهم، ويحمي صحتهم من كل خطر قبل كل شيء، ويُحقق ضَمانات لمحَاكمتهم بشروط قانونية كما هي مقررة بالدستور و بالمواثيق الدولية. فإن كانت هذه هي أهدافنا كمحامين و كقضاة، وانطلاقا من شعور الجميع بمسؤولياتة، فإنني أعتقد أنه من واجبنا رفع مستوى النقاش وتناول الموضوع دون من كل أبعاده، ولا أدعي أن رأيي سيكون الصواب عَيْنَه. أولا: نحن كفاعلين في مجال العدالة في حاجة ملحة لتحديث الإدارة القضائية لرفع قدرات المحاكم لمعالجة مختلف القضايا في مراحل التقاضي في أجل مناسب وفي شفافية أكثر، وهذا رهان علينا الإلحاح على التقدم فيه بذكاء و بسرعة، كما علينا أن نتدارك الزمن الضائع الذي تهاوت بسببه علامات النجاعة القضائية، وتركتنا كلنا قضاء ومحاماة نتخبط في متاهات ونحسب أننا صناع معجزات، ومن هنا لابد لنا من التعامل مع تكنولوجية وسائل التقاضي باعتبارها اختيارا يفرض نفسه في زمن الأزمة، لأن أزمة المحاكم أزمتنا، وأزمتنا أزمة زبناء مكاتبنا وأزمة مواطنين ينتظرون منا ابداع مناهج بالحد الأدنى من الخدمات ضمانا لمصالحهم. ثانيا: ونحن اليوم كذلك بالمناسة كهيئات ومحامين في حاجة لتفكير واقعي نَاضج في مُستقبل مهنة المحاماة يُهَيؤُنا للخروج من الحذر الصحي ومن العزلة التي قبلناها بسهولة و الخروج من فترة التكَفن في بيوتنا مع همومنا و من امتحان عسير لواقع جديد وقاهر مر بنا و ليس لنا علم به ولا دراية لنا بثقله و بآثاره، و هذا ما يفرض علينا: من جهة اولى أن نتعامل مع مشروع قانون المحاماة المطروح مع وزارة العدل بانتباه شديد لكي نشحنه بما يسمح لنا بالتطبيع مع ممارسات متلائمة مع التقاضي الحديث و مع ممارسة الدفاع والمرافعات من داخل مكاتب المحامين مع قاعات محاكم ومكاتب قضاة بالصورة والصوت، وممارسة علاقاتنا مع هيئاتنا ونقباءنا بالوساطة الالكترونية كذلك للتخفيف من التنقلات ومن الأوراق والمراسلات ومن تعطيل الإجراءات التي تتحكم في الوقت واستفادة الشباب المقبل على المحاماة من التمرين ومن التكوين من مكاتبهم ....الخ، ومع التحكم في تبادل الوثائق القضائية ومع التوقيعات الالكترونية، وليكون مشروع بداية تجربة تذكرنا كمحامين ومسؤولين أننا ولو قصرنا قبل الجائحة فإننا من بناة المستقبل بما يفرضه من تعبئة، و من جهة ثانية أن نتعامل بالضرورة مع الشأن القضائي بما يفرضه المستقبل من تحديات ومنها التحدي العلمي والمعلوماتي ومناخ سلطة الرقمنة، و الذي اضحى معه نموذج عدالة ونمط قضاء القرن العشرين رغم ما أبدع فيه الإنسان متجاوزا بعد أن أعطى ما عنده و لم يبق له الكثير مما يحمله . ثالثا: نعلم أن قضاءنا أطلق تجربة محدودة للتدبير الرقمي لبعض القضايا ببعض المحاكم قبل سنوات بما لها وما عليها، ودخلت التجربة علينا آنذاك دون أن نتِهيأ لها ونُهيئَ لها كل شروط نجاحها، ورأينا كيف انطلقت الجلسات النموذجية مع ملفات جنائية مثلا بالدار البيضاء، وكيف تم التعامل مع الموضوع من قبل القضاة والمحامين والسجناء وادارة السجون، ولمسنا صعوبات التجربة، لكن لمسنا أيضا أن الامر لم يخصص له الاهتمام الضروري والإمكانيات الضرورية لأن الدولة لا تعتبر العدالة من أولوياتها الاستراتيجية، مما جعل التجربة تسير ببطء من دون أن يَحسب المسؤولون للمفاجئات و للنكبات اي حساب ومن دون أن تشهد التجربة التطور الواسع و الآفاق المنشودة. وهنا لا بد من نقد ذاتي علينا كمحامين تقديمه وقبول نتائجه لكوننا لم نتعامل مع موضوع " المحاماة في زمن الذكاء الاصطناعي ولم نفكر في مشروع يعكس تصورنا للعدالة الرقمية بصفة عامة، " ولم نجتهد بالشكل الملائم والكافي لندفع المسؤولين السياسيين والقضائيين لرفع وتيرة التعاطي مع الرقمنة القضائية، وبالرغم من محاولات بعض هيئات المحامين الكبرى مثل هيئة البيضاء، السير في اتجاه التعامل الالكتروني الداخلي، فإن آلاف المحامين وعشرات الهيئات ظلوا مترددين لإطلاق مسارات التحديث المهني واقعيا، وبالتالي يكون تخوف بعض زملائنا ونقبائنا اليوم من الجلسات الذكية والإلكترونية وتدبير ملفات المعتقلين تخوفا غير مفهوم ولابد من مراجعته ولابد لهم من اقتراح شروط إطلاق و انجاح التجربة بدل معارضتها. رابعا: أن المحاكمة عن بُعد باستعمال منضدات الكترونية ومعلوماتية والذي يفكر فيه المسؤولون سواء بالسلطة القضائية المعنية أو بإدارة العدالة بوزارة العدل، موقف مسؤول واتجاه سَليم وأمر ضروري في الزمن العادي، فبالاحرى زمن القوة القاهرة و زمن الازمة.، لأنه لا يمكننا كمحامين أن نقبل موت المحاكم والملفات والحقوق وغياب العدالة، فالعدالة كالأكسجين حياتنا مرتبطة بها وجودا وعدماً. إن المُحاكمة عن بُعد وعبر تقنية الفيديو تَفتَحُ فُرصة إصلاح أعطاب التشريع، وتفتح فرصَة التغلب على المسافات التي تعرقل سير العدالة كما يلاحظ الجميع، وحسب مقولة الفقيه جورج ريبير GEORGES RIPERT (( LES HOMMES NE SONT PLUS SEPARES PAR LA DISTANCE, LE TELEPHONE, LE TELEGRAPHE, LA RADIO, LE CINEMA, LES RAPPROCHENT ET LES RENSEIGNENT, )) (( les forces créatrices du droit- LGDJ-1955- p 34)). إذن، نحن مطالبون كمحامين أن نتعامل مع تجربة محددة في الزمان، بوضوح وبدون انفعال ولا مزايدات، و مع قضية ايجابية واساسية مثل مسألة محاكمات المعتقلين عن بُعد والتي أصبحت اولوية اليوم ليس فقط في القضايا ذات الطابع الجنائي بل في المستقبل في القضايا المدنية والتجارية والادارية والاسرية والاجتماعية، وكذا مع القضايا التي توجد معلقة كذلك بمحكمة النقض التي اختارت الكَوْفَنة كذلك بعد الجائحة . واجب علينا نحن المحامين نقباء المحامين قبل المسؤولين القضائيين، أن نبحث عن تدابير استثنائية لضرورة التغلب على شلل القاعات وموت الملفات وتفعيل إجراءات توفر للمتقاضين حقهم في المحاكمة في شروطها العادلة ، وأسلوب نظام المحاكمة عن بُعد هو الجواب المرحلي عن أزمة المحاكمات، يجيب لحقوق المعتقلين بالطبع ويجِيبُ عن أوضاع صعبة و آنية لا يمكن إن تقبل الانتظار. وعلينا كمحامين كذلك أن نختار : إما العدالة الجسدية LA JUSTICE CHARNELLE التي تفرض الحضور الجسدي للمعتقل أمام المحكمة، مع خطر الإصابة بالوباء ونقله ونشره بل الموت بسبب الجائحة، وإما نتجنب المخاطر وتفاديها حفاظا على سلامة الجميع قضاة وموظفين ومحامين وسجناء وشرطة ودرك…، أوالحضورالافتراضي لكن بالصوت والصور PRESENCE VIRTUELLE لتعويض الحضور الجسدي للمعتقلين في قضايا محددة ومدروسة بين مسؤولين قضائيين ونقباء المحامين وموظفي المحاكم، التي تجمع ما بين الممكن والمأمول LE POSSIBLE ET LE SOUHAITABLE خامسا: اعتقد أن المحاكمة عن بُعد لا تتناقض مع قيم المحاكمة العادلة، لا في القانون الوطني ولا في القانون الدولي الدولية، ففي فقه حقوق الإنسان تقوم المحاكمة العادلة على معايير أساسية وهي: العلنية والحضورية وضمان حقوق الدفاع ومؤازرة المحامي، والحق في الصمت، وتساوي الاسلحة، والمحاكمة في أجل معقول، كلها في اعتقادي قواعد معيارية يمكن ضمانها في المادة الزجرية في المحاكمة بالوسائط الإلكترونية. وتحقيق هذه الشروط يقوم على عدد من الاعتبارات في ظل حالة الطوارئ الصحية ومنها: ● على التناسب ما بين الحق في الصحة والسلامة والحق في المحاكمة بشروطها العادية العادلة. ● الثقة في النفس وتقدير مسؤولية من سيتولى مهمة تفعيل المحاكمة عن بُعد في ظرف توتر وقلق خلقته الجائحة رغما عنا. ● تحلي الفاعلين في ميدان العدالة : مسؤولون بالمحاكم رئاسة ونيابة عامة وكتابة الضبط، ونقباء الهيئات ومجالسها، وجموع المحاميات والمحامين، بمستوى من الجرأة المهنية والأدبية والقانونية والاجتهاد أمام صعوبات قد تظهر أمام الجميع خلال تفعيل هذا الاختيار. ● التعامل مع إطلاق التجربة بالمرونة، أي ألا تُفرض قرارات تَطبيقها من فَوق ومن مكاتب من هم في قمة المسؤولية، بل أن يُترك أمر زضع منهجية التعامل معها محليا للمسؤولين القضائيين مع تشاور وتنسيق مع نقباء الهيئات بحيث يمكن أن تختلف التطبيقات من جهة واخرى دون إحراج غضب… ● أن يبقى للمسؤولين محليا في لقاءات ثلاثية منظمة ومستمرة بينهم، يبقى لهم وحدهم إمكانية اختيار مستوى تطبيقها، هل في قضايا جنحية فقط أو في الجنائيا كلها أو بعضها، تطبيقات تختلف من محكمة لأخرى حسب ثقل وعدد القضايا، وطبيعتها وعدد المعتقلين الذين ينتظرون المحاكمة، ● أن يتم الأخذ برأي المحامين و براي زبنائهم المعتقلين خصوصا من حيث تجهيز الملفات، إذ لا يخفى أن هناك قضايا يُستعصي تدبيرها عن بُعد سواء من حيث عدد الأطراف، أو طبيعتها وخصوصيتها، أو لعلاقتها بالاثبات و باستدعاء شهود النفي أو الإثبات، أو بوجود متهمين في سراح مع المعتقلين.... ● هناك ملفات لها امتدادات دولية مثلا رغم قلتها فيها تداخُل بين أطراف مغربية واخرى اجنبية أو مرتبطة بإنابات قضائية دولية لا يمكن معالجتها عن بعد. ● وهناك التعامل مع وضعية الأطراف داخل القاعات بانتباه وحزم، ومع عدد الملفات التي تكون احيانا بالعشرات في كل جلسة تلبسية، وذلك بتقليص عددها في كل جلسة، مع توزيع الملفات على أكثر من هيئة، وتنظيم الجلسات صباحا وزرالا مثلا، وذلك بغاية خلق ارتياح وراحة في اطوار المحاكمة، وتجنب ازدحام الملفات الذي يؤدي لازدحام بالقاعات وبالتالي قد يفتح الطريق لتسرب الوباء ، فضلا عن وضع الكمامات الخاصة رهن إشارة القضاة وموظفي المحكمة والمحامين مع وسائل التنظيف الطبية للأيدي و قيام مصالح التعقيم بتعقيم المحكمة وممراتها وجلساتها ومناضدها ....الخ. من هنا لابد من أن يكون نظام المُحاكمة عن بُعد خلال فترة الحظر والحصار، قائما على المرونة قبل وأثناء وبعد المحاكمة بقصد حماية حقوق المتقاضين وبنجاعة قضائية موقفة للملفات. سادسا: هناك ضرورات لابد من مراعاتها وهناك إمكانيات لا بد من استعمالها ، فإلى جانب قواعد التدبير وأسلوب التعامل مع كل قضية معروضة، والمتروكة لنظر القضاة والمحامين، هناك مسألة لها أهمية يلزم استحضارها دوماً وهي أن المحاكمات تمر في ظروف خاصة غير عادية واستثنائية مؤقته، وعلينا أن نراها هكذا ونستعد لها بهذه الصورة فكيف يمكن تحقيق محاكمة عادلة في ظروف ازمة استثنائية تعترض السير العادي للمحاكمة ؟؟ 1. ضرورة تعديلات تشريعية مستعجلة جزئية ومحددة لبعض مقتضيات المسطرة الجنائية،وذلك بإضافة فرع مكرر للفرع الثالث من الباب الأول من القسم الثالث من الكتاب الثاني، يتعلق بمقتضيات خاصة بالمحاكمة عن بُعد، ( تعديلات مثل ما حدث بالنسبة للآجال المسطرية) وذلك حماية للمشروعية و للنظام العام و الأمن القانوني والذي رتب المشرع عند الإخلال بها جزاء وهو البطلان، ومن بينها بالتحديد مسألة الحضور والمخابرة مع الدفاع والعلنية ،(( مواد من المسطرة الجنائية مثلا: 300، 304، 305، 311، 312، 317، 318، 319، 321، 344،..الخ )) 2. ضرورة الإنتباه للمسؤوليات والاختصاصات لمعرفة لمن يعود أمر اختيار المُحاكمة بواسطة الفيديو، هل لرئيس الهيئة وحده أو للمحكمة ولسلطتها المطلقة، أم هو حق للمحكمة وللنيابة العامة وللدفاع وللمتهم و للطرف المدني على السواء، هل يحق الاعتراض على المحاكمة عن بُعد، ومن له حق الإعتراض، هل اعتراض طرف واحد يلغي امكانية تنظيم محاكمة عن بُعد، هل يمكن الطعن في قرار عقد المَحَاكمة عن بُعد، هل يوقف الطعن متابعة المحاكمة عن بُعدام يوقفها، هل يمكن عند حدوث ظروف وسط المحاكمة متابعتها عبر الفيديو عن بعد، جملة من الإجراءات لابد من الانتباه إليها لأنها بالضرورة ستثار، وسيتحتم معالجتها، وبالتالي لا يمكن أن يُتْرك فراغ تشريعي في الموضوع. 3. تدبير المحاكمة عن بُعد إجراء له طابع إداري تنظيمي من جهة، لكن له علاقة بمقتضيات مسطرية جوهرية آمرة لها علاقة بالنظام الجنائي العام ومنها ما يخضع لمراقبة محكمة النقض ويمكن إثارة بطلانها تلقائيا من قبل القاضي مما يقتضي الامر التدخل التشريعي لتاطير القواعد الأساسية للمحاكمة على أساس المشروعية،كما هو حال العديد من القوانين المقارنة (( المادة 71/706 من ق.م.ج. الفرنسي. القانون الإسباني، الإيطالي، المملكة المتحدة، الهولندي، والكندي.....)) 4. امكانية تأجيل القضايا التي يطلب فيها المعتقلون حق الحضور أمام المحكمة واحترام إرادتهم 5. امكانية تأجيل القضايا التي يطالب المعتقلون أنفسهم تأجيلها واحترام إرادتهم 6. ضرورة تجهيز مسبق لقاعات المحاكم بالآليات الاساسية للتواصل عن بُعد مع السجون وتجهيز السجون بدورها. 7. ضرورة تفادي حدوث أي عطب خلال تواصل القضاة مع المعتقلين سواء عطب الصوت أو الصورة. 8. ضرورة التفكير في المعتقلين أصحاب الاحتياجات الخاصة وفي الأحداث المعتقلين 9. ضرورة حماية ملفات النساء المعتقلات وخصوصياتهن الإنسانية والقانونية. 10. ضرورة العناية وضمان حقوق الضحايا، 11. ضرورة ضمان حرية المتهمين أثناء الاستجواب عن بعد وهم داخل السجن من خلال توفير مكان ملائم يمثل قاعة جلسات لا يشعر بداخلها باي ضغط ولا ضعف ويتكمن من داخلها أن يمارس حقه في الحديث مع هيئة الحكم بحرية ومن دون أن يتعرض بعدها لاي إجراء عقابي داخل السجن. 12. إمكانية تسجيل الاستجوابات والمناقشات مع المعتقلين عن بُعد واعتبارها جزء من محاضر الجلسات المحررة من كتاب الضبط، وضمها بالملف والاحتفاظ بها والأمر بإتلافها بعد صيرورة الحكم نهائيا. 13. ضرورة تطبيق الضمانات للمتهمين خلال المحاكمة عن بُعد، كما جاءت في المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية| www.ohchr.org وقواعد العدالة الجنائية الدولية ومنها اساسا: احترام قرينة البراءة، الاخبار بأسباب التهمة وطبيعتها، إعطاء الوقت الكافي والتسهيلات لإعداد الدفاع، الحق في اختيار المحامي، الحق في مناقشة الشهود واستدعاء شهود الاتهام، الحق في مساعدة مترجم. 14. ضرورة ضمان التخابر بين المحامين والمعتقلين عن بُعد كذلك بواسطة الهاتف أو تطبيقات تقنية وضمان السرية والمدة الكافية. 15. إمكانية الاستعانة بالقانون المقارن كما أشير إلى بعضه أعلاه، وبرأي واجتهاد القضاء الوطني و اجتهاد القضاء الدولي في تطبيق قواعد العلنية والحضورية وحقوق الدفاع ودلالات المحاكمة العادلة كما حددتها المادة 6 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان (( CEDH, 5.10.2006. MARCELLO VIOLA c/ ITALIE— CEDH, 27.11.2007, ASCIUTTO c/ ITALIE )) وراي الفرق الأممية المعنية باستقلال القضاء والمحاماة، وراي مجلس وروبا www.coe.int و مقررات آليات أممية مثل اتفاقية الأممالمتحدة ضد الجريمة عبر الوطنية، التي اعتبرت المحاكمة عن بُعد ضمانة للأمن وحماية للشهود بصفة عامة وفي قضايا الإرهاب والجرائم عبر الوطنية بصفة خاصة، وكلها يمكن الرجوع إليها وكما يعرفها المهنيون. 16. امكانية اختيار عقد المحاكمة عن بُعد في قضايا دون أخرى، أي الاقتصار مثلا على قضايا جنحية فقط أو جنائية فقط أو كلاهما أو غير ذلك.... سابعا: كيف يمكن ربح رهان العدالة الذكية والمُحاكمة عن بُعد غدا بعد نهاية الجائحة و في الظروف العادية، كخيار استراتيجي وليس خيارا مؤقتا ينتهي بنهاية الجائحة.؟؟ أعتقد أن هذا السؤال هو أُفق لابد من بلوغه غدا، بعد بداية تجربة في ظرف أزمة وقوة قاهرة اليوم. يجب أن ندعو ونفكر عند نقاشنا في حلول ممكن تطبيقها في زمن الأزمة لنساعد مواطنين معتقلين ينتظرون ربما براءتهم والافراج عنهم، فعلينا الاجتهاد، مسؤولين سياسيين و قضائيين ومهنيين من قضاة ومحامين لتوفير شروط تطبيق هذا الاختيار اليوم رغم الصعاب، و هو عامل أساسي حاسم في المستقبل. علينا الاقتناع بأن قطاع العدالة كالصحة والتعليم، له الأولوية اليوم لابد للمجتمع وللفاعلين غير الحكوميين أن يساهموا في النهوض به و تطوير التعاطي معه مستقبلا. علينا ركوب الصعاب وهي بالتأكيد عديدة قبل أن تركب علينا الصعاب لتهزمنا و تقتل إرادتنا. لا يمكن أن ننتظر فتوى لا من مكاتب دراسات عالمية ولا من صندوق النقد الدولي لنُجْبَرعلى التعامل مع هذا الإختيار، لا يمكن لنا أن نستهين بقدرتنا على النجاح، إذا توفرت لدينا العزيمة وسلطة العقل لدى الجميع ، فالتعليم عن بُعد يستفيد منه اليوم عشرات الآلاف من الشباب في وقت الحصار والوباء، وهو نموذج على القدرة على التحدي، وهناك كذلك التنظيم الإلكتروني لعلاقات عدد كبير من المرافق العمومية والشبه العمومية مع المرتفقين بل هناك علاقات مالية وتجارية وطنيا و دولية قائمة اساسا على التواصل والتناظر عن بُعد ووراء الآليات.....الخ، فيا نُقبَائي ويَا عزيزَاتِي المُحامِيات و أعِزائي المُحامين : إن الإنسانية اليوم كلها تجري وراء البحث عن حلول للإفلات من الخطر الذي اكتسحها ودمر الحياة و الانسان والاقتصاد والقضاء، وخلف المرض، و الهشاشة، و الجوع .....، فكيف لنا نحن ألا نبحث عن حلول لجائحتنا القضائية الاستثنائية. إن تقليص بعض الحقوق والحريات الفردية لفائدة حقوق وأهداف كبرى مشتركة تهم المجتمع أمر جائز تقرره الإجتهادات القضائية، اعتبارا لمبدأ التناسب والذي يمكن اعتماده لتقليص نسبي لحق شخص المثول الشخصي المباشر أمام المحكمة، لصالح حقوق عامة ومشاركة وهي الصحة العامة و لتفادي انتشار خطر مرض الكورونا فيروس، ومثل على ذلك ما جاء: في قرار المجلس الدستوري الفرنسي عدد 2019- 823- QPC du 31 janvier 2020 والذي أجاز المساس بحرية المبادرة لفائدة حماية البيئة كملك و ترات إنساني . la protection de l'environnement, patrimoine commun des êtres humains, constitue un objectif de valeur constitutionnelle qui peut justifier des atteintes a la liberte d'entreprendre )) إن انتشار التقاضي عن بُعد في مجال القضاء بمختلف المحاكم والاختصاصات أمر آت لا محالة، ومنطق حتمي في المدى القريب، فعلينا الإعداد له رغم أنه يمكن أن يكون مُكلفا لكننا سنستفيد منه بتقليص المسافة بين القضاء والمواطن وسنخفض أعباء التقاضي بالنسبة إليه. إن المحاكمة عن بُعد يجب أن تتعمم مستقبلا في مجالات غير الملفات التلبسية، بل من الضروري أن نطالب بها وأن نعمل على تطبيقها في جلسات التحقيق و البحث التمهيدي و عندما تتعلق المساطر بأشخاص ذوي إعاقة مثلا، شريطة أن نُحَصنها قانونيا من كل الانفلاتات أوالانحرافات أو التلاعبات لكي لا تنقلب إلى غايات انتقامية أو للإيقاع بالأشخاص لتصفية الحسابات. إن تقنية المحاكمة عن بُعد ، ستصبح اداة قانونية للمحاكمة عن قرب، يَمْثُل فيها المتقاضون وهم يشاهدون قُضاتهم ودِفاعهم وما يروج بالجلسة مباشرة وسَتتحقق العلنية في كل مَظاهرها والحضورية تحت شروط مسطرية دون أن يتنقلوا ويقطعوا المسافات . وأَخيراً، إن خِيار نقل العدالة بالمغرب من زَمنها التقلِيدي الذي تَحكمت فيه الهشَاشىة المؤسساتية والفِكرية و الإدَارية والبيروقراطية العَجوزة، وحسَابات ومصَالح الهيمنة والتبعية، نَحو زمن التحدي وبناء الذات وإسقاط الأصنام والطابوهات لفائدة دَولة الدستور والقانون والحقوق بشموليتها، لن يتم من دون أن تكون هناك إرادة سياسِية حقيقية للدولة للاستثمار وصب الإمكانيات في هذا المرفق، ومن الواجب علينا وعلى مِهنتنا كأول قوة بشرية وقانونية أن نكون مُعبئين وحَاضرين في هذه المَعارك المَصِيرية لنَترك بصَمَات خالدة في سِجل تاريخ العدالة و الوطن، ونرفع رأسَنا ورأس القضَاء الضامن للحريات والكرامة والتنمية لِلعُلا. الرباط : 25 أبريل 2020