ساحة الجامع السعيد خالية هذه الظهيرة. من الزقاق الجانبي يسار الساحة، ومن خلف حاوية للقمامة ظهر قط متوثب، يعبر الساحة بخطوات ملبدة، وفي وضعية منبطحة حتى بدا وكأنه يزحف.. في الجانب الآخر، يمين الساحة، حيث موقف سيارات عشوائي، تحتله سيارة وحيدة من طراز laguna زرقاء، رأيت قطة رافعة قائمتها الخلفية اليمنى، ومنهمكة في لعقها.. استنتجت أن هذه الحركة أثارت القط. لا أدعي أني خبير بليبيدو القطط، لكن يبدو أن القط رأى شيئا أفقده السيطرة على غرائزه.. رحت أتابع زحف القط الذي لم يعرني أي اهتمام، ولم يبد أي توجس من وجود إنسي في محيطه، وربما لم يسمع خطواتي حتى، على الرغم من أني كنت أنتعل صندلا يصفق نعله، مع كل خطوة، وباطن قدمي المقعرة.. قلت لنفسي، بمكر، إن ذكور القطط كنظرائهم البشر، يحدث أن يفقدوا حاسة السمع لمرأى إناث جنسهم. ( الأمر أسوء بالنسبة للبشر لأنهم يفقدون حواس أخرى كالكلام والرؤية والرزانة بينما تنشط لديهم حواس وغدد ووظائف أخرى.. ). أثناء ذلك كنت أكمل طريقي خلف القط العاشق. عندما تجاوزته ببضع خطوات التفت خلفي لمعرفة نهاية هذه الغزلية.. كنت أوشكت على الاختفاء في زقاق يمين الجامع السعيد. وقبل أن يصبح ما شاهدته حكاية قديمة ( هي ماتقرأونها الآن ) شعرت القطة بالقط المتودد منها يقترب. توقفت بشكل مفاجىء عن اللعق، نظرت إليه ثم هبت مسحورة لملاقاته في منتصف الطريق. حجبت عني السيارة النهاية السعيدة لقصة الحب السنورية هذه، ولن أعرف أبدا هل قبَّلا بعضهما أم تشمم أحدهما الآخر أم اقتادها إلى أقرب مزبلة أم إلى سطح من سطوح المدينة العتيقة أم فعلاها خلف اللاݣونا الزرقاء أم داخل حاوية القمامة.. تماما كما يحدث في اللقطة الختامية في الميلودرامات المصرية، عندما يهم البطل بالبطلة، وتهم البطلة بالبطل، ويهم البطل بتقبيل البطلة فيأبى المخرج إلا أن يكون ذاك من وراء شجرة أو تنتقل الكاميرا لتصور السماء..