عزيزاتي أعزائي تجدون هنا تقديما متواضعا ومتكاملا لعينة من قصص كاتبات يكتبن القصة بطريقة فنية وممتعة، والأمر يتعلق هنا بالقاصات فريدة العاطفي وراضية العمري مرورا بفضيلة الوزاني وانتهاء بالقاصة شيماء أبجاو. **** نضع القراء أمام أصوات قصصية نسائية جديدة ( بالمعنى الفني )، تكتب القصة القصيرة من مواقع مختلفة وتسخر آليات سردية متنوعة. والأمرهنا يتعلق بالقاصة فريدة العاطفي وفضيلة الوزاني وراضية العمري وشيماء أبجاو.وغني عن البيان فإن هذه الأصوات تسعى جاهدة بكل ما تملكه من أدوات سردية وفنية ومعرفية إلى تأكيد حضورها في مشهد القصة المغربية والقصة النسائية والنسوية ، شعارها الرهان على قارئ نوعي ،إلى جانب المعنى والمبنى واللغة.وسنقترب بشكل سريع من كتابة كل واحدة منهن من خلال عينات قصصية، لنترك للقارئ اكتشاف هذه الأصوات أو على الأقل تقريبه منهن بعيدا عن أي توجيه أو بروباغاندا ما. ولتحقيق هذا الغرض سنبدأ بالقاصة فريدة العاطف وراضية العمري مرورا بفضيلة الوزاني وانتهاء بالقاصة شيماء أبجاو. وهكذا ففريدة العاطفي أتت إلى القصة من القصة وقبل ذلك من الشعر، وهي التي أصدرت مجموعة قصصية معنونة ب على سفر، وهذه المجموعة تشكل تجربة جميلة وجادة بموضوعاتها المتنوعة والمختلفة التي يغلب عليها البعد القيمي والإنساني وهي تقارب الذات في سياق علاقتها بأناها والآخرين من خلال سفر سردي مليء بالأسئلة والإجابات يحقق المتعة للقارئ وهو ينتقل بين الفضاءات التي تشغل عليها (الأمومة فضاء الطفولة فضاء الأبوة والهوية ). وبالعودة إلى قصة اليوم والمعنونة ب ما زلنا نحمل المفاتيح، فهي تعالج موضوعة الأرض ( البيت )، والحقيقة أن هذه المشكلة باتت تؤرق الإنسان العربي وترمي به في أتون الهجرة والضياع ،ليظل المفتاح هو ذلك البصيص من الأمل – وإن كان واهما – الذي يعيد الحنين إلى الإنسان العربي المثقل بالهزائم والجراحات، حالة فلسطين، حالة سوريا وهلم جرا. وبهذا تظل اسمهان بطلة قصة فريدة العاطفي ترمز إلى كل النساء العربيات اللواتي هاجرن يعد أن فقدن أراضيهن وأصبحن يبحثن في المهجر عن أرض حاضنة لتجاوز الشعور بالشتات. ولبناء النص وإبلاغ المعنى ،يلاحظ أن القاصة فريدة العاطفي قدتوسلت بلغة أنيقة و واضحة تمتح من الشعر وهو ما زاد من قيمة النص الفنية. أما بالنسبة لقصة فقر للروائية والقاصة راضية العمري، فإن هذا النص ينتصر موضوعاتيا إلى القيم الإنسانية وما تنطوي عليه من أمانة ( الأستاذة ) التي ترمز إلى المسؤولية، وهي تسلم إلى موكلها شيك التعويض عن حاثة سير ، كما تكشف عن الهشاشة التي يعاني منها بعض أفراد المجتمع (حال الشيخ وحكايته مع سقف البيت الذي على وشك السقوط على رؤوس ساكينه ). وعلى الرغم مما تتميز به هذه القصة من قصر وتكثيف، فإنها تحفل بالكثير من الدلالات. ويبدو أن القاصة راضية العمري قد وفقت في اختيار موضوع القصة مثلما وفقت في رهانها على التقنيات من تكثيف وحوارية وإضمار وغيرها من من السمات الأخرى. وبرأيي فإن هذا النجاح يعود أساسا إلى ماراكمته الكاتبة سرديا، وهي التي أصدرت رواية مدن الحلم والدم التي لقيت استحسانا لدى القارئ وكذا ورود تحترق روايتها الأخيرة. وهكذا فالقاصة راضية العمري من الأصوات القادمة في مجال القصة بعد أن تألقت في كتابة الرواية. أما بالنسبة لقصة رسائل خاصة للقاصة فضيلة الوزاني فهي من النصوص القصصية التي تستوجب القراءة، إذا تحكي عبره الوزاني حكاية امرأة تفقد ابنها الطالب الجامعي جراء وفاة غامضة، وهو الذي كانت والدته تعلق عليه الكثير من الآمال، لكن تجري الرياح بما لا تشتهيه السفن كما يقال. ومقابل هذه القصة بما تنطوي عليه من مأساة، ففضيلة الوزاني لا تفوت الفرصة لانتقاد بعض عقليات المجتمع ( الجيران، مقدم الحي، عينات من الناس..) بالنظر إلى ما يصدر عنها من سلوكات ونفاق.وهو ما يعيد إلى الواجهة أدوار القصة وما يمكن أن تقوم به من وظائف التغيير، تغيير العقليات المتحجرة والمسطحة وتعيدها إلى سكتها الحقيقية. من جانب آخر نشير إلى أن نص فضيلة يحفل بسمات كثيرة، نذكر منها الحوارية ( الساردة مع رجال الشرطة، والإبن..) ، المونولوغ ( التداعي، ومحاورة الذات )، الجمل القصيرة – وما يرافق ذلك من تكثيف – التي اقتضها العملية السردية. و عليه فإذا أخذنا بعين الاعتبار المجموعة القصصية الأخيرة لفضيلة المعنونة ب لاتصدقوني دائما…أكذب أحيانا، فإن القارئ سيبقى في حيرة من أمره وهولا يدري أيصدق الوزاني أم لا؟ لن أبالغ إن أشرت إلى نصوص فضيلة ممتعة وجادة ومرد هذا يعود أساسا إلى صدق الكاتبة، أما كذبها فالمقصود به دلاليا هو التخييل، بمعنى آخر فكتابتها تقع بين الصدق والتخييل، وهي منطقة آمنة تشي رمزيا بالمزيد من النجاح في كتابة القصة. وبالانتقال إلى قصة شيماء أبجاو المعنونة ب سجين وجهي، سيجدها القارئ تحكي عن تجربة إنسان قزم ذميم الوجه، له أنف معقوف ونظارت طبية سميكة، وهذا الوجه سيجلب الكثير من السخرية والمضايقات والويلات لحامله من قبل الناس، وهوما يزيد من تعميق معاناة صاحبه، بالرغم من الآمال التي كان يعقدها على المستقبل ( تحسن على مستوى الوجه مع التقدم في السن )، لكن لا شيء تحقق على الأرض بعد أن تبخر كل شيء. فهو يقف بين الأنثى والذكر، وهو ما يزيد من سخرية الآخرين له. الطريف في هذه القصة استثمار شيماء وتوظيفها لما هو نفسي ووصفي ( اللغة ) في القصة، وكل هذا جعل من القصة تنحو منحى نفسيا لأنها تسبر أغوار نفسية البطل وتستبطنها. إن هذه القصة/ البورتريه بقدر ما تقرب القارئ من فئة من الناس لها عوالمها الخاصة وأحلامها، فهي أيضا تحاكم رمزيا الضمير الإنساني الذي انصرف بعيدا عن معاناة هؤلاء والأخذ بأياديهم. هكذا يظل الجمال القيمة المفقودة في القصة. فإلى متى سيرتقي الإنسان بنفسه إلى الجمال، جمال الفعل والكلام. هذه القصص التي عرضناها، هي من القصص المغربية التي تتسم بالجدة وهي تتحرى بدقة موضوعاتها الموغلة في الإنسانية، فقدان الأرض/ الهوية والمعاناة في الشتات ( قصة فريدة العاطفي )،كما تعيد إلى الواجهة بشكل مضمر ضرورة الالتزام بالأمانة والمسؤولية (قصة راضية العمري ) خدمة للإنسانية وإسعادها، والإشارة بالأصابع إلى أخطاء المجتمع القاتلة اتجاه أفراده أو عليى الأقل في حق عينات منه، إلى جانب الفقدان وما يتركه من جراحات نفسية لا تلتئم ( قصة فضيلة الوزاني )، وهو نفس المجتمع الذي يفكر بالسخرية ويصرفها في كل الاتجاهات ويستهدف من خلالها كل ذميم للخلقة من دون مراعاة لأحوال النفس والبدن ( قصة شيماء ) ليظل الجمال سمة مفقودة تنتصر له القصة. والطريف في هذه القصص أن من يتولى أمر الحكي فيها هن نساء، كما هو الحال عليه مع قصة ما زلنا نحمل المفاتيح، وقصة فقر ورسائل خاصة، باستثناء قصة سجين وجهي التي تختلف من حيث صوت السارد ( ذكر ). *نقصد بالنسائية هنا كل ما تكتبه المرأة وتعبر عنه من قضايا عامة، بخلاف الكتابة النسوية التي تقف على طرف نقيض من السلطة الذكورية التي تسعى إلى الهيمنة و تغييب حضور المرأة بعيدا عن كل توازن.