يحتفل العالم يوم 05 شتبر باليوم العالمي للمدرس وفاء لهذه الشريحة من الموظفين التي تعد صدقا وعدلا تمارس أهم وأرقى النشاطات البشرية ، وهي لحظة ينتابنا فيها مزيج عارم من مشاعر الارتياح وألم الحسرة على الواقع المزري لمنظومة التربية والتكوين ببلادنا كما تشهد على ذلك فضاءات الحياة المدرسية للثانويات والابتدائيات ،والتي لم تعد توفر لفاعليها وروادها غير القليل من أسباب التحصيل العلمي والمعرفي وبالتالي لم تعد أجواؤها إلا في حدود ضيقة جدا تحفز العاملين بها على الإبداع والإسهام في تفجير الطاقات و تخريج الأطر والمبدعين والمثقفين والعلماء والشعراء.. وعلى الرغم من كون اليوم العالمي للمدرس بات ذا طابع نظامي ورسمي فإن القييمين على الشأن التربوي لم يحددوا صيغ إجرائية للاحتفال إذ غالبا ما يقدم السادة رؤساء المؤسسات التربوية على اجتهادات حذرة تأمينا للزمن المدرسي وتفاديا لأي مساءلة ،ومع ذلك وقفنا على جانب مهم من اعتزاز المدرسين بدلالات اليوم وأبعاده الرمزية والثقافية والتربوية .أقاموا حفلهم أم لم يقيموه فهم يدركون أن الروح التي تسكن كيانهم رجالا ونساء ستظل حية متوثبة فاعلة لا تستريح ولا تمل أو تكل لأهمة الرسالة ومضامينها القيمية والحضارية. فلئن كان غيرهم ، من العاملين بالوظيفة العمومة، يشتغلون على الأوراق والأجهزة والمعدات الصماء،فالمدرس يشتغل على تعديل وصناعة عواطف وتصورات أشرف مخلوق وعلى أشرف ما في هذا المخلوق عقله وقلبه .وقديما قال الإمام الغزالي إن شرف الصناعة من شرف محلها مقيما الفرق بين صناعة الدباغة(السخيفة) وصناعة الصياغة(الشريفة) فالأولى محلها جلد الميتة والثانية محلها الذهب والفضة،مع ما يمكن أن يستدرك على حجة الإسلام في هذه المقارنة إن الاحتفاء بالمدرس في المقام الأول احتفاء بالمهمة والرسالة وهي المهمة ذاتها التي خاض معتركها الأنبياء والرسل والأولياء ورواد الحركات الإصلاحية وقادة التغيير وصناع الحياة الكريمة من خلال "إنشاء النفوس وبناء الطباع" على حد تعبير أحمد شوقي، و "تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق" بعبارة ابن مسكويه نعم لقد قيل في البدء كانت الكلمة ولكن ستبقى ولن ينتهي دورها الخالد والحاسم مهما بدت بسيطة فهي المادة والسلاح الذي ظل هؤلاء المحتفى بهم في يومهم العالمي يتأبطونه كل يوم بإصرار وعناد ويسعون لتطوير السلاح ذاته بأنفسهم ليقاتلوا داخل فصولهم الدراسية مظاهر اليأس والعزوف العلمي وفقدان الثقة والإحباط الذي كاد يقضي على تطلعات وآمال فلذات أكبادنا .فالكلمة "سر الأسرار" و"مفتاح الوصول" و"المنقذ من الضلال" ، يصوغها المدرسون بدمائهم وعرقهم وخيالهم ليوطنوها واضحة راسخة في نفوس ووجدان أبناءنا أملا في أن يتسلم هؤلاء مشعل التنوير والتغيير والتثقيف والتوعية ... إن المهمة الأساسية لهذه الفئة من الموظفين هي "الرسالية" بأبعادها الحضارية ومضامينها التربوية والتي تنطلق مدوية من بين جدران الفصل الدراسي، هذا المصنع الآدمي الصغير والحاسم، مادته الدرس التاريخي والمعلومة الشرعية ومنهجية تحليل النص الأدبي وأطروحات الفلسفة المعاصر ومباحث الحقيقة والدولة والسلطة السياسية والدرس البلاغي العربي من خلال نظرية ابن جني أو عبد القاهر الجرجاني،والسكاكي والمنطق الرياضي ومفاهيم المادة والحركة والفراغ...أبناؤنا يستلهمون من ذلك روح كشوفات الشريف الإدريسي ويستحضرون عبر ابن خلدون وتارة أخرى يمتاحون من عبق إحياء أبي حامد الغزالي وشفا القاضي عياض ... وغيرهم من أبطال الثقافة العربية ورموزها الخالدين. إن أداء الرسالة،وتبليغ الأمانة وإكساب أبناءنا الكفايات الأساسية ذات الصلة بملمح تخرجهم وذلك من خلال الفصل الدراسي لهي أولى رافعات التنمية وأقواها على الإطلاق وإن لم يتيسر لكثير من المسؤولين إدراك هذا البعد التنموي لحد الآن فمع ما يواجهه المدرسون داخل المؤسسات التربوية من ضغوطات الإيقاعات الزمنية المتسارعة وإكراهات أخرى إما بسبب ضيق بنيات الاستقبال أو عقم المناهج والبرامج أو متاهات المقررات التنظيمية للقطاع أو بساطة العدة البيداغوجية وآليات الاشتغال والتنفيذ أو نقص في التأطير البيداغوجي أوصعوبات الوضع المادي... فضلا عن ثقافة مجتمع باتت عند البعض تتبلور في اتجاه التشكيك في رساليته،مع جهل البعض منهم بالعمق الرسالي والحضاري لمهامهم ،أضحى رجل التعليم كالقابض على الجمر إن لم يكن كذلك حقا . في الوقت ذاته لا يمكن للعين أن تخطئ الحضور المكثف والبين للمدرس في جميع المرافق عبر مساهماته وتضحياته في التأطير داخل فضاءات المجتمع ومؤسساته الرسمية والأهلية ...في السياسة والنقابة ودور الشباب ومؤسسات المجتمع المدني وفي الشأن الديني والرياضي إلى درجة لم يعد المجتمع قادرا على الاستغناء عن خدماته وتطوعاته. شروط التعليقات الآراء الواردة في التعليقات تعبر عن وجهات نظر أصحابها وليس عن رأي ksar24.com