دخل أبناء المتقاعدين "م.ش.ف" شهرهم الثاني من الاعتصام ليلة أمس ,أو بعبارة أخرى شهر من الاعتصام و المبيت في العراء أمام إدارة المجمع الشريف للفوسفاط بمدينة خريبكة و ذلك وسط تعتيم إعلامي خطير و تجاهل لم يألفه المواطن المغربي في التعامل مع مجريات الأحداث الوطنية و يعزى السبب في ذلك لكون موضوع "الفوسفاط" لازال يصنف ضمن الطابوهات التي يجب على الصحافة تفادي الحديث عنها أو خوض تقارير صحفية بشأنها ،كما أن التضييق على الحريات الصحفية و التي شهدها المغرب في السنوات الأخيرة جعلت الصحافيين المغاربة يفكرون مئة مرة قبل إقدامهم على التطرق لمواضيع حساسة و قد تكون سببا وراء إنهاء مشوارهم المهني أو سلبهم لحرياتهم .و رغم هذا الترهيب و التعتيم الإعلامي الذي تمارسه جهات نافذة في البلاد من أجل الاستمرار في نهب ثروات البلاد دون حسيب أو رقيب إلا أن كل ذلك لم يكلل بالنجاح و لم يضع حدا لطموحات الشباب الخريبكي الذي اختار الإنترنيت كفضاء إعلامي مفتوح في وجه العموم من أجل إيصال رسالته و أعتمد في ذلك على الشبكات الاجتماعية التي كانت الوسيلة المثلى من أجل فك هدا الحصار الإعلامي على مجريات الأحداث . فبالتطرق لمدينة خريبكة العاصمة العالمية للفوسفاط و التي شهدت السنة الماضية تغطية إعلامية دولية نتيجة الأحداث الدامية التي دارت أطوارها بين قوات القمع و المحتجين من أبناء المتقاعدين الذين كانوا يطالبون بالتشغيل في المكتب الشريف للفوسفاط و ذلك وفق ما ينص عليه القانون الداخلي للمجمع ش.ف , إلا أنه و رغم مرور سنة على الأحداث ,فالقضية مازالت محل نقاش و لم تجد الطريق إلى الحل بعد , بل عادت مجريات الأحداث لسابقتها و زادت حدة الاحتقان لدرجة لا توصف مما فرض على السلطات الحظر الإعلامي من أجل احتواء الأمر . مدينة خريبكة المغربية أو كما يصطلح مناداتها عاصمة الفوسفاط العالمية تشهد على امتداد أكثر من سنة أو بالأحرى مند انطلاقة الربيع العربي مسيرات احتجاجية و إضرابات عن الطعام، بالإضافة إلى دخول معظم سكانها في إعتصامات أمام إدارة المجمع الشريف للفوسفاط باعتباره المسؤول الأول و الأخير عما تتخبط فيه المدينة من مشاكل اجتماعية و اقتصادية تسببت في تهميشها و تهجير أبنائها إلى الخارج في رحلة البحث عن لقمة عيش رغم أن تربة أراضيهم تساوي الذهب و الماس , و تعد التجاوزات التي ارتكبها المجمع ش.ف اتجاه المدينة و الساكنة و محيطها لا تحصى و لا تعد فبالتطرق لأهم التجاوزات يمكن القول أن المجمع يعتبر مدينة خريبكة كمكان لاستخراج الفوسفاط لا أقل و لا أكثر, وهذا ما دفعها لتتقهقر في مراتب التصنيف ضمن المدن المغربية التي أكل عليها الدهر و شرب و طالها النسيان , فالزائر لعاصمة الفوسفاط يمكن أن يتخيل بأن المدينة أسوارها بنيت من زجاج،لكن الحقيقة المرة تظهر للعيان حالما تطأ قدماه أرض الواقع فيلمس مرارة العيش و يشهد العجب العجاب حول تداعيات الإعلام المخادع و يمكن التدرج في المعطيات بدءا بغياب أبسط المرافق العمومية و ارتفاع عدد المتسولين إلى احتواء المدينة لأكبر نسبة من البطالة زيادة على تفشي ظاهرة الفساد الإداري و المالي القائم بالمختلف المرافق العمومية و مؤسسات الدولة , زد على دلك جبروت المجمع ش.ف الذي ليس له حدود و يمكن اختزال صورته في إجبار الفلاحين على بيع أراضيهم بأثمنة بخسه بغية استخراج الفوسفاط , أما بخصوص دخان و مخلفات مصانع الفوسفاط فحديث و لا حرج و يمكن القول بأن معظم الساكنة الخريبكية تعاني اليوم من أمراض تنفسية و في مقدمتها مرض الربو بالإضافة لتلوث البيئة المحيطة بالمصانع و التي جعلت من الأراضي الزراعية أراضي قاحلة و بدون فائدة . و بخصوص مطلب توظيف أبناء المتقاعدين داخل المجمع.ش.ف فالأمر يتعلق بحق و ليس مطلب باعتبار أن القانون الداخلي للمجمع تتضمن بنوده فصلا رقمه 6 ينص على منح الامتياز و الأولوية في التشغيل لأبناء المتقاعدين و ذلك كتعويض لما قدمه العمال من تضحيات في سبيل الرقي بمؤسسة الفوسفاط و زيادة إنتاجها . و لا يفوتني التذكير بأن العمل داخل المجمع كان في بداية الأمر حافلا بالمخاطر و شاقا للغاية ،بالإضافة إلى أن معظم المتقاعدين ب م.ش.ف يتوفاهم الوت نتيجة أمراض مهنية مستعصية العلاج و على رأسها "السيلكوز" أو كما يحلو للبعض مناداته بالداء الخبيث بالإضافة لكل هذا فالمجمع ش.ف لازال يصر على عدم الاعتراف به كمرض مهني. في الأخير تبقى مطالب الساكنة الفوسفاطية في العيش الكريم و محاربة الفساد و النهوض بالإقليم هي مطالب شرعية و واقعية باعتباره صاحب أكبر احتياطي عالمي لمادة الفوسفاط و مصدر لها، زد على دلك مساهمته الفعالة في الاقتصاد الوطني و التي تفرض على الدولة تصنيفه كعمود فقري لاقتصاد البلاد و منبع لدخلها الذي يعوض غياب البترول بالمغرب ،إلا أنه و رغم ذلك فلم يشهد الإقليم أي تغيير أو تطور يذكر كما أنه لم يحصل على نصيبه من التنمية التي شهدتها مختلف المدن المغربية الأخرى ،مع العلم أن خريبكة تعد من المدن المنتجة على عكس الباقين و الذين يعتمدون في اقتصادهم على الاستهلاك و على عائدات الفوسفاط من أجل خلق توازنهم و سد متطلبات حاجياتهم , و يبقى للإعلام المأجور بالمغرب دور مهم في التعتيم و خلق صورة مشرقة من وحي الخيال بغية التفاخر بها بين باقي الأمم , إلا أن صوت الحقيقة هو الشارع الخريبكي الذي ينبض بكل قوة و يطالب بحقه في الثروة التي يجهل مصير مداخلها.