للباحث محمد الكوخي بالدشيرة إعداد : سعيد جليل بدعوة من " نادي الأطلس الصغير" ألقى الباحث محمد الكوخي محاضرة تحت عنوان : "الأساطير المؤسسة للخطاب القومي في المغرب الكبير: العرق،اللغة، الثقافة والتاريخ"، يوم السبت 24 ماي الجاري بقاعة الاجتماعات ببلدية الدشيرة الجهادية ، وذلك بمناسبة صدور كتابه الهام ّ "سؤال الهوية في شمال إفريقيا : التعدد والانصهار في واقع الإنسان واللغة والثقافة والتاريخ"،وقد عرّف المسير بداية بالمُحاضر الذي هو باحث مغربي،من مواليد مدينة أكَادير سنة 1985،تَخصَّصَ في الاقتصاد والعلوم السياسية والاجتماعية،وحصل على الماجستير في موضوع "التحول الاقتصادي في المنطقة العربية " من جامعة فيليبس ماربورغْ بألمانيا.ومن أعماله المنشورة : الإسلام السياسي ومأزق الدولة الحديثة،(سياسات عربية).و الأمازيغية المعيارية بين اختلاق لغة جديدة والوهم الإديولوجي،(مجلة التبيُّن.) وأخيرا كتاب "سؤال الهوية في شمال إفريقيا،التعدد والانصهار في واقع الإنسان واللغة والثقافة والتاريخ"،أفريقيا الشرق، 2014،في 440 صفحة من القطع المتوسط،إضافة إلى مقالات أخرى،كما أن له أعمالا تنتظر النشر. أما بالنسبة للموضوع فانطلاقا من أن كل حديث عن منطقة شمال إفريقيا،حديث عن التنوع والتشابك والتداخل،فالتاريخ قد التحم فيها بالجغرافيا،وظهرت الحضارات والدول، وحدث الغزو والهجرات المتتالية، وشهد حركية الديانات والأعراق واللغات،وأثَّرت معتقدات وأساطير وعادات وطقوس شعوب في أُخرى...فإن الموضوع تؤطره جملةٌ من الإشكاليات منها : كيف تتحدد الهوية ؟وهل تشكل الهوية في شمال إفريقيا استثناءً ما ؟ هل يمكن الحديث عن هوية خالصة أو متعددة/مركبة ؟ وعن قومية/عرق "نقي" pure أم عرق متمازج؟ مامدى صحة الادعاء بوجود ثقافة أصيلة بالكامل وأخرى دخيلة؟هل هناك لغتان فقط في الشمال الإفريقي (الأمازيغية/العربية) ؟ هل هما بالفعل متصارعتان ؟ من هنا هل يصدق الحديث عن ثقافة أصيلة وأخرى دخيلة بينهما ما بين اللغتين من صراع ؟وما طبيعة العلاقة بين العروبة والإسلام منذ ما سُمي ب "الفتح الإسلاميّ" ؟ما هي المنطلقات التاريخية والثقافية لنشوء الأساطير القومية بشمال إفريقيا ؟وأخيرا،رغم الزخم التاريخي والثقافي للمنطقة، لما لم تتمكن دول شمال إفريقيا من التحول بعد استقلالها إلى دولة وطنية بالفعل دولة المواطنة الحقّة؟ وهل للربيع الديمقراطي خصوصية ما بهذه المنطقة ؟ وقد انطلق الباحث من تحديد جغرافي للمنطقة التي يتحدث عنها مبررا اختياره "شمال إفريقيا" و"المغرب الكبير"،ثم عرض الفكرة التي سيدافع عنها في المحاضرة ومفادها أنه لا يوجد أساس علمي لتصنيف الإنسان في شمال إفريقيا/ المغرب الكبير إلى عرب وأمازيغ،مبينا أن الهوية في المنطقة تتأسس على ثنائية "التعدد والانصهار"،وليس هناك مكون هوياتي معزول أو يمكن عزله للحديث عنه،بحيث إن المكونات تنصهر في بوتقة واحدة هي التاريخ،لذلك لم توجد في المغرب طائفية أو عرقية كما في مناطق أخرى من الشرق، ثم عرض البراهين المؤكدة لأطروحته منتقدا القومية العربية التي تحاول جاهدة احتواء الكل في هوية عربية،والقومية الأمازيغية التي تُرجع كل شيء إلى هوية "أصيلة" أمازيغية، محاولا تحديد مفهوم الهوية من جديد،مع عرض الإشكاليات التي يطرحها وهي ثلاث :التشكيك في الهوية و ادعاء عدم وجودها،الاختزال القائم على الإيديولوجيا،نفي حرية الاختيار. انتقل المحاضر إلى تحديد مفهوم القومية المرتبط بمفهوم الأمة Nation،وهو مفهوم حديث جاء بالدولة الأمة أو الدولة القومية،وعرض تعريف ج ج روسو له،ثم عرض لظروف ظهور الخطاب القومي في الشرق العربي الذي برز في مواجهة العثمانيين وسياسة "التّتريك" كشكل من أشكال المقاومة الثقافية ،وبين كيف انتقلت القومية إلى المغرب من طرف بعض رموز الحركة الوطنية كمحمد بلحسن الوزاني (ح الشورى والاستقلال) وعلال الفاسي (ح الاستقلال) . وفي مسألة أصل إنسان شمال إفريقيا أوضح بعض نتائج البحث الأركيولوجي والوراثي الحديثين،والتي تنفي وجود عرق واحد وتثبت تعاقب سلالات كثيرة على أرض المغرب الكبير،مما يطرح السؤال حول مصير سلالات قديمة احتلت أخرى مكانها.كما تحدث عن مسألة الهجرات وتنوعها (بنو هلال،الأندلسيون،الأفارقة...) مثبتا فكرة الانصهار،ومبينا تهافت التصنيف اللغوي العرقي/القبلي،وقصوره عن فك العديد من الألغاز التاريخية. وفي حديثه عن اللغة المعيارية انتقد عمل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية على أساس أنه يصنع لغة جديدة لا علاقة لها بالتداول،بمقدار ما هي مزيج غير منسجم يعتمد التلفيق من هنا وهناك، ويفتقد لميزة التواصلية،كما أنه مسكون بهاجس تنقية اللغة الأمازيغية من كل دخيل،لكن الواقع أن المعيرة تستبعد ما أصله عربي ولا تنتبه إلى ما له أصل لاتيني أوفينيقي،ولا سبيل إلى تطوير اللغة الأمازيغية إلا بالنحت أو الاقتراض في نظره. وقد فتح باب النقاش أشار مسير المحاضرة سعيد جليل إلى أن منهج محمد الكوخي الذي قدمت المحاضرة أبرز معالمه يتسم بالتوجه النقدي العام للفكر الديني والسياسي والمجتمع، للقوميات والإيديولوجيات والمذاهب،للتاريخ الرسمي والرواية، للمُسلَّمات التي أصبح المطمئن إليها كالذي يُشيد على رمل...كما أنه يحرص على الاستفادة من حقول معرفية شتى :التاريخ، الأنثربولوجيا، السوسيولوجيا ،الأركيولوجيا أو الحفريات،اللسانيات، الوراثة، السياسة،الفلسفة،الجغرافيا البشرية (الهجرة)، والمناخ... مع الاعتناء بتحديد المفاهيم قبل الشروع في أي عمل آخر.و إيلاء أهمية قصوى للتاريخ والجينيولوجيا أي أصول الظواهر والإشكاليات...وهو في كل ذلك الإصرار على الدفاع عن الرأي وعدم التنازل ساعٍ إلى النقاش والحوار،و لولا هذا الإصرار والدفاع لجرت بالكاتب وكتابه المنشور رياح الشرق التي يشتهي الكثير من الناس أن تدفع بشراع أسمائهم للوصول إلى جزر المكاسب المادية والرمزية التي مازالت تسيل لُعاب الكثيرين . وانصب النقاش بعد نهاية المحاضرة على:قضية العرقية،وضرورة فلسفة التاريخ في مقاربة الموضوع،وفهم السياق ومسوغات اعتماد أي مقاربة،علاقة الأمازيغية بالحركة الوطنية،علاقة الدارجة أو الدوارج المغربية بالأمازيغية،موقع الدين من الهوية،اللغة المعيارية هل هي للتدريس؟،...وبعد رد المحاضر على الأسئلة والتعقيبات والملاحظات،قام بتوقيع نُسخ من كتابه. وسواء اتفقنا مع الباحث أو اختلفنا معه جزءا أو كلا في أطروحاته أو في مناقشة آراء غيره،إلا أننا نقر بتمتعه بمؤهلات قوية تبشر بباحث واعد،يتحلى بالصبر وطول النفس،و،يُصر على اقتحام إشكاليات كبرى بعزيمة لا تفترَ،متوسلا بالاستقصاء والتدقيق والتنويع في المواد والنصوص التي يستنطقها لتبوح بما لم تبح به لغيره. فلذلك يستحق كامل التشجيع والتمنيات بالتوفيق وموصول العطاء. المحاضرة التي ألقاها الباحث محمد الكوخي بتاريخ 24 ماي 2014