المهدي مالك مقدمة متواضعة ان موضوع حقوق الانسان في السياق الاسلامي الحالي يمكن اختزاله في اجتهادات الفقهاء المتنورة و اصحاب الفلسفة الاسلامية المعاصرة حيث ان الدين الاسلامي جاء فعلا بقيم حقوق الانسان التي لم تكن موجودة اصلا في شبه الجزيرة العربية قبل نزول الوحي على نبي الرحمة صلى الله عليه و سلم من قبيل الحرية بمعناها الشمولي و المساواة بين بني ادم و اعطاء حقوقا معبرة للمراة الخ من فضائل الاسلام على منظومة حقوق الانسان. غير ان المسلمون توقفوا منذ قرون عن انتاج افكار تتماشى مع هذه المنظومة الكونية بل ان بعضهم دوي النزعة السلفية اتجهوا نحو تكفير أي حديث عن هذا الموضوع من منطلق ما حققته الانسانية عموما و المجتمعات الغربية خصوصا منذ قرون من الزمان في ميادين المعرفة و الاختراع الخ بينما ظل هؤلاء المسلمون يجتهدون في استهلاك التخلف بابعاده العديدة و استهلاك الاستبداد و فرضه على العامة من المسلمين عبر قنوات الخطاب الديني المتطرف و عبر سياسة دول بعينها في نشر مذاهبها المناهضة لابسط مبادئ حقوق الانسان حيث تعتبرها كفرا و سيرا على نهج المجتمعات الكافرة حسب منظورها الوهابي . ان هذه الدول المعلومة دعمت الارهاب من خلال مساندتها لحركة الطالبان في افغانستان منذ سنة 1996 بغية تاسيس نموذج بعيد حتى عن الاسلام نفسه و دعمت اسباب الاستبداد في عدة دول وطننا الاسلامي حتى وصلنا الى محطة الربيع الديمقراطي و شعاراته المعروفة الا ان المناخ السائد في دول الربيع الديمقراطي لا يؤشر على الخير بحكم صعود التيارات الاسلامية الى السلطة و تداعيات هذا الصعود على عدة ملفات شائكة من قبيل حقوق الانسان و التعددية الثقافية و الدينية داخل هذه الدول التي هي تونس و ليبيا و مصر و اليمن و من طبيعة الحال بلدنا هذا المغرب حيث ان عامة المسلمين تميل نحو التيارات الاسلامية و هذا معطى طبيعي للغاية لان الاسلاميين حسب راي هؤلاء العامة يهدفون الى اصلاح مجتمعاتهم وفق شعار عريض الا و هو الاسلام هو الحل لكنهم بالمقابل لا يعرفون الاهداف الحقيقية للاسلاميين الراهنة و المستقبلية ... ان من الانصاف و العدل ان نعترف ان المغرب عرف منذ 13 سنة الاخيرة على الاقل تطورات هائلة في مجال حقوق الانسان بفضل وعي المؤسسة الملكية العميق بضرورة الاصلاح الشمولي لاوضاع البلاد حين جلوس الملك محمد السادس على عرش المملكة المغربية صيف سنة 1999 حيث وجد وقتها ملفات ثقيلة من قبيل القضية الحقوقية بكل ابعادها و تعدد ملفاتها بحكم ان المغرب عندما حصل على الاستقلال عام 1956 عاش على ايقاع انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان طيلة العقود الموالية لحدث الاستقلال بشهادة العقلاء و ضحايا سنوات الرصاص كما تسمى عندنا . و عندما نتحدث عن تلك العقود من تاريخنا المعاصر فيجب ان نستحضر ان النظام وقتها كان يمنع أي حديث و لو كان سطحي عن وضعية حقوق الانسان ببلادنا تحت ذرائع وهمية تستغل الوحدة الوطنية و الدين الاسلامي لاسكات الاصوات الحقوقية او نفيها من وجه الارض أي القتل و الاختطاف الخ.. و لست اتوفر على معلومات دقيقة حول الجمعيات الحقوقية و سياق ظهورها تاريخيا بالمغرب لكنني اعرف ان ليس من السهل في ذلك الوقت الدفاع عن حقوق الانسان بشموليتها بفعل مجموعة من المسلمات مثل غياب اعلام حر يعكس مختلف الاراء الفكرية و الايديولوجية مهما كانت معارضة للتوجه العام حينها حيث كان الاعلام تحت الرقابة الشديدة و ذا توجه وحيد يقدس اشياء و يحتقر اخرى . و مثل غياب اية سياسة للعدل و المساواة بين جهات المغرب بحكم ان دولة الاستقلال اعتمدت على المركزية المفرطة أي الرباط و الدارالبيضاء و فاس كمحور لهذه المركزية على كل المستويات و الاصعدة مع التهميش الفظيع لجهات بعينها على كافة المستويات و الاصعدة لان دولة الاستقلال استوردت منهج المركزية من فرنسا التي كانت تطبقه على المغرب ابان الفترة الاستعمارية أي سياسة المغرب النافع و المغرب الغير النافع . و مثل مسخ الهوية المغربية منذ الاستقلال من خلال تحويلها الى هوية عربية مشرقية خالصة لا علاقة لها بهوية هذه الارض الامازيغية بشهادة التاريخ و معطياته الكثيرة. منظومة حقوق الانسان في عهد الملك محمد السادس ماذا تحقق و عراقيل؟ من المستحيل نظريا مقارنة بين العهد المبارك لملك محمد السادس كما اسميه و العهد السابق في مجال حقوق الانسان كمنظومة كونية تتطور في كل حين بشكل سريع من ناحية الحقوق الاقتصادية و الحقوق الثقافية و حقوق الشعوب الاصلية . ان المغرب بدا اوراشا للاصلاح منذ السنوات الاولى لهذا العهد شملت عدة ميادين حقوقية كالقضية الامازيغية و القضية النسائية و قضية التنمية البشرية حيث تم تحقيق مكاسب مهمة و تراكم هام يستحق التشجيع في هذه الميادين حيث نشعر بالفخر و الاعتزاز تجاه تجربة هيئة الانصاف و المصالحة النموذجية على صعيد المنطقة المغاربية و منطقة الشرق الاوسط حيث تم تنظيم جلسات عمومية تبث على التلفزة الوطنية للاستماع الى ضحايا سنوات الرصاص حيث لاول مرة في تاريخنا المعاصر يمكن للشعب المغربي ان يعرف جزء صغير من تلك العقود المؤلمة لان هذه الجلسات العمومية حسب راي بعض التيارات الحقوقية و الامازيغية لم تستطع كشف النقاب على حقيقة كاملة في بعض الملفات المعينة دون الدخول في التفاصيل. و بالرغم من ذلك فتجربة هيئة الانصاف و المصالحة تتمتع برصد كبير من الاحترام و التقدير داخل المغرب و خارجه لان لو كنا في بلد اخر يطبق الشريعة الاسلامية كاملة بدون مراعاة العصر فلن يسمح لنا بمجرد الحديث عن حقوق الانسان و بالأحرى الاستماع الى ضحايا حقوق الانسان امام الملا في تلك الدول المعلومة لان هذه المنظومة الكونية في ميزان فقهاء و علماء تلك البلدان تعتبر مناهضة بشكل تام مع الدين الاسلامي نفسه و سيرا على منهج الغرب الكافر . و كما نشعر بالفخر و الاعتزاز تجاه مؤسسة المعهد الملكي للثقافة الامازيغية التي تعتبر مرجع اساسي للنهوض بالامازيغية كثقافة و كهوية على صعيد المنطقة المغاربية حيث ان المغرب اصبح نموذجا في هذا الشان بفضل وجود هذه المؤسسة و بفضل وجود حركة امازيغية ببعدها الثقافي و ببعدها السياسي تناضل من اجل المزيد من الحقوق على كافة المستويات و من اجل بناء دولة ديمقراطية تتبنى خيار المواطنة و خيار العلمانية الاصيلة كما اسميها . ان صعود التيار الاسلامي الى السلطة بعد انتخابات 25 نونبر 2011 يعد شيء عادي كما قلت في بداية مقالي هذا بحكم ان طبيعة المغاربة تميل نحو الدين الاسلامي منذ قرون طويلة و ليس منذ نشاة الحركة الوطنية سنة 1930 حيث ان هذا المعطى تم استغلاله بشكل جيد و دكي من طرف النظام ابان الاستقلال و من طرف الاسلاميين للوصول الى السلطة الان بعدما نجحوا في صياغة الوثيقة الدستورية الحالية على مقاسهم الايديولوجي بحذف مبدأ حرية المعتقد الاساسي في أي مجتمع ديمقراطي كامل المواطنة و الحقوق و اضافة جمل لا معنى لها في الفاصل الخامس و الخاص بترسيم الامازيغية. و الدفاع عن مبدا اسلامية الدولة كشعار عريض يمكن تاويله بشكل سلبي تجاه التضييق على منظومة حقوق الانسان الكونية بالاخذ بعين الاعتبار اسلامية الدولة المفترضة و الشكلية لان المغرب منذ عام 1956 يعتبر دولة اسلامية يحكمها الملك بصفته امير المؤمنين غير ان المغرب لم يطبق الشريعة الاسلامية في الحياة العامة نهائيا بل طبق القانون الوضعي الفرنسي منذ ذلك الحين الى الان كما هو معلوم لدى الجميع دوي الحس النقدي .. و منذ تولي الاسلاميين مقاليد الحكومة مع احزاب اخرى مثل حزب الاستقلال و حزب التقدم و الاشتراكية و حزب الحركة الشعبية أسرعت الجمعيات الحقوقية الى دق ناقوس الخطر منذ تنصيب هذه الحكومة في يناير 2012 حيث لها كامل الحق و المشروعية بحكم وجود وزيرة وحيدة بعد تصويت المغاربة على الدستور الحالي الذي ينص على المناصفة بين الجنسيان الخ من فصول دستور 2011 حيث كان من الاخلاق السياسية ان يحترم مبدا المناصفة داخل هذه الحكومة كمؤشر اولي لحسن نيتها في تنزيل مبادئ الدستور على ارض الواقع عوض تعطيله الى اجل غير مسمى بغية انتظار حدوث معجزة ما في فكر الاسلاميين المغاربة او نزول الوحي عليهم الخ من هذه المعجزات المستحيلة لان عصر المعجزات قد ولى منذ عهد الانبياء حسب اعتقادي المتواضع........ ان هذه الجمعيات الحقوقية تعلم جيدا موقف الاسلاميين من المسالة الحقوقية بمختلف ابعادها و ملفاتها و خصوصا قضيتا الامازيغية و المراة حيث من هذا المنطلق يصعب رجاء أي تقدم نحو تعزيز المزيد من الحقوق الانسانية لان المناخ السائد حاليا قد يعود بنا الى منطلق الحرام و الحلال في حياتنا السياسية و في نقاشنا العمومي كما هو الحال بالنسبة للدول المعلومة في المشرق و التي لازالت بعيدة كل البعد عن منطق العصر و مصطلحاته الاجتهادية لان من المفروض نحن المسلمون ان نساهم ايجابيا في الحضارة الانسانية بشكل عام عوض ان نسلك طريق تكفير العقلاء و حكماء المجتمعات الاسلامية كما حدث في هذه الايام للاستاذ عصيد..... اختم هذا المقال المتواضع بالتذكير ان لا بد من التاصيل في هذه المرحلة أي الرجوع الى علمانيتنا الاصيلة التي تحرم القتل و تعترف بحقوق الانسان و بالتعدد الثقافي و الديني .....