لقد مرت اليوم سنتان وأكثر على "ثورات الربيع العربي" التي انطلقت شرارتها من تونس ومصر ومازال أوارها ماضيا في العديد من الشعوب العربية، وتحاول القوى السياسية والمدنية بمختلف مشاربها الإيديولوجية والسياسية في هذه البلدان، جاهدة في بناء الدولة الوطنية وتكريس فضاءات الحرية والديمقراطية ...، في هذه الأثناء ما زالت تتعالى من حين للآخر، بعض الأصوات المناوئة لهذه الثورات مشككة في جدوائيتها وغايتها وتحكم عليها بالفشل المحتوم. صحيح أن هذه الثورات الشعبية رافقتها العديد من الأخطاء والهفوات سواء في بداياتها أو حينما بدأ يتم البناء في تكريس قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان وبناء الدولة الوطنية وتحقيق التنمية، لكن الثابت، وهذا ما لا يولوه أهمية معارضو الثورات العربية، هو أن هذه الثورات تشكل اليوم منعطفا تاريخيا في منطقتنا العربية و فيصلا حاسما في مستقبلها، فالاستبداد الذي عمر طويلا وخنق الحريات وهضم الحقوق واستغل الثروات ومارس السلطة بشكل منفرد ومفرط، قد ولى إلى غير رجعة. إن هذه الثورات وضعتنا، اليوم، على الطريق الصحيح وهو طريق نحو الديموقراطية والحرية ، وهو طريق صعب وشاق وطويل، فالمرحلة الانتقالية في حياة الشعوب ، كما يذكر المؤرخون في هذا السياق هي من أصعب المراحل التاريخية، وهذه الفترة قد تطول أو تقصر لأنها ببساطة تظل ترتبط بدرجة الوعي لدى النخب السياسية كما الجماهير الشعبية، كما ترتبط بتحسن الخدمات الأساسية وتطور الاقتصاد وبناء وترسيخ المؤسسات... وبالتالي نلح في هذا الإطار على أن الوعي بهذه المرحلة يقتضي من كل القوى والنخب والفاعلين والأفراد، العمل على إنجاح هذه المرحلة، وهو ما يفترض بالضرورة وضع الأهداف الإستراتيجية الكبرى لمشروع الدولة الوطنية والقيم الديمقراطية والحريات والحقوق الأساسية، كما يتطلب وعيا سياسيا ينبغي معه التسلح بقضايا الحوار والتسامح والمواطنة واحترام الرأي المخالف وهي قيم لم يكن يسمح بها الحاكم العربي. إن رحلة "الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة" والخطوة الأولى التي قطعتها الثورات العربية هي أنها حسمت لأول مرة في تاريخ منطقتنا العربية مع الاستبداد والطغيان الذي مورس في الحكم سواء كان فردا أو عائلة أو عشيرة، فساحات الميدان، اليوم وغدا، هي الفيصل عندما يقع سوء تدبير في ممارسة السلطة أو التعسف في استعمالها، أو كل من يريد العودة بنا الى الماضي الموؤود. صحيح أن هناك، اليوم وغدا، إكراهات لا حصر لها أمام هذه الثورات ليس فقط الإكراهات الداخلية حيث إشكالية تدبير الاختلاف بين القوى السياسية في العديد من القضايا وضعف الوعي لدى الجماهير الشعبية وأزمة الاقتصاد الوطني وإكراهات البطالة والخدمات الاجتماعية والبنيات التحتية الأساسية وغيرها. وإنما أيضا الاكراهات الإقليمية والدولية، فأعداء الأمة العربية لا يريدون لنا تحولا يقطع مع الاستبداد والفساد ويفتح لنا أبواب الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ولذا تراهم ينفقون الأموال ويسخرون الأجهزة الأمنية والإعلامية ويشعلون النعرات القبلية والاثنية بين أبناء امتنا، فهم يسخرون كل هذا وغيره، لإخماد جذوة هذه الثورات حتى لا تنتقل الى شعوب امتنا التي ما زالت للأسف ترزح تحت نير الظلم والاستبداد. مهتدي بوزكري 26/03/2013