اعتبر وضاح خنفر، رئيس منتدى الشرق، والمدير العام السابق لشبكة قنوات الجزيرة، أن الإصلاحات التي شهدها المغرب، تعبر عن تحول نحو قدر من الانفتاح والديمقراطية والتعديلات الدستورية والانتخابات الحرة والنزيهة، وإتاحة الفرصة للناس ليأخذوا حظهم من الحركة السياسية، واعتبر ذلك خطوات إيجابية «لو طبقت في بعض الدول العربية التي اجتاحتها الثورات، لكانت ربما المعادلة مختلفة عن ما هي عليه الآن، ولكانت هذه الأنظمة كسبت وقتا وجهدا مقدرا». ويرى وضاح خنفر، أن التجربة المغربية أفضل بكثير من أن تنجرف الأنظمة إلى معاداة الشعوب، وأن تصل إلى لحظة الانفجار والانكسار التام أمام مد شعبي ثوري سيدخل البلاد دائما في حالة انتقال دراماتيكي. «التجديد» حاورت وضاح خنفر، على هامش المؤتمر الدولي الأول للشباب الإعلامي، «ربيع الوعي»، المنعقد مؤخرا بمدينة إسطنبول التركية، وناقش معه محاور مرتبطة بالوضع الإقليمي عقب الثورات العربية، وواقع الإعلام الجديد والتحديات المطروحة. ● ما تقييمكم لمسار ومآلات الثورات العربية؟ ❍ أنا أعتقد أن الثورات العربية في مراحل، المرحلة الأولى كانت عبارة عن كسر النمطية التي كنا نتعامل فيها مع أنظمتنا وحكوماتنا، بحيث ندرك أن القوة الكامنة فينا قادرة أن تتحول إلى قوة فعلية على الأرض، وهذه كانت ضرورية جدا، فالشارع العربي اليوم ليس هو الشارع العربي قبل الثورات العربية، الوعي العربي ليس كما كان في السابق، الإرادة ليست كما كانت في السابق، نجحنا الآن في الوصول إلى هذه المرحلة، والمرحلة التي تليها هي بناء الإجماع وبناء مؤسسات الدولة والبدائل السياسية والديمقراطية، هذه في العادة لا تكون قصيرة الأمد، بل تتخذ وقتا وستمر بعقبات وصعوبات وستواجهها محاذير كثيرة جدا، أعتقد في النهاية الذي سيحدث أن هذه المحاذير وهذه العقبات والمطبات ستنضج فينا وعيا عميقا وستعلمنا جميعا كيف نصل إلى نقطة التوازن في علاقاتنا الداخلية والإقليمية والعربية، تحولنا إلى كيانات سياسية ناشطة وديمقراطية. ● ما هي المحاذير والإكراهات التي تواجه الثورات العربية؟ ❍ أول هذه المحاذير التي تواجهها في المرحلة الحالية، هي التشرذم، لأن تجمعنا كقوة شعبية وأحزاب وتيارات سياسية كان من أجل هدف استراتيجي واحد، هو إسقاط الأنظمة الديكتاتورية، أو المطالبة بالحقوق والحريات كما حدث ببعض الدول العربية، ولكن بعدما حدثت المرحلة الأولى وسقطت بعض هذه الأنظمة، أتيحت لنا الفرصة من أجل انتخابات جديدة، كما حدث في المغرب على سبيل المثال، أعتقد أن الذي حدث بعد ذلك هو أنه صار هناك جدال وحوار خرج عن إطار ما هو معقول ومنطقي، إلى حالة من التشرذم، وفي بعض الأحيان إلى الخروج عن المصلحة العامة لصالح مصلحة حزبية ضيقة. التحدي الثاني هو الإعلام، لا زال إلى يومنا هذا يعاني من حالة من الفوضى، أعتقد أنه لا يزال في كثير من الأحيان غير قادر على الانتقال إلى محلة ما بعد الثورة، الإعلام القادر على البناء الديمقراطي وبناء الوعي السياسي بعيدا عن الأجندات الجزئية الضيقة. وأخيرا تحدي الشباب الذي بإعلامهم الجديد، وقيم اتفقنا عليها جميعا، نراهم اليوم يعانون أيضا من حالة من التشرذم، وتبدأ حركات الإعلام الاجتماعي التفاعلي تأخذ في بعض الأحيان أشكالا حزبية أو إيديولوجية أو مصلحية، وندخل في جدل عقيم ربما لا ينفع في الإجماع الوطني العام. ● كيف كان أداء النخب خلال مرحلة الثورة؟ ❍ النخب بمسارها العام، كانت دائما الأسرع إلى تأييد النظم والاستبداد في الكثير من الأحيان، مع استثناءات ضرورية، أحيانا تكون الأسرع إلى التشاؤم اتجاه الثورات، للأسف الشديد النخب نفسها قصير، وتفضل في كثير من الأحيان مراكز السلطة والنفوذ على الانحيازية إلى النفس الطويل، في النضال من اجل الحرية والكرامة والديمقراطية، أكيد هناك استثناءات، حيث نجد هناك بعض النخب لها دور كبير في قيادة الميادين والتغيير، وما زالت فاعلة وموجودة على الأرض، ولكن كثيرا من النخب الأخرى، التصقت في السنوات الماضية مع أصحاب النفوذ والسلطة، كانوا مشككين ويئسين وميئسين، ولكن إن شاء الله هذه الثورات يجب أن تصنع وعيا جديدا لدى قطاعات واسعة، نتحول فيها من فكرة النخب إلى الوعي الجماعي الذكي الذي يشمل ليس فقط عددا محدودا من الناس، الذين يسمون أنفسهم بالنخب، وإنما قطاعات جماهيرية واسعة. ● ما نظرتكم للتجربة المغربية:الإصلاح في إطار الاستقرار؟ ❍ أعتقد أن ما حدث بالمغرب، تحول نحو قدر من الانفتاح والديمقراطية والتعديلات الدستورية والانتخابات الحرة والنزيهة، وإتاحة الفرصة للناس ليأخذوا حظهم من الحركة السياسية، كل ذلك خطوات إيجابية، لو طبقت في بعض الدول العربية التي اجتاحتها الثورات، لكانت ربما المعادلة مختلفة عن ما هي عليه الآن، ولكانت هذه الأنظمة كسبت وقتا وجهدا مقدرا، المغرب شهد نموذجا قد لا يكون كاملا، ولكن أعتقد أنه أفضل بكثير من أن تنجرف الأنظمة إلى معاداة الشعوب، وأن تصل إلى لحظة الانفجار والانكسار التام أمام مد شعبي ثوري سيدخل البلاد دائما في حالة انتقال دراماتيكي. ● كيف كان أداء الإعلام الجديد خلال الثورات وما مستقبله؟ ❍ الإعلام الجديد في مرحلة ما قبل الثورات العربية كان يشكل وعيا نضاليا مشتركا، وعيا اتسم بالإبداع وتطوير مخيال مجتمعي وسياسي لم يكن موجودا، لدى حركات المعارضة التقليدية، والحركات الشبابية الفاعلة في ذلك الوقت، قدمت بدائل جديدة عن الأحزاب السياسية التقليدية، واستطاعت أن توصل كلمة الثورة إلى الإعلام التقليدي وأن تحمله على تبني تغطية الثورات، وأن تساعده على ذلك. التزاوج ما بين الإعلام التقليدي والجديد أدى إلى لحظة إبداع إعلامي استطاعت أن تغطي الثورات بشكل عظيم، المشكلة التي حدثت أنه بعد سقوط هذه الأنظمة، وانتهاء المراحل الأولى من الثورات، دخلنا مرحلة المصالح والمغانم ووجدنا أن كثيرا من شبكات التواصل الاجتماعي تنحاز إلى رؤى حزبية إيديولوجية أو مناطقية محددة، وتخسر الإجماع الذي بنته في الأشهر أو السنوات الماضية، ومن هنا أقول أن الإعلام الجديد يعيش الآن تحديا حقيقيا في أن يستعيد رسالته الجامعة لا المفرقة والمشتتة أو المجزئة. نتمنى أن ينتقل الإعلام الجديد إلى إعلام ذكي، يحتفظ بالأولويات بذكاء وكذلك بالحصانة ضد الإشاعة والاختراق من الجهات التي تعمل ضد الثورات العربية وضد الوعي الشبابي. فالحاجة اليوم كبيرة إلى «تأسيس شبكات إعلامية ذكية، تستثمر في الطاقات الخلاقة والكفاءات ضمن أطر وقيم تصب في خدمة الأوطان بعيدا عن الحزبية والإيديولوجيات، والمطلوب من الشباب العودة إلى القيم التي انتصروا بها ولأجلها في البداية والبعد عن التناحر، وأذكرهم بأن الساكنين في فيسبوك وتويتر واليوتوب وكل الشبكات الاجتماعية الجديدة، فاشلون إذا لم يحسنوا التواجد في الأرياف والشوارع ومع الناس للبحث عن الموضوعية والواقعية بعيدا عن عدد الأصدقاء على الصفحات ووهم الإنجاز والتقوقع على الذات. ● وبالنسبة للإعلام التقليدي العمومي، ما السبيل لاستعادة جزء من مصداقيته؟ ❍ ينبغي أن يقدم بالفعل خدمة عمومية لفائدة المتلقي، ورأيت إعلاما تقليديا عموميا في بعض الدول التي شهدت ثورات، لم يستطع أن يتحول وإنما بقي مرتبطا بقيم قديمة، ولم يستطع الانتقال إلى إعلام حر ونزيه ومهني، ووجدنا أن هناك جدلا هائلا حول دور الإعلام في تونس أو في مصر أو في الكثير من الدول العربية، اعتقد أن الإعلام العربي يحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى ميثاق شرف صحفي يؤسس لقواعد المهنة، ويسعى إلى تدريب الكوادر البشرية وإلى الابتعاد عن الأجندات الحزبية الضيقة أو الإيديولوجية أو المذهبية. ولاحظنا جميعا أن الإعلام التقليدي في العالم العربي أصبح لا يساهم في صناعة الديمقراطية مثلما ساهم في صناعة وبناء الديكتاتوريات على مدار السنين، المؤسسات الإعلامية التقليدية فقدت بوصلتها، وفقدت سبب تواجدها، وأصبح مصيرها في يد من يملكها ومن يمولها، وأصبح الإعلام الحقيقي يواجه بعد أشهر من ثورة الربيع العربي تحدي وجود بفعل ظهور مئات وسائل الإعلام والوسائط الإعلامية غير المهنية. ● ما حدود العلاقة بين السياسي المتحكم في السلطة وبين خدمة الإعلام العمومي؟ ❍ هي علاقة تاريخية قديمة منذ بداية ما يسمى اليوم بالإعلام، كان دائما السياسي يحاول أن يجير القلم واللسان، لخدمة مشروع سياسي معين، وكان الصحفي الحر والنزيه يحاول دائما أن يجد مسافة فاصلة بين مصلحة السياسي وبين قواعد المهنة يعتز بالانتماء إليها. هذه المعادلة اختلت أثناء الأنظمة العربية الدكتاتورية، ووجدنا أن الإعلام أصبح أداة في يد أجهزة المخابرات وبيد وزارات وبيد وزارات الإعلام والحكومات، وخسر الإعلام صفة النزاهة التي كما يعرف بها في السابق، وبدأ الناس يشعرون ان لا فرق بين الصحفي والعامل من أجل نظام حكم، وخسرنا كثيرا من احترام المهنة، اليوم أمامنا فرصة مع وجود الربيع العربي والزيادة في الوعي الشعبي أن نستعيد هذه المكانة وأن ننطلق بإذن الله تعالى نحو وعي، إعلامي مهني يؤمن بأن المجتمعات لا تبني ديمقراطيتها ولا استقرارها إلا بكلمة نزيهة بعيدة عن التجيير أو التكييف أو التوظيف، وأتمنى أن يؤمن الصحفي أن رسالته رسالة مقدسة ومهمته ليست حزبية ولا جزئية بل هي مهمة، عليه أن ينحاز لقيم الديمقراطية وقيم الحرية والحق والعدالة دون أن تكون قيما حزبية أو شخصية أو مصالح ذاتية. ● حدثنا عن منتدى الشرق الذي أسستموه قبل أشهر؟ ❍ منتدى الشرق مؤسسة تحاول أن تجمع القوى الفاعلة في العالم العربي، لاسيما تلك القوى التي تؤمن بالتغيير والتجديد وأن تكون مرجعية هذه المنطقة لأبنائها، نجري حوارا بين مكونات العالم العربي الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية من كل الخلفيات المذهبية والفكرية والإيديولوجية، من أجل أن نصل إلى وعي مشترك، بكيفية الانتقال نحو المستقبل، بشكل يشارك فيه كل أبناء المنطقة في بنائه، فهذا المنبر فيه ندوات ومنتديات ودورات تدريب صحفية، وفيه أيضا قريبا ملتقيات لرجال الأعمال والاقتصاد. ● ما موقع قضايا الإعلام الشبابي العربي ضمن برامج المنتدى؟ ❍ في القلب منه، لأن لدي قناعة أن الجيل الجديد الذي صنع الثورات، وجيل الإعلام الشبابي الاجتماعي والتواصل، مع قليل من التدريب المهني والعناية الخاصة ببناء المؤسسات، قادر على أن يخلق وعيا إعلاميا جديدا في العالم العربي، أن يتحول من إعلام بديل إلى إعلام أصيل، أساسي ومركزي، وأن يبدأ جيل جديد من الصفيين والإعلاميين الذين يتسمون بالمهنية ولكن أيضا بالشجاعة والجرأة في احتلال موقعهم اللائق والمناسب أمام الشاشات والصحف والمؤسسات الإعلامية الرئيسية. ● رسالتكم إلى الإعلام المغربي؟ ❍ رسالتي للإعلام المغربي هي رسالة لكل إعلامي أو إعلام في العالم العربي، المهنية أولا، إذا انحزنا ننحاز إلى العق الجمعي لأمتنا ولشعوبنا، وللمصلحة المشتركة لأبنائنا وأبناء أمتنا، لا ننحاز لرأي حزبي ولا نكيف الخبر أو نوظفه لخدمة جهة ضد جهة، كذلك رسالتي أننا شهود على الحق، وإذا ارتكبنا مثل هذه التجاوزات، فنحن شهود زور، وشاهد زور لا يخدم أمته، بل بالعكس يجلب العار على مهنته وعلى مجتمعه، وأعتقد أننا ينبغي أن نكون شهود حق وعدل إن شاء الله معينين على الانتقال نحو الديمقراطية.