اختتم بإسطنبول مساء الأحد 4 يونيو 2012، مؤتمر ربيع الوعي، الذي نظمه مركز العلاقات العربية التركية بالتنسيق مع منتدى الشرق، وهو المؤتمر الإعلامي الشبابي الأول الذي يناقش «الإعلام الجديد» الذي تنامي مع هبوب رياح الربيع العربي. واستقطب المؤتمر أكثر من 160 شابا عربيا وتركيا، من 16 دولة، وتناول عدة موضوعات وعلى رأسها قضايا الإعلام الجديد ودورها في الثورات، ومسئولية الشبكات الإعلامية في بناء واقع جديد، والوظائف التي تقع على عاتق الإعلام الجديد، ثم عرض لتجارب نشأت من رحم الثورات العربية، وأخرى ساهمت في فعالية العمل الثوري إعلاميا، وتداول المشاركون في المؤتمر أيضا «الواقع الإقليمي والدولي، وخيارات العمل الشبابي». وشاركت في المؤتمر عدة مؤسسات إعلامية ومسؤولون في قنوات فضائية ووكالات للأنباء وصحف ومجلات مكتوبة، وكذا القائمون على عدد من المؤسسات الناشطة في الإعلام الجديد. اعتبر وضاح خنفر، مدير منتدى الشرق، والمدير السابق لشبكة قنوات الجزيرة، ان الإعلام التقليدي في العالم العربي أصبح لا يساهم في صناعة الديمقراطية مثلما ساهم في صناعة وبناء الديكتاتوريات على مدار السنين، وقال خنفر إن هذه المؤسسات الإعلامية التقليدية فقدت بوصلتها، وفقدت سبب تواجدها، وأصبح مصيرها في يد من يملكها ومن يمولها، وأصبح الإعلام الحقيقي يواجه بعد أشهر من ثورة الربيع العربي تحدي وجود بفعل ظهور مئات وسائل الإعلام والوسائط الإعلامية غير المهنية. وقال وضاح خلال محاضرة قدمها ضمن المؤتمر الدولي الاول للشباب الإعلامي، «إعلامنا الجديد بين الواقع ووالطموح»، والذي حمل شعار «ربيع الوعي»، «'إن الساكنين في فيسبوك وتويتر واليوتوب وكل الوسائط التفاعلية الجديدة فاشلون إذا لم يحسنوا التواجد في الأرياف والشوارع ومع الناس للبحث عن الموضوعية والواقعية بعيدا عن عدد الأصدقاء على الصفحات ووهم الإنجاز والتقوقع على الذات''. ويرى خنفر أن هناك حاجة إلى «تأسيس شبكات إعلامية ذكية تستثمر في الطاقات الخلاقة والكفاءات ضمن أطر وقيم تصب في خدمة الأوطان بعيدا عن الحزبية والإيديولوجيات». من جهة أخرى، اعتبر وضاح خنفر أن أهم نقاط ضعف الإعلام الجديد تتمثل في غياب فقه الأولويات وسهولة تعرضه للاختراق وكذلك سطحيته وخصوصاً في الفترة الأخيرة، داعياً الشباب إلى العودة الى القيم التي انتصروا بها ولأجلها في البداية والبعد عن التناحر. الفرصة التاريخية اعتبر خنفر أن ما يحدث اليوم في الوضع الدولي لحظة تاريخية لا يعرف كيف ومتى بدأت، وقال «في العالم تزامنت التغيرات السياسية مع التغيرات الاقتصادية في نطاق واحد، وتزامنت التغيرات النظرية المنهجية، مع التغيرات الواقعية»، واليوم «نعيش حالة من البحث عن بدائل وحلول فلسفية، للسياسة والاقتصاد وتوازنات القوة، ونعيش حالة تغير على مستوى الواقع في موازين القوى، وفي التحولات الاقتصادية الهائلة»، ليخلص المتحدث إلى أن هناك «بداية تراجع المركزية الغربية بأبعادها الاقتصادية والسياسية والفكرية»، وقال «سنعيش الآن مرحلة من الزمن ليست فيها مركزية عالمية، بعد أن كانت أمريكا تمتلك حق النقد الدولي في أي قرار يصدر عن صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي وبالتالي التحكم في الاقتصاد الدولي، وهذه المركزية الدولية أصبحت من بعد مكلفة لأمريكا، ودخلت مرحلة مغامرة غير محسوبة على مستوى العالم، خاصة مع الغرور الذي أصاب الإدارة الأمريكية مع سقوط الاتحاد السوفياتي، وأصبح أن هناك شعور بأن اللحظة الإنسانية التي تنمو باتجاهات مختلفة انتهت، وأصبح هناك لحظة تاريخية أحادية ذات تيار فكري واحد اسمه التيار الامبريالي الليبرالي يعتمد على اقتصاد السوق». ويعتقد خنفر أنه «ليس التحولات السياسية التي تحدث في العالم ولا الثورات العربية ولا فوز الإسلاميون في مصر هو من يقلقل العقل السياسي الغربي»، وإنما يضيف، «المسيطر على الفكر السياسي هو كيف يمكن عبور هذه السنة دون أن تنهار منظومة الأورو والاقتصاديات التي تسود، وبالتالي الذي يحكم في الحقيقة ليس السياسيون بل أصحاب المال والنفوذ». ويؤكد خنفر أنه «لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية تفتح نافذة يكون فيها التأثير الدولي أقل ما يمكن، بعدما كان التأثير الدولي على العالم العربي هو الحاسم في قمع الشعوب وعرقلة الإصلاحات وتدمير المناخ الداخي»، ويذهب إلى أن «هناك فكرة العبور نحو المستقبل ممكن أكثر من أي وقت مضى، والتي لم تكن ممكن في ظل التوازنات الدولية، وهي نقطة تدعو إلى التفاؤل». وقال وضاح «في العالم العربي والإسلامي استطعنا أن نشكل مرجعيتنا الخاصة، وعلينا أن نبتعد عن أحضان المركزية الغربية»، وأضاف «وفي منتدى الشرق، رؤيتنا أنه ينبغي أن نصنع مركزيتنا الذاتية الداخلية دون الارتهان للمركزية الغربية، العالم الإسلامي لا يمكن أن يتطور وأن يكبر، ليس لدينا أي نقص في منظومتنا التجزيئية، كل المؤهلات نمتلكها فقط علينا أن ننسى الربيع العربي حتى لا نصير نعبده، والثورات العربية ستحيلننا من دكتاتورية إلى أخرى إلا إذا رسخ في وجداننا وفي واقع حياتنا أن الحدود الفاصلة فيما بيننا ينبغي أن تصير حدوت اتصال وليس وصل، إن استطعنا أن نفعل ذلك فنحن على أبواب مركزية عربية إسلامية جديدة». الانطلاقة الرائدة اعتبر محمد مشيش، مدير مركز العلاقات العربية التركية، أن اليوم يشهد «انطلاقة رائدة في فضاء الإعلام»، وأضاف قائلا خلال افتتحا مؤتمر الوعي العربي بإسطنبول، «هو نفسه فضاء الإعلام الذي عانينا من تقييده تارة ومن تكميمه تارة، ومن قتله مرات ومرات، ولكننا نقول هيهات هيهات»، وأعرب المتحدث عن أمله أن «تتعدد منابع الحرية بالمنطقة، حرية ذاقت طعمها الشعوب بعد سنين عجاف، بالرغم من محاولات البعض لتكدير الأجواء وسرقة الأجواء، وأضاف مشيش قائلا، «نصبو في مركز العلاقات العربية التركية إلى تحقيق الحاضر المستقبل، بعد أن رفعنا شعار تاريخ واحد يجمعنا، والإعلام الجديد مصطلح جعلناه من صلب اهتمامنا، خصوصا أنه يُنتج من قبل أفراد يربطهم الالتزام الفردي وقيم ومبادئ اجتمعوا عليها دون اتفاق»، مشددا على أن «عنفوان الشباب وعلو همته، مع شريك ذي فكر نير وصدر رحب تمثل في منتدى الشرق، أدى إلى تكامل شكل فسيفساء في والتجارب والفكر والإمكانيات، من وفود شبابية إعلامية من خمس قارات». العلاقات العربية التركية وبالجلسة الافتتاحية للمؤتمر الدولي الأول، قال مراد مرجان، الرئيس السابق للجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان التركي، «نعرف من أين وإلى أين وصلت العلاقات العربية التركية، العلاقات كانت شبه منقطعة من قبل، وكأن أمريكا أو العواصم الأوروبية أقرب إلى دمشق وبغداد والقدس من تركيا، المفروض تطوير العلاقات دون تردد، ونتطلع إلى العمل المشترك». ويرى المسؤول التركي، أن «الإدارة السياسية التركية جاءت نتيجة حرية الفكر، والعرب بدون أتراك أو الأتراك بدون عرب لا يمكنهم أن يفعلوا شيءا»، مشيرا إلى أن «هناك حاجة إلى عمل مشترك، إذا بكت بغداد فلن تبتسم اسطنبول». وأردف قائلا، «مرت أزمنة وأصبح الوعي يسود وقطعنا أشواطا مهمة، والأيام القادمة حافلة أكثر من حيث المسؤوليات، وقناعتي الشخصية أن مأساة ال100 سنة أو ال150 سنة انتهت، وحان الوقت لتحمل المسؤولية والمستقبل واعد للشباب»، ملفتا النظر إلى أن الثورة الحقيقية بفرنسا جاءت بعد 100 سنة، والتأثيرات الاستعمارية لازالت قائمة في عدد من الدول العربية والأمة العربية مقبلة على التخلص من الهيمنة الاستعمارية وهي في البداية فقط، والمستقبل يجب أن يقوم على نمط جديد، ولا يجب أن تتكرر الأخطاء. وختم مرجان حديثه بالإشارة إلى عدد من التحديات، منها «العقلية العلمانية التي يجب تغييرها»، وأضاف قائل، «هذه العقلية تعود بنا إلى الحضارات الغربية التي تنظر إلينا باعتلاء، والحقيقة أنه لا يوجد شيء نقتبسه من الغرب». تجارب رائدة تميز مؤتمر ربيع الوعي، بتنظيم حلقة نقاشية استعرضت فيها بعض التجارب التي ساهمت في فعالية العمل الثوري إعلاميا من خلال استخدام وسائل الإعلام الجديد. واستعرض سامحي مصطفى المدير التنفيذي لشبة رصد الإخبارية المصرية ، البدايات الأولى لتشكيل الشبكة لتصبح اليوم مؤسسة إعلامية ضمن شبكات الإعلام الجديد، توظف 80 شخصا وتعتمد مآت المراسلين، صنعوا الخبر قبل وإبان الثورة المصرية، وأفاد سامحي، بأن الشبكة تأسست في شهر شتنبر 2010، بهدف فضح التزوير في انتخابات مجلس الشعب، الذي فاز فيها الحزب الحاكم آنذاك بأكثر من 99 بالمائة، وعقدت من أجل ذلك عشرات اللقاءات الإفتراضية عبر الإنترنيت، وأنشأت وحدة الرصد الميداني، التي اعتمدت شعارا لعملها والمتمثل في «راقب وصور ودون»، -رصد-، وتحدث سامحي عن تنزيل 3000 شريط فيديو يفضح التزوير في الانتخابات، تم اعتماده من بعد من طرف النيابة العامة لإسقاط مجلس الشعب المنتخب قبل الثورة، وتطمح الشبكة حسب مديرها التنفيذي إلى بث أخبارها عبر الفايسبوك والموقع الإلكتروني عبر ثلاث لغات، وهي إضافة للغة العربية التي تستخدمها الآن، اللغتين التركية والإنجليزية، ثم أيضا تطوير التجارب المماثلة في الدول العربية ودعمها ونقل التجربة الرائدة التي تستقطب حاليا أكثر من مليون و700 ألف منتسب، وتحقق رقم معاملات مالية من خلال شراكة مع شركة للاتصالات، سيجعلها تتبوأ المرتبة الأولى خلال الأسابيع المقبلة. ومن التجارب الرائدة والتي حضرت أشغال المؤتمر، تجربة شبكة القدس الإخبارية، والتي تأسست بجهد مجموعة من الشباب الفلسطيني قبل عام ونصف، وكان لكل مجموعة من هؤلاء الشباب مبادرة إعلامية لخدمة القضية الفلسطينية واتفقوا على توحيد جهودهم لتأسيس شبكة إخبارية واحدة تحمل سياسة إخبارية مستقلة ومحايدة تنقل الحدث كما هو من فلسطين على قاعدة خدمة القضية الفلسطينية بشكل عام والبعد عن التأثر بالإعلام الحزبي والمسيس. وأفادت الفلسطينية أماني حامد السنوار، بأن الشبكة منذ إنطلاقتها حملت شعار «صورة فلسطين الكاملة»، حيث أكدت أنها تسعى إلى عكس صورة الهمّ الفلسطيني، تضيف أماني في حديث مع «التجديد»، «وعملت ضمن سياسة تحريرية نشرت من أول يوم لعملها، وبقيت إلى الآن هذه السياسة القاعدة الأولى لتحرير ونشر أخبار الشبك»، وترى السنوار، أنه أمام انتقاد بعض المراقبين للإعلام الجديد والتشكيك في مصداقيته، اعتمدت شبكة قدس على مراحل متعددة لتصفية الأخبار قبل نشرها للجمهور، فكل خبر ينشر على الشبكة يمر بمرحلة «فحص المصداقية» بشكل أولي قبل النظر في حصرية الخبر للشبكة، ف»الأهم أن يكون الخبر صادقا وحقيقيا ويعكس الصورة الفعلية للحدث، ثم نحاول أن نخرج من هذا الحدث بصورة إخبارية حصرية، وأحياناً نتجاوز المرحلة الأولى للخبر، إن كان المصدر ثقة لدينا بشكل كامل، بحيث نحرص أن ننشر الخبر بطريقة حصرية بما يعكس -إعلام المواطن- الذي ينقل الحدث كما يراه في وقته»، فريق الشبكة تطوعي بشكل كامل، غالبيته العظمى من الشباب الفلسطيني من مختلف مناطق التواجد الفلسطيني، وتركز الشبكة على قضايا التضامن العربي والدولي مع القضية الفلسطينية، وتكون عين الحدث على مثل هذه الأخبار في كافة مناطق حدوثها عبر التعاون والانتفاح على الجهود الشبابية العربية المتعاطفة مع قضية فلسطين والمسجد الأقصى المبارك. ورشات عمل شكلت ورشات العمل إحدى أهم محاور المؤتمر الإعلامي الشبابي والتي استأثرت باهتمام المشاركين، ناقش من خلالها الشباب الإعلامي بالعالم العربي، أولويات شبكات التواصل في ترسيخ الوعي الديمقراطي، ثم أولويات الشبكات في تعزيز قواعد المهنة الإعلامية والارتقاء بالمستوى المهني للناشطين الإلكترونيين، ثم أيضا أولويات شبكات التواصل في تعزيز التكامل الوحدوي العربي. ورفع المشاركون في الورشات بعد نقاش مستفيض العشرات من التوصيات اعتمد بعضها من طرف إدارة المؤتمر، وفي مقدمتها الإعلان عن إنشاء تنسيقية أو رابطة تجمع مختلف الفاعلين في الشبكات الإعلامية العربية، وينتظر أن يتم تفعيل باقي التوصيات.