أبرقت وأرعدت وجرت في سيولها كل الحضيض حتى وضعته في بركة غطتها مياه راكدة، لا شيء يظهر غير رؤوس شاخصة يخيل لرائيها أنها أغصان أشجار دفنتها السيول وتلوح بيدها لينقذها المارة، هو ذا الحال ومن لا يملك روح السماحة لن يمد يده، لكن عليه أولا أن يعرف حقيقة الوضع قبل أن تنتشله التماسيح، سِماحٌ كُثْر مدوا الأيادي لأنهم لم يسبق لهم أن مروا من تجربة "الذي عضه الثعبان يخاف الحبل"، نزلوا وفي قناعة أنفسهم أنهم يعملون معروفا لأسلاك تحتاج معروفا، هو حال مدينة اسمها خنيفرة زركشت ندوب الأسلاك بدنها المتهالك حتل خيل إلي أنها متشرد يقطع أوصاله بسكاكين حادة ويعانق البرد الذي يحتضنه أيام البرد الذي يعتريه البرد. لعمري وفي الكثير من المناطق التي يحترم سكانها بعضهم البعض رأيت مثل هذا الطاعون الجاثم على صدورنا، فإذا كانت عموم المناطق تنشد التقديم تدريجا إلى الأعلى ففي خنيفرة العكس هو الحاصل، تقدم في إطار التخلف، أناس من كثرة الحرمان يبحثون عن ثغرات ليضعوا أيديهم في أيدي الفاسدين، لأن الذي يهمهم أن يأكلوا ويشربوا ويسعدوا لحظة على حساب لحظات غيرهم أو بالأصح على حساب لحظاتهم المستقبلية، لا أحد يمتلك رؤية استراتيجية على المستوى البعيد، مدينة تمد يدها لكي تسعى الخدمات، وهي التي تعطي كرما خيراتها دون حساب، وكأن بها تتناقض مع نفسها، مدينة تهب كل شيء وتبقى عارية دون رداء أيام القر والبرد، هو التجسيد الأكبر لحالات مفصلة كثيرة تعيش بين أحيائها المهمشة فهلا قلبنا المعادلة؟ حديث اليوم لم يأت من فراغ، حديث اليوم أملته وقائع كثيرة من بينها السعي الحثيث للمخزن الإقصائي بهذه الربوع للاستيلاء على تاريخ المنطقة وطمس هويتها، حيث كشر عن أنيابه وهو يستهدف موقع "تيدار إزايان" - كما استهدف غيرها سابقا – وحط معاوله وأسلاكه بها وهو يروم تحفيظها، في إقصاء تام لذوي الحقوق من أولئك القرويين المستبعدين تماما عن مائدة أعدوها يوم حاربوا المستعمر في الوهاد والجبال بينما كان الخونة في المكاتب المكيفة وجامعات فرنسا يتلقون زجاجات الخمر ويحصدون شواهد جامعية عادوا بها ليعلنوا أنفسهم مرسمين على دواليب الوزارات دون نقاش. حديث اليوم عن الأسلاك حديث مَجاز، لأنه في الوقت الذي انتظرنا ممن في المسؤولية سواء على رأس مؤسسات الدولة أو المؤسسات المنتخبة أن يحموا هذه المدينة من الإقطاع صاروا يطعنونها في الظهر، وبالتالي فردة الفعل يجب أن تكون بفضح هؤلاء، والعمل على تنقية الحوض من كل الشوائب ومن كل الأسلاك التي تعيق السير والخروج من الوحل.