عاد ممثلو سكان 13 قبيلة بإقليمخنيفرة للتجمع والاحتجاج من جديد، أمام عمالة إقليمخنيفرة، يوم الثلاثاء 23 دجنبر 2014، حول مساحة أرضية واسعة بقلب المدينة، ظلت عبارة عن مجمع قصديري محاط بالسور، إلى أن قامت السلطات بإفراغه من مساكنه الصفيحية، وقررت امتلاكه على أساس أن ملاكيه «مجهولون»، وهو ما نشر بالجريدة الرسمية ضمن عددها 5521 المؤرخ في 30 أبريل 2007، وكانت هي النقطة التي أفاضت غضب القبائل، ليتواصل «شد الحبل» بينها وبين السلطات الإقليمية حول هذا العقار الذي يعد من أشهر المواقع باسمه القديم»ديور الشيوخ» أو «تيدّار زيَان» كما كان يسميه الزيانيون الأمازيغيون إبان الفترة الاستعمارية على لوحة قرميدية ظلت معلقة بمدخله قبل تلاشيها، وأشار المحتجون إلى عقارات أخرى أكدوا ملكيتهم لها وتم تفويتها، في غفلة منهم، وهي ساحة «أزلو» التي شوهت معالمها، وميدان الخيول «الكورص» الذي تم تسليم شهادة إدارية في شأنها لشخص قام بالاتجار فيها، حسب قولهم. وقد عرف النزاع حول هذه القضية، وفق معلومات «الاتحاد الاشتراكي»، سلسلة من الحوارات واللقاءات التي جمعت القبائل ال 13 بعدد من العمال المتعاقبين على إقليمخنيفرة، ولم تستقر أي منها على حل مثمر، وكلما اختلف رأي العمال اجتمعت القبائل المذكورة على تمسكها بأحقيتها التاريخية في ملكية العقار، إلى حين فكر أحد العمال ممن تعاقبوا على الإقليم بوضع تصميم لهذا العقار بهدف إعادة تشييده على شكل عمارات صغرى وتعزيزه ببنيات تحتية اقتصادية، في حين جاء عامل آخر ليطلب من سكان القبائل المعنية بالأمر ، تعيين نائب عن كل قبيلة بواسطة وكالة شرعية، الأمر الذي أعاق خطوة الحسم في ما تم الاتفاق عليه، والقاضي بتقسيم العقار وتسليم شهادات إدارية للقبائل المعنية قصد تحفيظ العقار وتمليكه بالطرق القانونية، مع أخذ بعين الاعتبار وضعية السكان الذين أقاموا أكواخا داخله بأن تمنح لهم بقع أرضية بتجزئة «تازارت إعراضن» في إطار سياسة الإسكان الممنهجة. ويفيد بعض ممثلي القبائل المذكورة أن عاملا سابقا كان قد نصح سكان القبائل ال 13، في أحد الاجتماعات، بالحسم في الموضوع، وقالوا بأن هذا العامل أخبرهم، يوم ثالث ماي من عام 2000، بأنه راسل وزارة الداخلية في الموضوع وجاء الجواب (تحت رقم 671/م.خ.ق.ت.ج) بما يفيد أن الوزارة تؤكد على أحقية القبائل في العقار المذكور، وتتعهد أمام الوكلاء بتفعيل ما اتفق عليه فور تكوين الملفات الإدارية لكل وكيل تمنح له الشهادة الإدارية قصد التمليك، وعلى أساس أن تتكلف العمالة بتقسيم ساحة العقار بين القبائل المعنية تحت إشراف مهندس معماري. وقد تم تعليق كل ما تم الاتفاق عليه في عهد عامل آخر عُيّن على رأس الإقليم فأغلق الباب في وجه كل المحاولات الرامية إلى احتواء ملف القضية، لتفاجأ القبائل بقيام هذا العامل بالضغط على المجلس الإقليمي لاتخاذ قرار يقضي بنزع ملكية العقار من هذه القبائل، واعتبار سكانه «مجهولين» رغم وجود عقود كرائية ووصولات ضريبية، ووثائق يعود تاريخها إلى عام 1922، ولم يكن في حسبان القبائل المذكورة أن قرار المجلس الإقليمي سيتم نشره بالجريدة الرسمية، والذي لم يفتهم وصفه في بيان لهم ب «القرار الخطير الذي يهدف إلى الاستيلاء على عقار يخص قبائل زيان» وهو الذي «لا يقبل التفويت أو التصرف فيه» بحسب رأي أصحاب البيان آنذاك. وفي تصريحاتهم ل «الاتحاد الاشتراكي»، شدد ممثلو القبائل على أن أحقيتهم في العقار باعتباره «مِلكا شيده الآباء والأجداد بسواعدهم الخاصة ومجهود أفراد القبائل»، ويأتي التصرف «الفردي»، كما وصفه أصحاب البيان، في الوقت الذي أصر عامل الإقليم «على إغلاق باب الحوار الذي كان قد فتحه من سبقوه من العمال مع ممثلي ذوي الحقوق»، «انطلاقا من أن التاريخ والواقع يثبتان أن العقار موضوع القضية مملوك للقبائل المذكورة، وموروث أبا عن جد، وخير شاهد إثبات على ذلك هي «الرخامة» التي ظل الباب الرئيسي للملك المذكور يحملها وعليها عبارة أمازيغية (تيدار زيان)، منقوشة بالحروف الفرنسيةTIDDARR IZAIANE ومعناها «دور زيان»، وقد تحطمت الرخامة بفعل عوامل الطبيعة والمضاربات العقارية، إلا أن صورها لاتزال محفوظة بين مختلف الأرشيفات والوثائق». وعلاقة بالموضوع سبق لأصحاب القضية، عقب تجمع لهم، أن خرجوا بقرار متابعة المجلس الإقليمي بالمحكمة الإدارية أو غيرها من المحاكم المختصة، والتفكير في اعتصام تحت الخيام داخل العقار المتنازع عليه في أفق تنظيم مسيرة سلمية صوب العاصمة الرباط، ولم يفت المجتمعين وقتها الإعراب عن احتجاجهم الشديد حيال عدم إشراكهم في عملية إحداث مشروع بالعقار ضمن برنامج تأهيل المدينة، ولا حتى تحديد طبيعة هذا المشروع، كما استنكروا موقف أعضاء الحكومة الذين تمت مراسلتهم في الموضوع دون أن يصدر عنهم أي موقف إيجابي . هذا وسبق أن حصلت «الاتحاد الاشتراكي» على نسخة من رد كتابي لعامل سابق على مراسلة وجهتها له القبائل المعنية بملف عقار «ديور الشيوخ»، إذ قال فيه «إنه في إطار الاهتمام الذي يوليه المسؤولون المحليون والإقليميون لمدينة خنيفرة، جاء قرار نزع ملكية العقار المذكور بقرار من المجلس الإقليمي، خلال دورته الاستثنائية المنعقدة بتاريخ 20 مارس 2005، وطبقا لمقتضيات القانون 81/7 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة، وعملا بالمادة 10 من ذات القانون، تم طيلة مدة شهرين (ابتداء من 22 نونبر 2005 الذي يوافق نشر مشروع المرسوم الوارد بالجريدة الرسمية عدد 4908) وضع ملف البحث والسجل المعد لتدوين الملاحظات والتصريحات رهن إشارة العموم بمقر بلدية خنيفرة لإتاحة الفرصة لكل من له الصفة القانونية تدوين تصريحاته أو تعرضه، ولم يتقدم، يضيف الجواب العاملي، أي من الملاكين خلال هذه الفترة بالتعريف بنفسه أو تقديم أي تعرض أو تصريح، وبالتالي تم اعتبار ملاكي العقار موضوع القضية مجهولين». وعند صدور المرسوم رقم 190-07-2 الصادر في 22 ربيع الأول 1928 الموافق ل 11 ابريل 2007 ب «إعلان أن المنفعة العامة تقضي بإحداث مشروع اجتماعي مندمج بمدينة خنيفرة»، وب «نزع العقار المسمى «ديور الشيوخ»، أضاف ذات المسؤول الإقليمي أنه «في إطار هذا الغرض تم إيداع مبلغ التعويض المحدد من طرف اللجنة الإدارية للتقويم بصندوق الإيداع والتدبير لتمكين ذوي الحقوق المفترضين من الحصول على التعويض المستحق لهم»، مضيفا «أن الإجراءات المسطرية المنصوص عليها في القانون المشار إليه قد تم احترامها في جميع المراحل، وبناء عليه صدر الحكم القاضي بحيازة العقار موضوع نزع الملكية من طرف القضاء الاستعجالي بالمحكمة الإدارية بمكناس، كما صدر حكم قضائي آخر بإجراء خبرة من طرف خبير معين لهذا الغرض، ومن هذا المنطلق رأى نفس العامل المذكور أنه يتعين على من يعتبرون أنفسهم ذوي حقوق أو لهم وكالة شرعية من طرف من يوكلونهم اللجوء إلى القضاء للمطالبة بحقوقهم. وبينما طالب عدد من المهتمين برد الاعتبار لقبائل زيان عبر معالمها التاريخية والنضالية، والاعتراف بحقوقها اللغوية والثقافية والهوياتية، أشارت مصادر «الاتحاد الاشتراكي» إلى خبر زيارة قام بها مسؤول جهوي عن قطاع الثقافة ل «ديور الشيوخ» (تيدار زيان)، خلال الأسبوع الأول من شهر غشت الماضي، رفقة أعضاء من «جمعية زيان للمحافظة على التراث والتنمية»، ووقف على تاريخ المعلمة ومكانتها على مستوى المنطقة. «ملف ديور الشيوخ» أو «تيدّار زيان» بخنيفرة ليس قضية عادية في كل الأحوال، من حيث نوعية النزاع التاريخي القائم بصددها، سيما في ظل وضعية «شد الحبل» القائمة بين القبائل المعنية به والعمال المتعاقبين على مقعد عمالة خنيفرة، حيث خطا هذا الملف خطوات أخرى داخل النفق المسدود بأن شددت السلطات الإقليمية على حله ب «يد من حديد»، قبل خروج مصادر مسؤولة من عمالة الإقليم بأنها «تتوفر على تصاميم بالأرشيف تؤكد أن العقار المتنازع عليه كان تاريخيا عبارة عن مساحة مشجرة، وأن القبائل المذكورة لا تتوفر على أية وثيقة تثبت ملكيتها للعقار»، ما اعتبره ممثلو القبائل محاولة يائسة لطي الملف. وفي قيام السلطات المحلية مؤخرا باقتراح الموقع على عدد من الباعة المتجولين، عادت القبائل ال 13 إلى ساحة الاحتجاج، معبرة عن استغرابها من عدم الاكتراث بنداءاتها، وأنها، بمعية عموم أبنائها المعطلين، هي الأولى بالحق في المكان دون غيرها!