I - بداية الحكاية المشهد الأول: يوم الجمعة 19.02.2016 تصل حافلة تنقل عددا من اللاجئين إلى مدينة كلاوزنيتس في ولاية ساكسونيا، قبل أن يهم هؤلاء بالهبوط من الحافلة لكي يدخلوا إحدى الملاجئ المعدة لاستقبالهم يتم اعتراض الحافلة من قبل مجموعة من سكان المدينة من مختلف الأعمار في حالة هيجان و هم يصرخون "نحن الشعب" فيما البعض منهم يدعو اللاجئين المذعورين من هول الصدمة بالعودة من حيث أتوا. المشهد الثاني: ليلة الأحد بتاريخ 21.02.2016 في مدينة باونيتس في نفس الولاية يقوم أحدهم بإشعال حريق في إحدى البنايات المعدة لاستقبال اللاجئين فيما يهلل مجموعة من الحاضرين فرحا بهذا الحريق. في صفحتها الأولى عنونت صحيفة "برلينغ تسايتونغ" "يهللون فرحا حين تشتعل النار" و هذا تذكير بما حدث في 9.11.1938 حين قام أعضاء من الحزب النازي بإضرام النار في معابد اليهود في مختلف أنحاء ألمانيا حيث هلل آنذاك بعض السكان فرحا بإحراق تلك المعابد. هما حدثان خطيران ينضافان إلى مجموع الحوادث المتتالية منذ تفاقم ما يسمى حاليا في الخطاب السياسي والإعلامي "أزمة اللاجئين" دون ذكر عشرات الملاجئ التي تم إحراقها منذ أكثر من سنة من قبل ما يسميهم الإعلام والساسة في ألمانيا "بالمواطنين القلقين" و هو مصطلح يشير في الخطاب السياسي حاليا إلى المواطنين ذوي الحساسية من تزايد عدد الأجانب والمسلمين على وجه الخصوص و هؤلاء في أغلبهم ذوي توجهات عنصرية و يعتبرون أن الثقافة الألمانية والأوربية مهددة. دعونا الآن نعد قليلا إلى الوراء لنتتبع كيف ابتدأت الحكاية من الأول لكي تكون لدينا نظرة شمولية للأمور. تميز شهرا يوليوز و غشت من السنة الماضية بمشاهد سريالية في كبريات المدن الألمانية لاستقبال حافل لمجموع اللاجئين و هو منظر بدا لي غريبا شيئا ما نظرا للعقلية الألمانية ذات الطابع الانعزالي والذي يكون حذرا في تعامله مع الآخر. اصطلح على هذه الفترة في وسائل الإعلام "بثقافة الترحاب". لكن شهر العسل هذا لم يدم طويلا إذ مع بداية شهر شتنبر ستتغير نبرة الخطاب تجاه التدفق الكبير لأعداد اللاجئين و غاب خطاب العقل حيث ارتفعت الأصوات متنوعة بين الشعبوي منها إلى اليميني العنصري. و اقتراح الحلول السهلة لمشكل معقد هو السائد و تنوعت هذه الحلول بين من يطالب بإغلاق الحدود أو تحديد سقف معين لعدد اللاجئين و ذلك على غرار النموذج النمساوي، فيما هناك من ذهب بعيدا في تطرفه فمثلا زعيمة الحزب اليميني المتطرف "بديل المانيا" طالبت الشرطة بإطلاق النار على اللاجئين في الحدود لمنعهم من دخول ألمانيا، أما نائبتها فتجاوزتها تطرفا حيث دعت إلى إطلاق النار على النساء والأطفال تحديدا، زميلهما في الحزب دعا قبل يومين إلى إغلاق شامل للحدود و اعتبر أنه يجب تحمل المشاهد القاسية للاجئين و لا يجب أن تؤثر فينا أعين الأطفال. II - ما بعد أحداث كولونيا تعتبر أحداث كولونيا لراس السنة النقطة التي صبت مزيدا من الزيت في النار، يجب التذكير في هذا الإطار أن الغاية هنا ليست الحديث عما جرى في الليلة المشؤومة أثناء الاحتفال برأس السنة الجديدة حين قام مجموعة من الشبان بالاعتداء على النساء والفتيات من خلال السرقة والتحرش الجنسي وهو ما يجب استنكاره، لكن ما يهمنا هنا بالأساس هو معالجة تبعات هذه الأحداث وتحول الخطاب السياسي والإعلامي وتأثير ذلك على صورة المهاجر المغاربي بالخصوص والعربي عموما. جل الخطاب الحالي و هو ما يلاحظ من خلال تتبع معظم البرامج الحوارية والتحليلات الصحافية تذهب بعيدا في معالجة ما وقع مع التركيز على إلصاق كل ما هو سلبي بالمغاربيين والمبالغة في الحديث عن ارتفاع الأفعال الإجرامية لهذه الفئة، منهم من ذهب بعيدا في تحليله بمحاولة الربط بين ما جرى و علاقة ذلك بالإسلام. إشكالية التحرش يجب معالجتها في إطار شمولي لأنها ليست حكرا على جنسية معينة، وهو الأمر الذي نبهت إليه الباحثة السوسيولوجية بجامعة فرانكفورت كيرا كوزنيك، حيث اعتبرت أن الخطاب السياسي الحالي يتجه إلى معالجة مثل هذه الوقائع بشكل مخالف تبعا لأصل من قام بالفعل، حيث قدمت مثالين على ذلك، فمثلا حين يكون هناك احتفال كبير للألمان و يحدث أن يتحرش الرجال الألمان بالنساء والفتيات، هنا الأمر لا تعطى له الأهمية الكبيرة بحجة أن هذا التحرش هو تبعة فقط للمبالغة في شرب الخمر، لكن ردة الفعل تكون مغايرة حين يقوم بنفس الفعل شخص من أصل مغاربي أو عربي، حيث يقال هنا أن صفة التحرش متجدرة في المجتمعات المغاربية والعربية، فمثل هذه الأفعال تعكس الصفات الخصوصية لهؤلاء الأشخاص. و هذا النوع من الخطاب سمته نفس الباحثة بالعنصري، حيث أن ثقافة شخص ما هي المحدد الأساسي والوحيد لفهم تصرفاته، طريقة فهمه أو كيفية ردود أفعاله، في هذا الإطار يستعمل مفهوم الثقافة في معناه السلبي الإثني لتمييز فئة معينة من الناس. و هو نوع من الخطاب مطابق للنظريات الاستعمارية والعنصرية التي كانت و لازالت ترى أن صفات معينة والتي في أغلبها سلبية تنطبق على أناس من أصول معينة، فمثلا الرجل المسلم عنيف و يتسم في تصرفاته تجاه المرأة إلى اعتبارها مجرد وسيلة لإشباع رغباته، أما المغاربي فمعروف عليه صفات الإجرام إلى غير ذلك من النعوت ذات الخلفية العنصرية. بالطبع لا يجب تعميم ما سبق على جل الخطاب السياسي الدائر حاليا على اعتبار تواجد خطاب مواز بديل و تنويري منذ وقت طويل ينظر إلى الأمور من زاوية مخالفة و يحاول تقديم الحلول لمختلف المشاكل بشكل عقلاني بعيد عن الكليشيهات والخطابات العنصرية، لكن رغم ذلك يبقى هذا الخطاب خافت الصوت ولا يصل إلى مختلف الفئات المجتمعية. III - موقف المهاجرين المسلمين من أزمة اللاجئين في مقال نشر في صحيفة "فرانكفورتر الكيماين تسايتونك" بتاريخ 10.02.2016 انطلقت الكاتبة ياسمين اركين من ملاحظتها حول انتشار مشاعر رفض اللاجئين في أوساط الألمان ذوي الأصول المسلمة و تساءلت عن سبب هذه المشاعر على اعتبار أن معظم هؤلاء دخلوا هم كذلك إلى المانيا كلاجئين. و في استطلاع للراي أجري في شهر أكتوبر الماضي بطلب من صحيفة "فيلت أم زونتاغ" صرح 40% من الأجانب المستجوبين أنه يجب استقبال عدد أقل من اللاجئين، في حين أن نسبة 24% منهم ذهبت بعيدا إذ صرحت أنه يجب التوقف عن السماح للاجئين بدخول ألمانيا. و بغض النظر عن لغة الأرقام و بقليل من الفطنة و دون الحاجة إلى استقراء ميداني للآراء سيندهش المرء من هول ما يسمع بخصوص موقف المهاجرين والمسلمين منهم على الخصوص من أزمة اللاجئين، و جل هذه المواقف تصب في خانة الطروحات اليمينية المتطرفة و هو أمر غريب يحتاج إلى بحث معمق. فمثلا تسمع من يقول أن المغاربيين هم سبب المشاكل و أنه من الصعب عليهم أن يندمجوا، فيما آخرون يصرحون أن اللاجئين السوريين والعراقيين يأتون لألمانيا فقط لغرض الاستفادة من المساعدات الاجتماعية، و جل هذه المواقف يتم استغلالها حاليا من قبل اليمين المتطرف في الحملات الانتخابية الجارية لاستمالة أصوات الأجانب و هو ما ساهم أيضا في صعود أسهم هذا اليمين مقارنة مع الأحزاب الأخرى و جل التوقعات تصب في اتجاه حدوث زلازل انتخابية في الانتخابات البلدية والجهوية التي ستجرى في بعض الولايات في شهر مارس. إنه إذن لأمر محزن أن يظن شخص ما هرب من ويلات الفقر والبطالة أن تواجده في ألمانيا سيكون مهددا إن كثر عدد اللاجئين الهاربين من ويلات الحرب والذين يبحثون عن الأمان، و هذا للأسف دليل على اختفاء قيم التضامن والانسانية. بقلم: عزيز فرحات