ليس غريبا أن يطلع علينا الأستاذ محمد اليازغي من خلال مذكراته، بمواقف عدائية لأغلب مكونات الحركة الاتحادية وللمؤسسين الفعليين لحركة المقاومة وجيش التحرير الذين ساهموا بشكل فعال في النضال الوطني والديمقراطي. الأستاذ محمد اليازغي لم يحصل له شرف تأسيس الحركة الاتحادية التي لم يلتحق بها إلا أثناء المؤتمر الوطني الثاني للاتحاد الوطني للقواتالشعبية في ماي 1962، وإن كان قد ادعى أنه انخرط في صفوف الحركة الوطنية سنة 1954 رغم صغر سنه وهذه ظاهرة استثنائية في تاريخنا إبان تلك المرحلة ! في خضم حديثة عن تاريخ الحركة الاتحادية تغافل ذكر العديد من المحطات التاريخية الحبلى بالشهداء الذين سقطوا دفاعا عن قضايا الشعب المغربي وطليعته؛ الحركة الاتحادية الأصيلة، لم يذكر هذا القيادي الاتحادي الشهيد مولاي الشافعي الذي أسقطه رصاصالمؤسسة المخزنية بواسطة غير مأسوف عليه القبطان الغول، ونُفذ في القبطان المذكور حكم الإعدام نتيجة قتله الشهيد مولاي الشافعي والتمثيل بجثته في ضواحي مدينة مراكش، كما تغافل ذكر الشهيد محمد بن حمو الفاخري الذي دافع عنه المناضلان الاتحاديان عبد الرحمان بن عمرو والأستاذ المرحوم البوحميدي وحوكم بالإعدام، بل تدخل المحاميان المذكوران لدى الحسن الثاني لوقف تنفيذ الحكم، ووعدهما أن يكون في الأمر خير، إلا أنه نكث وعده ونُفذ حكم الإعدام في حق الشهيد محمد بن حمو الفاخري ورفاقه من مناضلي الحركة الاتحادية، كان ذلك أثناء تولي امحمد بوستة وزارة العدل، كما تجاهل الإشارة إلى شهيد الحركة الاتحادية أحمد اكوليز (شيخ العرب) وهو كذلك أحد مناضلي حركة المقاومة وجيش التحرير، ومن أبرز المؤسسين للحركة الاتحادية الأصيلة، وبفضل هؤلاء وغيرهم من شهداء ومناضلي الحركة الاتحادية الأصيلة، تمكن الأستاذ محمد اليازغي من دخول قبة البرلمان منذ 1977 والفوز بحقيبة وزارية منذ سنة 1998، بهم قاد حملته الانتخابية باعتباره منتميا لحركة الشهداء والمناضلين الذين أفنوا حياتهم في أقبية المخابرات وزنازين النظام، ففي علاقته بالحركة الجماهيرية استعمل خطابا تبنى فيه شهداء الحركة وتضحيات مناضليها، ومع المخزن تبرأ من تاريخهم، إنه منتهى التناقض، بل النصب على الجماهير الشعبية. الأستاذ محمد اليازغي شكك في نزاهة وصدق رموز الحركة الاتحادية الأصيلة، وعلى رأس هؤلاء: المناضل والقائد الفذ فقيد الشعب المغربي الفقيه محمد البصري الذي وصل به الافتراء إلى حد اتهامه بالعمالة للنظام الجزائري الذي استولى على الحكم بشكل لا شرعي بعد انقلاب 19 جوان 1965، ومن خلال هذا الاتهام، فإنه يتهم العديد من المناضلين منهم من استشهد ومنهم من عانى التعذيب والسجون، ويتجرأ اليوم الأستاذ محمد اليازغي بوصفهم بالعمالة للنظام الجزائري، وهذا ما لم يجرؤ عليه نظام الحسن الثاني الذي واجهوه بالسلاح، وكان هدفهم الإطاحة به. الفقيد الفقيه محمد البصري لم يغادر المغرب إلا في سنة 1966 بعد خروجه من السجن في أبريل 1965، وفي هذه السنة استتب الأمر لجماعة الهواري بومدين بعد انقلاب 19 جوان 1965 ضد القيادة التاريخية والشرعية للثورة الجزائرية ممثلة في شخص المناضل أحمد بلة الذي سبق اختطافه إبان حرب التحرير الجزائرية من فوق سماء المغرب على يد الاستعمار الفرنسي، مع مجموعة من رفاقه من ضمنهم الرئيس الشهيد محمد بوضياف. إن أول ما قام به نظام هواري بومدين هو إغلاق مراكز التدريب العسكري لمناضلي الحركة الاتحادية بل واعتقالهم والتنكيل بهم، بعد أن كان الرئيس أحمد بله يقدم الدعم للحركة، ومستعدا لجعل الجزائر قاعدة خلفية للثورة المغربية ضد النظام المخزني الذي بوأ رموز الخونة والعملاء وخدام الاستعمار مواقع القرار في أجهزة الدولة ضدا على المواطنين والأحرار المغاربة الذين كان مصيرهم الاستشهاد والتعذيب والغربة والنفي رغم أنهم من تصدوروا صفوف المقاومة ضد الاستعمار، ولازال بعض قادة تلك المراكز بالجزائر أحياء كما هو الحال مع محمد أوجار (سعيد بونعيلات) والكولونيل بن حمو، وهما من المؤسسين لحركة المقاومة وجيش التحرير. وأتمنى أن يتحدثا عن تلك المرحلة باعتبارهما من رموزها، كما أن لديهما من المعطيات ما يفيد تلك المرحلة. في سنة 1966 خرج الفقيد محمد البصري من المغرب، ولما وصل إلى الجزائر وجد مناضلي الحركة الاتحادية في وضعية حرجة ويائسة جراء ما تعرضوا له من اعتقال وتعذيب وتهديد بتسليمهم لنظام الحسن الثاني، ووقفِ الدعم الذي كانوا يتلقونه كلاجئين سياسيين أيام الرئيس أحمد بن بلة، فالذين كانت وضعيتهم مريحة هم من ارتبطوا بالفقيد مجيد العراقي الذي كانت له علاقة مصاهرة مع المرحوم عبد الكريم بلقاسم، والكلام عن هذه المرحلة فيه الكثير من المواجع نتركها لمرحلة أخرى لكونها تمس ببعض الشخصيات، وإن كان لزاما سنأتي على ذكرها في مرحلة لاحقة، فهذا الوضع كان شبيها بالوضع داخل المغرب بعد انتفاضة 23 و 24 مارس 1965، وإعلان حالة الاستثناء، واختطاف واغتيال شهيد الشعب المغربي المهدي بنبركة، ومصادرة وسائل الإعلام الحزبية، وإغلاق المقرات الحزبية. وفي ظل هذه الأجواء المظلمة رحبتْ سوريا نور الدين الأتاسي و يوسف زعين وإبراهيم ماخوس الذين بعثوا حزب البعث من جديد قبل عسكرته من طرف حافظ الأسد في انقلاب أكتوبر 1970، بمناضلي الحركة الاتحادية واحتضنتهم ومنحتهم قاعدة للتدريب بمنطقة الزبداني مع مقاتلي الثورة الفلسطينية في تنظيم الصاعقة، فالثلاثي المذكور سابقا بعد تسلمه السلطة في الوطن السوري، وهم من شكلوا الجناح اليساري داخل حزب البعث، كانت لهم علاقة مع مناضلي حركة التحرير العربية وصداقات مع العديد من هؤلاء الأطر ضمنهم المناضل والصحفي المقتدر والمثقف العصامي الفقيد الأخ محمد باهي. تطرق الأستاذ محمد اليازغي إلى موقف محمد بنسعيد أيت يدر، ومولاي عبد السلام الجبلي من ممارسات الفقيه محمد البصري وأساليبه التنظيمية، ولكنْ لم يتطرق لموقف الفقيد عبد الرحيم بوعبيد من القضية نفسها لما اتصل بهما قصد تقريب الشقة بينهما وبين الفقيه البصري، حيث خاطبهما الفقيد بوعبيد بقوله: " الفقيه كيعمل شي حاجة أما أنتما فلا تفعلان شيئا" ماذا يعني هذا؟ فالحركة الاتحادية دون الجناح النقابي، كانت تهدف إلى الإطاحة بنظام الحسن الثاني، ولعل بيان اللجنة الإدارية التي قررت المشاركة في الانتخابات التشريعية لسنة 1963 والتي دخلتها الحركة بإستراتيجية تفجير المؤسسات من داخلها لخير دليل على ذلك، فصيغة البيان واضحة وجلية حيث أعلن" أن علاج هذا النظام يكمن في زواله" كما أن شهيد الحركة المهدي بنبركة صرح في لقائه بجبهة التحرير الفيتنامية سنة 1964 بالجزائر حين سُئل عن أشكال النضال التي ستمارسها الحركة الاتحادية إزاء النظام الملكي أجاب " بأننا سنبدأ بالعمل المسلح قريبا". والشهيد عمر بن جلون قال لنا في السجن المركزي بالقنيطرة في صيف 1973 " الفقيه الله يهديه ازرب كان عليه الانتظار ستة أشهر وسيرى الشريف هاز البالزو" ماذا يعني هذا؟ ألا يعني أن الحركة الاتحادية الأصيلة كانت حاسمة في موقفها من نظام الحسن الثاني، هذا الموقف لم يكن يعني إلا الإطاحة به. نحن نتحدث عن التاريخ، فتاريخنا مع الحسن الثاني كان تاريخ صراع، كانت الحركة تفاوض ولكنها كانت في الوقت نفسه تستعد للإطاحة به، ومن هنا كان يقال" شي ايكوي وشي إبخ " كان الفقيه البصري {يكوي} وعبد الرحيم بوعبيد{إبخ}. في مرحلة الستينات من القرن الماضي لم نكن نعرف ولا نسمع بإطار اتحادي يسمى محمد اليازغي، كنا نعرف ونسمع عن عبد الرحمان القادري وحميد برادة ومحمد الحلوي وعبد اللطيف المنوني ومحمد الخصاصي وفتح الله ولعلو وغيرها من الأسماء دون أن نعرف ونسمع عن إطار اسمه محمد اليازغي، فكاتب هذه السطور لم يرَ اليازغي إلا في سنة 1967 بمناسبة لقاء للشبيبة الاتحادية بمقر الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بشارع الحسن الثاني فوق محطة الساتيام بالرباط، والذي ترأسه الفقيد عبد الرحيم بوعبيد. عضو قيادي آخر في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية صرح في أحد حواراته في القناة الثانية بعد تشكيل حكومة التناوب التوافقي وهو الأستاذ عبد الواحد الراضي بقوله: " كنا نريد القضاء على النظام، وكان يريد بدوره القضاء علينا فلا نحن استطعنا القضاء عليه، ولا هو استطاع القضاء علينا، وفي النهاية وصلنا إلى التوافق"، ألا يعني هذا الكلام أن الحركة الاتحادية كانت تضع نصب أعينها الإطاحة بنظام الحسن الثاني؟ إننا داخل الحركة الاتحادية كنا نعتبر العنف الموجه ضد النظام يكتسب مشروعيته الأخلاقية لأنه رد فعل اتجاه العنف الذي كان موجها ضد الحركة بعد الانقلاب الذي قاده الحسن الثاني لما كان وليا للعهد ضد الحكومة الاتحادية التي كان يرأسها مولاي عبد الله أبراهيم في ماي 1960، والتي كانت أهدافها وضع المجتمع المغربي على سكة تنمية اقتصادية حقيقية من خلال أول تصميم خماسي والذي وضعه ثلة من المناضلين أمثال محمد الحبابي وابراهام السرفاتي وطبعا وزير الاقتصاد آنذاك الفقيد عبد الرحيم بوعبيد، فهذا الانقلاب كان بإيعاز من القوى الاستعمارية لعرقلة بناء مجتمع ديمقراطي متحرر. فإذا كان الأستاذ محمد اليازغي يعتبر ذلك خطأ ويطلب من الفقيد المناضل محمد البصري تقديم نقد ذاتي إن هو أراد الالتحاق بالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في الوقت الذي يُعتبر الفقيه من المؤسسين الأوائل للحركة الاتحادية الأصيلة، وبنضاله وكفاحه واستماتته أصبح للحركة الاتحادية عمق جماهيري كبير استغله الأستاذ اليازغي في الانتخابات، وبه حصل على مقعد في البرلمان وحقيبة وزارية. فإذا كان الحسن الثاني قدم نقدا ذاتيا لممارسته السياسة أثناء آخر زيارة له لفرنسا لحضور العيد الوطني الفرنسي في يوليوز 1999 بأنه: " أخطأ في 60 بالمئة من سياسته ولم ينجح إلا في 40 بالمئة، محملا مسؤولية ما وقع فيه من أخطاء إلى البطانة التي كانت تحيط به". الأستاذ اليازغي الذي يُعرف بقدرته على حبك المؤامرات ضد المناضلين، وهذا توجيه أملاه عليه الحسن الثاني، فبعد صدور الأحكام في حق مناضلي تجربة 3 مارس 1973 بالمحكمة العسكرية بالقنيطرة في 30 غشت 1973 حيث صدرت أحكام قاسية في حق ثمانين مناضلا من بين 159 متهما تراوحت ما بين الإعدام والمؤبد وعشرين سنة وعشر سنوات وخمس سنوات وحكم بالسجن لمدة سنتين متهم واحد لا ارتباط له بالحركة تم نقل بعض المفرج عنهم إلى معتقل تمارة، والبعض الأخر إلى الكوربيس، وفي أبريل 1974 أُعِيد بعضٌ ممن صدر حكم البراءة في حقهم إلى السجن المركزي بالقنيطرة، والبعض الآخر إلى سجون أخرى، ومن ضمن من أُعيدوا إلى السجن المركزي بالقنيطرة الشهيد عمر بنجلون، في حين تم نقل الأستاذ اليازغي إلى الإقامة بإفران، وهنا يُطرح السؤال: لماذا يُمنح هذا الامتياز لشخص اليازغي وحده دون بقية المعتقلين؟ ففي إفران تم مد قنوات بين النظام واليازغي، وفيها تم تكليفه بإنجاز مهمات التآمر على المناضلين ابتداء بالشهيد عمر بن جلون خصوصا أثناء المؤتمر الاستثنائي مرورا بالإخوة أحمد بن جلون وعبد الرحمان بن عمرو والفقيد العربي الشتوكي ومحمد بوكرين وصولا إلى الفقيد محمد البصري والأخ محمد نوبير الأموي، فأثناء انعقاد المؤتمر الاستثنائي عمل محمد اليازغي جاهدا على أن لا تُقدم إلى المؤتمر الوثيقة الأيديولوجية التي كان قد هيأها الشهيد عمر بن جلون والتي كانت تشكل محور اللقاءات التكوينية التي كان يديرها الشهيد عمر بن جلون بداية 1972، وقد استفاض المفكر المغربي والمناضل محمد عابد الجابري فيما نشره بعد ذلك في إطار توضيح ما كان يُدبر من مؤامرات ضد الشهيد عمر بن جلون وضد الحركة الاتحادية قصد تدجينها وتطويعها لما يخدم مصلحة نظام الحسن الثاني، أما عن الأخ عبد الرحمان بن عمرو فإن اليازغي اعتبر الصراع معه كان نتيجة لعدم تزكيته كرئيس للمجلس البلدي لمدينة الرباط، واختيار عبد الوهاب ملين لهذه المهمة بدلا عنه، ونحن نؤكد أن لعبد الرحمان بن عمرو الأهلية الكافية لقيادة المجلس لماضيه النضالي وتضحياته. وبالإضافة إلى نضاله في المحاكمات السياسية التي عرفها تاريخ المغرب في سنوات الجمر والرصاص، ساهم الأستاذ بن عمرو إلى جانب الفقيد محمد عابد الجابري وأحمد السطاتي وإبراهيم بوعلو في الصراع على الواجهة الثقافية من خلال مجلة" أقلام" في الوقت الذي كان فيه الإعلام الديمقراطي مغيبا، ولم تكن لعبد الوهاب ملين الشرعية النضالية التي يتمتع بها الأخ بن عمرو، فكل ما نعرفه عن عبد الوهاب ملين أنه كان إطارا في مكتب الصرف بالرباط، اللهم إلا إذا كان منخرطا في الحزب أسوة ببعض أبناء العائلات الرباطية التي كانت تناهض العائلات المرتبطة بحزب الاستقلال والأحرار المستقلين التي كان يقودها غير المأسوف عليهما رضا كديرة ورشيد ملين. الأستاذ محمد اليازغي لم يتطرق إلى الأسباب الحقيقية للصراع مع أحمد بنجلون وعبد الرحمان بن عمرو والعربي الشتوكي وباقي المناضلين الذين اصطدموا معه داخل الاتحاد الاشتراكي بعد المؤتمر الوطني الثالث؛ ذلك الصراع الذي انصب حول الطبيعة المخزنية لنظام الحسن الثاني، وخلص المؤتمر الثالث إلى ضرورة تغيير النظام من ملكية مخزنية رئاسية إلى ملكية دستورية برلمانية، كما حكم على التجربة الانتخابية لسنتي 1976 و1977 بالتجربة المزورة، وكان الأستاذ محمد اليازغي، وهو آنذاك مديرا لجريدة المحرر لسان الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، قد رفض نشر البيان السياسي للمؤتمر الوطني الثالث للحزب، دون مبرر كما أنه رفض قراءة رسالة الفقيد محمد البصري في المؤتمر الثالث ورسالة المعتقلين الاتحاديين بالسجن المركزي بالقنيطرة، وكلتا الرسالتين تعاملتا مع تجربة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية منذ المؤتمر الاستثنائي في 1975 تعاملا نقديا صريحا، وبعد توصل القيادة الحزبية برسالة المعتقلين الاتحاديين، بعثت بالأستاذ محمد الصديقي قصد حث المعتقلين على بعث برقية مساندة وتأييد لأشغال المؤتمر، ولم تكلف القيادة نفسها إرسال مشاريع المقررات إلى المعتقلين للاطلاع عليها، وكل ما كان يشغلهم هو استغلال المعتقلين الذين قضوا سنوات في القهر والتعذيب في الواجهة الإعلامية لحظة انعقاد المؤتمر، ولم يكلفوا أنفسهم حتى بإرسال مؤونة بسيطة إلى هؤلاء المعتقلين أو إلى ذويهم، رغم أنهم كانوا يجمعون التبرعات والمساعدات ويستولون عليها. كان المؤتمر الوطني الثالث لحظة نضالية مهمة في تاريخ الحزب، حيث أفرز توجهين، الأول يريد الحفاظ على توهج الحركة ومصداقيتها، والثاني يريد توظيفها لما يخدم إستراتيجية المؤسسة المخزنية، وهكذا أقدم اليازغي على عمليات طرد عدد من المناضلين وتوقيفهم كما هو الحال في بني ملالوالرباط وقبلهما الدارالبيضاء ولم يتورع في استخدام شتى الأساليب وتوظيف إمكانيات الحزب في ذلك، وتُوج هذا العمل بالتآمر يوم 8 ماي 1983 حين أعطى الضوء الأخضر لحليفه في المكتب السياسي آنذاك الحبيب الشرقاوي باستدعاء الشرطة واستعدائهم على مجموعة من المناضلين، وتُوج ذلك باعتقال 34 مناضلا بتهم واهية أدت ببعضهم إلى قضاء ثلاث سنوات سجنا كما أنه أدانَ الحركة الجماهيرية إثر انتفاضة يناير 1984 وذلك بمقر حزبه بطريق مديونة في الدارالبيضاء، حين اجتمع العديد من مناضلي الحزب وانتقدوا عدم اتخاذ المكتب السياسي لموقف محدد إزاء الهجمة التي قادها النظام ضد الحركة الجماهيرية في تطوان والحسيمة والناظور وطنجة ومراكشوالرباط والعديد من المدن المغربية حيث سقط العديد من الشهداء، بل إن الملك الحسن الثاني وصف المشاركين في الانتفاضة بالأوباش وهدد بلفظ: (نخلي دار باباهم) كما جاء في خطاب يوم الأحد 22 يناير 1984. خلال المدة الفاصلة بين هذه المرحلة ومحطة المؤتمر الخامس حاول اليازغي استتباب الأمر له داخل الحزب، واستعدى عناصره على المناضلين الذين كانوا يرفضون الانصياع إلى توجيهاته، وفتح الباب لكل من هب ودب، لخلق قاعدة جديدة، تطاوعه ويحاصر بها كل من اشتم فيه رائحة التوجهات الجذرية داخل الحزب، وفي المؤتمر الخامس للحزب ظهر جليا التناقض بينه وبين الأخ محمد نوبير الأموي، وحاول جهد إمكانه تقزيم الأخ الأموي ومناصريه، ولكن أغلبية المؤتمرين تصدوا له واحتل في قائمة ترتيب أعضاء اللجنة الإدارية للحزب ما بعد الأربعين. ومنذ ذلك الوقت وهو يتحين الفرص لتقزيم وضرب أي توجه مساند لمحمد نوبير الأموي، وقد بلغ به الأمر مبلغه حين أعلنت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل عن قرار الإضراب العام في أبريل 1990 فدفع في اتجاه تقديم ملتمس الرقابة ضد حكومة عز الدين العراقي قصد التغطية إعلاميا على مشروع قرار الإضراب العام في أبريل 1990، ذاك الإضراب الذي سينفد يوم الجمعة 14 دجنبر 1990، والذي عرف استجابة واسعة شملت العديد من القطاعات، الشيء الذي أفزع نظام الحسن الثاني؛ حيث بدأ يعي أن هيمنته الاستبدادية ستجعل عرشه في مهب الريح، خصوصا بعد توالي الأحداث الدولية والهزات العنيفة ضد الأنظمة الشمولية في شرق أوروبا وسقوط جدار برلين الذي كان مؤشرا على ولوج العالم مرحلة جديدة كان من نتائجها تغيير أنظمة شرق أوروبا وشيوع ثقافة حقوق الإنسان، من هنا بادر نظام الحسن الثاني إلى تأسيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وإصدار العفو عن المعتقلين السياسيين وعودة المنفيين وإطلاق سراح العسكريين الذين كانوا محتجزين في السجن المرعب بتازمامارت. بعد المؤتمر الوطني الخامس للاتحاد الاشتراكي وضع اليازغي نصب أعينه السيطرة على الكونفدرالية الديمقراطية للشغل ودخل في حرب المواقع داخل النقابة في انتظار اليوم الموعود، والذي لم يكن سوى اعتقال الأخ نوبيرالأموي، حيث حاول فرض قيادة موالية له لتكون بديلا عن القيادة الشرعية، لكن المناضلين تصدوا لمؤامرته من خلال تأسيس اللجن المحلية للتضامن مع نوبير الأموي والمعتقلين السياسيين ومن أجل عودة المنفيين والكشف عن المختطفين. وقد ضمت هذه اللجان كل المشارب السياسية المنتمية للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، واستطاعتْ تحصين الكونفدرالية من كل محاولة الهيمنة والالتفاف عليها. قال اليازغي إن نوبير الأموي كان على علاقة مع الرجل القوي في المغرب آنذاك إدريس البصري، وأود أن أتساءل: منْ كان فعلا على علاقة مع إدريس البصري؟ فاليازغي من استدعاه إلى حفل عقيقة ابنه (علي) "زعيم" الشبيبة الحالي، كان ذلك خلال صيف 1979 حيث لم تمر على استشهاد المناضل محمد كرينة، الذي شارك في إضراب يوم الأرض في 30 مارس 1979، إلا أيام معدودة، كما أن العديد من مناضلي الكونفدرالية الديمقراطية للشغل الذين شاركوا في إضراب يومي 10 و11 أبريل 1979 كانوا يقبعون في المعتقلات والسجون ناهيك عن العديد من الموقوفين عن العمل في قطاعي التعليم والصحة وباقي القطاعات كانوا حينها يعانون من قطع الأرزاق. في ظل هذه الأجواء يقوم اليازغي بتوجيه الدعوة إلى الذي أشرف على كل هذه الفظاعات، حيث سخرتْ وزارة الداخلية التي كان يرأسها إدريس البصري كل أجهزتها لتشل الإضراب وتقمع الشغيلة المشاركة فيه، هذا، دون أن ننسى تزويره للانتخابات الجماعية لسنة1976والتشريعية لسنة 1977 وما تبعها من استحقاقات قبل 2002. أما الأموي فلم يلتق بإدريس البصري في عز القمع الذي عرفته مرحلة سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، بل التقاه في إطار الحوار الاجتماعيبين الفرقاء الاجتماعيين والحكومة، وإدريس البصري كان هو المحاور الأساسي والمشرف على الحوار الاجتماعي، على اعتبار أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية من شأنها تهديد الاستقرار في البلد، من هنا كان البعد الأمني حاضرا في كل الحوارات الاجتماعية، في الوقت الذي كانت فيه أطراف داخل الحكومة تستحضر مسألة التوازنات المالية، وحضوره في المؤتمر الثالث للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، كان ليتعهد بتنفيذ نتائج الحوارالاجتماعي، أما عن تقييم حضوره إلى المؤتمر فهذا شأن أعضاء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل لأن هذه المركزية مستقلة وليست خاضعة لوصاية حزبية، لذلك فلا شأن لليازغي بمنظمة نقابية تستوعب مشارب سياسية لا علاقة له بها، بل إن بعضا من هذه المشارب من ضحاياه. تكلم الأستاذ اليازغي عن استشارة الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي للفقيه البصري في شأن تحمله مسؤولية الوزارة الأولى بعد عرضها عليه من طرف الحسن الثاني، وكاتب هذه السطور طرح هذا السؤال نفسه على الفقيه البصري فعبر المناضل الفقيه البصري عن استغرابه من قبول الأستاذ اليوسفي منصب الوزيرالأول، وهو أي اليوسفي الذي رفض مساعدة الحكومة لعلاجه؛ فحين مرض الأستاذ اليوسفي في عقد الخمسينات من القرن الماضي وكان مطالبا بإجراء عملية استئصال إحدى رئتيه، وعرض الحاج أحمد بلافريج رئيس الحكومة وأحد أصهار اليازغي بعد ذلك، إجراء العملية على نفقة الحكومة رفض الأستاذ اليوسفي عرض الحاج أحمد بلافريج وأجريت له العملية على نفقة المقاومة وجيش التحرير، كما عرض محمد الخامس على الفقيد الفقيه محمد البصري أن يكون الأستاذ اليوسفي مستشارا لولي العهد آنذاك الأمير الحسن، فرفض الأستاذ اليوسفي ذاك العرض، من هنا كان استغراب الفقيد الفقيه محمد البصري قبول اليوسفي منصب الوزير الأول في عهد الحسن الثاني. وقد استدل الأستاذ اليازغي في معرض حديثه عن الأستاذ اليوسفي بكلام حسن صفي الدين (حسن الأعرج) الذي عرض تقييما لشخصية الأستاذ اليوسفي يشير فيه إلى عدم قدرة هذا الأخير على تحمل المسؤولية، وللإشارة فهذا الشخص كان من المقاومين ومن مؤسسي الحركة الاتحادية، وتم اعتقاله فيما يعرف في أدبيات الحركة الاتحادية بمؤامرة 1963، لكنه بعد خروجه من السجن ارتمى في أحضان الملك الحسن الثاني وأصبح واحدا من الذين "باعوا الماتش" كما يقال، وبناء عليه، فهذا الشخص لا يمكن الاعتداد بكلامه. الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي ليس وحده المسؤول عن حكومة التناوب التوافقي، فكل المسؤولين في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية يتحملون مسؤولية تلك الحكومة التي تركت أثرا سلبيا على الاتحاد الاشتراكي وعمقه الجماهيري، ومسؤولية شيوع حالة اليأس والإحباط وسط الحركة الجماهيرية لعدم قدرة الحكومة على إيجاد الحلول الملائمة لقضايا الشأن العام، بعد أن كان المواطنون يعتبرونها حكومة خلاص وطني، فتحولت إلى حكومة إنقاذ لنظام الحسن الثاني. إن ما قام به الأستاذ اليوسفي بصحبة اليازغي ومعهما المسؤولون في الاتحاد الاشتراكي كان ضربة قاضية للحركة الجماهيرية، ودور اليوسفي لا يختلف عن دور أصهار محمد اليازغي؛ الحاج أحمد بلافريج وامحمد الدويري في 1957، حين قرر الزعيم الوطني الراحل علال الفاسي آنذاك تشكيل حكومة برئاسته لاسترداد حق الحركة الوطنية في حكم الوطن، واستحضار التجربة التونسية للمرحوم الحبيب بورقيبة في تعامله مع النظام الملكي للباي، قام هؤلاء بإخبار محمد الخامس بما كان يضمره الزعيم علال الفاسي، مما أدى إلى فشل المحاولة، وتم فسح المجال لإطالة عمر عملاء الاستعمار وخدام الإقطاع بتحويل المسار من وضع وطني تحرري إلى وضع تبعي خصوصا بعد انقلاب ماي 1960 ضد الحكومة التقدمية لعبد الله إبراهيم. وختاما "بئس المصير".