ليس غريبا أن يطلع علينا الأستاذ محمد اليازغي، من خلال مذكراته، بمواقف عدائية لأغلب مكونات الحركة الاتحادية وللمؤسسين الفعليين لحركة المقاومة وجيش التحرير الذين ساهموا، بشكل فعال، في النضال الوطني والديمقراطي. لم يحصل للأستاذ محمد اليازغي شرف تأسيس الحركة الاتحادية التي لم يلتحق بها إلا أثناء المؤتمر الوطني الثاني للاتحاد الوطني للقوات الشعبية في ماي 1962، وإن كان قد ادعى أنه انخرط في صفوف الحركة الوطنية سنة 1954 رغم صغر سنه، وهذه ظاهرة استثنائية في تاريخنا إبان تلك المرحلة! في خضم حديثة عن تاريخ الحركة الاتحادية، تغافل اليازغي عن ذكر العديد من المحطات التاريخية الحبلى بالشهداء الذين سقطوا دفاعا عن قضايا الشعب المغربي وطليعته، الحركة الاتحادية الأصيلة. لم يذكر هذا القيادي الاتحادي الشهيد مولاي الشافعي الذي أسقطه رصاص المؤسسة المخزنية بواسطة غير المأسوف عليه القبطان الغول، ونُفذ في القبطان المذكور حكم الإعدام نتيجة قتله الشهيد مولاي الشافعي والتمثيل بجثته في ضواحي مدينة مراكش؛ كما تغافل عن ذكر الشهيد محمد بن حمو الفاخري الذي دافع عنه المناضلان الاتحاديان عبد الرحمان بن عمرو والأستاذ المرحوم البوحميدي وحكم عليه بالإعدام، بل تدخل المحاميان المذكوران لدى الحسن الثاني لوقف تنفيذ الحكم، ووعدهما بأن يكون في الأمر خير، إلا أنه نكث وعده ونُفذ حكم الإعدام في حق الشهيد محمد بن حمو الفاخري ورفاقه من مناضلي الحركة الاتحادية، كان ذلك أثناء تولي امحمد بوستة وزارة العدل؛ كما تجاهل الإشارة إلى شهيد الحركة الاتحادية أحمد اكوليز (شيخ العرب)، وهو كذلك أحد مناضلي حركة المقاومة وجيش التحرير ومن أبرز المؤسسين للحركة الاتحادية الأصيلة. وبفضل هؤلاء وغيرهم من شهداء ومناضلي الحركة الاتحادية الأصيلة، تمكن الأستاذ محمد اليازغي من دخول قبة البرلمان منذ 1977 والفوز بحقيبة وزارية منذ سنة 1998، بهم قاد حملته الانتخابية باعتباره منتميا إلى حركة الشهداء والمناضلين الذين أفنوا حياتهم في أقبية المخابرات وزنازين النظام، ففي علاقته بالحركة الجماهيرية استعمل خطابا تبنى فيه شهداء الحركة وتضحيات مناضليها، ومع المخزن تبرأ من تاريخهم، إنه منتهى التناقض، بل النصب على الجماهير الشعبية. شكك الأستاذ محمد اليازغي في نزاهة وصدق رموز الحركة الاتحادية الأصيلة، وعلى رأسها: المناضل والقائد الفذ فقيد الشعب المغربي الفقيه محمد البصري الذي وصل باليازغي الافتراء إلى حد اتهامه بالعمالة للنظام الجزائري الذي استولى على الحكم بشكل لا شرعي بعد انقلاب 19 يونيو 1965؛ ومن خلال هذا الاتهام، فإنه يتهم العديد من المناضلين، منهم من استشهد ومنهم من عانى التعذيب والسجون، ويتجرأ الأستاذ محمد اليازغي اليوم على وصفهم بالعمالة للنظام الجزائري، وهذا ما لم يجرؤ عليه نظام الحسن الثاني الذي واجهوه بالسلاح وكان هدفهم الإطاحة به. لم يغادر الفقيد الفقيه محمد البصري المغرب إلا في سنة 1966 بعد خروجه من السجن في أبريل 1965؛ وفي هذه السنة استتب الأمر لجماعة الهواري بومدين بعد انقلاب 19 يونيو 1965 ضد القيادة التاريخية والشرعية للثورة الجزائرية ممثلة في شخص المناضل أحمد بن بلة الذي سبق اختطافه إبان حرب التحرير الجزائرية من سماء المغرب على يد الاستعمار الفرنسي مع مجموعة من رفاقه، من ضمنهم الرئيس الشهيد محمد بوضياف. إن أول ما قام به نظام هواري بومدين هو إغلاق مراكز التدريب العسكري لمناضلي الحركة الاتحادية، بل واعتقالهم والتنكيل بهم، بعد أن كان الرئيس أحمد بن بلة يقدم الدعم إلى الحركة، ومستعدا لجعل الجزائر قاعدة خلفية للثورة المغربية ضد النظام المخزني الذي بوأ رموز الخونة والعملاء وخدام الاستعمار مواقع القرار في أجهزة الدولة ضدا على المواطنين والأحرار المغاربة الذين كان مصيرهم الاستشهاد والتعذيب والغربة والنفي رغم أنهم من تصدروا صفوف المقاومة ضد الاستعمار، ولازال بعض قادة تلك المراكز في الجزائر أحياء كما هو الحال مع محمد أوجار (سعيد بونعيلات) والكولونيل بن حمو، وهما من المؤسسين لحركة المقاومة وجيش التحرير. وأتمنى أن يتحدثا عن تلك المرحلة باعتبارهما من رموزها، كما أن لديهما من المعطيات ما يفيد تلك المرحلة. خرج الفقيد محمد البصري من المغرب في سنة 1966؛ ولما وصل إلى الجزائر وجد مناضلي الحركة الاتحادية في وضعية حرجة ويائسة جراء ما تعرضوا له من اعتقال وتعذيب وتهديد بتسليمهم إلى نظام الحسن الثاني ووقفِ الدعم الذي كانوا يتلقونه كلاجئين سياسيين أيام الرئيس أحمد بن بلة، فالذين كانت وضعيتهم مريحة هم من ارتبطوا بالفقيد مجيد العراقي الذي كانت له علاقة مصاهرة بالمرحوم عبد الكريم بلقاسم، والكلام عن هذه المرحلة فيه الكثير من المواجع نتركها إلى مرحلة أخرى لكونها تمس ببعض الشخصيات، وإن كان لزاما سنأتي على ذكرها في مرحلة لاحقة؛ فهذا الوضع كان شبيها بالوضع داخل المغرب بعد انتفاضة 23 و24 مارس 1965، وإعلان حالة الاستثناء، واختطاف واغتيال شهيد الشعب المغربي المهدي بنبركة، ومصادرة وسائل الإعلام الحزبية، وإغلاق المقرات الحزبية. وفي ظل هذه الأجواء المظلمة، رحبتْ سوريا نور الدين الأتاسي ويوسف زعين وإبراهيم ماخوس، الذين بعثوا حزب البعث من جديد قبل عسكرته من طرف حافظ الأسد في انقلاب أكتوبر 1970، بمناضلي الحركة الاتحادية واحتضنتهم ومنحتهم قاعدة للتدريب في منطقة الزبداني مع مقاتلي الثورة الفلسطينية في تنظيم الصاعقة. فالثلاثة المذكورون سابقا، بعد تسلمهم السلطة في الوطن السوري، وهم من شكلوا الجناح اليساري داخل حزب البعث، كانت لهم علاقة بمناضلي حركة التحرير العربية وصداقات مع العديد من تلك الأطر، وضمنها المناضل والصحفي المقتدر والمثقف العصامي الفقيد الأخ محمد باهي. تطرق الأستاذ محمد اليازغي إلى موقف محمد بنسعيد أيت يدر ومولاي عبد السلام الجبلي من ممارسات الفقيه محمد البصري وأساليبه التنظيمية، ولكنْ لم يتطرق إلى موقف الفقيد عبد الرحيم بوعبيد من القضية نفسها لما اتصل بهما قصد تقريب الشقة بينهما وبين الفقيه البصري، حيث خاطبهما الفقيد بوعبيد بقوله: «الفقيه كيعمل شي حاجة، أما أنتما فلا تفعلان شيئا»، ماذا يعني هذا؟ فالحركة الاتحادية، دون الجناح النقابي، كانت تهدف إلى الإطاحة بنظام الحسن الثاني. ولعل بيان اللجنة الإدارية، التي قررت المشاركة في الانتخابات التشريعية لسنة 1963 والتي دخلتها الحركة باستراتيجية تفجير المؤسسات من داخلها، خير دليل على ذلك، فصيغة البيان واضحة وجلية، حيث أعلن أن «علاج هذا النظام يكمن في زواله»، كما أن شهيد الحركة المهدي بنبركة صرح، خلال لقائه بجبهة التحرير الفيتنامية سنة 1964 في الجزائر، حين سُئل عن أشكال النضال التي ستمارسها الحركة الاتحادية إزاء النظام الملكي، قائلا: «إننا سنبدأ بالعمل المسلح قريبا». وقال لنا الشهيد عمر بن جلون في السجن المركزي بالقنيطرة في صيف 1973: «الفقيه الله يهديه ازرب، كان عليه الانتظار ستة أشهر وسيرى الشريف هاز ابّالزو»؛ ماذا يعني هذا؟ ألا يعني أن الحركة الاتحادية الأصيلة كانت حاسمة في موقفها من نظام الحسن الثاني. هذا الموقف لم يكن يعني إلا الإطاحة به. نحن نتحدث عن التاريخ، فتاريخنا مع الحسن الثاني كان تاريخ صراع، كانت الحركة تفاوض ولكنها كانت في الوقت نفسه تستعد للإطاحة به، ومن هنا كان يقال: «شي ايكوي وشي إيبخ».. كان الفقيه البصري «يكوي» وعبد الرحيم بوعبيد «إيبخ». في مرحلة الستينيات من القرن الماضي، لم نكن نعرف أو نسمع بإطار اتحادي يسمى محمد اليازغي. يتبع... الطيب البوعيبي - عن مجموعة 03 مارس