صفعة جديدة للجزائر.. بنما تقرر سحب الاعتراف بالبوليساريو    تنسيق أمني مغربي إسباني يطيح بخلية إرهابية موالية ل"داعش"        لقجع يؤكد "واقعية" الفرضيات التي يرتكز عليها مشروع قانون المالية الجديد    تجدد الغارات الإسرائيلية على ضاحية بيروت الجنوبية عقب إنذارات للسكان بالإخلاء        كيوسك الجمعة | إيطاليا تبسط إجراءات استقدام العمالة من المغرب    السلطات الجزائرية توقف الكاتب بوعلام صنصال إثر تصريحات تمس بالوحدة الترابية لبلده    بنما تعلق الاعتراف ب "الجمهورية الوهمية"    البحرين تشيد بالدور الرئيسي للمغرب في تعزيز حقوق الإنسان    أنفوغرافيك | صناعة محلية أو مستوردة.. المغرب جنة الأسعار الباهضة للأدوية    توقعات أحوال الطقس لليوم الجمعة    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء    الولايات المتحدة.. ترامب يعين بام بوندي وزيرة للعدل بعد انسحاب مات غيتز    تفكيك خلية إرهابية لتنظيم "داعش" بالساحل في عملية مشتركة بين المغرب وإسبانيا    جنايات طنجة تدين المتهمين في ملف فتاة الكورنيش ب 12 سنة سجنا نافذا    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'            المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ولي العهد سعى إلى تأسيس دولة استبدادية وأقنع والده بإقالة حكومة عبد الله ابراهيم
حزب الاستقلال كان مع الحسن الثاني في قمع انتفاضة الريف وأحرضان والخطيب استخرجا جثة المسعدي من قبره
نشر في المساء يوم 11 - 08 - 2011

تعود حكاية هذه الصفحات إلى سنوات طويلة، ليس التفكير فيها، بل تسجيلها، حيث كنت طرحت على الأستاذ محمد اليازغي في ربيع 1997، أثناء وجودنا في مدينة ورزازات،
مقترح أن يكتب مذكراته لما ستكون لها من قيمة سياسية وتاريخية، دون أن تكون هناك ضرورة لنشرها، ووافقني، لكن انشغالاته في مهامه الحزبية، ثم في مهامه الوزارية بعد مارس 1998، جعل الفكرة تغيب عن أحاديثنا.
في صيف 2003، أعدت طرح الفكرة عليه وأثناء مناقشتها، بدت لنا صعوبة أن يخصص يوميا وقتا لكتابة هذه المذكرات، فجاءت فكرة أن أسجل له، ليس مذكرات، بالمعنى المتعارَف عليه، بل تسجيل مساره كإنسان، على شكل حوار صحافي مطول، وهكذا كان. وسجلنا ما يقارب عشر ساعات، لكن النتيجة كانت فشلا، لأن جوابه عن كل سؤال كان جوابا عن كل شيء إلا عن شخصه ودوره وموقفه. كانت الساعات التي سجلتها، ليس عن محمد اليازغي بل تأريخا للمغرب وللحزب الذي انتمى إليه، إن كان من أجل الاستقلال أو من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية في وطنه ولشعبه، وخلصت، مع أن خلاصتي لم تنل رضاه، إلى أن تجربة التسجيل غير موفقة أو على الأقل ليست كما تصورتها، وقبِل معي أن نعيد التسجيل، لكن بعيد ذلك، في نونبر 2003، انتخب كاتبا أول للحزب، فتأجل كل شيء. وفي صيف 2009، قررنا أن نعيد التجربة، فكانت هذه النتيجة، التي أستطيع القول إنني لم أنجح فيها، على الأقل بالنسبة إلي، في أن «أحفزه» على الخروج, بشكل كامل أو كبير نسبيا، من العامّ نحو الخاص الذي كان يتدفق منه خارج التسجيل في لقاءات ثنائية أو عائلية أو مع مجموعة من الأصدقاء، بل أكثر من ذلك كان التدفق أحيانا بعيد إنهائنا التسجيل، حيث كان، عدة مرات، يتحدث همسا أو يطلب إيقاف التسجيل ليشرح أو يُفصّل أو يروي. هذه الصفحات، ليست كل ما سجل، إذ كثيرا ما تذكرنا أحداثا ووقائع أثناء تفريغ الأشرطة أو التصحيح والمراجعة فأضفناها. هذه الصفحات، إذا لم تكن مذكرات، فإنها، وبالتأكيد، ستكون مرجعية لكل باحث أو مهتم بالشأن السياسي المغربي الحديث، لأنها ليست صفحات مراقب أو شاهد، بل هي صفحات فاعل ومؤثر، لعب دورا متميزا في مسيرة وطنه وحزبه.
- خصوم حزب الاستقلال اتهموه بكونه يدفع البلاد نحو نظام الحزب الواحد..
من المؤكد أن تناقضا ما كان موجودا بين حزب الاستقلال وحزب الشورى والاستقلال في مرحلة النضال ضد الاستعمار. وبعد استقلال الوطن، دخل الحزبان في منافسة محمومة، وهو ما أدى إلى بعض الاصطدامات التي كانت أحيانا اصطدامات دموية. ويجب ألا ننسى أنه عندما انطلقت المقاومة المغربية لم تكن قيادتها موحدة، بل كانت نتيجة مبادرات متعددة وإن كانت موحدة الهدف، فقد كانت هناك «المنظمة السرية» و«اليد السوداء» و«الهلال الأسود»، وهي منظمات فدائية كانت مركزة في المدن، وهي التي سيلتحق بعض أعضائها بتطوان لتشكيل نواة جيش التحرير. وبعد الاستقلال، حاولت «المنظمة السرية» توحيد كل فصائل المقاومة على أساس إنعاش ارتباطها بحزب الاستقلال وإبعاد دعاة عدم تسييس المقاومة وربطها فقط بالملك. لكن هذه العملية ستعرف، مع الأسف، اغتيالات واغتيالات مضادة في صفوف المقاومين.
من جهة أخرى، لم يحسن بعض المسؤولين الإداريين المنتمين إلى حزب الاستقلال التصرف في الأقاليم التي كانوا يدبرون شؤونها، نظرا إلى نقص تجربتهم وضعف معرفتهم بطبيعة المجتمع في تلك الأقاليم، إذ لم تكن هناك خطة حزبية أو قرارات تقضي بقمع مناضلي الأحزاب الأخرى أو مواطنين ليسوا أعضاء بحزب الاستقلال مهما كانت مواقفهم، واتخذ هذا الأمر ذريعة للقيام بحملة ضد حزب الاستقلال، فانطلقت التمردات من عدة مناطق، كان آخرها تمرد الريف في أكتوبر 1958. وكان تصرف عدد من الموظفين المدنيين والأمنيين والعسكريين مع سكان مناطق الريف، وأغلبهم من خارج المنطقة، أحد أسباب التذمر الذي استغله عبد الكريم الخطيب والمحجوبي أحرضان لإشعال الفتنة بنبش قبر عباس المسعدي، أحد أبرز قادة جيش التحرير وكان قد اغتيل في ظروف غامضة، حيث استخرج الخطيب وأحرضان الجثة من القبر في مدينة فاس وحملاها إلى منطقة اجدير بالريف لدفنها هناك دون رخصة، وهي الفتنة التي تجاوزتهما.
وقد واجه حزب الاستقلال التمرد في تافيلالت بتعبئة شعبية، تبعها تدخل القوات المسلحة الملكية واعتقال عدي وبهي، وواجهت حكومة عبد الله إبراهيم تمرد الريف بتعبئة القوات المسلحة الملكية، برئاسة ولي العهد الذي استعان بأوفقير. ومع الأسف، كان القمع دمويا وشرسا، بعيدا عن حدود التهدئة المطلوبة، ولم يستطع رئيس الحكومة عبد الله إبراهيم الحد من العنف والتقتيل، لأن ولي العهد لم يغفر لثوار الريف الخروج من الثورة على قيادة حزب الاستقلال إلى الثورة على الدولة، وهو ما ترك جروحا عميقة لن تندمل إلا بعد وفاة الحسن الثاني واهتمام الملك محمد السادس وحكومة التناوب بالشمال وانتهاج سياسة ترجع إلى المغرب مكانته في البحر الأبيض المتوسط. وسيحتاج اندمال الجروح هذا إلى وقت طويل لن ينتهي إلا حينما تظهر على أرض الواقع وفي حياة سكان الريف النتائج الإيجابية لمختلف المشاريع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والترابية التي تم تدشينها هناك.
- حكومة عبد الله إبراهيم هي حكومة التيار الحداثي أو الإصلاحي في حزب الاستقلال..
قيام حكومة عبد الله إبراهيم شكلت، بعد الاستقلال، الصيغة الثانية للتوافق بين المؤسسة الملكية وحزب الاستقلال، أو بالأحرى جناحه التقدمي. وبغض النظر عن كيفية أو ظروف تشكيل هذه الحكومة، فإنها تعاطت مع القضايا الوطنية بإرادة قوية لتحقق مكاسب للمغرب في الميادين السياسية والاقتصادية، وطرحت قضايا كانت تشكل مطالب للوطنيين والديمقراطيين، فالأولوية بالنسبة إليها كانت للتحرر الاقتصادي ووضع ميكانزمات تحرير الاقتصاد المغربي من السيطرة الفرنسية، من خلال فصل الدرهم المغربي عن الفرنك الفرنسي وتأميم بنك المغرب الذي كانت أسهمه الأساسية في ملك بنك باريس والأراضي المحفظة واسترجاع مكتب السكك الحديدية ومكتب الكهرباء اللذين كانا شركتين فرنسيتين خاصتين، ثم كانت هناك خطة للإصلاح الزراعي، بعد عملية الحرث الناجحة التي قادها عبد الرحيم بوعبيد، على غرار طريق الوحدة، وذلك باسترجاع أراضي الاستعمار الرسمي الفرنسي، أولا بقرار سيادي وفتح حوار مع فرنسا لاسترجاع كافة أراضي الاستعمار الخاص، ونهج سياسة التصنيع لأن الصناعات التي كانت في المغرب أقامها الفرنسيون اضطرارا بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية واحتلال فرنسا من طرف ألمانيا، لأن الاستعمار الفرنسي أصلا كان استعمارا استيطانيا زراعيا، واهتمام الإدارة الفرنسية كلها إبان الحماية كان منصبا على حماية المعمرين وكبار الفلاحين الفرنسيين، لكن مع الحرب العالمية الثانية اضطرت رؤوس الأموال الفرنسية إلى المجيء إلى المغرب، وأقامت بعض الصناعات التحويلية، فكان لزاما على المغرب المستقل أن ينهض بخطة لقيام صناعة عصرية متكاملة باعتبار التصنيع هو صلب استراتيجية التنمية. وبالطبع، فقد طرحت الحكومة قضية الجلاء لأن الجيش الفرنسي كان لازال موجودا في المغرب، وكانت هناك أيضا القواعد الأمريكية التي أقيمت باتفاق بين أمريكا وفرنسا سنة 1951 في غياب المغرب والتي قدمت حكومة عبد الله إبراهيم طلب استرجاعها إلى الرئيس الأمريكي إيزنهاور.
لكل ذلك، كان دعم الحكومة من طرف الإصلاحيين داخل الحزب ومن كل القوى الحية في المغرب دعما حقيقيا، فالمعارضة التي كانت موجودة في الساحة، مثل معارضة حزب الشورى، كانت معارضة ضعيفة وظلت كذلك إلى أن وقعت الانتفاضة في يناير 1959، حيث سيصبح حزب الاستقلال بقيادة علال الفاسي مع المعارضة التي سيقودها ولي العهد، إلا أن الرأي العام كان مؤيدا للحكومة لأنه وجد فيها معبرا عن طموحاته، ولذلك سيعمل ولي العهد على إقناع محمد الخامس بإقالة هذه الحكومة قبل الانتخابات البلدية والقروية التي كانت قد أسست من أجل إعدادها.
- من اختار أعضاء الحكومة.. القصر أم عبد الله إبراهيم؟
اختارهم عبد الله إبراهيم بالتوافق مع الملك، وكانت هناك عناصر مستقلة اقترحها الملك محمد الخامس على عبد الله إبراهيم.
كان لتشكيل هذه الحكومة صدى إيجابي وبرزت إرادة قوية عند الحكومة للسير بالإصلاح الاقتصادي إلى أبعد مداه، وإدخال إصلاحات في ميدان التعليم والصحة والفلاحة والضمان الاجتماعي وقانون الأجور والأسعار من جهة أخرى، إلى جانب الإعداد الجدي للانتخابات البلدية التي يجب أن تليها انتخابات تشريعية. وكان المسؤول عن إعداد الانتخابات هو إدريس المحمدي، وزير الداخلية، الذي كانت له ارتباطات قوية بولي العهد، وهو ما جعل الاتحاد الوطني ينتقد بعض الفصول الواردة في مشروع القانون، مثل نمط الاقتراع. وكان الملك محمد الخامس قد تشاور مع الأحزاب حول نمط الاقتراع، بينما اقترح الاتحاد الوطني في شخص المهدي بن بركة الاقتراع باللائحة، لكن وزير الداخلية أفتى بأن وضع المغرب لا يسمح له إلا بنمط الاقتراع الأحادي في دورة واحدة، وهذا بالطبع سيجعل السبق للأعيان، فيما ستعطي اللائحة السبق للأحزاب والبرامج السياسية. ودافع إدريس المحمدي عن نمط الاقتراع الأحادي لأنه يسمح بتشكيل تكتلات محدودة.
وعلى الصعيد الخارجي، عملت الحكومة على طرح ملف جلاء القوات الأجنبية (الفرنسية والأمريكية) وربط علاقات قوية بالشرق العربي. وحضر رئيس الحكومة، بصفته وزيرا للخارجية، اجتماعات الجامعة العربية التي طرح فيها المغرب، ولأول مرة، إصلاح الجامعة العربية، وأيضا زيارة محمد الخامس لمصر والأردن وسوريا، ثم الدعم القوي للثورة الجزائرية. كما أقام على الصعيد الإفريقي تكتلا جهويا لما عرف بمجموعة الدار البيضاء التي تضم غانا وغينيا ومصر ومالي والجزائر والمغرب، مقابل مجموعة مونروفيا قبل أن تتوحد المجموعتان سنة 1963 لتأسيس منظمة الوحدة الإفريقية بأديس أبابا. وكانت مناسبة لربط أحمد سيكوتوري، كقائد نقابي ورئيس دولة غينيا المستقلة، لعلاقات قوية بالاتحاد الوطني وبملك المغرب.
- الحكومة ووجهت بمعارضة قوية غير معلنة من ولي العهد ومعلنة من حزب الاستقلال والحركة الشعبية..
نعم، وكان ولي العهد أكثر الأطراف المناهضة والمتشددة تجاه الحكومة وإصلاحاتها الاقتصادية والاجتماعية وعلى صعيد السياسة الخارجية. كانت معارضة شرسة داخل المجلس الوزاري، وكان يعبر عنها في الساحة العمومية أحمد رضا اكديرة، مدير ديوان ولي العهد، الذي أصدر صحيفة أسبوعية بالفرنسية اسمها «ليفار» (les phares) لمعارضة جميع ما تقوم به الحكومة، وفي أحيان كثيرة كانت افتتاحيتها تكون من صياغة ولي العهد نفسه.
وانعكست هذه المعارضات على الإدارة والجهاز الإداري للدولة بتحريك ودعم من ولي العهد لعرقلة تنفيذ قرارات الحكومة، وقد ظهر ذلك بشكل قوي في إدارة الأمن الوطني، ولذلك حجزت في عهد الحكومة جريدة «التحرير» أكثر من مرة وجرت اعتقالات لمديرها ورئيس تحريرها.
ولا ننسى أن الحكومة استغنت عن عشرات المستشارين الفرنسيين الذين كانوا في الإدارة العمومية، كما استغنت، في إدارة الأمن الوطني، عن كبار المسؤولين الأجانب. ورغم أن هؤلاء أصبحوا بعد الاستقلال مجرد مستشارين، فإنهم بقوا المتحكمين عمليا فيها وبقيت مهمتها، كما كانت قبل الاستقلال، هي مواجهة وقمع الحركة الوطنية، لذلك كان من القرارات الجريئة للحكومة في إطار هذا الصراع قرار الاستغناء عن عدد مهم من المستشارين الفرنسيين في أجهزة الأمن والإدارة الترابية.
ورغم الحملة الشرسة التي كانت تشن على حكومة عبد الله إبراهيم، لم يتردد محمد الخامس في حضور حفلات عيد فاتح ماي 1960 وإلقاء خطاب في المهرجان العمالي بالدار البيضاء. ولما حقق الاتحاد الوطني فوزا ساحقا في انتخابات الغرف التجارية والصناعية يوم 8 ماي (الدار البيضاء، طنجة، الجديدة، الناظور، سطات، مراكش، مكناس،...)، أصبح إبعاد الحكومة مطروحا بإلحاح.
وحتى لا يتكرر نجاح الاتحاد الوطني في الانتخابات البلدية والقروية المزمع تنظيمها آخر الشهر، تم إعفاء حكومة عبد الله إبراهيم في عملية انقلاب أوقفت عمليا التوافق الثاني الذي عرفه المغرب بين القوى الديمقراطية والمؤسسة الملكية، وأجهض مشروع قيام حكومة تمثيلية تعد لانتخابات تشريعية تمنح البلاد مؤسسات ديمقراطية.
- هل كان الاتحاد الوطني يشعر بأنه حزب حاكم؟
الحزب، أو من كان يشارك في الحكومة ثم بعد الانتفاضة في الجامعات المتحدة ثم الاتحاد الوطني، كان يشعر بأنه يحكم البلاد، خصوصا وأنه منخرط في بناء منظومة التنمية المستقلة مع مضمون اجتماعي وسياسي. لكن لا ينبغي أن ننسى أن البلاد كانت لا زالت بدون دستور مكتوب وكانت تعمل في إطار التوافق بين الحركة الوطنية ومحمد الخامس، لكن المأمول كان أن تجرى الانتخابات البلدية والقروية فتشكل حكومة ذات تمثيلية وفقا للخريطة التي ستفرزها هذه الانتخابات المحلية، على أن تسهر هذه الحكومة على تنظيم انتخابات تشريعية، وتقوم بالتالي المؤسسات الدستورية المنشودة. ولهذا طرح الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، في مجلسه الوطني في أبريل 1960، المسألة الدستورية والمؤسسات المنتخبة وطالب بمجلس تأسيسي لوضع الدستور. لكن ولي العهد أقنع والده بإقالة حكومة عبد الله إبراهيم وقيام حكومة جديدة يرأسها، شكليا، الملك محمد الخامس ويقودها، عمليا، ولي العهد الذي سيعين نائبا لرئيس الحكومة، وبذلك أجهض تجربة التوافق بين المؤسسة الملكية والاتحاد الوطني.
- كيف كان الانتقال من الجامعات المتحدة إلى الاتحاد الوطني للقوات الشعبية؟
تم بمبادرة من قيادة الجامعات المتحدة لحزب الاستقلال باتجاه الأحزاب الأخرى، بعد أن تبين لها أن هذه التجربة لا يمكن أن تنجح إلا إذا جمعت تيارات وقوى سياسية أخرى. من هنا بدأ المهدي بنبركة الحوار مع قيادة حزب الشورى والاستقلال عن طريق عبد الحي العراقي الذي سبق أن كان عضوا في فريق حزب الشورى والاستقلال في المجلس الوطني الاستشاري ومن قيادات من الحركة الشعبية ومع بعض الأحرار المستقلين، لتتوج الحوارات بالاتفاق على تأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية. وكان الاجتماع التأسيسي يوم 6 سبتمبر 1959، وشارك عبد الهادي بوطالب وأحمد بن سودة والتهامي الوزاني، من حزب الشورى، في رئاسة المؤتمر، وشارك إلى جانبهم أيضا عبد الله الصنهاجي، وهو أحد قادة جيش التحرير الذين التحقوا بالحركة الشعبية في مرحلة الصراعات في الريف، وشارك أيضا الشرقاوي، وهو عضو من الأحرار المستقلين.
وكان معنى فكرة تشكيل الاتحاد من هذه المكونات هو أن الفئات الاجتماعية المغربية ليس بينها تناقض، وبالتالي عليها الائتلاف من أجل المساهمة في بناء دولة حديثة ديمقراطية وإقامة عدالة اجتماعية حتى تستفيد أوسع فئات المجتمع من الاستقلال.
- وماذا كان موقف ولي العهد؟
كان ولي العهد يسعى دائما إلى إضعاف حزب الاستقلال إلى درجة أنه لما فاتحه المحجوبي بن الصديق في يوم من الأيام -كما قيل لنا- في موضوع الأزمة داخل حزب الاستقلال، رد عليه بالدارجة «فرقعوا هذه الدلاحة». لكنه لم يرتح إلى تأسيس الاتحاد الوطني، وكان داخل اجتماعات حكومة عبد الله إبراهيم بحضور محمد الخامس يقف ضد كثير من مشاريع أو مخططات الحكومة، وعمل في نفس الوقت على توحيد أطراف المعارضة لإسقاطها (الحكومة) قبل الانتخابات البلدية والقروية وإقامة بديل عنها يشارك فيه حزب الاستقلال وحزب الشورى والحركة والمستقلون.
- أثناء مفاوضات إكس ليبان كان هناك نوع من السخرية الفرنسية من تمسك الوفد المغربي المفاوض بعودة محمد الخامس إلى العرش كرمز للاستقلال..
هذا صحيح، لأن إدغار فور (Edgor Faure) قال لأعضاء وفد حزب الاستقلال، أثناء لقائه بهم: جربوا حلا آخر لإعادة محمد الخامس إلى العرش، فإذا تم الاتفاق على العلاقات الجديدة بين فرنسا والمغرب وثبّتم أوضاعكم الدستورية بإعطاء المغرب دستورا ومؤسسات ديمقراطية، عليكم آنذاك أن ترجعوا محمد الخامس إلى عرشه. لكن الوفد المغربي رفض اقتراح فور وأكد أن السيادة مرتبطة برجوع محمد الخامس، لذا لا يمكن القبول بأي حل آخر غير رجوعه إلى عرشه.. فقد كان هناك تخوف من أن يكون مشروع حل «فور» مناورة، وبالتالي لا يذهب الفرنسيون نحو إنهاء الحماية وإعلان استقلال المغرب، كما كان هناك تخوف آخر ويتمثل في التوجس من أن يتدخل الفرنسيون في النظام الدستوري الجديد ويجعلوا البلاد تحت حمايتهم بطريقة أخرى، لذلك تمسك الوفد المغربي المفاوض بعودة محمد الخامس، أولا لأن الرأي العام المغربي متشبث بمحمد الخامس، وثانيا لأن حزب الاستقلال دافع عن رجوعه، وبالفعل فقد قال لهم إدغار فور: «لم أكن أعتقد أن المغاربة من الأفارقة الذين يعبدون الأصنام»، وهذه الشهادة سمعتها شخصيا من فم عبد الرحيم بوعبيد.
- هل كان ولي العهد يخاف على الملكية، خاصة وأن المجلس الاستشاري تمتع بصلاحيات واسعة؟
في غشت 1956، عين محمد الخامس أعضاء المجلس الوطني الاستشاري ال76 من بين الشخصيات الحزبية والنقابية والمهنية: 10 من حزب الاستقلال، 6 من حزب الشورى، 6 مستقلون، 10 من الاتحاد المغربي للشغل، 9 من التجار والصناع، و18 من الفلاحين، بالإضافة إلى ممثلي العلماء والمهندسين والأطباء والشباب، وأربعة يمثلون الطائفة اليهودية، وسينتخب هؤلاء المهدي بنبركة رئيسا للمؤسسة الجديدة التي اعتبرت خطوة نحو الحياة النيابية بالمعنى الصحيح. وهذا المجلس، الذي تأسس لمدة عامين، سيجدد لعامين آخرين سنة 1958، ثم سيتم حله نهائيا في 1959 لأن ولي العهد لم يكن مطمئنا إلى مساره وكان يرى فيه خطورة على المؤسسة الملكية لأنه سيمنعها من بناء دولة قوية استبدادية، فقد كانت لدى ولي العهد مخاوف، فعلا، لكن ليس على الملكية وإنما على الدولة الاستبدادية التي كان يدفع البلاد في اتجاهها، علما بأنه لم يكن لدى القادة السياسيين موقف معاد للملكية، فكل هؤلاء إلى جانب النقابيين ورجال المقاومة كانوا يعلنون ولاءهم لمحمد الخامس، ورصيد هذا الأخير لم يكن يسمح لأحد بأن يمس الملكية لأنه، بالنسبة إلى الشعب، سيمس الوطن، والمغرب كان من البلدان القليلة التي شارك ملكها بنفسه في حركة التحرر الوطني من الاستعمار، ونفي بسبب ذلك، وأصبحت الملكية أكثر رسوخا في المجتمع، إذ اكتسبت الشرعية الشعبية والشرعية النضالية.
وبعد أن وقع السلطان مولاي حفيظ عقد الحماية سنة 1912، تفككت أواصر العلاقات بينه وبين الشعب، ولهذا فإن هيبة ومكانة الملكية والسلطان لم ترجع إلا بعد أن تبنت الحركة الوطنية السلطان محمد بن يوسف الذي اختاره الفرنسيون، بدلا من أخيه مولاي إدريس سنة 1927، للجلوس على العرش بعد وفاة أبيه مولاي يوسف، باعتباره كان صغير السن ولا تجربة له بالتالي، فإذا به يتصرف عكس ما توقعوه. والحركة الوطنية استحدثت عيد العرش للاحتفال بذكرى جلوس السلطان عليه واحتفت به للمرة الأولى عام 1933 يوم 18 نوفمبر في فاس، حيث مر محمد بن يوسف على متن سيارته أمام الناس الذين كانوا يهتفون: يحيا الملك يحيا الملك، ثم أطلق حزب الاستقلال على محمد بن يوسف اسم الملك، وليس السلطان، وهي الصفة التي كان الفرنسيون يرفضونها ويمنعون استعمالها إلى حين حصول المغرب على الاستقلال.
لذلك، أعتقد أن التعاقد بين حزب الاستقلال ومحمد الخامس حول وثيقة الاستقلال كان، عمليا، هو إعادة تأسيس الملكية في المغرب، حيث أعطاها ذلك الشرعية الشعبية والنضالية، وهو ما زاد آنذاك من مخاوف ولي العهد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة