انقسامات بسبب مسودة اتفاق في كوب 29 لا تفي بمطالب مالية طموحة للدول النامية    نزار بركة: تعبئة شاملة لحزب الاستقلال من أجل الوطن والمواطن    طقس الأحد: أجواء حارة نسبيا ورياح بعدد من الجهات    ارتفاع رقم معاملات السلطة المينائية طنجة المتوسط بنسبة 11 في المائة عند متم شتنبر    هزة ارضية تضرب نواحي إقليم الحسيمة    المغرب يعزز دوره القيادي عالميا في مكافحة الإرهاب بفضل خبرة وكفاءة أجهزته الأمنية والاستخباراتية    إيداع "أبناء المليارديرات" السجن ومتابعتهم بتهم الإغتصاب والإحتجاز والضرب والجرح واستهلاك المخدرات    أشبال الأطلس يختتمون تصفيات "الكان" برباعية في شباك ليبيا    بلومبرغ: زيارة الرئيس الصيني للمغرب تعكس رغبة بكين في تعزيز التعاون المشترك مع الرباط ضمن مبادرة "الحزام والطريق"    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    الرباط.. إطلاق معرض للإبداعات الفنية لموظفات وموظفي الشرطة    ‬النصيري يهز الشباك مع "فنربخشة"    عبد الله بوصوف.. النظام الجزائري من معركة كسر العظام الى معركة كسر الأقلام    نهضة بركان يتجاوز حسنية أكادير 2-1 ويوسع الفارق عن أقرب الملاحقين    اللقب الإفريقي يفلت من نساء الجيش    منتخب المغرب للغولف يتوج بعجمان    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    بعد قرار توقيف نتنياهو وغالانت.. بوريل: ليس بوسع حكومات أوروبا التعامل بانتقائية مع أوامر المحكمة الجنائية الدولية    أنشيلوتي يفقد أعصابه بسبب سؤال عن الصحة العقلية لكيليان مبابي ويمتدح إبراهيم دياز    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة        المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة الجاحظ ويحافظ على حصته من التونة الحمراء    التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران        اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب        19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليازغي: طردت من عملي في وزارة المالية بأوامر من الحسن الثاني والدويري نفذ القرار
بنبركة ندم بعد حرب الرمال على عدم التفاوض مع الاستعمار حول الحدود الشرقية مع الجزائر
نشر في المساء يوم 14 - 08 - 2011

تعود حكاية هذه الصفحات إلى سنوات طويلة، ليس التفكير فيها، بل تسجيلها، حيث كنت طرحت على الأستاذ محمد اليازغي في ربيع 1997،
أثناء وجودنا في مدينة ورزازات، مقترح أن يكتب مذكراته لما ستكون لها من قيمة سياسية وتاريخية، دون أن تكون هناك ضرورة لنشرها، ووافقني، لكن انشغالاته في مهامه الحزبية، ثم في مهامه الوزارية بعد مارس 1998، جعل الفكرة تغيب عن أحاديثنا.
في صيف 2003، أعدت طرح الفكرة عليه وأثناء مناقشتها، بدت لنا صعوبة أن يخصص يوميا وقتا لكتابة هذه المذكرات، فجاءت فكرة أن أسجل له، ليس مذكرات، بالمعنى المتعارَف عليه، بل تسجيل مساره كإنسان، على شكل حوار صحافي مطول، وهكذا كان. وسجلنا ما يقارب عشر ساعات، لكن النتيجة كانت فشلا، لأن جوابه عن كل سؤال كان جوابا عن كل شيء إلا عن شخصه ودوره وموقفه. كانت الساعات التي سجلتها، ليس عن محمد اليازغي بل تأريخا للمغرب وللحزب الذي انتمى إليه، إن كان من أجل الاستقلال أو من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية في وطنه ولشعبه، وخلصت، مع أن خلاصتي لم تنل رضاه، إلى أن تجربة التسجيل غير موفقة أو على الأقل ليست كما تصورتها، وقبِل معي أن نعيد التسجيل، لكن بعيد ذلك، في نونبر 2003، انتخب كاتبا أول للحزب، فتأجل كل شيء. وفي صيف 2009، قررنا أن نعيد التجربة، فكانت هذه النتيجة، التي أستطيع القول إنني لم أنجح فيها، على الأقل بالنسبة إلي، في أن «أحفزه» على الخروج, بشكل كامل أو كبير نسبيا، من العامّ نحو الخاص الذي كان يتدفق منه خارج التسجيل في لقاءات ثنائية أو عائلية أو مع مجموعة من الأصدقاء، بل أكثر من ذلك كان التدفق أحيانا بعيد إنهائنا التسجيل، حيث كان، عدة مرات، يتحدث همسا أو يطلب إيقاف التسجيل ليشرح أو يُفصّل أو يروي. هذه الصفحات، ليست كل ما سجل، إذ كثيرا ما تذكرنا أحداثا ووقائع أثناء تفريغ الأشرطة أو التصحيح والمراجعة فأضفناها. هذه الصفحات، إذا لم تكن مذكرات، فإنها، وبالتأكيد، ستكون مرجعية لكل باحث أو مهتم بالشأن السياسي المغربي الحديث، لأنها ليست صفحات مراقب أو شاهد، بل هي صفحات فاعل ومؤثر، لعب دورا متميزا في مسيرة وطنه وحزبه.
- قبل عودتك النهائية من فرنسا، قدمت إلى المغرب لحضور المؤتمر الوطني الثاني للحزب..
كانت قيادة الحزب قد قررت عقد المؤتمر الوطني الثاني في مايو 1962. وفي إطار الإعداد لهذا المؤتمر، الذي حضرْته بالنظر إلى عضويتي في تنظيمات الحزب في فرنسا بالإضافة إلى ستة أو سبعة مناضلين يمثلون العمال والتجار والطلبة في فرنسا، كنا قد عقدنا مؤتمرا محليا في باريس، كان لي شرف رئاسته، وخرج هذا المؤتمر بتوصيات ومقترحات جدية نشرتها جريدة التحرير قبل المؤتمر الوطني الذي انتخبني عضوا في المجلس الوطني.
وكرد فعل على ما قمت به في المؤتمر المحلي لباريس، سيعطي الحسن الثاني أمره لوزير المالية محمد الدويري بطردي من الوظيفة العمومية، وهو ما سيتم في يناير 1963.
لم تكن هناك فيدراليات للحزب أو منظمات حزبية خارج المغرب في غير فرنسا، لكن كان هناك مناضلون مشاركون من أقطار أوربية أخرى، كبلجيكا وألمانيا وإيطاليا، ومن الشرق العربي.
ومن المؤكد أن المؤتمر الوطني لمايو 1962 شكل محطة هامة وأساسية في تاريخ الحزب، ويمكن اعتباره المؤتمر التأسيسي الحقيقي للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ذلك أن المؤتمر الأول ل6 سبتمبر 1959 كان أشبه بمهرجان وتظاهرة سياسية منه بمؤتمر كامل المواصفات رغم أهميته التاريخية لكونه جمع مناضلي حزب الاستقلال وقادة من أحزاب الشورى والحركة الشعبية والمستقلين ومقاومين ونقابيين، بينما كان المؤتمر الثاني مؤتمر المؤسسة الحزبية بامتياز، فقد أعطى لتطور المغرب مضمونا سياسيا ومعرفيا كان ضروريا لسيرورة نهوض البلاد ووحدتها وتقدمها، ولم يقتصر على طرح الشكل السياسي لعلاقة الحاكم والمحكوم. لكن قيادة الاتحاد المغربي للشغل -بفرضها، من جهة، التقرير المذهبي لعبد الله إبراهيم بدون مناقشة وحرصها، من جهة أخرى، على الاستيلاء على نصف مناصب أعضاء اللجنة الإدارية والمجلس الوطني، ورفضها اختيار المهدي بن بركة أو عبد الرحيم بوعبيد كاتبا عاما للاتحاد- وضعت قيودا متشددة على نشاط وتحرك الحزب.
وبطبيعة الحال، فقد ساعدتني المساهمة في النقاش مع المهدي بن بركة بجنيف، حول التقرير الذي سيقدمه إلى المؤتمر، على بلورة رؤية واضحة لمهام الحزب في المستقبل. لكن تعبئة قيادة الاتحاد المغربي للشغل لفرض التقرير المذهبي، الذي قدمه عبد الله إبراهيم، حرمت المؤتمرين من تعميق النقاش والسير بالاتحاد نحو وحدة حقيقية لكل مكوناته، لذلك لم تتحقق الوحدة الاندماجية، حيث حصلت ازدواجية داخل اللجنة الإدارية الوطنية التي كان نصف أعضائها ينتمي إلى الاتحاد المغربي للشغل، فيما كان النصف الآخر من المناضلين الآخرين ينتمي إلى الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وهذه الازدواجية ستنعكس سلبا على مستقبل الحزب، خصوصا بعد يوليوز 1963.
كنت على اتصال بالمهدي بن بركة، الذي كان في المنفى الاختياري. وأجزم بأنه كان عازما على المشاركة في المؤتمر، بل بعث إلى الإخوة يحيطهم علما بأنه سيعد التقرير الأساسي للمؤتمر والذي تداولت معه، خلال زياراتي الأسبوعية أو نصف الشهرية له في جنيف على مدى ستة شهور، حول مضامينه وحول العناصر التي سيطرحها وكيفية تناوله إياها ورؤيته للتعاطي معها. لكن التقرير لم يعرض على المؤتمر لأن قيادة الحزب عرفت خلافات حول من سيقدمه، وقررت الكتابة العامة في نهاية المطاف أن يكون عبد الله إبراهيم من يقدم التقرير المذهبي، وهكذا تخلى المهدي بن بركة عن تقديم تقريره إلى المؤتمر واكتفى بتقديمه إلى زملائه في الكتابة العامة، وهو ما آخذته عليه.
في تلك المرحلة، كان المهدي بن بركة يعتبر أن الحزب بحاجة إلى الوحدة، فعند تأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية تم الاتفاق على أن تساعد قيادة الاتحاد المغربي للشغل بكل قوتها في قيام وتفعيل الاتحاد، وعلى أن يلعب العمال دورا أساسيا داخل الحزب حتى تكون الطبقة العاملة واجهة النضال الجماهيري. ولما طرد عبد الله إبراهيم من الحكومة، ظهر أن البلاد تسير في الاتجاه المعاكس للاتجاه الذي كانت تسير فيه من قبل، ألا وهو اتجاه تدشين الإصلاحات، وذلك من خلال التراجع عن سياسة التحرر الاقتصادي والاجتماعي، ثم تأجيل كل ما يتعلق بتصفية تركة الاستعمار، مثل استرداد الأراضي التي كان المعمرون يستولون عليها، والتراجع عن سياسة عدم التبعية في السياسة الخارجية. لذلك كان المطلوب هو الدخول في مواجهة قوية مع الحكم بسبب هذا الانزلاق الذي تسير البلاد في اتجاهه، لكن قيادة الاتحاد المغربي للشغل اختارت سياسة المهادنة في تعاطيها مع الحكم، أولا على مستوى الشكل الذي تناضل وفقه، حيث جمدت كل أشكال الاحتجاج ما عدا ما لم تستطع الوقوف في وجهه من نشاطات عمالية محلية أو عفوية، ثم لجأت إلى تحجيم دور القواعد الذي ستظهر آثاره بعد ذلك، حيث لم يكن هناك ترسيخ للديمقراطية الداخلية داخل النقابة. كما بدا أسلوب المهادنة في سلوك الاتحاد الوطني، من جهة أخرى، من خلال منعه أي نشاط وسط الطبقة العاملة رغم أنه، مبدئيا، اتحاد كل القوات الشعبية (من عمال وفلاحين وتجار صغار ومستخدمين وأطر وطلبة ونساء).
وقد بدأت ألاحظ مؤشرات الانحراف هذه قبل سفري إلى فرنسا، وناقشت ذلك مع بعض رفاقي في النقابة، خاصة بعد تأسيس نقابة موظفي وزارة المالية التي ساعدتني على ربط علاقات نقابية ومتابعة كل تطورات العمل النقابي. لذلك، فعندما وقع الإضراب في الوظيفة العمومية على المستوى المركزي في يونيو 1961 وأنا موجود في فرنسا -لكن على اتصال دائم، رغم ذلك، بالإخوان في النقابة- تدخلت قيادة النقابة لإفشال الإضراب على أساس أن المقابل هو مشروع جمع المجلس الأعلى للوظيفة العمومية (وهو المجلس الذي لم ولن يجتمع إلا عندما جاءت حكومة التناوب 1998)، لكن الموظفين لم يتبعوا قيادة النقابة لذلك، فكان أن أطلقت عملية تسريح واسعة للموظفين المضربين وحدثت أزمة قوية داخل الاتحاد المغربي للشغل، انعكست على العلاقات بين مكونات الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، لذلك كان عقد المؤتمر الوطني الثاني، بالنسبة إلينا، مناسبة لتوحيد الصفوف، وأيضا لتصحيح الأوضاع، سواء داخل الحزب أو في صراعنا مع الدولة. لهذا، أعتقد أن المهدي بن بركة قبِل أن يتخلى عن تقديم تقريره إلى المؤتمر وسينشره في يونيو 1965، أي قبيل اختطافه، في كتاب حمل عنوان «الاختيار الثوري». والتقرير هو من إنجاز المهدي بن بركة، لكنني كنت قد لاحظت، عند زيارتي له في جونيف، أن عبد الله العروي ساعده في صياغة بعض فصوله.
وقد تحدث المهدي بن بركة في هذا التقرير عن التوافقات التي عرفتها أطراف الحركة الوطنية والقصر بعد الاستقلال، والأخطاء التي وقعت نتيجة هذه التوافقات والتي أسماها (الأخطاء الثلاثة)، وهي: عدم إشراك الجماهير في التوافقات، وعدم وجود ضمانات أو احتياطات، وكذلك عدم التوافق حول المؤسسات التي تقود البلاد، وصارت مشكلة المؤسسات من بين أهم القضايا التي يجب أن تبحث وتناقش، فالمغرب ظل يعيش منذ الاستقلال بدون دستور، وطالب الاتحاد في سنة 1960 بمجلس تأسيسي، ثم إن العلاقات بين المنظمات السياسية والقصر الملكي كانت من المعضلات الكبرى.
لكن قيادة الاتحاد المغربي للشغل عبأت مناصريها لتبني التقرير المذهبي الذي عرضه عبد الله إبراهيم والذي يطرح الإطار المغاربي لنضال القوات الشعبية، وهو اختيار صحيح. ومن المؤسف حقا أنه لم يسمح للمهدي بن بركة بطرح التقرير الذي أعده، إذ كان من الممكن اعتبار التقريرين مكملين لبعضيهما.
كان الخلاف حول النقاط المتعلقة بدور المركزية النقابية في علاقتها بالتنظيم الحزبي، حيث كان المهدي بن بركة يعتقد أن العمل الوحدوي مع الاتحاد المغربي للشغل في إطار الاتحاد الوطني يعطيه إشعاعا ويوسع من شعبيته. وكنا نرى أن الطبقة العاملة يجب أن تشارك كجزء من القوات الشعبية وحركة التحرر الوطني. لقد اعتبر الاتحاد الوطني نفسه استمرارا لحركة التحرير الشعبية، وهو ما كان يتطلب تنظيما عموديا داخل الاتحاد إلى جانب التنظيم الأفقي. وكان لدي اقتناع بأن هذا المشكل لا يمكن حله في مؤتمر الحزب بل في مؤتمر المركزية النقابية، وهذا ما سأعود إلى طرحه سنة 1967 لدى زيارة عبد الرحيم بوعبيد لي في السجن من أجل التشاور معي حول العمل الوحدوي بعد اعتقال المحجوب بن الصديق إثر الاحتجاجات على حرب يونيو 1967، وهو العمل الوحدوي الذي انطلق من تشكيل مكتب سياسي مكون من ثلاثة قادة، هم عبد الله إبراهيم وعبد الرحيم بوعبيد والمحجوب بن الصديق، يساعدهم كل من عبد اللطيف بن جلون ومحمد الحبابي ومحمد الفشتالي. وكان من المفروض أن ينطلق عمله الأول من الإعداد لمؤتمر وطني بعد رجوع قيادة الاتحاد المغربي للشغل إلى المجلس الوطني والكتابة العامة. وقلت لبوعبيد إن نجاح العمل الوحدوي للقوات الشعبية رهين بإرادة قيادة الاتحاد المغربي للشغل إعادة تنظيم المركزية النقابية وتوضيح آفاق عملها في مؤتمر نقابي يسبق المؤتمر الوطني للحزب، وينظم على أسس ديمقراطية حقيقية.
- لماذا تم الإبقاء على «حركة تحرير» صفة للاتحاد؟
المغرب لم يكن قد تحرر بالكامل سنة 1956، حيث كان هناك استعمار استيطاني وكان هناك ال500 ألف مستوطن فرنسي الذين يمسكون بخيرات البلاد ويستغلونها في قطاع الفلاحة العصرية والصناعة والنظام المالي والخدمات. وقد اختار الاتحاد النضال من أجل التحرر الاقتصادي. وكان من أهداف الاتحاد الوطني، كما حددها مؤتمر 1962، تحرير بقية التراب الوطني المحتل (الساقية الحمراء ووادي الذهب وشنقيط وسيدي إيفني وسبتة ومليلية والصحراء الشرقية التي أدمجتها فرنسا في الجزائر والتي لن تنال استقلالها إلا بعد شهرين على مؤتمر الاتحاد). ومعلوم أن جيش التحرير المغربي في المناطق الشرقية للمغرب ساند الثورة الجزائرية من أجل الاستقلال وتحرير المناطق التي هي مغربية أصلا. وقد التزمت الحكومة المؤقتة الجزائرية بمناقشة قضية الحدود مع المغرب لإنصافه بمجرد نيل الجزائر استقلالها، خصوصا وأن المغرب سبق أن رفض مقترحا لديغول يدعو إلى تأسيس منظمة لكل المناطق الصحراوية بغض النظر عن البلدان التابعة لها، أي المناطق الصحراوية الليبية والتونسية والمالية والنيجرية والمغربية والجزائرية والموريتانية، على أن يكون لها نظام خاص ويكون المغرب مشاركا فيها، كما سبق أن رفض المغرب فتح حوار مع الحكومة الفرنسية بعد الاستقلال سنة 1956 لتسطير الحدود الشرقية. وأجمعت قيادة حزب الاستقلال مع محمد الخامس على التمسك بهذا الموقف رغم تحفظ أحمد بلافريج الذي كان يعتبر أن للمغرب الحق في الدفاع عن حقوقه لدى المستعمر، أي الحكومة الفرنسية، لاسترجاع أراضيه التي اغتصبت منه طيلة القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وألحقت بالجزائر، وأن التفاوض مع الاستعمار أسهل من التفاوض مع حكومة جزائر مستقلة. وهذا ما صرح لي به المهدي بن بركة بعد قيام حرب الرمال بين الجزائر والمغرب 1963، وعبر عن ندمه لأنهم في قيادة حزب الاستقلال وباتفاق مع محمد الخامس لم يأخذوا برأي بلافريج، في حين اعتبر أحمد بن بلا، بعد حصول الجزائر على الاستقلال ووصوله إلى منصب رئيس الجمهورية، أن كل الأراضي التي استرجعت من فرنسا هي أراض جزائرية ضدا على الحقائق التاريخية وعلى التزام فرحات عباس بإجراء المفاوضات مع المغرب لإنصاف هذا الأخير وتسطير الحدود الشرقية.
- ماذا كانت وضعية القادمين من حزب الشورى والاستقلال؟
أغلب أعضاء حزب الشورى والاستقلال، الذين اندمجوا في الاتحاد الوطني، استمروا في العمل بالأقاليم والفروع، لكن القادة انسحبوا من الميدان، وهناك جانب بقي خافيا عن المؤتمرين ويتعلق بالقيادة، فقد أبلغني عمر بن جلون، الذي كان قد دخل من فرنسا قبلي، أواخر سنة 1960، بما يجري في الحزب، ووضح لي الكثير من الأشياء، بالإضافة إلى ما وضحه لي المهدي بن بركة في مرحلة لاحقة.
كان هناك نقاش داخل القيادة لم يشارك فيه المؤتمرون ويتعلق باختيار الكاتب العام للحزب، كان المرشحان الأبرزان أو المؤهلان هما المهدي بن بركة وعبد الرحيم بوعبيد، لكن قيادة الاتحاد المغربي للشغل (خاصة المحجوب بن الصديق) كانت لا تقبل بأي منهما أمينا عاما للاتحاد، ذلك أن لكل من المهدي وعبد الرحيم شخصية قوية، يصعب التأثير فيها أو قيادتها. وقد كان بإمكان الفقيه محمد البصري حسم الأمر لصالح المهدي أو عبد الرحيم، لو أنه تدخل بقوة لصالح أحدهما، نظرا إلى ما كان له من تأثير في المناضلين القادمين من المقاومة وجيش التحرير، لكنه لم يفعل.
اقترح المحجوب بن الصديق، لشغل منصب الأمانة العامة للاتحاد, عبد الله إبراهيم، لكن التوافق لم يحصل حول هذا الاقتراح أمام رفض المهدي بن بركة، فتقرر أن تبقى القيادة جماعية. وقمنا، مناضلين وأعضاء اللجنة الإدارية، بدون أن يكون لدينا علم بما كان يجري من نقاشات في صفوف القيادة، بحملة واسعة لإبراز أهمية القيادة الجماعية كاختيار ديمقراطي وتقدمي. ولم أتأكد من أمر اختيار القيادة الجماعية وعدم الاتفاق على اسم الأمين العام إلا سنة 1965، وذلك مباشرة من المهدي بن بركة في جنيف وبعده من عبد الرحيم بوعبيد. ثم إن العمل الوحدوي بين الحزب وقيادة النقابة تعثر بعد المؤتمر بعدة شهور، حيث ظهر الخلاف الأول حول الانتخابات التشريعية والبلدية لسنة 1963، فقيادة الاتحاد المغربي للشغل قررت ألا يشارك أعضاؤها في الانتخابات التشريعية لمايو 1963 وألا تدعم مرشحي الاتحاد الوطني، وذلك حتى تسهل الأمر على جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية التي أسسها، بتوجيه من الحسن الثاني، أحمد رضا كديرة الذي سينجح في دائرة ابن امسيك في الدار البيضاء، وهي دائرة عمالية، في حين قررت أن تقوم بإعداد مشاركة منفردة في الانتخابات البلدية والقروية ليوليوز 1963.
وبالتأكيد، فإذا كان القصر لم يكن مرتاحا لتأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وللمرحلة الوطنية الجديدة التي انخرط فيها، فإن وفدا من القيادة، مكونا من المحجوب بن الصديق وعبد الرحمن اليوسفي، التقى الملك الحسن الثاني وقدم إليه نتائج المؤتمر.
وقد كانت العادة في المغرب أن تقوم قيادة حزب يعقد مؤتمره الوطني بتقديم نتائج أعماله إلى الملك، غير أن توصيات المؤتمر، في الميدان السياسي والاقتصادي والاجتماعي، واختيار الأفق المغاربي، لبناء الوحدة المغاربية ودعم حركات التحرر الوطني عالميا، لم تكن تلتقي مع اختيارات الحسن الثاني، فقد خاصم الأخير الاتحاد الوطني وحاول توفير قاعدة اجتماعية لنظامه السياسي، فأغدق الامتيازات وأطلق أيدي المستفيدين في المال والاقتصاد، كما استعمل استرجاع أراضي الاستعمار ومغربة المؤسسات الصناعية والتجارية لصالح طبقة محدودة من كبار الفلاحين والتجار والموظفين والضباط ومحترفي السياسة في الأحزاب الإدارية، فاتحا بذلك بابا لزوابع سياسية ستعصف لمدة سنوات باستقرار البلاد وتطورها الحقيقي وستوسع الفوارق الطبقية
والجهوية.
وقد استمرت حالة عدم الارتياح بين القصر والاتحاد حتى نهاية التسعينيات لأن الحكم الفردي أوصل المغرب والمجتمع المغربي إلى مفترق الطرق: إما الإصلاح الديمقراطي وإما الكارثة، إما نجاة الجميع وإما غرق الجميع، وهذا ما عبر عنه الحسن الثاني في نهاية مشواره بوصف «السكتة القلبية» التي تهدد الوطن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة