ترامب يهدد بمحاولة استعادة قناة بنما    هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليازغي: جميع القادة السياسيين أعلنوا ولاءهم لمحمد الخامس بعد الاستقلال والمشكلة كانت مع ولي العهد
كنت واحدا من الأطر التي كلفت بإعداد المخطط الخماسي عندما كان عبد الرحيم بوعبيد وزيرا للمالية
نشر في المساء يوم 12 - 08 - 2011

تعود حكاية هذه الصفحات إلى سنوات طويلة، ليس التفكير فيها، بل تسجيلها، حيث كنت طرحت على الأستاذ محمد اليازغي في ربيع 1997،
أثناء وجودنا في مدينة ورزازات، مقترح أن يكتب مذكراته لما ستكون لها من قيمة سياسية وتاريخية، دون أن تكون هناك ضرورة لنشرها، ووافقني، لكن انشغالاته في مهامه الحزبية، ثم في مهامه الوزارية بعد مارس 1998، جعل الفكرة تغيب عن أحاديثنا.
في صيف 2003، أعدت طرح الفكرة عليه وأثناء مناقشتها، بدت لنا صعوبة أن يخصص يوميا وقتا لكتابة هذه المذكرات، فجاءت فكرة أن أسجل له، ليس مذكرات، بالمعنى المتعارَف عليه، بل تسجيل مساره كإنسان، على شكل حوار صحافي مطول، وهكذا كان. وسجلنا ما يقارب عشر ساعات، لكن النتيجة كانت فشلا، لأن جوابه عن كل سؤال كان جوابا عن كل شيء إلا عن شخصه ودوره وموقفه. كانت الساعات التي سجلتها، ليس عن محمد اليازغي بل تأريخا للمغرب وللحزب الذي انتمى إليه، إن كان من أجل الاستقلال أو من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية في وطنه ولشعبه، وخلصت، مع أن خلاصتي لم تنل رضاه، إلى أن تجربة التسجيل غير موفقة أو على الأقل ليست كما تصورتها، وقبِل معي أن نعيد التسجيل، لكن بعيد ذلك، في نونبر 2003، انتخب كاتبا أول للحزب، فتأجل كل شيء. وفي صيف 2009، قررنا أن نعيد التجربة، فكانت هذه النتيجة، التي أستطيع القول إنني لم أنجح فيها، على الأقل بالنسبة إلي، في أن «أحفزه» على الخروج, بشكل كامل أو كبير نسبيا، من العامّ نحو الخاص الذي كان يتدفق منه خارج التسجيل في لقاءات ثنائية أو عائلية أو مع مجموعة من الأصدقاء، بل أكثر من ذلك كان التدفق أحيانا بعيد إنهائنا التسجيل، حيث كان، عدة مرات، يتحدث همسا أو يطلب إيقاف التسجيل ليشرح أو يُفصّل أو يروي. هذه الصفحات، ليست كل ما سجل، إذ كثيرا ما تذكرنا أحداثا ووقائع أثناء تفريغ الأشرطة أو التصحيح والمراجعة فأضفناها. هذه الصفحات، إذا لم تكن مذكرات، فإنها، وبالتأكيد، ستكون مرجعية لكل باحث أو مهتم بالشأن السياسي المغربي الحديث، لأنها ليست صفحات مراقب أو شاهد، بل هي صفحات فاعل ومؤثر، لعب دورا متميزا في مسيرة وطنه وحزبه.
- كان هناك تخوف من أن يجري في المغرب ما جرى في تونس بإبعاد الباي؟
هناك فرق شاسع بين تونس والمغرب، فالباي في تونس كان منحازا إلى السلطة الفرنسية عكس سابقه الباي منصف الذي كان متحررا نسبيا، ولذلك أبعده الفرنسيون، فالمقارنة غير دقيقة وغير صحيحة. محمد الخامس بموقفه الوطني وبعمله على تحرير البلاد بتنسيق تام مع الحركة الوطنية جدد تجذر الملكية في التربة المغربية، وجميع القادة السياسيين بعد الاستقلال كانوا يعلنون ولاءهم للملك.
- يمكن أن يكون سمع مداولات داخل الحزب تناهض الملكية..
لم يكن أحد، ومحمد الخامس حي وعلى العرش، يتكلم عن إبعاد الملك أو إسقاط الملكية، ولم تجر أي مداولات حول هذا الموضوع داخل أية مؤسسة حزبية، فالقضية الأساسية موضوع المداولات داخل الحزب ومحل الخلاف هي إشكالية ما إن كان الاستقلال سيؤدي بنا إلى دولة وطنية حديثة، تبنى على أسس ديمقراطية بمشاركة الشعب المغربي وتقضي على الفقر والجهل والتخلف، أم سيؤدي بنا إلى دولة متخلفة استبدادية، لأن الجميع كان لديه اقتناع بأن ما حصل من استعمار للوطن هو نتيجة لضعف الدولة وتخلفها عن التقدم وسقوط هيبتها بسبب عدم القيام بالإصلاحات.. إصلاحات الدولة التي كان يتطلبها الوضع في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
- بعد أقل من تسعة شهور على الانتفاضة، عقد المؤتمر التأسيسي للاتحاد الوطني للقوات الشعبية..
بعد تأسيس الجامعات المستقلة لحزب الاستقلال، أخذ علال الفاسي مبادرة ليعيد تنظيم حزب الاستقلال تحت مسؤوليته وحده. وطبيعي أنه لم يكن ممكنا أن يستمر وضع يحمل فيه تنظيمان اسم حزب الاستقلال، وتم في المقابل جمع الجامعات المستقلة في مؤتمر عقد بالدار البيضاء لتصبح «الجامعات المتحدة لحزب الاستقلال» بقيادة الذين ترأسوا المؤتمرات الجهوية أو الذين انتخبتهم هذه المؤتمرات. والخطوة الثانية كانت هي عقد مؤتمر تأسيسي تم التفكير، أثناء الإعداد له، في أنه إذا كان هناك حزب جديد فلن ينبثق من حزب الاستقلال وحده بل لا بد أن يجمع أطرافا متعددة من التشكيلات الحزبية. من هنا كانت الحوارات التي قام بها المهدي بن بركة مع قادة من حزب الشورى والاستقلال والاتصالات بمسؤولين في الحركة الشعبية ومسؤولين في حزب الأحرار المستقلين والتي أثمرت «الاتحاد الوطني للقوات الشعبية» كحزب جديد منبثق من كل التجارب السياسية الوطنية، بما فيها تجارب ما بعد الاستقلال، ومفتوح على أوسع الجماهير على أساس أنه لا تناقض بين فئات الشعب المغربي لأن البلاد لا زالت في طور تصفية الاستعمار وفي طور البناء الذي يحتاج إلى التضامن والتلاحم بين فئات الشعب، واتفق على أن المنظمة الجديدة لن تكون حزبا ضيق الأفق ورفع شعار جديد «لا حزبية بعد اليوم»، وهو ما خلق نقاشا ساخنا بيننا حول مدلول هذا الشعار الذي لم نتقبله بسهولة.
في هذه الأجواء، عقد المؤتمر يوم 6 شتنبر 1959 في الدار البيضاء بسينما الكواكب الواقعة في حي الفداء، أحد أبرز الأحياء الشعبية في العاصمة الاقتصادية التي شهدت ميلاد ونشاط المقاومة المسلحة ضد الاستعمار. وخلاله تم انتخاب كتابة عامة للاتحاد مشكلة من عشرة أعضاء هم: المهدي بن بركة ومحمد البصري وعبد الهادي بوطالب وعبد الرحمان اليوسفي وعبد الله الصنهاجي ومحمد عبد الرزاق والحسين حجبي والتهامي الوزاني ومحمد حجي العموري وأحمد بنسودة ومحمد بالمختار. كما انتخبت لجنة إدارية من 22 شخصية، منها مولاي عبد السلام الجبلي والمحجوب بن الصديق وعبد الحي العراقي وبوشعيب الحريري الدكالي وعبد الله أبا عقيل.
كانت الأهداف التي سطرها المؤتمر هي المطالبة بإقامة ديمقراطية واقعية، وبالمشاركة الشعبية في إطار ملكية دستورية، وأيضا بتحرير الأراضي التي كانت لا تزال تحت سيطرة الاستعمار، مثل سيدي إيفني والساقية الحمراء ووادي الذهب وشنقيط وسبتة ومليلية، بالإضافة إلى اختيار التحرر الاقتصادي من منطلق أننا بلاد حصلت على استقلالها السياسي ومطروح عليها التحرر الاقتصادي بعلاقات متوازنة مع المستعمر السابق، والإلحاح على أن يكون التعليم تعليما عصريا مبنيا على القيم الروحية للبلاد. وعلى المستوى الخارجي، تم التأكيد على سياسة عدم التبعية والتعاون الحر مع الجميع على قدم المساواة مع كل الأنظمة الموجودة في العالم، بالإضافة إلى دعم كل حركات الاستقلال في العالم والدعم الخاص والمتميز للثورة الجزائرية.
وقد قدم هذه الخلاصات إلى الملك محمد الخامس وفدٌ حزبي ضم المحجوب بن الصديق وعبد الرحمن اليوسفي، وقدمها إلى الرأي العام في ندوة صحافية المهدي بن بركة وعبد الهادي بوطالب.
كانت أغلبية أعضاء الحكومة من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وشكلت قرارات المؤتمر دعما سياسيا لها (الحكومة) ومناسبة لتعبئة شعبية لصالحها، لكن مشكلتها بقيت مع ولي العهد الذي كان هو من اقترح عبد الله إبراهيم لتشكيلها بهدف توسيع الشرخ داخل الحزب، لكن بمجرد ما تشكلت الحكومة، أصبح على رأس معارضيها ولي العهد الذي كان يدفع باتجاه انقسام حزب الاستقلال ليجد نفسه أمام تكتل جديد، ذلك أنه لم يكن آنذاك مرتاحا لقيام الاتحاد الوطني، لأنه كان يطمح إلى أن تؤدي الانتفاضة داخل حزب الاستقلال إلى تشتت الحركة الوطنية وإضعافها باستمرار من خلال تطاحن مكوناتها. لكن الانتفاضة أدت، في النهاية، إلى قيام تنظيم جديد، وسيعمل الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، الذي جمع الكثير من القيادات السياسية والنقابية وأطرا من أحزاب الحركة الوطنية، على تجنيد القوات الحية للبلاد، وسيقود الفئات الاجتماعية في الكفاح من أجل حماية المكاسب التي حققها الاستقلال وبلوغ المطامح التي يرومها والمتمثلة في التحرر والديمقراطية والتقدم. لقد امتلك الاتحاد الوطني مقومات الحزب السياسي من حيث مشروعه المجتمعي ومن حيث ارتباطه بمختلف الفئات الاجتماعية، مما جعله غير مقبول من طرف ولي العهد.
- اختيار الفقيه بلعربي العلوي لترؤس المؤتمر الثاني للاتحاد، هل هو إشارة إلى أن أحد أفراد العائلة الملكية كان يدعم الحزب الجديد؟
نعم. كنت قد تعرفت على الفقيه بلعربي العلوي جيدا في وقت سابق، وتعمقت معرفتي به خصوصا في أواخر الستينيات، حيث أصبح يلعب دورا أساسيا في الاتحاد الوطني أو ما عرف بالجناح التقدمي واختياراته، وكان على ارتباط بالمقاومة، ولاسيما أنه كان، عند نفي محمد الخامس، أكبر عالم في البلاد يرفض بيعة بن عرفة، وبقي مخلصا لمحمد الخامس، مطالبا بعودته.
- خلال أيام النضال ضد الاستعمار، لعب شيخ الإسلام محمد بلعربي العلوي دورا محوريا، دون أن يكون منخرطا في حزب الاستقلال..
كانت علاقته قوية بقادة الحركة الوطنية من حزب الاستقلال والمقاومين، خصوصا المهدي بن بركة وعبد الرحيم بوعبيد وحسن صفي الدين الأعرج الذين كانوا يستشيرونه في الكثير من القضايا إلى درجة أنه، في بداية الاستقلال، كان هناك خوف على مصير العلاقة بين الحركة الوطنية ومحمد الخامس، وأبلغني عبد الرحيم بوعبيد بأن حزب الاستقلال فكر في إعداد قوائم الخونة الذين تعاونوا مع الإدارة الفرنسية إبان الاستعمار لتجريدهم من عدد من الامتيازات، فقال لهم بلعربي العلوي: «يا إخوان، أنتم ناضلتم لرجوع محمد الخامس، وبالتالي فأنتم القوة السياسية التي اعتمد عليها، فإذا أصدرتم قائمة بالناس المتعاونين مع الاستعمار لاتخاذ إجراءات ضدهم فستدفعون هؤلاء الناس إلى الاحتماء بالملك، وستجدون أنفسكم في مواجهة مع قوة سياسية مكونة من قدماء المتعاونين، لكنها ستكون قوة بيد الخصم، «وكان يقصد ولي العهد لأنه سيكون هو حاميهم».
بعد الاستقلال، استمرت اتصالاته بالمقاومين والمناضلين التقدميين في حزب الاستقلال، وكان له إشعاع معنوي فعيّنه محمد الخامس إبان الحكومة الثانية لمبارك البكاي وزيرا للتاج (بمثابة مستشار خاص للملك)، ومعه كوزراء للتاج المختار السوسي، أول وزير للأوقاف بعد الاستقلال، ولحسن اليوسي، أول وزير داخلية في عهد الاستقلال.
لما وقع اعتقال الفقيه محمد البصري وعبد الرحمن اليوسفي نهاية 1959 على أساس الاتهام بإعداد مؤامرة أو محاولة لاغتيال ولي العهد، ذهب بلعربي العلوي عند الملك وقال له إن هؤلاء الذين اعتقلتهم هم الذين ناضلوا من أجل رجوعك إلى العرش، فرد عليه محمد الخامس بقوله: «هذا مشي شغلك آلفقيه»، عندها كان رد فعله أن قال: «ما دام هذا مشي شغلي سأترك لك وزارة التاج»، وقدم استقالته، وذهب إلى منزله في فاس وبقي هناك إلى أن توفي محمد الخامس، فناداه الحسن الثاني لتولي الإمامة في صلاة الجنازة على محمد الخامس في مسجد حسان، وسبب ذلك أنه تذكر دوره عند تنصيبه وليا للعهد بعد أن أقنع المهدي بن بركة محمدا الخامس في سنة 1957بضرورة تنصيب ولي العهد رسميا، ونظمت تظاهرة كبيرة في القصر الملكي، حيث كان الشيخ بلعربي العلوي هو من قرأ وثيقة تنصيب ولي العهد.
لكل ذلك، كانت رئاسته لمؤتمر الاتحاد الوطني أمرا طبيعيا ودعما منه للمنظمة الجديدة. وستتاح لي الفرصة، لما كلفني المهدي بن بركة بإعادة تنظيم الاتحاد في فاس وإقليمها، كي ألتقي بالفقيه أسبوعيا في منزله، وأقنعته بإلقاء دروس دينية في المدرسة الجديدة بعيد صلاة العصر، لأن ذلك كان حكرا على فقهاء حزب الاستقلال، وقد عاتبني ابنه مولاي مصطفى في إحدى المرات على الزج بوالده في الصراع السياسي.
- كيف نظمت العلاقة بين حكومة عبد الله ابراهيم والحزب؟
كنا، كتقدميين في حزب الاستقلال ثم في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، منخرطين كل الانخراط في هذا المسلسل ودعم الحكومة وبرامجها. لكن في تلك المرحلة، لم يكن عبد الله إبراهيم وعبد الرحيم بوعبيد يحضران اجتماعات الأجهزة الحزبية، ولن يشرعا في حضورها إلا بعد أن تم إعفاء الحكومة في ماي 1960.
- بعد عقد المؤتمر، بدأت تظهر الخلافات داخل الاتحاد الوطني..
في البداية، لم تبرز خلافات داخل مكونات الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وعملية الاندماج كانت تسير على قدم وساق. وبمجرد ما أنهى المؤتمر التأسيسي أشغاله، انطلقت بعثة مكونة من المهدي بن بركة وعبد الهادي بوطالب لزيارة الأقاليم والفروع، وترأسا اجتماعات الأطر التي جاءت من الجامعات المتحدة لحزب الاستقلال والأطر الآتية من حزب الشورى والاستقلال لإنجاح الاندماج. وشاركت في اللقاء الهام بمقر الكتابة الإقليمية في الرباط الذي جمع مسؤولي وأطر التنظيمين في العاصمة. وأصبحت صحيفة «الرأي العام» التي كان مديرها أحمد بنسودة هي اللسان الناطق باسم الحزب الجديد لأن جريدة «التحرير» كانت قد توقفت على إثر ما سمي بمحاولة اغتيال ولي العهد واعتقال مديرها ورئيس تحريرها (الفقيه محمد البصري وعبد الرحمن اليوسفي). لكن إصدار «الرأي العام» لم يدم لوقت طويل، حيث اعتذر أحمد بنسودة عن استمرار الإصدار بسبب السلوك غير الودي الذي تصرف به قادة الاتحاد المغربي للشغل مع المندمجين من حزب الشورى والاستقلال، وبسبب الحصار الذي أصبح يضربه الحكم على الاتحاد الوطني.
وقد كان اعتذار بن سودة عن إصدار صحيفة «الرأي العام» إشارة إلى عدم رضاه على ما يجري في الحزب، خاصة تعاطي الاتحاد المغربي للشغل مع الأطر القادمة من حزب الشورى والاستقلال. لكن المشاكل ستستفحل إبان الانتخابات البلدية، حيث طرحت آنذاك مشكلة الترشيحات، وكان لا بد بالتالي من أن يكون الاندماج بين المكونات التي شاركت في تأسيس الاتحاد الوطني منعكسا في الترشيحات، وقد صارت هذه العملية عادية، واستطاع من كانوا في حزب الشورى السابق وأصبحوا في الاتحاد الوطني أن يكونوا من بين المرشحين وحتى الفائزين في تلك الانتخابات. لكن المشكل سيطرح على مستوى الدار البيضاء التي حصل فيها الاتحاد الوطني على الأغلبية (كان هناك 51 مستشارا اتحاديا من بين 53 مستشارا)، وتتمثل في: من سيكون الرئيس؟
كانت هناك شخصيتان من بين المنتخبين، هما عبد الهادي بوطالب والمعطي بوعبيد. وكان أمل القادمين من حزب الشورى أن يتم انتخاب بوطالب، لكن ذلك اصطدم برغبة المحجوب بن الصديق في أن يكون على رأس البلديات إما مسؤولون نقابيون من الاتحاد المغربي للشغل أو قريبون من المركزية النقابية، مثل البارودي في طنجة والوزاني في القنيطرة والهاشمي بناني في الرباط، وفي الدار البيضاء اعتبر أن المعطي بوعبيد أضمن له. وهنا وقع الخلل، لأن الإعداد للمستقبل وضمان عدم تعثر مسار الحزب ونجاح الاندماج كان يفرض أن يتم انتخاب عبد الهادي بوطالب، خصوصا أنه في 1960 كان المهدي بن بركة قد غادر المغرب كبداية لعملية الاغتراب الاختياري، وكان من ناب عنه عمليا هو عبد الهادي بوطالب الذي ستكون لعدم انتخابه عمدة للدار البيضاء نتائج على مسار الحزب وستؤدي إلى ابتعاد بوطالب وآخرين من الشوريين السابقين عن الحزب. وأتذكر أني زرت عبد الهادي بوطالب في مؤسسة «دار الكتاب» في الدار البيضاء، فأبلغني أنه سيعتزل السياسة، لكنه لن يتخلى عن القيم والمبادئ التي اعتنقها عند تأسيس الاتحاد الوطني.
وبعد وفاة محمد الخامس، حاول الحسن الثاني تأسيس حكومة جديدة ائتلافية، وخاطب قيادة الاتحاد الوطني كما خاطب عبد الهادي بوطالب، واتخذت قيادة الاتحاد قرارا بعدم المشاركة في الحكومة إلا إذا كانت هناك ضمانات كبرى لمسار يؤدي إلى انتخاب مجلس تأسيسي للدستور، كما أن عبد الهادي بوطالب أبلغ القصر الملكي، من جهته، بعدم موافقته على المشاركة في الحكومة الجديدة.
- ألم يتغير شيء في مسارك الشخصي خلال هذه الفترة؟
كنت أتابع دراستي في كلية الحقوق وأواصل بالموازاة عملي في وزارة المالية، وساهمت في خلق التنظيم النقابي لموظفي المالية في أبريل 1957، والتحقت من خلال عملي الوظيفي في الوزارة باللجان التي كلفت بإعداد المخطط الخماسي 1960-1964.
وقد كان إعداد هذا المخطط من أهم المهام التي أشرف عليها عبد الرحيم بوعبيد كوزير للمالية والاقتصاد الوطني، والهدف من التخطيط كان هو إحداث أدوات عمل ووسائل تدخل الدولة من أجل تحقيق الاستقلال الاقتصادي باعتبار أن التبعية المطلقة لن تسمح بنهج سياسة تنموية حقيقية، ولأن التنمية يجب أن تهتم بكل القطاعات والتطور الحقيقي لن يتحقق إلا إذا تمكنت غالبية الشعب من الخروج من الحلقة المفرغة للفقر والجهل. وكلفت، شخصيا، بصياغة القسم المتعلق -بالتجهيز الإداري- وقدمته، بعد إقالة عبد الله إبراهيم، أمام المجلس الأعلى للتخطيط الذي ترأسه ولي العهد بصفته نائبا لرئيس الحكومة.
- ما المقصود بالتجهيز الإداري؟
لم يكن المغرب، بعد الاستقلال، بشساعة مساحته وحجم ساكنته، يتوفر على تجهيزات إدارية لتحتضن إدارات محلية ومصالح خارجية للقطاعات الوزارية بالحجم الضروري، لأن أغلبية المصالح الإدارية كانت مصالح مركزية، والمصالح التي كانت لديها فروع كان بإمكانها تغطية مناطق شاسعة. هذه المصالح كانت محدودة لأن التجهيز الإداري يتبع التنظيم الإداري الترابي الذي كان ضعيفا على اعتبار أن المستعمر ركز على التأطير العسكري للبلاد ودور المراقبين العسكريين والمدنيين للباشوات والقياد. وما كان مطروحا بالنسبة إلى التجهيز الإداري هو خلق مكاتب ومصالح محلية لكل القطاعات الإنتاجية والخدماتية للدولة على مستوى مجموع التراب الوطني وحسب الكثافة السكانية.
وبناء عليه، فقد كان المخطط الخماسي ضرورة لبلاد حديثة الاستقلال، ورغم أن المجلس الأعلى للتخطيط أقره ووافق عليه بعد إدخال تعديلات عليه من طرف مستشاري الملك، فإن الحكومة تخلت عنه فيما بعد وأضاع المغرب سنوات طويلة وفرصا كبيرة لتنظيم اقتصاده ووضع الأسس لتنمية اقتصادية واجتماعية حقيقية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة