ما يدهش في المغرب اليوم ان كل الاسئلة تطلق من دون وجل أو تردد أو خوف، في الوقت نفسه التي تكون الاجابة فيه واضحة بلا مخاتلة. علينا ان نجد صغية أخرى لمفهموم "السياسة فن المكن" عندما يتعلق الامر بالمغرب بعد الاستفتاء على الدستور الجديد، يمكن ان تكون السياسة هنا "فن المستقبل" أو حتى القطيعة مع أخطاء الماضي. الصورة واضحة بامتياز للمعارضة المغربية قبل غيرها، ولا تقبل المخاتلة التي يتميز بها الخطاب السياسي العربي الشائع... هكذا تقول صحافة المعارضة المغربية وليس غيرها. الشارع المعارض له كلمته ايضاً، لمستها أسوة بغيري مع مراسلي الصحف ووكالات الأنباء بعد يوم واحد من القبول الشعبي للدستور الجديد. كان ثمة تظاهرة في الرباط ترفض النتائج. يقول أحدهم "لقد اكتسبت أنا المعارض المغربي الحق الأهم بالتظاهر والجهر بصوتي الناقم عالياً دون ان اجد أياً من الشرطة يكمم فمي. أليست تلك فضيلة جديدة للدستور الجديد، انها مثبتة في متنه". أو دعني اعيد نص الرسالة النصية من على شاشة التلفاز المغربي التي بعثها مشاهد، فيما كان المتحاورون يختلفون بقدر ما يتفقون على دلالة التصويت على الدستور وفقرات متنه. المنشطة التلفازية قرأت الجملة بانبهار وتساؤل معاً، كذلك كتب المشاهد "ملك شاب ودستور جديد وسياسيون شيوخ" يا للفذلكة! انه بلا شك واحد من جيل "الويكيبيديا" حسب تعبير "بيان الانترنت" انهم يصنعون سياسة المستقبل أيها السادة ولا أحد بعد اليوم يستطيع منعهم. هكذا فهم المغرب المعادلة الصحيحة وغيّر المسار واستجاب مبكرا للمستقبل، انه ضفة متوسطية مطلة على أعرق الديمقراطيات في العالم ولا يمكن أن يبقى على هامشها ويظل مستحوذا على صفة الشريك المميز مع الاتحاد الاوروبي إلا بديمقراطية حقيقية وليست كارتونية وفق الاعلام العربي السائد. ما يدهش في المغرب اليوم ان كل الاسئلة تطلق من دون وجل أو تردد أو خوف، في الوقت نفسه التي تكون الاجابة فيه واضحة بلا مخاتلة. صانعو السياسة في المغرب يدركون ماذا يعني الخطاب السياسي الاسباني الموجه اليهم، لأن التاريخ لن يغادر الجغرافيا، كما ينظرون بعين "الحنو" و"المداراة" و"الأمل في التغير" لجارهم العربي الذي فسر الدستور على انه استحواذ على المغرب الكبير! ومهما يكن من أمر فأن مبدأ الترضية قد سرى في متن هذا الدستور بحسب تعبير المفكر المغربي عبدالاله بلقزيز "سرى مبدأ الترضية والتوافق في جزء كبير من النص الدستوري، وكان يمكن المرء منا أن يلحظ مقداراً من التوفيق في التوفيق بين ذوي الخيارات المتقابلة حد التضاد، فليس من سبيل لِغَلْب المباينة الحدية إلا بتوليد المساحة الافتراضية المشتركة". وهذا ما يجعله يستنتج انه من الطبيعي ألاّ ترضي صيغة الدستور بعضاً لم يجد فيها ضالته، وأن ترضي بعضاً ثانياً رضاً نسبياً، وأن يتحمس لها ثالث، ويرفضها رابع، ويشنع عليها خامس . بينما يرى "إنها ثمرة شراكة سياسية - متفاوتة الأسهم طبعاً - بين فرقاء مختلفي المشارب والمصالح، والأهداف في المجتمع الوطني، لذلك يعسر على القارئ فيها أن يعثر على منتصر بعينه من الأطراف تلك، ولكن لا يُعصى عليه أن يلاحظ انتصار الوطن في الاتفاق على نظام أساسي للدولة متوافق عليه". وفي مقال بمجلة لونوفيل اوبزرفاتور الفرنسية قال عبدالله ساعف عضو اللجنة التي صاغت الدستور الجديد ان نجاح الدستور يعتمد على قدرته على معالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية. واضاف "ضغط الاحتجاجات قد يستمر في التزايد والتحدي الاساسي للسلطات المغربية هو تجنب العنف والتأخيرات في تنفيذ عناصر الدستور الجديد". لانه سيكون بامكان رئيس الوزراء المنبثق من الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية، حل مجلس النواب وهو ما كان من صلاحيات الملك وحده. هكذا تصبح المعالجة للازمات في سلة السياسيين وليس في القصر الملكي وحده. أو بتعبير الباحث علي السدجاري "أن الدستور ليس غاية في حد ذاته ولكنه يشكل خارطة طريق ترسم معالم المشروع السياسي". السيناريوهات السياسية في مغرب المستقبل لا تحتمل الترقب المشوب بالحذر، بل بالنتائج الواقعية التي تجعل المغرب كبلاد عربية تقدم درساً سياسياً لمحيطها العربي وتوثق صفة الشريك المميز مع الغرب الاوروبي، والسبب ببساطة لانهم وقعوا ربما وللمرة الأولى منذ سنة 1962، تعاقدا بين الملكية والمجتمع، وبين الأحزاب السياسية والفاعلين الاجتماعيين.