من حق الجيل الذي أنتمي إليه من مواليد ستينيات القرن الماضي، أن تنتابه مساحة من الفرح لتمكنه أخيرا، ولو بعد طول انتظار وترقب، من معاينة هذا الطوفان من الثورات التي لا قبل لنا بها وهي تهز عروش الجمهور ملكيات التي ابتليت بها شعوبنا من طرف أنظمة لا هي بالجمهوريات ولا هي بالملكيات ولا وجود لها حتى في مقررات العلوم السياسية التي تلقن بمدرجات الجامعات المنتشرة على امتداد الرقعة الجغرافية للعالم العربي. فرحة نتقاسمها مع الأجيال اللاحقة، التي رأت النور خلال سبعينيات القرن الماضي وأعياها بدورها انتظار هذه اللحظة التاريخية التي هرمنا أو كدنا في انتظار أن نراها تتحقق على أرض الواقع. وتعود بي الذاكرة اللحظة، إلى سنوات خلت، عندما كنا نتابع بنهم كبير أخبار الحركات القومية العربية وبعدها تنظيمات التحرير الماركسية على اختلاف مشاربها الإيديولوجية، وهي تصول وتجول داخل الجامعات وكذا الثانويات بمجموع المنطقة العربية، بل تمكن البعض منها من تحقيق مكاسب ميدانية، كما هو الشأن في اليمن على يد الثوار الماركسيين والقوميين وسلطنة عمان مع ثورة ظفار وإنجازات حركة المقاومة الفلسطينية التي شغلت الرأي العام العالمي ومعه العربي بإنجازاتها داخل وخارج فلسطينالمحتلة، مسنودة في ذلك بالانقلابات العسكرية التي شهدتها بعض الدول، كمصر وسوريا وليبيا على يد حركة الضباط الأحرار. وهو ما كان يدفع بالكثير منا إلى القول الأقرب إلى الجزم بأن "الإنتصار" أصبح على مرمى حجر أو أدنى. لكن الأحداث المتلاحقة،دوليا وعربيا خلال حقبة الثمانينات وتسعينيات القرن الماضي وعلى رأسها الانهيار المروع للإتحاد السوفياتي والذي فاجأ حتى أكبر المتشائمين لهول ما حدث، تلك الوقائع عجلت بالمراجعات الفكرية التي أقدم عليها العديد من المفكرين والمنظرين وكذلك التنظيمات السياسية والتي شملت من ضمن ما شملته، مفهوم الثورة ومدى جاهزية الشعوب العربية، لأسباب تاريخية لمثل هذه التحولات الجذرية وما سيترب عنها في حال وقوعها. وكان طبيعيا في مثل هذه الأوضاع أن تنعكس مثل تلك المراجعات الفكرية، على مبدأ الأولوية لدى كل شعب من شعوب المنطقة، لتنحسر بالتالي جذوة النضال في رقعتنا الجغرافية وتتراجع مطالب الجماهير أمام تنام مد الأنظمة التوتاليتارية التي استأنست بكراسي الحكم واستفردت بشعوبها لتلفي بها في مستنقع اليأس وفقدان الأمل في كل تغيير. من هنا تأتي أهمية هذه اللحظة التاريخية التي نعيش على إيقاعها يوما بعد ونحن نتابع بدون ملل بالصوت والصورة أخبار الانتفاضات التي أشعل فتيلها شبابنا الذي يعود إليه قبل غيره فضل شحننا مجددا، بهذا الوقود من الأمل نحو غد أصبح في متناول العين.