عاد السجال ليطفو مجددا على السطح، بخصوص الأولوية لمن؟ للنضال القطري أم النضال القومي؟ وكان من وراء هذه العودة، التطورات التي تعرفها الساحة العربية من الخليج إلى المحيط. هذا النقاش ليس وليد اليوم، بل أشبع تحليلا وتمطيطا خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، من طرف جميع الأطياف السياسية والفكرية على امتداد رقعتنا الجغرافية، ليتوارى إلى الخلف بعد ذلك، بفعل عاديات الزمن والتطورات اللاحقة التي غيرت لدى الجميع منطق الأولويات. عودة هذا السجال، أملاه تسارع الاحتجاجات، التي أسقطت نظامين من أعتا الأنظمة العربية/ التونسي والمصري، في حين لا يمكن التكهن بمن سيكون عليه الدور في الشهور أو الأسابيع المقبلة، وخاصة بعد أن امتد فتيل الانتفاضات ليطال نظاما بوليسيا يكاد لا يوجد له نظير بالعالم العربي وهو النظام السوري ، الذي لم يتردد في إخراج كل ما لديه من عتاد وذخيرة في وجه شعب أعزل بحت حناجر مواطنيه المطالبة بالحرية والديمقراطية. جملة واحدة تتردد هذه الأيام، من خلال جميع الأبواق التي تحمد وتسبح باسم نظام بشار الأسد، منادية بأن الأمر يتعلق بما يسمونه"مؤامرة" ضد " أخر قلاع المقاومة في وجه الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين والرافض لكل التسويات على حساب القضية الفلسطينية" وهي إشارة إلى النظام السوري بما يعني أن أية مطالبة بالحرية السياسية والديمقراطية والحق في التعبير عن الرأي ...إلى غير ذلك من الحقوق المهضومة عربيا، ما هي إلى ضرب من ضروب "المؤامرة ضد الأنظمة العربية " حتى ولو كانت هذه الأخيرة غارقة في دماء شعوبها المغلوبة على ّأمرها، كما هو الشأن بالنسبة لنظام الأسد. فكلما ارتفع صوت مناديا بواحدة من هذه الحقوق، إلا ورفعت في وجهه " نظرية المؤامرة" على القضية الفلسطينية وعلى العرب، وبأن أصحابها ما هم في واقع الأمر"إلا أدوات في خدمة الكيان الصهيوني وأمريكا والغرب وتوابعهم..." وهذا هراء ما بعده هراء، يراد به عزل الشعوب والاستفراد بها، من طرف أنظمة بوليسية لا مكان لديها للديمقراطية والحرية ولا تفهم القضايا العادلة لشعوبها، إلا بالمعنى الذي يكفل لها البقاء في سدة الحكم، حتى ولو كلفها الحفاظ على ذلك الإستقواء بالشيطان لنيل مبتغاها. ولقد رأينا الهرولة التي أقدم عليها النظام الليبي نحو "أعداء" الأمس القريب لنصرته في وجه شعبه والأمر نفسه يراهن عليه النظام السوري حتى ولو كان مع المخابرات الإسرائيلية.