لأول مرة منذ تفجر الاحتجاجات الشعبية في ليبيا الأسبوع الماضي، تناقلت وسائل الإعلام الرسمية أنباء تلك الاضطرابات في وقت متأخر من مساء السبت، حيث بدأ التلفزيون الرسمي ووكالة "الجماهيرية" للأنباء، في بث تقارير تضمنت اتهام "شبكة أجنبية" بالوقوف وراء تلك المواجهات. وبعدما ظلت تتناقل تقارير عن مسيرات تأييد للزعيم الليبي، معمر القذافي، طوال الأيام الماضية، قالت وكالة الأنباء الرسمية إن بعض المدن الليبية تتعرض، منذ الثلاثاء الماضي، إلى "أعمال تخريب وحرق، لمستشفيات ومصارف ومحاكم وسجون ومراكز للأمن العام وللشرطة العسكرية، ومنشآت عامة أخرى، إضافة إلى ممتلكات خاصة." ونقلت "أوج" عن مصادر وصفتها "مؤكدة"، قولها إن "هذه الاعتداءات استهدفت نهب مصارف، وإحراق وإتلاف ملفات قضايا جرائم جنائية، منظورة أمام المحاكم، تتعلق بالقائمين بهذه الاعتداءات أو أقاربهم"، وأضافت المصادر نفسها أن "الاعتداءات على مراكز الأمن العام والشرطة العسكرية، استهدفت سرقة السلاح واستخدامه." وبحسب رواية الوكالة الرسمية، فقد "كشفت هذه المصادر عن تمكن أجهزة الأمن العام، منذ يوم الأربعاء الماضي، من إلقاء القبض في بعض المدن، على عشرات من عناصر شبكة أجنبية مدربة على كيفية حصول صدام، لكي تفلت الأمور وتتحول إلى فوضى، لضرب استقرار ليبيا وأمن وأمان مواطنيها ووحدتهم الوطنية." وأوضحت نفس المصادر، التي وصفتها الوكالة مجدداً بأنها "قريبة من التحقيقات"، أن "هذه العناصر، التي تنتمي لجنسيات تونسية، ومصرية، وسودانية، وتركية، وفلسطينية، وسورية، مكلفة بالتحريض على القيام بتلك الاعتداءات، وفق برامج محددة." وقالت إن "التحقيقات جارية مع عناصر هذه الشبكة، التي لا يستبعد ارتباطها بالمخطط الذي سبق وأعلنه الجنرال الإسرائيلي عاموس يادلين، رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق (آمان)، حول نجاح هذا الجهاز، في زرع شبكات وخلايا تجسس في ليبيا وتونس والمغرب، إضافة إلى السودان ومصر ولبنان وإيران." يأتي أول تقرير رسمي عن المواجهات التي تشهدها العديد من المدن الليبية بعد قليل من تأكيد مسؤول طبي لCNN سقوط ما يزيد على 30 قتيلاً في المواجهات التي تشهدها مدينة "بنغازي" شرقي ليبيا، مشيراً إلى أن معظم الضحايا سقطوا نتيجة إصابتهم بالرصاص في الرأس. وقال طبيب في مستشفى "الجلاء" إن المستشفى استقبل خلال الساعات القليلة الماضية عشرات الحالات من المصابين بأعيرة نارية، مشيراً إلى أن المستشفى، التي تُعد كبرى مستشفيات المدينة، أصبحت مكتظة بالجرحى بما يفوق طاقتها الاستيعابية. واندلعت المواجهات في الساحة المواجهة لقاعة المحكمة الرئيسية في بنغازي وفي شارع جمال عبد الناصر، أحد أكبر الشوارع بالمدينة، أثناء قيام آلاف المتظاهرين بتشييع 11 قتيلاً ممن سقطوا في مواجهات سابقة مع قوات الأمن الليبية. وكان أحد الأطباء في بنغازي قد أكد في وقت سابق السبت، أن مروحيات عسكرية تحلق في سماء المنطقة وتطلق النار من رشاشاتها على جموع المتظاهرين، الذين سيطروا على الشوارع، مطالبين برحيل نظام العقيد معمر القذافي، الممسك بالسلطة منذ أكثر من أربعة عقود. وقال الطبيب الذي طلب من CNN عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية: "نحن الآن في وضع حرج للغاية.. المدينة فعلياً تحت الحصار ولدينا عشرات المصابين في المستشفيات، ومعظمهم سقط ضحية إطلاق النار." وكانت منظمة "هيومان رايتس ووتش" قد قدرت حصيلة قتلى احتجاجات شعبية تعم مدن ليبية منذ الأربعاء، ب84 قتيلاً، على الأقل، في غضون ثلاثة أيام. وذكرت المنظمة الحقوقية أن تقديراتها تعتمد على مقابلات هاتفية أجرتها مع شهود عيان ومصادر طبية في ليبيا، ولم يتسن لCNN التأكد بشكل مستقل ومنفصل عن تلك الحصيلة. والجمعة، سقط 20 قتيلاً على الأقل وأكثر من مائتي جريح في مواجهات اندلعت بين قوات الأمن الليبية وآلاف المحتجين في مدينة بنغازي شرقي الجماهيرية الليبية، وفق ما أكدت مصادر طبية لCNN. وشهدت مدينة بنغازي، إحدى كبرى المدن الليبية، مظاهرة حاشدة ظهر الجمعة، شارك فيها عشرات الآلاف من المحتجين، الذين حملوا جثث قتلى المواجهات التي وقعت في وقت سابق من الأسبوع الماضي بين قوات الأمن والمتظاهرين المناوئين للزعيم الليبي معمر القذافي. وأفاد المتحدث باسم "الجبهة الوطنية لتحرير ليبيا" المعارضة، محمد عبد الله، بأن مسلحين ينتمون للجان الشعبية (الحكومة الليبية)، أطلقوا الرصاص الحي على المتظاهرين، دون أن يتضح ما إذا كانت المواجهات قد أسفرت عن سقوط مزيد من الضحايا، كما لم تتوافر أي معلومات بشأن حصيلة ضحايا المواجهات السابقة. ولا يتوافر صحفيون لCNN في ليبيا للتأكد من التقارير الخاصة بتطورات الأوضاع في الدولة العربية الواقعة في شمال القارة الأفريقية، بينما اكتفت وسائل الإعلام الرسمية ببث مشاهد وتقارير عن مظاهرات مؤيدة للزعيم معمر القذافي، الذي يحكم الجماهيرية الليبية منذ أكثر من أربعة عقود. وكانت العديد من المواقع التابعة للمعارضة الليبية قد دعت المتظاهرين للخروج إلى الشوارع بمختلف المدن الليبية في "يوم الغضب" في 17 فبراير/ شباط الجاري، الذي يوافق ذكرى احتجاجات عام 2006، والتي قُتل خلالها 12 متظاهراً على يد قوات الأمن الليبية. وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "مع تأكيد الشعوب من تونس إلى مصر إلى البحرين إلى إيران على حقهم في الاحتجاج، نرى الحكومة الليبية ترد بنفس الأسلوب الخاطئ. على العقيد معمر القذافي أن يتعلم من جيرانه السابقين أن الاستقرار يجب أن يضم احترام الحق في التظاهر السلمي." تأتي مسيرات ليبيا في وقت تشهد فيه عدد من الدول العربية احتجاجات شعبية تطالب بإصلاحات وتغييرات سياسية، مستوحاة من نموذجي تونس ومصر، علماً أن الزعيم الليبي أبدى دعمه لنظيريه التونسي زين العابدين بن علي، والمصري حسني مبارك، إبان فترة احتجاجات شعبية نادت بالتغيير وانتهت بسقوط الزعيمين.