ابتلي المغرب في الآونة الأخيرة بأصوات إعلامية نشاز، طفت على السطح من غير مقدمات وأطلقت العنان ،من خارج أرض الوطن، لخرجات إعلامية هي أقرب إلى التنجيم منه إلى التحليل السياسي الرزين، في محاولة يائسة منها إلى لي عنق الواقع المغربي وتطويعه ليتناسب ورغباتهم الذاتية. موضوع هذه الخرجات هو الحديث عن إمكانية "انتقال عدوى الانتفاضات" التي عرفتها كل من تونس ومصر إلى المغرب، بل منهم من ذهب إلى حد الحديث عن "ثورة دموية" لا قبل للمغرب بها. وهذا هراء ما بعده هراء، ليس لأن المغرب يخلو من مشاكل كتلك التي ميزت كلا من تونس ومصر، بل لأن السياق السياسي والديمقراطي لبلادنا هو أبعد من أن يقاس بالأوضاع التي عرفها هذين البلدين الشقيقين وهذا ما يشهد به المحللون السياسيون الذين يعتمدون في استنتاجاتهم على معطيات الواقع لا على التخمينات الذاتية. فإذا كان القاسم المشترك بين البلدين الشقيقين هو الطابع البوليسي لنظاميهما والذين عملا على مدار الثلاثين سنة أو أقل بقليل، على إقصاء كل الأصوات المعارضة، سواء تعلق الأمر بالأحزاب السياسية أو النقابات أو حتى جمعيات المجتمع المدني وتدجين من رغب منها في البقاء بالعمل الشرعي، فإن الحالة المغربية لا يمكن بأي حال من الأحوال قياسها بها مع وجود الفارق، كما يقول الفقهاء. ففي المغرب وعلى الرغم من المواجهة المتوترة التي جمعت كلا من الدولة بالأحزاب الوطنية والديمقراطية بمن فيها تلك التي كانت تفضل العمل في السرية والشيء نفسه ينسحب على العلاقة بالنقابات وجمعيات المجتمع المدني، فإن حضور هذه الأخيرة على مستوى الفعل الاجتماعي، ظل حقيقة بادية للعيان حتى عندما كان التوتر المشار إليه يصل إلى مستويات قياسية من الحدة كما هو الشأن لأحداث 1981 و1984 و1990 وهو ما يعكس بجلاء أن حالة الفراغ السياسي لم تكن في وقت ما ملمحا من ملامح الحالة المغربية، حيث ظلت ولازالت تلك المؤسسات: أحزابا ونقابات وجمعيات تلعب دورها في تأطير الجماهير وتوجيهها كلما دعت الضرورة إلى ذلك وهذا ما افتقدته الحالتين: التونسية والمصرية ليجد النظامان معا نفسيهما وجها لوجه أمام الجماهير التي حرمت على مدار عقد من الزمن من حرية التعبير والتظاهر..وهو الأمر الذي يجعل من خرجات أولئك على قلتهم أقرب إلى التنجيم و"اضريب الخط" منه إلى التحليل.