عندما أخطأ خيال الأمير وصديقه الجامعي... خلفت انتفاضة «الياسمين» في تونس الشقيقة ردود فعل متباينة من حيث التحاليل المعبر عنها داخل الوطن العربي. ومجمل هذه التحاليل ربطت بين ما يجري الآن في تونس ومدى تأثير ذلك على باقي دول المنطقة العربية والمغاربية أساسا. هناك من تعامل مع الحدث بموضوعية في ضوء سياقاته وأبعاده الداخلية، وهناك من أطلق العنان للتحليل البسيط والسطحي، والمقاربات الميكانيكية، وكل هذا التهافت من أجل الخروج بخلاصة اعتبر البعض فيها أن ما جرى في تونس قد يهدد الأنظمة العربية، وبالتالي إن انتفاضة «الياسمين» قد تتكرر بشكل مأساوي في هذا البلد العربي أو ذاك... مغربيا، سارعت بعض الأصوات لاستعراض تحاليل بعيدة عن الموضوعية وقريبة من الذاتية، بل تعكس أماني وطموحات وحسابات دفينة، وجدت في أحداث تونس مناسبة لتكرار طرحها. في العدد الأخير لمجلة «نوفيل أوبسرفتور» الفرنسية نشر استجواب مع بوبكر الجامعي ومقال للأمير مولاي هشام، خصصا لتأثير أحداث تونس على المغرب وباقي الدول العربية. بالنسبة للأمير مولاي هشام، يرى في استنتاجه أنه في حالة انتقال أحداث تونس إلى المغرب فإن هذا الأخير قد يشهد «أحداث عنف خطيرة مطبوعة بالشعبوية». أما بوبكر الجامعي فيعتقد بشكل جازم أن «الثورة في المغرب ستكون دموية»!؟. المؤسس والمدير السابق لأسبوعية «لوجورنال» يبني رؤيته على التراجع عن مرحلة الديمقراطية التي بدأت في عهد الملك الراحل الحسن الثاني في عام 1990، وباعتماد النظام في المغرب على النموذج التونسي!؟. أما الأمير مولاي هشام فيرى في مقاله المنشور في نفس الصفحة من المجلة أن أحداث العنف الخطيرة، التي يتنبأ لها المغرب، تعود لوجود مشاكل اقتصادية واجتماعية عميقة يترتب عنها التهميش... ترى أي جديد جاءت به مثل هذه التحاليل أو التنبؤات؟ هل من شأن هكذا حديث أن يساهم في معالجة القضايا المطروحة على المغرب؟ هل عمليا وموضوعيا يمر المغرب من نفس الأوضاع في تونس؟ هل نفس التحديات المطروحة على المغرب هي ذاتها المطروحة على تونس؟ أخيرا، وليس آخرا، هل الموقف المغربي، والمواقف العربية المعبر عنها إزاء ما جرى ويجري في تونس هي نفس المواقف القديمة؟ بالنسبة لهذا التساؤل الأخير، الواضح لحد الآن هو أن جل الدول العربية، باستثناء موقف الزعيم الليبي النشاز، أكدت على احترامها لإرادة الشعب التونسي، وذات الموقف أكده المغرب الرسمي الذي تمنى في نفس الوقت أن يعم الاستقرار والديمقراطية في هذا البلد الشقيق. المواقف الإيجابية المعبر عنها عربيا تعتبر في حد ذاتها معطى جديدا، يوحي بالتطورات التي شهدتها المنطقة العربية، ولو كانت هذه التطورات بطيئة أو تتخللها أعطاب متعددة. هو مؤشر جديد، أيضا، لأنه يعكس مدى إدراك هذه الأنظمة لدور الجماهير، ويؤكد أن أنظمة الأمس القريب، التي كانت تتضامن من أجل قهر الشعوب وإجهاض انتفاضاتها وتطلعاتها لم يعد باستطاعتها اليوم سوى احترام إرادة الشعوب. هذا ما حصل اليوم مع ما يجري في تونس، وهو ما ينبغي الإنتباه إليه، بدل اجترار المواقف والأطروحات القديمة بعيدا عن الواقع. بالنسبة للمغرب، ماذا أضاف بوبكر الجامعي والأمير؟ الكلام الذي اعتمده بوبكر الجامعي لإعلان نبوءته «المغرب سيشهد ثورة دموية» قاله وكرره سنوات خلت ولم تحدث لا ثورة دموية ولا طوفان أو «قومة» بتعبير الشيخ ياسين زعيم جماعة العدل والإحسان، على العكس من ذلك، وفي الوقت الذي كان فيه البعض يسوق طروحاته من أجل التسول بها، كان المغرب بقواه الحية، وفعالياته الميدانية، يبذل الجهود الممكنة لتجاوز مشاكل ومخلفات زمن الرصاص وولوج «المغرب الرمادي» بتعقدير المناضل الراحل أبراهام السرفاتي، كبوابة للمغرب المنشود، اليوم وغدا. الشقيقة تونس، لم تعرف نفس الانفراج السياسي الذي انطلق بالمغرب منذ بدايات التسعينات. ولم تشهد مسلسل المصالحة من أجل طي صفحة الماضي، لم تضع خارطة طريق للإنصاف والمصالحة وشروط الإصلاح، كما حصل في المغرب من خلال توصيات هيئة الانصاف والمصالحة وتقرير الخمسينية. وتونس الشقيقة لم تصل إلى الاختيار الديمقراطي الذي اعتمده المغرب بديلا لا رجعة فيه. نعم، لقد كانت تقارير اقتصادية وإعلامية تنتقد تونس سياسيا، لكن تشيد بها وتصنفها كأفضل بلد عربي ومغاربي في عدة مجالات اقتصادية واجتماعية وتعليمية... وفي المغرب كانت بعض الأصوات المنتقدة والمعارضة تقدم تونس كنموذج لما أخفق فيه المغرب!؟ كل هذه التحاليل والتصورات، والأوهام حتى، لم تصمد أمام الواقع العنيد... ما حصل هو انتفاضة في تونس واستقرار في المغرب. تونس الشقيقة ليس لديها نفس التحديات التي يواجهها المغرب والمغاربة. المغرب يواجه أطماعا وأخطارا تتوخى تقزيمه والنيل من وحدته الترابية في الجنوب، والتنكر لحقوقه المشروعة بالنسبة للمدينتين السليبتين في الشمال. المغرب يواجه بشجاعة الخطر الإرهابي الذي يستهدف أساسا هويته واختياراته. بارتباط مع هذه التحديات، يواصل المغرب مراكمة إنجازات مهمة في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والحقوقية بالرغم من النقائص. المطروح اليوم في المغرب، وهو ما يحاول أمثال بوبكر الجامعي تجاهله لأسباب وخلفيات معروفة، هو تعزيز المكتسبات بأجيال جديدة من الإصلاحات. إن المشاكل التي يتحدث عنها الأمير مولاي هشام وصديقه بوبكر الجامعي ليست غائبة لدى المغاربة الذين يعايشونها ويدركونها أكثر من الذين يطلقون التحاليل والتنبؤات من إقاماتهم في الخارج، حيث يعيشون أبهى درجات النعيم. لا أحد في المغرب يتجاهل المشاكل القائمة، الأحزاب والإعلام والنقابات والهيئات المدنية تعرفها، وتناضل من أجل فضحها ومعالجتها. بل كثيرة هي خطابات الملك التي لا تتردد في إثارتها والتنبيه إليها، وتدعو إلى الانكباب على إيجاد الحلول لتجاوزها. المغرب، الذي يزخر، ولله الحمد، بمظاهر الاحتجاج، المنظم والمسؤول، في المدن والقرى، وفي غنى عن أية فتنة أو ثورة دموية، كما يتمنى بوبكر الجامعي، في حاجة دوما وأبدا إلى تطوير تجربته المتميزة بتعميق الديمقراطية وتوسيع مساحات الحريات، وإرساء الحكامة الجيدة وتحقيق التنمية وتقليص الفوارق... كل هذه القضايا مطروحة على المغرب بما في ذلك الإصلاحات الدستورية والسياسية. إن بلوغ هذه الأهداف لن يتأتى بقراءة الفنجان ولا بالأحلام. وحده النضال المنظم ووحدة مختلف القوى الحية هما الطريق الوحيد لفرض الانتظارات المذكورة. وكما تقول التجارب «إن الثورة لا تأتي دائما بواسطة الانتفاضات العفوية، بل لصناديق الاقتراع الكلمة الأخيرة». أما الذين يحلمون، من أبراجهم، بالثورة الدموية والعنف، وبإمكانية نقل التجربة التونسية حرفيا وفرضها على المغرب، فهم حالمون وسيظلون في حلمهم غارقين لسبب وحيد ألا وهو أن انشغالاتهم وطموحاتهم في واد، وانشغالات المغاربة الحقيقية وسبل تدبيرها يوميا ومحليا وجهويا ووطنيا في واد آخر.