قالت برقية سرية بعثت بها السفيرة الامريكية في القاهرة مارغريت سكوبي الى واشنطن، كشف عنها موقع ويكيليكس، واطلعت 'القدس العربي' على نصها الاصلي في موقع صحيفة 'الغارديان' البريطانية، ان الرئيس المصري حسني مبارك يعتزم الترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وانه سيفوز فيها حتما، سيترك الحكم بالوفاة، وليس عبر انتخابات ديمقراطية، معتبرة انه لا توجد في مصر انتخابات نزيهة. وحسب البرقية التي من المتوقع ان تثير حرجا واسعا في القاهرة، ومزيدا من التعقيدات في العلاقات المصرية الامريكية التي عانت من التوتر مؤخرا، بسبب انتقادات واشنطن لما اعتبرته انتهاكات في الانتخابات التشريعية، فان جمال مبارك هو ابرز المرشحين لخلافة والده، الا انها لا تستبعد ان يكون اللواء عمر سليمان مدير المخابرات العامة، او 'الحصان الاسود' عمرو موسى امين الجامعة العربية هو الخليفة المنتظر. ولكن السفيرة الامريكية لاحظت ان مبارك يبدي تحفظا على ملف التوريث، وبررت ذلك بأن فكرة مبارك عن الحاكم القوي لكن العادل، التي يرى نفسه فيها، تضعف من صورة جمال بسبب افتقاده للخبرة العسكرية. واضافت ان الرئيس ربما يضع ثقته في الله والاجهزة الامنية والمؤسسة العسكرية لضمان انتقال سلس للسلطة، وتخلص الى انه لا احد يعلم حقا من سيكون خليفة مبارك رغم 'الوشوشات الكثيرة'.ولكن سكوبي تحذر في موضع لاحق من البرقية قائلة 'ان مبارك برفضه المشاركة في السلطة، وفرض طوق حازم على كبار مساعديه، ينبئ باضطرابات ويخلق امكانية فراغ في السلطة بالبلاد. واعتبر مراقبون، ان هذا الجزء من البرقية السرية التي ارسلت في ايار (مايو) 2009، بالاضافة الى ما قد يسببه من تغيير واشنطن لسفيرتها بالقاهرة، بعد ان اصبح صعبا استمرارها في عملها، الا انه يوضح قلقا امريكيا على مستقبل الاوضاع في مصر، ويلقي بظلال من الشك حول سيناريو التوريث، لسببين رئيسيين:التأكيد ان مبارك لن يتخلى عن السلطة في حياته، ما يعني ان المؤسسة ليس هي من سيحدد الرئيس المقبل، وهذا سيناريو مفتوح لا يمكن التنبؤ بنتيجته. الاشارة الى تحفظ الرئيس عن دعم سيناريو التوريث، ما يدعم التحليلات والتكهنات التي تحدثت حول وجود صراع بين معسكرين، احدهما مؤيد لتنازل الرئيس لجمال، والاخر يطالب الرئيس بالبقاء (الى اخر نفس) وتدعمه المؤسسة.واشارت سكوبي الى ان مبارك 'رئيس فخور لامة فخورة' وانه يعتد كثيرا بالخبرة الطويلة التي يتمتع بها في ملفات الشرق الاوسط وصراعاته. واضافت ان الرئيس يحب الاستماع الى الاطراء على مصر ومكانتها، ولا يعتد بالمجاملات الشخصية. واعتبرت انه رجل واقعي ومحافظ ومجرب، وقادر على النجاة في ظروف صعبة مشيرة الى انه نجا من ثلاث محاولات للاغتيال على الاقل، وهو ليس لديه وقت لمحاولة تحقيق اهداف مثالية.واعتبرت ان مبارك العلماني يرفض تدخل الدين في السياسة، ويرى ان الضغوط الامريكية على مصر لاعتماد اصلاحات سياسية تقوم على اسس غير صحيحة.واشارت الى انه يستشهد عادة بما حدث لشاه ايران عندما ضغطت عليه واشنطن لادخال اصلاحات سياسية، ما ادى الى سقوط حكمه وقيام نظام ثوري اسلامي في مكانه. وتقول سكوبي: نعتقد الآن انه يخشى انهيار باكستان ووقوعها في ايدي طالبان وهو يضع اللوم على واشنطن لانها اصرت على خطوات ادت الى اضعاف الجنرال مشرف. وتضيف: وبالرغم من انه يعرف ان الرئيس السوداني البشير ارتكب اخطاء كبرى عديدة، الا انه لا يستطيع العمل لاطاحته من الحكم. وحول اسلوب عمله، قالت ان مبارك لا يملك مستشارا يستطيع الحديث باسمه كما انه منع ايا من مساعديه من تجاوز صلاحياتهم. واشارت الى انه يثق في خطط وزير الداخلية حبيب العادلي ومدير المخابرات اللواء عمر سليمان للتعامل مع 'مسببي المشاكل' في الداخل.وبالنسبة للجيش فانه واثق من قدرته على مواجهة تحديات القرن الواحد والعشرين ويبدو حادا بشكل معقول، كما ان قادته راضون عما يتمتعون به من امتيازات حسب تعبير البرقية.وتشدد البرقية السرية على ان مصر ما زالت قوة اقتصادية وسياسية وثقافية كبرى ورغم ذلك فان المشاكل الاقتصادية تسببت في اصابة كثير من المصريين بالغضب والاستياء وتشير الى ان الدخل القومي المصري كان مساويا للدخل القومي لكوريا الجنوبية، اما الان فانه اصبح يقارن بدخل اندونيسيا. واشارت الى ان العام 2008 شهد اضطرابات خبز للمرة الاولى منذ عام 1977، وان النظام استخدم سياسة القبضة الحديدية ضد دعاة الاصلاح، وخاصة جماعة 'الاخوان المسلمين' التي ما زال نفوذها يتزايد.وتوقعت سكوبي ان يقوم مبارك بانتقاد سورية وقطر بشكل خاص اثناء زيارته لواشنطن، باعتبارهما تابعتين لايران وانه ربما يسأل عن خطة واشنطن للاشتباك مع سورية، وانه قد يعرض التعاون في ذلك. واعتبرت ان النظام المصري مستعد للعمل مع اسرائيل ضد 'المتعاونين' مع ايران، خاصة بعد اكتشاف خلية حزب الله في مصر. وتوقعت ان يقوم مبارك بحض واشنطن على عزل طهران، تمهيدا لمواجهتها.