على قناة المنار اللبنانية، صور لحشد لا متناه، في تنظيم محكم، يغلب عليه السواد و وجوه جميلة التقاسيم تختبئ خلف حديقة شعر ثائر. لبيك يا سيد! لبيك يا سيد!
و فجأة تتعالى الهتافات و يسود صمت رهيب. آه! عذرا! لم أنتبه، لقد ظهر على المنصة الرئيسية، شخص بعمامة، وضعت بعناية. محاط بعشرة و ما يزيد من شباب كالورد. إنه السيد، الكل يحترمه أو يخافه بل يمجده.
بدأ تدخله بلغة حلوة خانته راؤها و صوت مرتفع تقشعر له الأبدان. ديباجة عامة، ثم دخول مباشر في الموضوع، العدو! علينا بالعدو! اقتلوا العدو! أذبحوهم! علقوهم! خلتها في أول وهلة دعوة لحرب مفتوحة أو تجييش لمواجهة عدوان، ما فتئت تنقلب إلى النقيض، بعد أن انتهى المهرجان و تدخلت المذيعة المحتشمة البيضاء الجميلة، لتشرح على أن السيد هو حسن نصر الله و هو صاحب حزب الله و أن المهرجان لقاء روتيني مع المناضلين. هنا فقط تأكدت على أنني لا أفقه في هذا النوع من السياسة شيئا، لأنني كنت موقنا على أن طبول الحرب دقت.
لبيك يا سيدي ! لبيك!
واليوم و أنا أتصفح جريدة إليكترونية، راودني نفس الإحساس و عشت اللحظة نفسها.
السيد يدعو للصمود إلى آخر رمق!
فظننتها الجزائر أحتلت وجدة أو جبهة البوليساريو دخلت اسمارة، لأن السيد هذه المرة ليس صاحب حزب أو أمير جماعة بل رئيس حكومة البلد.
قرأت السطور الأولى فانتابني الخوف وبدأت مخيلتي ترحل بي إلى الدمار والقتلى والدماء وغبار يتطاير من جراء الإنفجارات وبدأت أسمع أصوات صفارات الإنذار وتنبيهات الإسعاف ونياح الأمهات وبكاء الأطفال.
سطر بعد سطر، وهاهو الخوف ينقشع عن صدري وخفت دقات قلبي وعاد تنفسي لحاله البسيط.
السيد لم يكن يدعو للحرب ضد العدو البعيد بل يوصي بالقريب، كان يرفع همم المناضلين للحملة الإنتخابية. يريد أن يحولها إلى إقتتال إخوة الدار الواحدة.
يا سيد ما معنى هذا الخطاب؟
إن كنت تريد تخويفنا، فأعلم أنك تكلم حفدة ابن تاشفين و المنصور الذهبي و عبد الكريم.
وإن كنت تناور بهذه الطريقة المنحطة، فلا تنسى أنك مسؤول عن القاتل و المقتول يا رئيس الحكومة. وإن كانت الرغبة فالكراسي، تبكي ثارة وتغطرس ثارة أخرى، فأعلم أن فرعون مات غرقا.
يا سيد، أنت المعلم فلماذا تفسد الدرس و تفزع التلاميذ و تتغيب عن الحصص لتنشيط الحلقة؟