قال وزير الصحة الحسن الوردي إن الإجهاض السري الغير مأمون و وضعية النساء اللواتي يتعرضن له تساءل الجميع، مشيرا إلى العواقب التي وصفها بالخطيرة والتي تنجم عنه من قبل اللجوء إلى الانتحار، أو جرائم الشرف، أو طرد الفتاة من البيت العائلي واسفحال ظاهرة الأطفال المتخلى عنهم. وأضاف الوردي في كلمة له بمناسبة اليوم الوطني الذي نظمته الوزارة يومه الأربعاء بالرباط حول موضوع : "الإجهاض : التأطير القانوني و متطلبات السلامة الصحية"، والتي توصلت "كش24" بنسخة منها، إن القانون المغربي المتعلق بالإجهاض أصبح اليوم متجاوزا و لا يستجيب للتحديات الحالية الخاصة بالحفاظ على صحة الأم و تمتيعها بجميع حقوقها الإنجابية. نص كلمة الوزير: المملكة المغربية وزارة الصحة اللقاء الوطني حول الإجهاض تحت شعار " الإجهاض : التأطير القانوني و متطلبات السلامة الصحية " مداخلة السيد وزير الصحة بسم الله الرحمان الرحيم حضرات السيدات والسادة في البداية أود أن أعبر لكم عن مدى افتخاري وسعادتي بالمشاركة معكم في هذا اللقاء الوطني حول الإجهاض و الذي ينظم تحت شعار " الإجهاض : التأطير القانوني و متطلبات السلامة الصحية "، و الذي يندرج في إطار المقاربة التشاركية التي ما فتأت تنهجها وزارة الصحة عبر خلق فضاء للتشاور حول هذه الإشكالية بين مختلف المتدخلين من قطاعات حكومية ومؤسسات عمومية وعلماء ومنظمات المجتمع المدني و الحقوقي ومنظمات دولية. و يهدف هذا اللقاء إلى مناقشة إشكالية الإجهاض بالمغرب و التي تعتبر مشكلة صحية عمومية و من أولويات وزارة الصحة لما لها من عواقب وخيمة على مرضات و وفيات الأمهات؛ و قد تطرقت شخصيا إلى هذه الإشكالية منذ أن كنت منسقا لقطاع الصحة بحزب التقدم و الاشتراكية و كذلك في أول اللقاءات التلفزية التي عقدتها سنة 2012 كمسؤول عن قطاع الصحة. و إذ أغتنم هذه الفرصة لأشكركم جميعا على استجابتكم لدعوة وزارة الصحة و مشاركتكم في هذا اللقاء الذي ستغنونه لا محالة بآرائكم و مقترحاتكم. حضرات السيدات والسادة لقد عرفت المملكة المغربية تفعيل مجموعة من الإصلاحات تهم مختلف الجوانب السياسية و التنموية، من بينها اعتماد دستور جديد للمملكة في يوليوز 2011 و الذي أكد على مجموعة من الحقوق من بينها الحق في الحياة باعتباره أول الحقوق لكل إنسان و الذي يحميه القانون(المادة 20)، وكذلك ضرورة تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في العلاج و العناية الصحية و الحماية الاجتماعية(المادة 31)، و كذا وضع و تفعيل سياسات موجهة إلى الأشخاص و الفئات من ذوي الاحتياجات الخاصة، و السهر على معالجة الأوضاع الهشة لفئات من النساء و الأمهات و الأطفال و الوقاية منها(المادة 34). ويبقى تمتيع جميع الفئات من المجتمع بهذه الحقوق رهينا بوضع و تفعيل سياسات عمومية ناجعة في مجموعة من المجالات بما فيها الصحية. حضرات السيدات والسادة إن الإجهاض السري الغير مأمون و وضعية النساء اللواتي يتعرضن له تساءلنا جميعا حول إشكالية الحمل غير المرغوب فيه أو الغير مبرمج و الذي يشكل فاجعة بالنسبة للمرأة الغير مستعدة لتحمل تبعاته، خاصة في حالة الاغتصاب أو زنى المحارم أو الأم العازبة، مما قد يؤدي إلى سلوكيات تترتب عنها مضاعفات خطيرة و مميتة أحيانا تساهم في الرفع من نسبة وفيات الأمهات مع ما يترتب عن ذلك من آثار اجتماعية و اقتصادية سلبية. و تجدر الإشارة إلى أن الإجهاض السري الغير مأمون يتم غالبا في ظروف غير صحية و التي لا تحترم أبسط قواعد السلامة. هكذا، فمجموعة من الفتيات و النساء خوفا من تبعات القانون الجنائي الحالي المتعلق بالإجهاض، و الذي يعاقب سواء مرتكبه أو الوسيط أو المستفيدة منه بعقوبات حبسية تتراوح ما بين سنة و خمس سنوات، يلجأن إلى وسائل بدائية باستعمال أدوات حادة غير معقمة أو أعشاب سامة أو أدوية خطيرة، الشيء الذي ينتج عنه مضاعفات صحية من تعفن أو نزيف حاد أو قصور في جهاز التنفس و كذلك على مستوى الكبد، مما قد يؤدي إلى الوفاة في ظروف جد مؤلمة. كما أن للحمل غير المرغوب فيه أو الإجهاض السري الغير مأمون عواقب اجتماعية جد خطيرة تتجلى في إمكانية اللجوء إلى الانتحار (suicide) أو جرائم الشرف (crimes d'honneur)أو طرد الفتاة من البيت العائلي مع جميع العواقب المترتبة عن تواجدها في الشارع بدون مأوى (expulsion du foyer familiale) أو استكمال الحمل مع التخلص من الرضيع (abandon du nouveau-né) بتركه بمستشفى الولادة أو التخلص منه بمختلف الطرق الغير قانونية. حضرات السيدات والسادة إن حولي 65 % من الدول المتقدمة رفعت جميع الحواجز على الإجهاض و الاختلاف الوحيد بينهم اليوم هي المرحلة من الحمل التي يمكن الإجهاض فيها، و كذلك هو الشأن بالنسبة لبعض الدول الإسلامية كتونس و تركيا و كازاخيستان و أزربيدجان. كما أن مجموعة من الدول الإسلامية الأخرى اشتغلت على مسألة الإجهاض و رفعت الحواجز بالنسبة لبعض الحالات الخاصة مثل إيران في حالة الاغتصاب أو زنى المحارم أو التشوهات الخلقية للجنين. و تجدر الإشارة أنه في الوضعية الراهنة، وحدها بعض دول أمريكا اللاتينية و الدول الإفريقية باستثناء جنوب إفريقيا لديهم تشريعات جد مقيدة لعملية الإجهاض و هي الدول التي تعاني اليوم أكثر من ارتفاع نسبة وفيات الأمهات.
أما على المستوى الوطني، فالقانون الجنائي يتعرض لمسألة الإجهاض في الفصول ما بين 449 و 458 و لا يسمح بالإجهاض الطبي إلا إذا استوجبته ضرورة المحافظة على حياة أو صحة الأم في الفصل 453 و الذي يبقى صعب التأويل باعتبار المنظمة العالمية للصحة تعرف الصحة بحالة رفاه كامل بدني و عقلي و اجتماعي. و يمكنني القول أن هذا القانون أصبح اليوم متجاوزا و لا يستجيب للتحديات الحالية الخاصة بالحفاظ على صحة الأم بالمغرب و تمتيعها بجميع حقوقها الإنجابية حيث بين التقرير الثاني للجنة الخبراء الوطنية الخاص بالتدقيق السري لوفيات الأمهات لسنة 2010، أن مضاعفات الإجهاض تتسبب في حوالي 4,2 % من مجموع وفيات الأمهات و 5,5 % من وفيات الأمهات الناتجة عن التعقيدات المباشرة للولادة. حضرات السيدات والسادة لقد انخرطت المملكة المغربية في جميع المبادرات الدولية التي تهدف إلى تحسين صحة السكان بصفة عامة والصحة الإنجابية على وجه الخصوص و من بينها برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية المنعقد سنة 1994، و الذي شكل أول اتفاق دولي عبر بطريقة مباشرة على العلاقة بين الحق في الصحة الإنجابية وحقوق الإنسان، كما أكد على ضرورة الاهتمام بالجانب البدني والعقلي والاجتماعي للصحة الإنجابية وعلى الأهمية القصوى لاستهداف جميع مراحل دورة الحياة و حق الجميع رجالا و نساءا في اتخاذ القرار في مجال الصحة الإنجابية. و فيما يتعلق بموضوع لقاء اليوم، أكد برنامج العمل للمؤتمر الدولي للسكان والتنمية على أنه لا يجوز بأي حال من الأحوال الدعوة إلى الإجهاض كوسيلة من وسائل تنظيم الأسرة، كما أكد على ضرورة تعزيز الالتزام بالحفاظ على صحة المرأة و معالجة الآثار الصحية للإجهاض غير المأمون مع تقليل اللجوء إلى الإجهاض من خلال توسيع خدمات تنظيم الأسرة و تحسينها. و أن أية تدابير أو تغييرات تتصل بالإجهاض في إطار نظام الرعاية الصحية لا يمكن أن تقرر إلا على المستوى الوطني و وفقا للتشريع الوطني. كما أن الدورة 57 للجمعية العالمية للصحة المنعقدة في شهر ماي 2004 تبنت أول استراتيجية للمنظمة العالمية للصحة الخاصة بالصحة الإنجابية والتي تهدف إلى خمس أولويات في مجال الصحة الإنجابية والجنسية و من بينها القضاء على ظاهرة الإجهاض غير المأمون. حضرات السيدات والسادة لمعالجة إشكالية الحمل غير المرغوب فيه و تفادي الإجهاض السري، تعمل وزارة الصحة على تنفيد مجموعة من التدابير و التي تبقى أساسا وقائية "أي قبل حدوث الحمل"، كما تعمل على تحسين جودة التكفل بالمضاعفات الناتجة عن الإجهاض. و نسرد من بين هذه التدابير : – الاستجابة إلى حاجيات الأزواج في مجال تنظيم الأسرة بتوفير وسائل منع الحمل بصفة مجانية لفائدة النساء المتزوجات عبر كل التراب الوطني حيث بلغت نسبة استعمال وسائل تنظيم الأسرة 67,4 %؛ – تقديم المشورة و التربية الصحية في مجال تنظيم الأسرة لفائدة النساء المتزوجات؛ – إدماج أنشطة في الإعلام و التثقيف الصحي في مجال الصحة الإنجابية لفائدة اليافعين و الشباب و التي يتم وضعها بشراكة مع القطاعات الحكومية المؤطرة لهذه الفئة من السكان؛ – مراجعة التوجهات السريرية الخاصة بالبرنامج الوطني لمراقبة الحمل و الولادة طبقا لتوجيهات المنظمة العالمية للصحة و صندوق الأممالمتحدة للسكان و التي تتطرق إلى جميع المضاعفات التي يمكن أن تنتج خلال فترة الحمل و الولادة و ما بعد الولادة بما فيها التكفل بالمضاعفات الناتجة عن الإجهاض كالنزيف أو التعفنات أو إصابات الرحم. و لكن تبقى فعالية هذه الإجراءات رغم أهميتها غير كافية و متجزئة و تهم بالأساس النساء المتزوجات. و لمعالجة هذه الإشكالية تنكب وزارة الصحة حاليا على وضع خطة عمل تعتمد على نظرة شمولية و ترتكز على 3 محاور متكاملة للتدخل: – المحور الأول يهتم بتطوير سبل الوقاية من الحمل غير المرغوب فيه بتطوير برامج للتربية الجنسية و الإنجابية و هو دور منوط أساسا بالمدرسة و الآباء و منظمات المجتمع المدني إضافة إلى وزارة الصحة، و كذلك تيسير الولوج للمعلومات الصحية الشاملة لفائدة جميع مكونات المجتمع و لخدمات تنظيم الأسرة ذات جودة و توفير حبوب منع الحمل في الحالات الطارئة بخلايا التكفل بالنساء ضحايا العنف؛ – المحور الثاني يهدف إلى تيسير ولوج النساء ضحايا الإجهاض السري لخدمات الصحة الإنجابية دون أي خوف من المتابعة مع تحسين جودة التكفل بالمضاعفات الناتجة عنه؛ – أما المحور الثالث فيهم مناقشة الإطار القانوني و التنظيمي الخاص بالإجهاض الطبي في المغرب في أفق مراجعته للاستجابة للحاجيات و التحديات المطروحة علينا حاليا و ذلك مع الاحترام الكامل للقيم الدينية والأخلاقية والخلفيات الثقافية للبلاد و وفقاَ لحقوق الانسان المتعارف عليها دولياً. و هذا المحور تشتغل عليه حاليا وزارة العدل و الحريات و التي عقدت في هذ الإطار مجموعة من اللقاءات. و تجدر الإشارة إلى أن نجاح هذه الخطة الخاصة بمعالجة إشكالية الإجهاض رهين بإشراك جميع المعنيين خلال مراحل بلورتها و تظافر جهود الكل خلال تنفيذها، و لهذا ارتأت وزارة الصحة تنظيم هذا اللقاء الوطني لإغناء النقاش كمرحلة أولية سيتلوها خلق لجنة وطنية لصياغتها النهائية. حضرات السيدات والسادة في الختام أود أن أؤكد لكم أن رفع الحواجز على الإجهاض للحفاظ على الصحة البدنية و النفسية للأم و في حالات الاغتصاب و زنى المحارم و التشوهات الخلقية للجنين، ستكون له آثار إيجابية على البلاد من حيث : – خفض نسبة مرضات و وفيات الأمهات الناجمة على الإجهاض السري غير المأمون؛ – تمكين الأطباء من العمل في إطار قانوني و في ظروف تحترم السلامة الصحية؛ – العمل في شفافية مما سيعطي المغرب مصداقية أكثر أمام دول العالم فيما يخص الحقوق و الصحة الإنجابية؛ – و أخيرا خفض الكلفة المادية سواء بالنسبة للنساء باعتبار العملية سرية أو بالنسبة للدولة فيما يخص تكلفة التكفل بالمضاعفات الناتجة عن الإجهاض السري. و أود كذلك أن أعبر لكم عن قناعتي الشخصية بأن معالجة إشكالية الإجهاض لا يمكن أن تكون قانونية صرفة، لأن الدول التي اكتفت بالمقاربة القانونية وحدها فشلت، بل في إطار مقاربة شمولية ترتكز على ما هو وقائي للحد من نسب الحمل غير المرغوب فيه و التقليص من اللجوء إلى الإجهاض كهدف أساسي، إضافة إلى تيسير ولوج النساء إلى التكفل بالمضاعفات الناتجة عن الإجهاض السري و وضع الإطار القانوني المناسب. حضرات السيدات والسادة أشكركم جميعا على استجابتكم لدعوة وزارة الصحة و مشاركتكم في هذا اللقاء، و أؤكد لكم مسبقا على أن كل مداخلاتكم و مساهماتكم و انتقاداتكم سوف تؤخذ بعين الاعتبار خلال بلورة خطة العمل الوطنية الخاصة بالإجهاض. كما أهيب بجميع الخبراء و ممثلي منظمات المجتمع المدني الذين لديهم اقتراحات ملموسة في الموضوع أن يرسلوها كتابيا إلى وزارة الصحة. وفقنا الله جميعا لما فيه خير بلدنا الأمين تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله و أيده والسلام عليكم ورحمة الله تعالى و بركاته