في واقع الأمر العلاقة بين الإعلامي والسياسي في النسق المغربي تميزت بالمد والجزر ومرت بالعديد من المطبات والتجارب التي كانت في بعض الأحيان تتميز بالهدنة وفي فترات أخرى بالصراع والتكامل. ومن وجهة نظري الخاصة أعتقد أنه من الصعب تصنيف أو خندقة تجربة الإعلام السياسي المغربي في صنف محدد بعينه. فكما تعلمون أدبيات الاتصال السياسي والاجتماعي تميز بين ثلاثة أصناف في العلاقة بين الإعلامي والسياسي، فهناك الصنف الذي يؤكد على أن هذه العلاقة هي علاقة خصومة وعداء، ثم هناك صنف الثاني يرى بأن هناك نوع من التجاذب والتفاعل بين الحقلين أو الفاعلين أي السياسي والإعلامي، ثم الصنف الأخير يبرز علاقة الاعتماد وتداخل الأهداف بين الإثنين. وبطبيعة الحال التصنيف والنمذجة المشار إليها تتفرع عنها نماذج أخرى مرتبطة بالإعلاميين-الصحافيين وحتى السياسيين من المتملق المهادن إلى المستنير، ويمكنكم الرجوع بالتفصيل لهذه التصنيفات لمؤلف صدر حديثا للزميل الدكتور أحمد القصوار حول الإعلام والاتصال في زمن العولمة: مقاربة نقدية، الكتاب صادر دار بصمة لصناعة الكتاب سنة 2021. من وجهة نظري الإعلامية والسياسية وخبرتي في المجالين، أعتقد أن كل هذه النماذج الثلاث المشار إليها موجودة وعلى الدوام في النسق المغربي، ما قد يقع من حين لأخر هو سيادة أو طغيان نموذج مقاربة بباقي النماذج بسبب عدة عوامل من بينها ضعف الموقف السياسي أو الإعلامي وقوة موقف الطرف الآخر في مواجهة الرأي العام والنقاش العمومي الدائر بشأن قضية من القضايا. وما لاحظنا في الفترة الأخيرة هو نوع من شد الحبل في غالب الأحيان بين السياسي والإعلامي لعدة اعتبارات لعل أبرزها ما لاحظناه في السنوات الأخيرة من تشكيك في بعض المؤسسات السياسية وخاصة التمثيلية، ثم طبيعة المعالجة الإعلامية التي تميل للإخبار الموضوعي وفي بعض الأحيان للإثارة وفتح ملفات قد تزعج بعض السياسيين والمؤسسات التي يمثلونها، مما أدخل العلاقة بين الإعلامي والسياسي إلى حلبة الصراع وأصبح كل واحد يستعمل ما يمتلك من أسلحة تشريعية وقضائية وسلطة الرأي العام للفوز بالمعركة والإجهاز على الخصم، وهذا غير صحي في بلد ينشد الشفافية والبناء الديمقراطي ويؤمن بالحقوق والواجبات وبتوازن السلط ليس فقط التقليدية بل كذلك الرابعة المتمثلة في الإعلام والخامسة الصاعدة مع تنامي أدوار الإعلام الاجتماعي ليس كمنصة للإخبار والتثقيف والترفيه ولكن كمجال النقاش العمومي. ودائما في العلاقة بين الإعلامي والسياسي، ينضاف، نظريا، إلى ما تمت الإشارة إليه نظرة الإعلامي للسياسي ونظرة السياسي للإعلامي. فالسياسي ينظر للإعلامي كفرصة للتسويق السياسي والدعاية والترويج لنفسه سياسيا. على النقيض من ذلك ينظر الإعلامي للسياسي كشخصية عمومية ومصدرا للخبر ومن واجبه تتبعها وتتبع أنشطتها ومراقبتها ومدى خدمتها للصالح العام، بطبيعة الحال في ظل احترام قواعد وضوابط أخلاقيات المهنة ومراعاة للخط التحريري للمؤسسة التي ينتمي إليها. وفي علاقة بالفكرة السابقة فخطاب السياسي يختلف عن خطاب الإعلامي، ففي الوقت الذي يميل فيه غالبية السياسيين إلى خطاب الحشو أو التسويقي الترويجي دون قيمة خبرية وإعلامية. يميل خطاب الإعلامي إلى الجانب الخبري والتحليلي لأنه في آخر المطاف يخاطب الرأي العام وسيحاسب على المضمون والمحتوى الذي سيقدمه، ولهذا فهو مجبر على اختيار المواد التي تلقى قبولا من طرف المتلقي والتي تسترعي الانتباه. للأسف المادة السياسية لا يتوفر فيها عنصرا التشويق والإثارة وعلى الصحافي إذا كان عليه نشر مادة سياسية أن يجد زاوية تحقق عناصر الإخبار والتشويق والإثارة والابتكار، وعملية تنزيل هذه العناصر على المادة السياسية لا تخدم طبعا استراتيجية السياسي التواصلية والترويجية، مما يخلق صداما وردات فعل قد تكون بعض الأحيان قوية. العنصر الأخر المهم وهو نتيجة العناصر المشار إليها، فبسبب احتدام الصراع وسوء العلاقة بين الإعلامي والسياسي والمؤسسات الإعلامية والسياسية والإيمان بأهمية الإعلام وبناء الرأي العام المؤيد، لجأت بعض المؤسسات السياسية إلى خلق مؤسسات إعلامية وسيست بعض المؤسسات الإعلامية فاختلط السياسي بالإعلامي ودخل السياسي على الإعلامي والإعلامي السياسي فارتبكت الأدوار وتلاشت الحدود وأصبح أحدهما تحت رحمة الأخر، مما أفقد السياسي والإعلامي استقلاليتهما والثقة في مواجهة المجتمع بسبب ضعف الخبرة والتجربة وخرق بدأ الحيادية والاستقلالية، وانتقل هذا ليشمل في وقت لاحق حتى المؤسسات الإعلامية والسياسية وقد زادت عوامل اقتصادية ومالية وقانونية من تكريس هذا الوضع البئيس. حقيقة أعتقد أن للسياسي سلطة وللإعلامي سلطة، وكل واحد منهما يتعين عليه أن يقوم بأدواره وفق ما تقتضيه متطلبات السلطة التي يمثلها، لا أقول التكامل ولا أقول الصراع ولا أقول الاعتماد المتبادل، بل كل واحد يقوم بدوره كاملا، ففي فترات تقتضي العلاقة التكامل وأحيانا أخرى الصراع وفي بعض الحالات الاعتماد المتبادل كما هو الشأن في زمن الأزمات أو الأخطار التي قد تلحق بالبلد والمجتمع ولنا في جائحة كوفيد 19 خير درس، وكيفما كانت الوضعيات والظروف فكل من السياسي والإعلامي يخضعان لمحكمة الشعب الرأي العام- الناخب فهو الفيصل. ولتحقيق التعاون والتكامل والتداخل والاستقلالية بين سلطة السياسي والإعلامي فمن الضروري توفير العديد من الضمانات ولعل أبرزها المدخل القانوني لحماية الإعلامي وضمان حقوق السياسي، ثم المدخل الاقتصادي فلا إعلامي مهني بدون صناعة وبدون نموذج اقتصادي يضمن الاستمرارية والاستقلالية المادية والاقتصادية للمؤسسات الإعلامية والعاملين فيها عن كل تأثير سياسي أو اقتصادي كيفما كان نوعه. وهناك طبعا المدخل الحقوقي والمتمثل في ضمان حرية الرأي والتعبير وتعدديتها باعتبارها المدخل الرئيسي لضمان الحيادية والنزاهة وتوفير المعلومة المتكاملة للمتلقي. وحتى أختم حديثي، وكاستشاري وباحث في الإعلام والتواصل السياسي، وصلنا في المغرب إلى مرحلة نتطلع فيها لضمان كل شروط الاستحقاقات المقبلة 2021، وكل هذا لن يتحقق طبعا دون إقرار مصالحة بين السياسي والإعلامي، والعمل على بناء صناعة إعلامية بكل مقوماتها، دون ذلك فسنكرر نفس التجارب الفاشلة.. فإذا كانت السياسة، كما يرى البعض، هي فن بناء الجسور في المناطق التي لا تمر منها أنهار، فالإعلام هو فن إعادة توجيه الأنهار للمرور من تحت تلك الجسور وهذه هي المسؤولية الاجتماعية…والتكامل بين السلط. خالد ادنون: خبير استشاري في الإعلام والتواصل السياسي