ظلت العلاقة بين السياسي والإعلامي محط تجاذبات على الدوام، يطبعها التوتر تارة والتوافق تارة أخرى، علاقة يصعب رسم حدود لها في ظل طبيعة أدوار ووظائف الفاعل الإعلامي والفاعل السياسي وخطوط التماس التي تطبعها وخلفيات التوتر التي تنتج عنها. ويرى كثير من الباحثين أن علاقة الصحافي برجل السياسة هي علاقة تكامل، ذلك أن السياسي في حاجة إلى قناة تواصلية لإيصال رسائله وللتعبير عن أفكاره ومواجهة خصومه وإبراز برامجه وما يود أن يوصله إلى الرأي العام، هذه القناة التواصلية لا يمكن أن تكون ناجعة إلا إذا ارتبطت بالإعلام، هذا الأخير بدوره لا يريد أن يكون مجرد قناة تواصلية تكتفي بدور الوسيط، وإنما يطمح إلى الوصول إلى ممارسة أدوار الرقابة على المؤسسات وتقييم أداء الفاعل السياسي وكشف ما يريد أن يخفيه السياسي، ما يجعل البعض يعتبر أن الصحفي في جوهره هو سياسي مستتر. هذا الطموح الذي يشوب الجانبين، أي السياسي الذي يرى في الإعلامي فرصة لتمرير أفكاره ورسائله، والصحفي الذي يطمح لمعرفة الحقيقة والمعلومات الخفية، يجعلهما في مواجهة بعضهما البعض، ويجعل التوتر يسيطر على العلاقة، ويطغى عليها التجاذب. ولعل كثيرا من الأحداث التي عاشتها مجموعة من البلدان ومن ضمنها المغرب، كانت دائما تطفو لسطح النقاش بفضل هذا الشد والجذب بين الصحافي والسياسي، فرجل الإعلام المتمكن يحاول دائما الوصول إلى المعلومات الخفية التي لا يريد السياسي إبرازها من أجل كشف حقيقتها وعرضها، بينما السياسي يرفض ذلك، ويكتفي بما يريد هو أن يوصله. هذه العلاقة المتداخلة، شكلت على الدوام، إشكالية وتجعل الكثيرين يتساءلون عن تداخل أدوار السياسي والإعلامي وعن حدود العلاقة بينهما وكيفية ضبط هذه العلاقة وجعلها متوازنة. وتختلف رؤى الفاعلين في هذا المجال، بين من يقر بكون الأدوار متداخلة، ويجب أن تتداخل، على اعتبار أن السياسي مسؤول أمام المجتمع وأن الصحافي هو الضمير الفعلي لهذا المجتمع، أي الوصي على مراقبة الأداء السياسي والتنبيه للخروقات والاختلالات الممكنة في الأداء السياسي، وبين من يرى أن الإعلام تجاوز اختصاصه وأضحى يحاول سحب الهيمنة من السياسي، والضغط عليه لصالحه. وبين الرؤى المختلفة، نعمق النقاش في هذه العلاقة المتشعبة بين الطرفين، لنجد أنها علاقة تكامل وتوتر في نفس الآن، والذي ينبغي أن يظل في إطار التوتر الصحي وفي ظل تدبير الاختلاف داخل الفضاء العمومي يساهم في الارتقاء بالنقاش وفي البناء الديمقراطي لأي بلد. هذا البناء الديمقراطي الذي يحتاج لكل من السياسي والإعلامي، رفقة بقية الفاعلين، يتطلب وجود هذه العلاقة الجدلية بين الإعلام والسياسة، وأن يطبعها التوتر الصحي، لكن في المقابل يجب أيضا أن يتم إرساء نظام مؤسساتي بين الطرفين مبني على التقنين والدمقرطة وصياغة نموذج اقتصادي مستقل للمؤسسة الإعلامية. ويؤكد عدد من الباحثين أن على الإعلامي والسياسي معا أن ينضبطا إلى المؤسسات القانونية، وأن يكون القانون الحكم الفصل في أي خلاف بينهما، بحيث يلتزم الإعلامي بميثاق أخلاقيات الصحافة، وأن يلتزم السياسي بدوره بأخلاقيات وقيم العمل السياسي النزيه والنبيل. إن الأسئلة المطروحة، تتمثل في محاولة إدراك وفهم الكيفية التي يمكن بها التفكير في علاقة الإعلام بالسياسة في ظل كل هذه التحولات، باستحضار السياق التاريخي لنشأة الصحافة في المغرب والتي كانت صحافة حزبية سياسية بالأساس وبالوقوف عند المتغيرات الجديدة مع ظهور الإعلام التفاعلي، أو في ارتباطها بمتغيرات أخرى كالجانب الاقتصادي على سبيل المثال. قد يختلف إذن، دور وطبيعة وظيفة وسائل الإعلام من مجتمع إلى آخر ومن مرحلة سياسية إلى أخرى، لكن يُعتبر وجود صحافة وإعلام مستقل وتعددي ومهني شرط أساس في عملية البناء الديمقراطي، بالموازاة مع وجود مؤسسات سياسية ناضجة وفاعلين سياسيين ناضجين، ولا شك أن استمرارية كل طرف من الأطراف رهين بحضور الطرف الآخر. في هذا الملف، تحاول "بيان اليوم" الاقتراب من هذه العلاقة الجدلية بين الإعلام والسياسة وما يمكن أن تحمله هذه العلاقة من أوجه تداخل وتوتر وتكامل، والأدوار التي يلعب كل طرف، كما يسعى الملف إلى الوقوف عند الأسئلة الكبرى التي تؤطر هذه العلاقة على مختلف المستويات من خلال مشاركة أساتذة وصحفيين وفاعلين سياسيين وباحثين في التواصل السياسي والعلوم السياسية. كريم تاج عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية: علاقة السياسي والإعلامي يجب أن يطبعها التكامل والفاعلان معا أساسيان في عملية البناء الديمقراطي الحديث عن علاقة الإعلام بالسياسة يفرض علينا أن نؤسس الكلام على منطلقات أساسية، أولها أن الفاعلين معا أساسيان في عملية البناء الديمقراطي، والإعلام له دور كبير في ذلك، سواء من حيث إبراز الأدوار المهمة لمختلف الفاعلين أو المساهمة في البناء الديمقراطي بشكل مباشر، بكونه إعلاما حرا ومستقلا ومسؤولا. طبعا وظيفة الإعلام في عملية البناء الديمقراطي تتأسس على منطلق وهو أن الأمر لا يتعلق بتضاد أو تنازع بين وظيفة الإعلامي والسياسي، بقدر ما هو متعلق بتكامل بناء، فكلما قام الإعلام بلعب أدواره المؤطرة بضوابط في إطار الحرية والمسؤولية، أمكن أن نحقق تقدما في المجال الديمقراطي وفي الفضاء السياسي، فالإعلام الذي يقوم بواجباته أو دوره كما هو منوط به (التنوير، نشر المعلومة الصحيحة…) هو الإعلام الذي يمكن الرأي العام من تكوين رأيه من القضايا العمومية الأساسية، هو الإعلام الذي يقوم على النقد وتتبع أداء المسؤولين العموميين في مختلف المؤسسات، هو الإعلام الذي يواكب أداء المؤسسات في مختلف القطاعات، وهو الذي يمكن الرأي العام أن يكون على بينة من المعطيات الضرورية واللازمة التي تمكنه من بلورة رأيه وهو ما سيمكنه أيضا من أن يشكل تيارات الرأي والفكر بكل حرية. الإعلام الذي بمقدوره أن يلعب هذا الدور، كما قلت هو الإعلام الحر والمستقل والمسؤول، هو الإعلام الذي يمارس وظيفته على أساس أخلاقيات المهنة وضوابطها الحقة، والهدف من ذلك هو توسيع هوامش حرية التعبير وحرية الرأي وحرية إبداء المواقف والآراء، هو الإعلام الذي يمكن المؤسسات المجتمعية المختلفة والفئات الاجتماعية المختلفة. ومن أجل علاقة سوية وسليمة بين الإعلامي والسياسي، يجب أن تنبني هذه العلاقة على التكافؤ والتكامل وعلى أساس أنه لا يوجد أي تضاد أو تعارض أو تنافس بينهما، بل على العكس هناك نوع من التكامل، كما يجب أن لا تقوم هذه العلاقة أبدا على التحكم وعلى توظيف الإعلام في الاتجاهات التي تخدم السياسي، بقدر ما يجب أن يباشر الفضاء الإعلامي والفاعلون فيه مهامهم بكل استقلالية وبكل مسؤولية، ولا يمكن أبدا أن نتصور تطوير الفضاء السياسي والعملية الديمقراطية في غياب إعلام حر ونزيه، وفي نفس الوقت لا يمكن أيضا أن نتصور علاقة من هذا النوع في غياب سياسيين مسؤولين وفي غياب الفاعل السياسي الحقيقي القادر على خلق النقاش والتعاون مع الفاعل الإعلامي ومع باقي الفاعلين للنهوض بالنقاش العمومي وإغناء المشهد العام وملئه بالنقاش الرصين والضروري لبناء مجتمع واع، مجتمع قادر على بلورة اختياراته وقناعاته وآرائه تجاه ما يهمه. من جهة أخرى، أرى أنه من الطبيعي أن يكون هناك نقاش وتفاعل، لكن في ظل تقدير متبادل وسعي جماعي إلى تعميق المسار الديمقراطي، وأن يكون هناك تواصل وتفاعل بين مختلف الفاعلين، وفي هذا الصدد، على الإعلام أو الصحافيين بصفة عامة أن يتعاملوا مع باقي الفاعلين بتجرد وأن يكونوا فقط في خدمة الحقيقة، وأن لا يصطفوا في خندق مع من يحاول تبخيس الحياة السياسية أو المس بأدوار فاعلين آخرين. بالمقابل، على السياسي أن يلعب دوره وأن يوسع علاقته مع الإعلامي ويتعاون معه ويتفهم طبيعة شغله، وأن لا يلجأ إلى استغلاله أو توظيفه في معاركه الخاصة، بل يجب أن تنبني هذه العلاقة كما قلت سابقا على التكامل والتعاون من أجل المضي في مسار البناء الديمقراطي والنهوض بالفضاء السياسي الوطني. *** عادل بنحمزة كاتب وفاعل سياسي: السياسي لا يريد أن يقول كل شيء بينما الإعلامي يرغب في الحصول على الحقيقة كلها العلاقة بين السياسي والإعلامي يلفها الكثير من الالتباس والخلط، بحيث في بعض اللحظات يصعب التمييز بين الإعلامي والسياسي، هذا التداخل أو التماهي يعبر في حد ذاته عن الأزمة التي تعيشها الصحافة والسياسة في بلادنا والبلدان التي على شاكلتنا، فالعلاقة في كثير من الأحيان يغلب عليها تبادل الأدوار، وتبادل الأدوار هذا يمكن اعتباره دليل أزمة، إذ عندما يتحول الفاعل السياسي إلى إعلامي ويتحول الإعلامي إلى ناشط سياسي، فمعنى ذلك أن عملية الفرز الضرورية لم تتحقق بين الحقلين، وهذا الأمر له جوانب تاريخية في بلادنا، إذ لا يجب أن نغفل عن كون البدايات كان فيها نوع من التطابق بين الإعلامي والسياسي، بحيث مثلا استمرت الصحافة الحزبية مهيمنة على الحقل الإعلامي لمدة تفوق خمسة عقود، إذ كان يصعب التمييز بين الإعلامي والسياسي. وبنظرة خاطفة على تاريخ النقابة الوطنية للصحافة المغربية سنجد أسماء كثيرة تحملت مسؤوليات إعلامية وسياسية في نفس الوقت يمكن التذكير مثلا بعبد الكريم غلاب، العربي المساري، علي يعته، محمد اليازغي والآن مثلا عبد الله البقالي ويونس مجاهد…، وفي كل هذا التاريخ كان الإعلام أداة للسياسي سواء في مخاطبة الشعب أو في مواجهة إعلام السلطة. الآن على المستوى العام يمكن النظر إلى العلاقة بين السياسي والإعلامي في سياق تبادل المنفعة، فالسياسي يعد مصرا جيدا للأخبار كما أن الإعلامي يعتبر قناة مهمة لتصريف المواقف، غير أن السياسي لا يريد أن يقول كل شيء بينما الإعلامي يرغب في الحصول على الحقيقة كلها، لذلك هناك دائما نوع من الحذر في العلاقة بين الطرفين، طبعا توجد دائما استثناءات خاصة عندما تتطور العلاقة من مجرد علاقة مهنية ترتبط بوظيفة كل طرف إلى علاقة صداقة شخصية، هنا بالتأكيد يتم اختبار هذه العلاقة بصورة مستمرة، ففي كثير من الأحيان يقدم السياسي للإعلامي معطيات لكنه يؤكد أنها غير قابلة للنشر، وهنا تبرز الأمانة والضمير المهني لدى الإعلامي، فالبعض يوظف تلك المعطيات في فهم ظاهرة أو واقعة معينة ويمكن ذلك أن يرشده إلى مصادر وتفاصيل أخرى، والبعض الآخر يقدر أن إخفاء تلك المعطيات يمس بمسؤوليته كصحفي وواجبه في إخبار الرأي العام. على العموم يمكن القول إن العلاقة بين السياسي والإعلامي هي على نفس الطبيعة في كل دول العالم التي تعيش في ظل أنظمة ديمقراطية أو تتوفر على هامش ديمقراطي، علاقة تتميز بالحذر والتوتر، ولو أن التحول الذي تعرفه وسائط الاتصال من خلال الشبكات الاجتماعية على الخصوص وبروز المواطن/الصحفي، أثر على طبيعة هذه العلاقة، إذ في كثير من الأحيان أصبح السياسي يقوم بوظيفة الإخبار بشكل مباشر عبر تغريدة أو تدوينة أو شريط فيديو ودون حتى الحاجة إلى وسائل الإعلام التقليدية التي مع ذلك لا يمكن القول بأن دورها قد انتهى، والتجربة الأمريكية تبرز ذلك خاصة مع ظاهرة ترامب، حيث دخل هذا الأخير في خصومات كبيرة مع وسائل الإعلام، لكنه مع ذلك ظل حاضرا إعلاميا مادام قادرا على صناعة الحدث. *** أمينة ماء العينين برلمانية عن حزب العدالة والتنمية وفاعلة سياسية: العلاقة بين السياسي والإعلامي يجب أن تكون علاقة مؤسسة على مبادئ وقيم تراعي إكراهات العمل الصحفي والعمل السياسي في تصوري، وحسب تجربتي المتواضعة في المجال السياسي أرى أن العلاقة بين الصحفي والسياسي هي علاقة لا يمكن لأحدهما أن يتخلى فيها عن الآخر؛ بمعنى أن السياسي لا تستقيم وظيفته وعمله بدون الصحفي، وكذلك الصحفي في عمله لا أتصور بأنه يمكن أن يستغني عن السياسي سواء كان مصدر معلومة أو شريكا في تحليل الظواهر التي يريد الصحفي تناولها. طبعا العلاقة هي علاقة إشكالية ومفارقاتية وليس دائما سهلا تدبيرها، بدليل أن أغلب الإشكالات والمصاعب التي يمر منها رجال السياسية عادة ما تكون عن طريق الإعلام، وذلك عادي وطبيعي لأن السياسي علاقته تتأسس أساسا بالجمهور، وطبيعة وظيفته ذات طبيعة مرتبطة بالناس، لأن الموقع السياسي موقع يستمد مشروعيته من علاقة السياسي بالناس، والوسيط في هذه العلاقة هو الصحفي. وإذا كان عمل الصحفي يمكن أن يُحدث إشكالات بالنسبة للسياسي- ولذلك كل السياسيين في العالم مروا من صعوبات كانت الصحافة جزءا أساسيا فيها، والشخصيات العامة بشكل عام، بما في ذلك المجال الفني والرياضي وغيره- فالصحفي بدوره يعاني إذا لم يتجاوب السياسي معه بالشكل اللازم، إذ يكون أداء وظيفته صعبا، هي إذن علاقة إشكالية تحتاج كي تتسم بالتدبير السليم إلى الكثير من الخبرة والتجربة، ولا يوجد سياسي لم يعاني من الصحفي وأتصور أيضا أنه لا يوجد صحفي لم يعاني من السياسي؛ هي كما قلت علاقة إشكالية يصعب تدبيرها. طبعا الذي يمكن أن يضع شروط هذه العلاقة هي أساسا- من جانب الصحفي- المهنية والقيم الأساسية التي تحكم العمل الصحفي الصحيح، بمعنى ألا يكون هناك تدليس أو كذب أو نقل لمعطيات خاطئة أو تزوير في الأقوال والتصريحات أو حتى في التشهير الذي تمارسه نوع من الصحافة ضد الشخصيات العامة السياسية على الخصوص، أو من خلال نقل إشاعات دون التثبت منها، أو عبر الإساءة والاستهداف المباشر خدمة لأجندة مناوئة، طبعا الحديث هنا عن الصحافة حينما تنحرف على المهنية وعلى القيم التي تحددها تسقط في هذه الممارسات. أيضا على السياسي أن يتعامل مع الصحفي بنوع من الاحترام، ألا يقدم له معطيات خاطئة، ألا يحاول توظيفه في أجندات يشعر الصحفي أنه تم توظيفه فيها بطريقة غير أخلاقية، أيضا على السياسي أن يحترم كثيرا من القيم في علاقته بالصحفي، أقلها ألا يقدم له معطيات خاطئة خدمة لأجندات يجد الصحفي نفسه خلالها أنه تم توظيفه دون أن يكون جزءا حقيقيا منها. طبعا أتحدث عن الصحافة الحقيقية، والصحافة الحقيقية دائما لا بد لها أن تقع في مشاكل مع السياسي، أيضا السياسي الحقيقي هو الذي يتفهم الأخطاء التي يمكن أن يسقط فيها الصحفي في علاقته به، وينبغي عليه أن يتفهم الإكراهات التي يعاني منها الصحفي، ولا أريد أن أتكلم عن نوع من الصحافة الذي أصبح منتشرا فيما بيننا، والتي لا أتصور في الحقيقية أنها صحافة، والذي يمتهن مهنة الصحفي بسوء نية والاستهداف، التشهير، خدمة أجندات مناوئة، بمعنى قد تجد صحفيا يشتغل أداة في يد جهة أخرى تقف وراءه من أجل تحقيق أهداف معينة بدون أخلاق وبدون قيم، أنا لا أتكلم عن هذا النوع من الصحافة، وإلا فمصدر معاناة للسياسيين بشكل عام، لذلك، فالخلاصة هي أن هذه العلاقة يجب أن تكون علاقة احترام، يجب أن تكون علاقة مؤسسة على مبادئ وعلى قيم تراعي إكراهات العمل الصحفي وإكراهات العمل السياسي. *** عبد السلام فزازي أستاذ الإعلام بجامعة ابن زهر بأكادير: العلاقة بين السياسي والإعلامي علاقة "تكامل" يسودها "التوتر" يرى الدكتور عبد السلام فزازي أستاذ الإعلام بجامعة ابن زهر بأكادير أن العلاقة بين الإعلامي والصحافي شكلت على الدوام تناقضا بين اعتبارها علاقة تكاملية، وفي نفس الوقت علاقة تضاد وتوتر، ومحاولة لكلا الطرفين لسحب الهيمنة من الآخر. ويقول الدكتور فزازي، في تصريح ل "بيان اليوم" إن العلاقة بين السياسي والإعلامي تعرف "تجاذبات" بين الفينة والأخرى وفي عديد من المحطات، وذلك يرجع بالأساس إلى المسار والتكوين المهم الذي تلقياه معا، فالسياسي من خلال تكوينه، الجامعي والأكاديمي وتمرسه في الحلقيات وغيرها من أشكال صقل الشخصية خلال فترة الجامعة والتي تفرز بالفعل سياسيين حقيقيين، فضلا عن المسار الذي يخوضه الإعلامي في تكوينه من خلال تشبعه بعدد من المناهج ونهله من العلوم السياسية والاقتصادية وإحاطته بالعلوم الإنسانية، وكذا ما يدور بالمجتمع. وشدد أستاذ الإعلام، أن هذا الزخم في التكوين، يخلق شخصيتين قويتين، السياسي المتمرس، والإعلامي المتمكن، ما يفرز نوعا من التجاذب بين الطرفين، وينتج نوعا من التوتر الدائم في العلاقة. هذا التوتر يرى فزازي أنه يشكل ظاهرة صحية وليست سلبية، وفق ما قد يعتبره البعض. وباعتبار التوتر بين السياسي والإعلامي هو توتر صحي، يوضح الدكتور أن ذلك يرجع إلى إمكانية خلق نقاش وازن في الساحة وملء الفراغ الحاصل، أو باعتماد أسلوب المناورة الذي يجمع الجانبين والذي يهدف كل طرف فيه إلى التفوق على الآخر، مستدلا عل ذلك بما جرى في عديد من البلدان، من ضمنها ما حدث في أمريكا على وجه الخصوص خلال الاستحقاقات الأخيرة، بحيث أن الإعلاميين كان لهم دور بارز في هذه المحطة، من خلال محاورة السياسيين ومحاصرتهم بالأسئلة والتصورات التي تساهم في تغيير موازين القوى، فضلا عن الاعتماد على المناظرات الرئاسية التي يعد لها كل من السياسي والإعلامي، إذ يسجل المتحدث، في هذا السياق، أن تمكن الإعلامي وتمرس السياسي أعطى مشهدا قويا للمشهد الأمريكي، كما كشف عن خباياه من خلال ما يدور في الانتخابات وغيرها. في نفس السياق، وإلى جانب التكامل في العلاقة بين السياسي والإعلامي، يثير أستاذ الإعلام أن الوجه الأمريكي كشف أيضا عن علاقة التوتر بين الجانبين، من خلال ما حدث بين ترامب ومجموعة من الصحافيين، مسجلا أن المغزى من ذلك هو توفر الأدوات لدى كل من السياسي والإعلامي من أجل الرقي بالنقاش وجعله يواكب التطورات المتسارعة للتكنولوجيا والرقمنة في زمن العولمة. في هذا الصدد، يسجل فزازي غياب هذا النقاش لدى الفاعل السياسي المغربي، بفعل عدم تجديد أدوات البحث والعمل والتواصل مع المجتمع، فضلا عن بروز الإعلام الجديد الذي بدوره بدأ يحجب دور الإعلام التقليدي وأضحى يملء الفراغ ويلعب أدوارا متعددة، بما فيها دور السياسي. بيد أن ذلك، يقول الأستاذ الجامعي، لم يدفع السياسي إلى الانسحاب، بحيث بدأ بدوره يبحث عن أدوات تواصلية جديدة، جعلته يعود لتقوية العلاقة مع الإعلامي والعمل على استمالته، لا سيما في مرحلة الاستحقاقات التي تحتاج تواصلا واسعا مع جل الفئات والشرائح. وحول حالة الفراغ التي يعيشها المشهد السياسي، يبرز الأستاذ بجامعة ابن زهر بأكادير أن الجميع يتساءل "هل فعلا تخلى السياسي عن أدواره ووظائفه؟" و"هل السياسي هو من جعل المواطن يهرب ويعزف عن الفعل السياسي؟"، حيث يؤكد أن ترسخ هذه الأسئلة لدى فئات واسعة من المجتمع يدفعها إلى الاصطفاف إلى جانب الإعلامي والتعلق به كبديل للسياسي، يتبنى أسئلة المجتمع ويتواصل معه، لتنقلب القضية من كون السياسة هي الأصل إلى جعلها فرعا، بينما استطاع الإعلامي أن يرتقي من كونه فرعا ليصبح هو الأصل. ويشير الأستاذ فزازي إلى أن إعادة التوازن للعلاقة، ينطلق بإعادة إنتاج السياسي المثقف والمتمرس القادر على تبني أدوات جديدة تساير التطورات التي يعرفها العصر واستثمارها لتكييفها مع المتغيرات الكونية ويجايل بها ما يصطلح عليه بالعولمة، فضلا عن تطوير الإعلامي لأدواته هو الآخر من خلال نهل مختلف العلوم التي تتيح له التحليل والإنتاج وقوة المحاورة. ويخلص الدكتور عبد السلام فزازي إلى أن العلاقة بين الإعلامي والسياسي تبقى علاقة جدلية وظيفية، تخلق نوعا من التوازن داخل أي مجتمع، كما أنها تبقى ضرورية لأي بناء ديمقراطي، فلا يمكن لأحدهما أن يكون دون الآخر، معتبرا أن العلاقة بين هاذين القطبين، تروم تحقيق التكامل بالرغم من التجاذب والتوتر الذي يسوده. *** صراع الأدوار بين السياسي والإعلامي خالد أدنون*
في واقع الأمر العلاقة بين الإعلامي والسياسي في النسق المغربي تميزت بالمد والجزر ومرت بالعديد من المطبات والتجارب التي كانت في بعض الأحيان تتميز بالهدنة وفي فترات أخرى بالصراع والتكامل. ومن وجهة نظري الخاصة أعتقد أنه من الصعب تصنيف أو خندقة تجربة الإعلام السياسي المغربي في صنف محدد بعينه. فكما تعلمون أدبيات الاتصال السياسي والاجتماعي تميز بين ثلاثة أصناف في العلاقة بين الإعلامي والسياسي، فهناك الصنف الذي يؤكد على أن هذه العلاقة هي علاقة خصومة وعداء، ثم هناك الصنف الثاني يرى بأن هناك نوع من التجاذب والتفاعل بين الحقلين أو الفاعلين أي السياسي والإعلامي، ثم الصنف الأخير يبرز علاقة الاعتماد وتداخل الأهداف بين الاثنين. وبطبيعة الحال التصنيف والنمذجة المشار إليها تتفرع عنها نماذج أخرى مرتبطة بالإعلاميين-الصحافيين وحتى السياسيين من المتملق المهادن إلى المستنير، ويمكنكم الرجوع بالتفصيل لهذه التصنيفات لمؤلف صدر حديثا للزميل الدكتور أحمد القصوار حول الإعلام والاتصال في زمن العولمة: مقاربة نقدية، الكتاب صادر عن دار بصمة لصناعة الكتاب، سنة 2021. من وجهة نظري الإعلامية والسياسية وخبرتي في المجالين، أعتقد أن كل هذه النماذج الثلاث المشار إليها موجودة وعلى الدوام في النسق المغربي، ما قد يقع من حين لآخر هو سيادة أو طغيان نموذج مقاربة بباقي النماذج بسبب عدة عوامل من بينها ضعف الموقف السياسي أو الإعلامي وقوة موقف الطرف الآخر في مواجهة الرأي العام والنقاش العمومي الدائر بشأن قضية من القضايا. وما لاحظنا في الفترة الأخيرة هو نوع من شد الحبل في غالب الأحيان بين السياسي والإعلامي لعدة اعتبارات لعل أبرزها ما لاحظناه في السنوات الأخيرة من تشكيك في بعض المؤسسات السياسية وخاصة التمثيلية، ثم طبيعة المعالجة الإعلامية التي تميل للإخبار الموضوعي وفي بعض الأحيان للإثارة وفتح ملفات قد تزعج بعض السياسيين والمؤسسات التي يمثلونها، مما أدخل العلاقة بين الإعلامي والسياسي إلى حلبة الصراع وأصبح كل واحد يستعمل ما يمتلك من أسلحة تشريعية وقضائية وسلطة الرأي العام للفوز بالمعركة والإجهاز على الخصم، وهذا غير صحي في بلد ينشد الشفافية والبناء الديمقراطي ويؤمن بالحقوق والواجبات وبتوازن السلط، ليس فقط التقليدية بل كذلك الرابعة المتمثلة في الإعلام والخامسة الصاعدة مع تنامي أدوار الإعلام الاجتماعي، ليس كمنصة للإخبار والتثقيف والترفيه ولكن كمجال النقاش العمومي. ودائما في العلاقة بين الإعلامي والسياسي، ينضاف، نظريا، إلى ما تمت الإشارة إليه نظرة الإعلامي للسياسي ونظرة السياسي للإعلامي. فالسياسي ينظر للإعلامي كفرصة للتسويق السياسي والدعاية والترويج لنفسه سياسيا. على النقيض من ذلك ينظر الإعلامي للسياسي كشخصية عمومية ومصدرا للخبر ومن واجبه تتبعها وتتبع أنشطتها ومراقبتها ومدى خدمتها للصالح العام، بطبيعة الحال في ظل احترام قواعد وضوابط أخلاقيات المهنة ومراعاة للخط التحريري للمؤسسة التي ينتمي إليها. وفي علاقة بالفكرة السابقة فخطاب السياسي يختلف عن خطاب الإعلامي، ففي الوقت الذي يميل فيه غالبية السياسيين إلى خطاب الحشو أو التسويقي الترويجي دون قيمة خبرية وإعلامية. يميل خطاب الإعلامي إلى الجانب الخبري والتحليلي لأنه في آخر المطاف يخاطب الرأي العام وسيحاسب على المضمون والمحتوى الذي سيقدمه، ولهذا فهو مجبر على اختيار المواد التي تلقى قبولا من طرف المتلقي والتي تسترعي الانتباه. للأسف المادة السياسية لا يتوفر فيها عنصرا التشويق والإثارة وعلى الصحافي إذا كان عليه نشر مادة سياسية أن يجد زاوية تحقق عناصر الإخبار والتشويق والإثارة والابتكار، وعملية تنزيل هذه العناصر على المادة السياسية لا تخدم طبعا استراتيجية السياسي التواصلية والترويجية، مما يخلق صداما وردات فعل قد تكون بعض الأحيان قوية. العنصر الآخر المهم وهو نتيجة العناصر المشار إليها، فبسبب احتدام الصراع وسوء العلاقة بين الإعلامي والسياسي والمؤسسات الإعلامية والسياسية والإيمان بأهمية الإعلام وبناء الرأي العام المؤيد، لجأت بعض المؤسسات السياسية إلى خلق مؤسسات إعلامية وسيست بعض المؤسسات الإعلامية فاختلط السياسي بالإعلامي ودخل السياسي على الإعلامي والإعلامي السياسي فارتبكت الأدوار وتلاشت الحدود وأصبح أحدهما تحت رحمة الآخر، مما أفقد السياسي والإعلامي استقلاليتهما والثقة في مواجهة المجتمع بسبب ضعف الخبرة والتجربة وخرق مبدأ الحيادية والاستقلالية، وانتقل هذا ليشمل في وقت لاحق حتى المؤسسات الإعلامية والسياسية وقد زادت عوامل اقتصادية ومالية وقانونية من تكريس هذا الوضع البئيس. حقيقة أعتقد أن للسياسي سلطة وللإعلامي سلطة، وكل واحد منهما يتعين عليه أن يقوم بأدواره وفق ما تقتضيه متطلبات السلطة التي يمثلها، لا أقول التكامل ولا أقول الصراع ولا أقول الاعتماد المتبادل، بل كل واحد يقوم بدوره كاملا، ففي فترات تقتضي العلاقة التكامل وأحيانا أخرى الصراع وفي بعض الحالات الاعتماد المتبادل كما هو الشأن في زمن الأزمات أو الأخطار التي قد تلحق بالبلد والمجتمع ولنا في جائحة كوفيد 19 خير درس، وكيفما كانت الوضعيات والظروف فكل من السياسي والإعلامي يخضعان لمحكمة الشعب الرأي العام- الناخب فهو الفيصل. ولتحقيق التعاون والتكامل والتداخل والاستقلالية بين سلطة السياسي والإعلامي فمن الضروري توفير العديد من الضمانات ولعل أبرزها المدخل القانوني لحماية الإعلامي وضمان حقوق السياسي، ثم المدخل الاقتصادي فلا إعلامي مهني بدون صناعة وبدون نموذج اقتصادي يضمن الاستمرارية والاستقلالية المادية والاقتصادية للمؤسسات الإعلامية والعاملين فيها عن كل تأثير سياسي أو اقتصادي كيفما كان نوعه. وهناك طبعا المدخل الحقوقي والمتمثل في ضمان حرية الرأي والتعبير وتعدديتها باعتبارها المدخل الرئيسي لضمان الحيادية والنزاهة وتوفير المعلومة المتكاملة للمتلقي. وحتى أختم حديثي، وكاستشاري وباحث في الإعلام والتواصل السياسي، وصلنا في المغرب إلى مرحلة نتطلع فيها لضمان كل شروط الاستحقاقات المقبلة 2021، وكل هذا لن يتحقق طبعا دون إقرار مصالحة بين السياسي والإعلامي، والعمل على بناء صناعة إعلامية بكل مقوماتها، دون ذلك فسنكرر نفس التجارب الفاشلة.. فإذا كانت السياسة، كما يرى البعض، هي فن بناء الجسور في المناطق التي لا تمر منها أنهار، فالإعلام هو فن إعادة توجيه الأنهار للمرور من تحت تلك الجسور وهذه هي المسؤولية الاجتماعية… والتكامل بين السلط. * إعلامي وخبير استشاري مستقل في التواصل السياسي والاجتماعي
****************************
****************** اسماعيل عزام صحافي مغربي مقيم في ألمانيا هناك تصورات خاطئة بين الصحافي والسياسي تغذي التوتر في العلاقة يشترك الصحافي والسياسي في أمور كثيرة، منها أنهما يتوجهان معا إلى الرأي العام؛ الصحفي لأجل تنويره ونشر الأخبار والكشف عن مواضيع معينة، والثاني لأجل إقناعه بحزبه أو إقناعه بخطه السياسي أو بأنه يقوم بوظيفته على أفضل وجه سواء كان في الحكومة أو في البرلمان أو في مجالس إقليمية أو محلية. السياسي هو أحد مصادر الصحفي فيما يتعلق بالأخبار، لكنه قد يتحول إلى موضوع يهتم به الصحفي في حد ذاته، خصوصا إذا كان في موقع سلطة، وأعتقد هنا حيث يكمن التوتر. المشكلة تحدث من الجانبين في نظري. هناك سياسيون لا يقدرون أهمية العمل الصحفي، لذلك يرفضون التفاعل مع أسئلة الإعلام، أو يتضايقون عندما يسلط الصحفي الضوء على مواضيع تثير حساسيتهم، كنشر تفاصيل عن مشروع قانون ساهم السياسي في صياغته، أو كانتقاد قرارات السياسي، أو حينما يمنح الصحفي حيز التعبير لأصوات أخرى معارضة لبعض السياسيين. عدد من السياسيين يعتقدون باحتواء الصحفي، لذلك منهم من يحاول مصادقته ونسج مصالح معه حتى لا يدخل ضمن دائرة نقده، أو حتى ليكون للسياسي من يدافع عنه من الصحفيين، وهناك منهم من يرى في الصحفيين مجرد فضوليين يقومون بإزعاجه، وهي كلها تصورات خاطئة، وهناك منهم من يتخوف من الصحافة لأنها قادرة على كشف تناقضاته وضعف حصيلته وحتى خروقاته. أما من ناحية الصحفي، فالكثير من الأخطاء تحدث بسبب عدم التشبع بأخلاقيات المهنة؛ مثلا كثيرا ما يتم انتهاك الحياة الخاصة للسياسي دون أن يكون لها ارتباط واضح بتدبير الصالح العام، وهناك كذلك تغطيات غير مهنية ضد أحزاب وشخصيات معينة منها ما يصل حد الافتراء أو لأسباب تعود لارتباط الصحفي بجهات سياسية أخرى، أو أحيانا بسبب إيديولوجية الصحفي ومواقفه المسبقة أو ضعف التكوين أو البحث عن الإثارة. وهناك كذلك صحفيون غير ملمين بمواضيع سياسية معينة، فتجد السياسي ينفر منهم لأنه يجد أنهم ينشرون أخبارا غير دقيقة. المطلوب أن يتم تكوين السياسيين على علاقة مثمرة مع الصحفيين بحيث يتجاوبون مع أسئلتهم ولا يتضايقون عندما يكون هناك نقد موضوعي، وكذلك على الصحفيين أن لا ينظروا إلى السياسيين على أنهم مجرد مواضيع للتغطية الإعلامية والبحث عن المبيعات أو "الكليك". لكن المشكل في المغرب مركب جدا، فهو يختلط بين ضعف تكوين السياسي والصحفي (مع الكثير من الاستثناءات بطبيعة الحال)، وزاد الأمر استفحالا مع عصر الشبكات الاجتماعية التي بقدر ما أضحت مجالا للكشف بقدر ما غذت الشعبوية، سواء السياسية أو الصحفية. وكمثال على ذلك، فتغطية مواضيع كمعاشات البرلمانيين من الصحافة المغربية بشكل عام يغلب عليها استعداء البرلماني ولو كان ذلك بمعطيات غير دقيقة بدل تغطية موضوعية، لكن كذلك يتحمل الكثير من البرلمانيين المسؤولية لأن منهم من لا يستطيع تبرير مواقفه وهناك من يلجأ إلى حجب المعلومة، دون نسيان أن منهم من يضيق درعا بتعليقات الصحفي الذي ليس من دوره التصفيق بقدر ما يكمن دوره في النقد والكتابة عن القطارات التي لم تصل وكشف ما يهم الصالح العام من اختلالات، ومن ذلك ما يخص المال العام. *** محمد كريم بوخصاص صحافي وباحث في الإعلام
سبل نزع فتيل التوتر بين الإعلامي والسياسي التوتر بين السياسي والإعلامي هو قائم باستمرار، رغم أن كليهما يلتزمان تجاه المجتمع بواجب الخدمة العمومية ويستقلان بدور خاص يتوخى تحقيق التنمية والديمقراطية. ومما يفاقم التوتر ثنائية عدم استيعاب السياسي مكانته باعتباره شخصا عاما يفترض أن يكون على تواصل مستمر مع المجتمع من جهة، وعدم استيعاب الإعلامي للرسالة النبيلة التي يحملها وتهدف إلى القيام بأدوار إخبارية واستقصائية وتأطيرية وتثقيفية. كما أن هناك أربع خاصيات تدفع في اتجاه نفور دائم في العلاقة بين الإعلام والسياسة: أولهما سعي الإعلامي في تعاطيه مع مواضيع السياسية إلى التركيز على النقاط الخلافية بحثا عن الإثارة، حتى أنه يمكن أن يصل به الأمر في بعض الأحيان إلى تجزيء خطاب أو تصريح لأحد الفاعلين السياسيين بشكل يضيع معه المعنى، من أجل خلق نوع من البلبلة أو بحثا عن الإثارة المجانية؛ ثانيهما أن الإعلامي في جوهره فاعل سياسي مستتر يضطلع بمهمة الرقابة على الفاعل السياسي والتأثير في القرار السياسي؛ ثالثهما التباين المفترض بين الطرفين على مستوى الخطاب واللغة، حيث إن السياسي يخبرنا عن أشياء نعرفها لكن بلغة مستعصية على الفهم؛ والإعلامي يخبرنا عن أشياء لا نعرفها لكن بلغة قريبة إلى الفهم، وهذا الخلاف يمكن أن ينتهي إلى صراع التأويلات، وبالتالي التأثير على نوعية العلاقة بينهما لتصل إلى حالات من التأزم أو سوء التفاهم؛ رابعهما ميل السياسي نحو الغموض واتجاه الإعلامي صوب الإثارة مما يعمق الفجوة على مستوى المعلومات الموثوق فيها. لكن من أجل نزع فتيل التوتر، يجب العمل على خمسة مستويات أساسية وهي: أولا: التقنين، أي وضع الضمانات التي تقيد حركة الفاعل السياسي تجاه التحكم في الإعلام، وتحصن الفاعل الإعلامي من الخضوع لسلطات الدولة، ولن يتأتى ذلك إلا عبر تعزيز حرية الإعلام والحق في الوصول إلى المعلومة وحماية سرية المصادر.. ثانيا: الإرساء المؤسساتي والمقصود به إخراج مؤسسات تحمي استقلالية الإعلام وتضطلع بمهمة تنظيم الممارسة الإعلامية. ثالثا: صياغة نموذج اقتصادي يحقق استقرار المقاولة الإعلامية. رابعا: دمقرطة الإعلام بأن يصبح المواطن شريكا نشيطا وليس مجرد هدف للإعلام، وأن تتنوع الوسائل الإعلامية المتبادلة، وأن تزداد مساهمة المواطنين في وسائل الإعلام. خامسا: تحديد جهة الولاءات على نحو يجعل وسائل الإعلام تتوفر على علاقات شفافة مع الأنظمة السياسية، وفي نفس الوقت تشكل عاملا إيجابيا في خدمة مشروع سياسي تنموي يكرس مبادئ الحرية والتعددية والحداثة والانفتاح واحترام حقوق الإنسان.. وحتى إن تحققت أشواط مهمة على صعيد المستويات السالفة الذكر، فإن الوصول إلى نوع من الاستقرار في علاقة الفاعل السياسي بالإعلامي، يقتضي الإيمان بأربعة مبادئ جوهرية، وهي: أولا: التعددية، إذ إن الممارسة الديمقراطية تقتضي وجود تيارات مختلفة ومنافذ للتعبير عن الرأي بطريقة منصفة، ومن الأشياء التي تجعل السياسي يفقد الثقة بالإعلامي هو عدم دقة هذا الأخير في تناول الأخبار وتحريف التصريحات وعدم التوازن في التعاطي مع الأحداث. ثالثا: الاستقلالية، حيث يفترض السياسي غالبا أن الإعلامي غير مستقل فيما يكتبه أو يذيعه، والواقع أن من حق الإعلامي أن يطالب باحترام استقلاليته لأن زاوية نظره ليست بالضرورة زاوية نظر السياسي. والمقصود بالاستقلالية ليس مفهومها الحرفي إنما مفهومها المعياري؛ فالاستقلالية مسألة نسبية. ثالثا: الأخلاقيات، وفي مقدمتها النزاهة وتحري الدقة والأمانة في نقل المعلومة والتقيد بقواعد الكتابة الصحافية، ومن حق الفاعل السياسي أن يطالب بالإنصاف. رابعا: احترام اختصاصات السلط، فكون الإعلام سلطة رابعة يعني أنه مكمل للسلط الثلاثة الأخرى (التشريعية، التنفيذية، القضائية)، فالإعلام يضطلع بدور الوسيط بين الجمهور والمشرعين والمسؤولين الحكوميين والقضاة. ويجب الانتباه إلى أن لكل سلطة مجالها ودائرة اختصاصها، لذلك المطلوب من السلطة التشريعية أو التنفيذية أو القضائية احترام اختصاصات ونطاق سلطة الإعلام، وهذا الأخير مطالب بدوره بعدم منازعة السلط الأخرى في دائرة نفوذها. *** الصحفي والسياسي.. من التبعية الحزبية إلى إملاءات الباطرونا وسطوة الويب محمد الزوهري*
اقترن العمل السياسي بالعمل الإعلامي على امتداد تاريخ المغرب المعاصر منذ ظهور أولى بوادر النشاط الصحفي ببلادنا في بداية القرن الماضي، وما رافق بدايته من حركاتٍ لتحديث المجتمع ومقاومة المستعمر. وترسخ هذا الارتباط أكثر بعد حصول المغرب على الاستقلال؛ إذ انتصب الإعلام الحزبي المكتوب وسيطا مهيمنا على المشهد الإعلامي بجانب إعلام سمعي بصري مبتدِئ مملوك للدولة… إلى أن انطلق مسلسل تقهقر الصحافة الحزبية بظهور ما سمي بالصحافة المستقلة، وتحرير القطاع السمعي البصري، واكتساح الإعلام البديل. وظل العمل السياسي مصدرا للعمل الإعلامي، من خلال تزويده بالمعلومة وتمكينه من فرص التعبير عن انشغالات المجتمع، كما اتخذت الأحزاب من الصحافة واجهة لتصريف مواقفها وبرامجها السياسية، فظهر ما سمي بالصحفي المناضل الذي كرس عمله الإعلامي اليومي لخدمة أجندة حزبه، كما تحولت إدارات أغلب الصحف إلى ملحقات تابعة لمقرات الأحزاب يديرها أو يرأس تحريرها سياسيون، فصارت الجرائد أشبه بنشرات حزبية داخلية، يدبج افتتاحياتها أعضاء المكتب السياسي. وخلال العقود الأخيرة، وفي ظل تراجع الأداء السياسي وتخلي الكثير من السياسيين عن قناعات أحزابهم وغيابهم عن الساحة، سعى العديد من الإعلاميين لملء هذا الفراغ، مستغلين ما راكموه من خبرات ميدانية، وما امتلكوه من تصورات سياسية وعلاقات متشابكة مع دوائر القرار. ورغم هذا النفوذ ونجومية بعضهم في الحقل الإعلامي، إلا أن ذلك لم يكفل لبعض الصحفيين – الذين حاولوا الولوج للبرلمان والمجالس المحلية المنتخبة – فرض ذواتهم؛ فكان الفشل حليفهم في الاستحقاقات الانتخابية التي ظلت حكرا على أصحاب المناورات السياسية القادرين على حشد وتعبئة الناخبين بطرق مختلفة لا يجيدها الصحفيون، باستثناء فئة قليلة من الإعلاميين التي تمكنت من الفوز في الانتخابات التشريعية والجماعية. وفي المقابل، فشل العديد من السياسيين في أن يصبحوا إعلاميين لامعين، رغم أنهم مارسوا الصحافة من بوابة جرائدهم الحزبية، إلا أن الكثير منهم – على الرغم من اكتسابهم أصول مهنة المتاعب- ظلوا عاجزين عن نزع عباءة الانتماء الحزبي عنهم، فبقيت مواقفهم السياسية تقيد عملهم الإعلامي، حتى وإن تظاهروا أحيانا بحيادهم.. حالة التنافي رغم التداخل الجدلي الذي ظل يطبع العلاقة بين السياسي والصحفي بالمغرب، إلا أن ثمة فوارق صارخة في الأداء المهني واليومي لكل منهما، تصل إلى حد التنافي بين أن يمارس شخص واحد دفعة واحدة الإعلام والسياسة، فالسياسي يمارس قناعاته الإيديولوجية ويعبر عنها علانية، حتى وإنْ كتم أسراره وباح بها في الوقت المناسب، فلن يكون ذلك إلا لأجل خدمة مصالحه، لذلك فهو لا يكف عن المناورة والمواجهة واستعمال كل السبل الممكنة وغير الممكنة لتحقيق أجندته وربح مكاسبه السياسية… أما الصحفي فيفترض فيه أن يكون مستقلا ومحايدا في علاقته بالوقائع والأحداث الجارية، مهمته الأولى هي الوصول إلى المعلومة وإيصالها إلى الرأي العام، فضلا عن دوره في تنوير المجتمع، ونقل قضايا الناس وانشغالاتهم، ومراقبة أداء سياسييه ومدبري الشأن العام، وتكوين وجهات نظر موضوعية حول القضايا الرائجة في المجتمع. ومادام لكل واحد اختصاصاته ومجال عمله، لم يعد ثمة تداخل بين أن يؤدي فرد واحد السياسة والإعلام في الآن نفسه بالمجتمعات الديمقراطية، حيث اقتنع كل من السياسي والصحفي بالدور الذي يؤديه في المجتمع، ولا تقل أهمية أحدهما عن الآخر؛ فكلاهما في خدمة المواطنين والوطن، وإذا كانت ثمة علاقة بينهما فلا تكاد تخرج عن سياق المنفعة المتبادلة، فالصحفي المتمكن هو الذي بمقدوره أن ينتزع الأسرار والمعلومات من السياسي لينقلها بأمانة إلى العامة، أما السياسي فيسعى إلى كسب ود الصحفي لتمرير مواقفه وتسويق سياسته. وهذه العلاقة المشتركة لا تخلو أحيانا من شبهات وفضائح، تفجرت حالاتٌ منها في بعض البلدان الغربية التي لا وجود فيها للإعلام الحزبي، ففي بريطانيا – مثلا – لا توجد صحيفة أو قناة تابعة لحزب المحافظين أو لحزب العمال، وهو ما ينطبق أيضا على الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولاياتالمتحدة، وغيرها من الأحزاب في الدول المماثلة، بل توجد صحف وقنوات توصف بأنها قريبة من هذا الحزب أو التيار أو ذاك. ربيع الإعلام الحزبي بالمغرب اتسمت الساحة الإعلامية ببلادنا منذ الاستقلال بظاهرة الإعلامي السياسي، من خلال ما يسمى بالصحافة الحزبية، وهي صيغة سمحت بها الدولة في سياق السماح بالتعددية الحزبية، إذ رُخص لكل حزب حق إصدار صحيفة أو أكثر، وظلت هذه الصحف واجهة للنشاط الحزبي ومتنفسا كبيرا أمام المواطن للوصول إلى المعلومة والتثقيف والتسلية في غياب إعلام مستقل ومتعدد، وفي ظل استمرار الوصاية المطلقة على الإعلام السمعي البصري ووكالة الأنباء الرسمية. وحظيت الصحافة الحزبية في فترة مهمة من تاريخ المغرب المعاصر (السبعينيات والثمانينيات) بمكانة رفيعة في المشهد الإعلامي الوطني، ترجمها الإقبال الواسع للقراء على الصحف، والأرقام القياسية المسجلة آنذاك في السحب والمبيعات اليومية، وكذا تعدد الإصدارت اليومية والأسبوعية… ورغم أن الكثير من الصحفيين في الصحف الحزبية المغربية حافظوا على استقلاليتهم، أي لم ينضموا إلى الأحزاب، إلا أن الظاهرة أفرزت فئة أخرى من الإعلاميين الحزبيين جمعوا بين الصفتين الإعلامية والسياسية، وهو ما سمح لبعضهم باحتلال مواقع قيادية في تلك الأحزاب والترشح في لوائحها للانتخابات البرلمانية. غير أن هذا التوهج للإعلام الحزبي سرعان ما سيخفت انطلاقا من التسعينيات، بظهور صحف مستقلة عن الأحزاب السياسية، ومملوكة لشركات مساهمة خاصة، ما أحدث قدرا من الانفتاح السياسي والإعلامي، وبدأ الصحفيون العاملون بها أكثر قربا من الحالة الطبيعية للصحفي الذي يؤدي دوره المهني البعيد عن الهواجس السياسية، لكن هذه الصحف وما رافقها من تحرير نسبي للمشهد السمعي البصري، لم تساهم بالقدر المطلوب في ترسيخ الوظائف الإعلامية الحقيقية، ولم تشجع أكثر على توسيع هامش حرية التعبير والحق في إيصال المعلومة للجمهور، ولم تساير التحولات الاجتماعية والسياسية العميقة التي عرفها المغرب في العقدين الأخيرين… بل الأخطر من ذلك أن الصحفيين وإنْ كانوا قد تخلصوا من التبعية السياسية التي طبعت أداءهم المهني في الصحف الحزبية، إلا أنهم وجدوا أنفسهم مطوقين بتبعية أخرى أكثر تقييدا، وتتمثل في التبعية للباطرونا المالكة للصحف الخاصة والمحطات الإذاعية المستحدثة، ما جعلهم يشتغلون تحت رحمة القيود والإملاءات التي فرضها أرباب هذه المؤسسات، وحتى الذين انتقلوا للاشتغال في الإعلام الإلكتروني طوقتهم تبعية أخرى، تتمثل في ارتهانهم اليومي لسطوة الويب، من خلال تطلعهم إلى نقرات المشاهدة التي يوقف أداءهم اليومي على أكبر قدر منها لتحقيق عائدات مادية. أما الصحفيون الذي واصلوا الاشتغال في الصحف الحزبية فأصبحت وضعيتهم لا يحسدون عليها، نتيجة تراجع مهول لرواج الصحف الورقية التي باتت مستمرة فقط بدعم الدولة، ونتيجة الاكتساح الجارف الذي فرضه الإعلام البديل الذي دفع الإعلام التقليدي إلى الهامش (بما في ذلك حتى الإذاعة والتلفزيون) وجعل من مفاهيم الإعلام الحزبي والصحفي المناضل والسياسي مجرد ذكرى من الماضي. * باحث في الإعلام، منسق مسلك علوم الإعلام والتواصل بجامعة فاس *** المؤسسات الإعلامية أصبحت مؤسسات تواصلية بلبوس إعلامي رشيد البلغيتي*
الفكرة بسيطة جدا، بعد 2013 أحس مختلف الفاعلين في المغرب- بمن فيهم الفاعلين الإعلاميين- بضيق الهوامش، ومع مؤشرات وصلت إما بطريقة مباشرة أو غير مباشرة أن صدر الدولة يضيق إذا تمت ملامسة مواضيع معينة أو فاعلين معينين، اختار الصحفيون والمؤسسات الإعلامية ما أسميه بأنواع اللجوء الثلاث؛ إما لجوء ذو طبيعة مهنية يختار فيه الصحفي الانتقال إلى مهنة أخرى: أستاذ جامعي أو صاحب شركة تواصل… وكثير من الحالات الأخرى من الصحفيين الذين تركوا المهنة ليس رغبة منهم في المغادرة، ولكن لأنهم أحسوا أن المجال قد ضاق، وبالتالي آن الأوان للانتقال إلى مهنة أخرى تحفظ كرامتهم بعيدا عن مجال أضحى ملغوما وهامش الخطر فيه كبير، هذا اللجوء المهني ينضاف إليه أيضا لجوء ترابي، هناك عدد من الصحفيين الذين اختاروا أرض الله الواسعة، حافظوا على مهنتهم كصحفيين ولكن حافظوا عليها في دول أخرى كفرنسا أو في الإمارات أو قطر أو في غيرها من الدول، وهذا اللجوء ليس من باب الارتقاء المهني، هناك من يبحث عن حال مادي أفضل وراتب أفضل، ولكن هناك صحفيون غادروا المغرب في لجوء ترابي مرغمين، وهناك لجوء ثالث وهو اللجوء الأخطر الذي عاشته الصحافة المغربية في السنوات الأخيرة وهو اللجوء الأخلاقي، بمعنى أنه كان لدينا صحفيون جيدون ومهنيون يُشهد لهم بجودة الكتابة وباحترامهم لأخلاقيات المهنة، وبقدرة قادر لأسباب مرتبطة بالتدبير السياسي وربما مرتبطة بالتهديد أو الإغراء، غيروا كتف البندقية، وأصبحوا صحفيين مشهرين، أصبح لديهم عداء تجاه الحركات الديمقراطية سواء في الصف الحقوقي أو السياسي أو تجاه التعبيرات الأكاديمية، وأصبحوا يصطفون بشكل أوتوماتيكي ضد كل من يُعتقل ويوصف بأنه معتقل صحفي، ويصطفون بشكل أتوماتيكي ضد التقارير التي تنتقد الوضع الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي أو الحقوقي في المغرب، وهذا هو أخطر لجوء عاشته المهنة في الست أو سبع سنوات الأخيرة. الصحافة أصبحت أداة لتأديب الصحافة فيما يرتبط بأن الصحافة أصبحت تؤدب الصحافة، ينبغي أن نتفق على أن لدينا عدد من المؤسسات الإعلامية يمولها ويديرها أشخاص خارج الجسم الصحفي، فهموا أهمية تحويل المؤسسات الإعلامية إلى سوط يجلد ظهر الصحافة ليكتم الصوت، وهؤلاء تمويلاتهم ومدراءهم ورؤساء تحريرهم هم أشخاص مكلفون بمهمة واستقدموا إلى الصحافة وخُلقت لهم مؤسسات إعلامية صحفية لتأدية دور بسيط هو قتل الصحافة المستقلة، هم موجودون، لهم أسماء ولهم واجهات وبنايات جميلة، لديهم هيئات تحرير تتوفر على صحفيين، لديهم مكاتب إدارة، لديهم أقسام إشهار… ظاهريا هي مؤسسات إعلامية كباقي المؤسسات، ولكن في العمق هي ليست مؤسسات إعلامية يدبرها أو فكر فيها أو جاء بها صحفيون، ولكنها مؤسسات جاءت من أجل تأدية دور تلعبه اليوم ثلاثة أو أربعة مؤسسات كبيرة، دوها هو التشهير والإساءة، ووظيفتها هي خرق ميثاق أخلاقيات المجلس الوطني للصحافة والمنشور في الجريدة الرسمية، بشكل يومي وضرب البنود المنصوص عليها في الدستور المغربي المرتبطة بالحياة الخاصة. المستوى الثاني في الموضوع هو أنه بعض المؤسسات الإعلامية فهمت بأن هامش الحرية التي كانت تربح منه قد ضاق، لأن المؤسسات الإعلامية تربح من الحرية، تتحدث في كل المواضيع، تناقش بموضوعية، ترسل مراسليها إلى كل المناطق، تفتح المجال لصحفييها للحديث في كل المواضيع دون طابوهات ودون خط أحمر. لكن حينما أغلقت هذه الهوامش وأقفلت هذه المواضيع وأغلقت هذه المناطق ولم تعد هذه المؤسسات الإعلامية التي كانت مهنية (جيدة) في البداية تربح من الحرية، أصبحت تربح من التواصل، بمعنى أنها تحولت إلى وكالات تواصلية غير معلنة لجهات أو أشخاص نافذين في الدولة تؤدي أدوارا تواصلية في لبوس صحفي، تقدم لك مقالا أو تقدم فيديو على أساس أنه مجرد خبر، ولكن في واقع الأمر فهي مواد تحت الطلب. كل السلط الموجودة في البلد يجب أن تؤدي دورها وفق القانون وتحت رقابته العلاقة التي يجب أن تكون بين السياسي والإعلامي هي بسيطة؛ يجب أن تبنى على مبدأ بسيط، كل يؤدي دوره، كل السلط الموجودة في البلد تؤدي دورها وفق القانون وتحت رقابته، ومتى خرجت سلطة ما كيفكما كانت، بما فيها الإعلام عن دورها الطبيعي وتقوم بخرق يكون القانون جوابا على خرقها، أما إذا كانت سلطة ما، كيفما كانت هذه السلطة؛ سلطة أمنية أو نيابة عامة اعتبرت نفسها أنها خارج القانون أو اعتبرت نفسها أنها فوق القانون أو اعتبرت نفسها أنها تسطيع فعل ما تريد، فهنا يختل الميزان. المشكل الحاصل، أنه من المفروض أن أهم حكم ينبغي أن يكون في البلاد هو القانون والقدسية التي يمتلكها، اليوم القانون لا قدسية له، اليوم القانون يوظف لتصفية الحساب مع الخصوم السياسيين والمواطنين الذين لديهم رأي مختلف مع جهة ما، والذي يجب أن يكون هو صيانة المطالب التي عبر عنها المغاربة في مراحل تاريخية مختلفة بأشكال مختلفة عنوانها سيادة القانون المرتبط بالحق، وكل مرة كانت هناك محاولة في اتجاه هذه الخطوة يتم إجهاضها، وبالتالي أول الضحايا هو الإعلام من بين ضحايا آخرين. * صحفي *** الإعلام الجديد: ساحة جديدة للتوتر بين السياسي والإعلامي المهدي الادريسي* الحديث عن العلاقة بين السياسي والاعلامي يفترض في اعتقادي العودة لتأصيل أدوارهما في العلاقة مع الشعب / الجمهور حيث يميل السياسيون إلى النظر للإعلام السياسي على أنه أداة للإقناع وتعبئة الرأي العام لتوجهاتهم، وليس أداة للتنوير والتعليم الموضوعي للجماهير، كما أنهم يميلون إلى صياغة الاهتمام القومي في ضوء سياساتهم، باعتبارها أكثر أهمية من مجرد البحث المستمر عن نقاط ضعفهم. كما يرون أنهم الأولى بتحديد الأجندة السياسية «أولويات الاهتمامات السياسية»، بالإضافة إلى نظرتهم فيما يختص بتوجيه اللوم في حالة حدوث الأخطاء السياسية أو الأخطاء العسكرية، وذلك على النقيض من وجهة نظر الإعلاميين. في هذا المقال سنتحدث عن العلاقة بين السياسي والإعلامي من خلال الحفر في "توتر" معلن بين رجل السياسة والإعلام الجديد ممثلا في الوسائط الجديدة رغم أن العديد من "الاعلاميين" لا يعتبرون هذه الوسائط تندرج ضمن وسائل الإعلام، غير أن تأثيرها اليوم يفرض علينا الخوض في هذه العلاقة بين حرفة السياسي وحرفة الإعلامي "الجديد". فكيف يمكن أن نفسر هذا التوتر المعلن بين هذين الدورين؟ نعتقد أن هذا الدور الذي أضحت تضطلع به المواقع الاجتماعية في مراقبة الشأن العام يمكن تفسيره من خلال عدة مداخل: عجز الديمقرطية التمثيلية: أضحت الديمقراطية حتى في البلدان العريقة تعرف عجزا كبيرا حيث تحولت إلى نزعة إجرائية، أذاتية تقف عند الإجراءات، وكأن العملية الديمقراطية هي انتخابات واستفتاءات على مدى زمني معين وما بينهما لحظة انتظار وسكون ولا فعل. إن هذه النزعة الإجرائية عمقت أزمة الديمقراطية التمثيلية لا سيما مع تطور مبادئ مثل: العقلانية البرلمانية، هيمنة الجهاز التنفيذي على عملية التشريع ….الشيء الذي أدى إلى ظهور مفاهيم من قبيل الديمقراطية التشاركية، الديمقراطية التداولية التي تحيل على الجهود الرامية إلى توسيع فضاءات النظر في القضايا الأساسية من قبل المواطنين العاديين، ومثل هذه الاهتمامات ترتبط ارتباطا وثيقا بعملية تحليل المعلومات المتعلقة بالرأي العام الذي يفهم أنه محصلة للآراء الخاصة كما ترتبط بمزيد من التفاهم الجمعي الناجم عن الخطاب في المجال العام. وهنا قد يكون من المفيد أن نذكر بأنه وفي إطار الديمقراطية التداولية يمكن أن تستغل هذه الوسائل الاتصالية في: تشجيع الحوار العمومي وتشكيل رؤية مشتركة للمستقبل، الدفاع عن حقوق الإنسان، البحث عن الشفافية، العرائض والحملات عبر الإنترنت والتعبئة… إن هذا المدخل التداولي للديمقراطية يقتضي تواصلا متواصلا ودائما ما بين صانعي القرار ممثلو الحكومة والبرلمان والسلطات المحلية وبين المواطنين وسكان الدوائر الانتخابية، لأن الديمقراطية التداولية تعني الإسهام الحقيقي لجموع المواطنين في صناعة القرار وتعني كذلك: أن على الحاكم أو ممثل البرلمان أن يضيف إلى مهمة صنع القرار مهمة استلهام الرأي العام أو أن لا يظن أن معه عقد تنازل ممن يمثلهم عن حقهم في إدارة شؤونهم، وإنما يتحول إلى وكيل عمن انتخبه وليس بديلا عنه. مدخل التطور التكنولوجي: لا أحد يستطيع أن يجادل اليوم في دور الوسائل الاتصالية الجديدة في التغيير المجتمعي، وما درس "الحراك" الديمقراطي ببعيد عنا، إذ أسهمت البيئة الاتصالية الجديدة.. بتغيير الثقافة الشعبية، وخلق تحولات عميقة وجذرية في طبيعة المشهد السياسي في المنطقة وهنا نذكر بأن هذا الدور لهذه الوسائل الحديثة كان من ضمن أعمال بعض الباحثين الغربيين حيث نجد "مارك لينش" يراهن على الفاعليات التواصلية الديموقراطية التي يدفع بها الإعلام الجديد في إحداث التغيير، كما نجد نفس الرهان لدى ارماندو سالفاتوري الذي اقترح مفهوم "الترابطية" في توصيف حالة العلاقات التواصلية التي دفع بها الإعلام الجديد والمنتديات التواصلية في المنطقة قبل انطلاق الحراك الشعبي، والتي تحولت إلى حالة من الحركية السياسية. تشكل الترابطية بالنسبة لسالفاتوري حالة من التواصل اليومي التي تكثفت وتمركزت في زمنية محددة، فأنتجت ما يسميه سالفاتوري الثورة السياسية في الفضاء العمومي. وانطلاقا من هذا الفعل التواصلي العمومي، يمكن القول: بأن الأمر لا يتعلق بفجائية أو تلقائية الحدث، وإنما بتركيز للترابطية في زمنية فاعلة تعكس بروزاً عمومياً. مدخل التحليل النفسي: عجز الفضاءات السياسية (المؤسسات، الأحزاب، النقابات ..) يمكن كذلك أن نفسر هذا الدور المتنامي للمواقع الاجتماعية في تكوين "الوعي السياسي" لا سيما لفئات مثل الشباب بالعطب الذي تعاني منه المؤسسات السياسية والأحزاب والنقابات والتنظيمات… حيث أضحت هذه المؤسسات غير قادرة على الاستقطاب وتقديم عرض قادر على إقناع منخرطين ومتعاطفين. إن انغلاق المؤسسات الموكل إليها أمر التنشئة السياسية وإشباع "الرغبات السياسية" للشباب خاصة سيؤدي لا محالة إلى وجود مساحات اجتماعية "فارغة" غير مؤطرة سياسيا أو اجتماعيا الشيء الذي قد يسهل معه استقطابها من طرف جماعات موازية (مخالفة للقوانين) أو ستجد في تعبيرات أخرى أداة للتعبير مثل الأشكال الموسيقية الجديدة، أو ستجد (وهذا موضوعنا) في فضاءات موازية حتى ولو كانت افتراضية ضالتها بوصفها فضاءات مشبعة بالحرية وخارج الرقابة، تمكن من "تفريغ" طاقاتها السياسية وآرائها وميولاتها مستفيدة من مستوى التفاعلية والترابطية المتاحة في هذه الوسائط. فكيف يعقل أن يشاهد الملايين في العالم وفي نفس اليوم فضيحة "فيضان الملعب" ولا تستطيع الأحزاب، والحكومة أن تتخذ إجراء في حينه؟ هذا الإحباط يجد نفسه تلقائيا في تعبيرات المواطنين ولا سيما الشباب في المواقع الاجتماعية… إنه محاولة لإحداث التوازن النفسي / السياسي بين ضرورة التفريغ السياسي للطاقات وعجز المنظومة المؤسساتية على القيام بهذه المهمة. إن هذا الفضاء أضحى يشكل ميكانيزم دفاعي للتخفيف من حالة التوتر النفسي الناتجة عن هذه المفارقة. إذا كانت هذه الوسائط الحديثة تسمح للأفراد بتعزيز المراقبة الشعبية على الشأن العام وزيادة "منسوب الشفافية" فما الضامن لعدم انزلاق هذه الوسائل إلى الدخول والتسرب إلى حياة الناس الخاصة وتعزيز الطابع "الفضائحي" لها؟ كما إذا كانت هذه المواقع (أو هكذا يفترض) تسمح للأفراد بالدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان فإنها من الممكن أن تستخدم في تعبئة الجماهير للعنف وتدمير هذه الحرية (الخلايا الإرهابية، ظاهرة الالتراس ..)، فما هي آليات المراقبة والحماية التي تجعل القائمين والمسيطرين على هذه التكنولوجيات يستخدمونها بديمقراطية؟ أضف إلى هذا أنه من الممكن أن تستخدم هذه الوسائط في التعبئة والتجييش من أجل قضايا غير عادلة، فيكفي أن تكون لك قدرة على التشبييك لبروز هذه القضية وشحذ النفس التضامني. * باحث في العلوم السياسية