ذ. لحسن شافع : إطار تربوي. إن تجاوز إختلالات منظومة التعليم بالمغرب وتجويد خدماتها رهين باضطلاع الأسرة المغربية بأدوارها اتجاه المدرسة المغربية، باعتبارها المؤسسة التربوية الأولى للطفل، هذا ما خلصت إليه جميع المحاولات الإصلاحات لقطاع التعليم بالمغرب، وهو الأمر الذي عبر عنه مؤخرا القانون الإطار رقم 51.17 في دباجته، باعتباره وثيقة قانونية معبرة عن الرؤية الإستراتيجية للإصلاح 2015.2030. وباعتبار جمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ آلية وإطارا تتجلى من خلالها العلاقة ما بين الأسرة والمدرسة، سنحاول في هذه المقالة رصد أهم محطات هذه العلاقة، ومدى مساهمة جمعيات الآباء في تجويد الفعل التربوي من خلال ما بين أيدينا من وثائق قانونية وتنظيمية ودراسات مرتبطة بالموضوع. 1 – المسار التاريخي لجمعيات أمهات وأولياء التلاميذ باشرت الدولة منذ فجر الاستقلال إلى تأطير العلاقة بين الأسرة والمدرسة من خلال آلية " جمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ"، إذ حاولت ضمان مساهمة الأسرة في تحسين مردودية المدرسة من خلال إشراكها في عمليات الإصلاح، فمن خلال تتبعنا لمراحل تطور علاقة الأسرة بالمدرسة نرصد مرحلتين مهمتين، الأولى همت تعميم هذه الجمعيات على المؤسسات التعليمية، حيث امتدت منذ استقلال البلاد إلى غاية إصدار الميثاق الوطني للتربية والتكوين سنة 1999 الذي شكل إصداره بداية مرحلة ثانية تميزت بتطوير وتثمين لأدوار جمعيات الآباء، في انتظار صدور نص تنظيمي خاصة بها كما نص على ذلك القانون الإطار رقم 51-17، حيث سيشكل إصدار هذا النص التنظيمي مرحلة جديد في العلاقة ما بين جمعيات الأباء والمدرسة. – المرحلة الأولى :التأسيس والتعميم (1960 _1999) سارعت الدولة ممثلة في وزارة التربية الوطنية إلى إصدار المنشور رقم 4325 بتاريخ 6 أبريل 1960 الذي تدعوا فيه إلى تأسيس جمعيات الآباء بالمدن والقرى في مختلف الأسلاك التعليمية، وقد جاءت هذه الدعوة بعد عامين فقط من صدور الظهير الشريف رقم 376-58-1 الذي بموجبه يتم تأسيس الجمعيات بالمغرب وذلك بتاريخ 27 فبراير 1958، والذي سيتم تأسيس جمعيات الآباء في إطاره على غرار باقي الجمعيات، لينطلق مسلسل تأسيس جمعيات الآباء كإطارات ينتظم فيها أباء وأمهات وأولياء التلاميذ. إلا أنه يبدو أن مسلسل التأسيس والتعميم قد طال أمده في ظل غياب تعاون مثمر ما بين الأسرة والمدرسة، الأمر الذي دعى الوزارة الوصية على التربية الوطنية إلى إصدار مذكرة وزارية بتاريخ 9 ماي 1991 تحت عدد 67 موقعة من طرف الوزير الطيب الشكيلي يدعو فيها إلى " تثمين التعاون ما بين الأسرة والمدرسة "، هذا التعاون الذي لن يتأتى إلا بإنهاء مسلسل تعميم جمعيات الآباء على كل المؤسسات التعليمية، لذا حثت وزارة التربية الوطنية مرة أخرى على تأسيس جمعيات الآباء في إطار قانون تأسيس الجمعيات للتواصل مع المدرسة المغربية من خلال مذكرة أخرى حملت رقم 28 بتاريخ 18 فبراير 1992، نفس الدعوة تكررت بتاريخ 17 مارس 1995 بإصدار المذكرة رقم 53 الموقعة من طرف الوزير عبد الإله المصدق التي حث فيها على تأسيس جمعيات الآباء مستحضرا أهميتها في إنجاح الحملات المنجزة من أجل الرفع من نسبة التمدرس. – المرحلة الثانية : تجويد أداء جمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ (2000_2015) ركزت وزارة التربية الوطنية في المرحلة الأولى على تحقيق تغطية عددية واسعة لجمعيات الآباء دون إيجاد ظروف مشجعة على ذلك، خاصة في يخص توفير وسائل العمل وشروط نجاح هذه الجمعيات في مهامها، وفي توفر آليات حقيقية لإشراكها في الفعل التربوي، حيث غابت طيلة الفترة الأولى النصوص التنظيمية التي تؤطر عمل هذه الجمعيات باستثناء المذكرة رقم 53 الصادر بتاريخ 17 مارس 1995 التي شكلت الاستثناء دون أن تجد مضامينها الطريق نحو التنزيل. لكن تفعيل مقتضيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين الصادر سنة 1999 ميلادية شكل بداية مرحلة جديدة، حاسمة ومهمة في تاريخ جمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ، حيث أعقبته صدور ترسانة مهمة من النصوص التنظيمية عززت من موقع هذه الجمعيات، ومن تلك النصوص والمذكرات الوزارية نجد : ○ مذكرة رقم 56 بتاريخ 2 ماي 2002 همت تزويد مكاتب جمعيات الآباء بالمذكرات المرتبطة بالحياة المدرسية… ○ مذكرة رقم 80 بتاريخ 24 يونيو 2003: تدعو ولأول مرة إلى تأسيس جمعيات الآباء بالتعليم الخصوصي، والتذكير بدورها إنطلاقا من الميثاق الوطني الذي حث على إشراك جميع الفعاليات في العملية التربوية… ○ مذكرة رقم 3 بتاريخ 4 يناير 2006 والتي كانت من أهم المذكرات الصادرة في موضوع جمعيات الآباء، والتي تعتبر من النصوص المرجعية المؤطرة للعلاقة بين جمعية الآباء والمدرسة، حيث لامست جوانب عديدة في هذه العلاقة من خلال النقاط التالية: التذكير بدور جمعيات الآباء من خلال الميثاق الوطني للتربية والتكوين: الذي اعتبرها محاورا وشريكا في تدبير شؤون المدرسة، مترجما ذلك من خلال تفعيل نصوص تنظيمية، وكذا إقرار تمثيلية هذه الجمعيات والمجالس الإدارية للأكاديميات الجهوية، والمشاركة المباشرة في تسيير المدرسة من خلال العضوية في مجالس التدبير. توسيع دور جمعيات الآباء : وذلك من خلال تعبئة الآباء والأمهات وأولياء التلاميذ قصد دعم المدرسة في تنفيذ المشاريع والبرامج التربوية، وتشجيع المرأة للانخراط في جمعيات الآباء، وتوعية الأسرة بحقوق الطفل … التطرق لالتزامات جمعيات الآباء: ومنها تأسيس جمعيات الآباء وتجديد مكاتبها التنفيذية، ونهج مبدأ الشفافية والديموقراطية في التسيير واحترام النصوص التشريعية أثناء انعقاد الجموع العامة، وضبط مالية الجمعية … مستلزمات الارتقاء بالأدوار الجديدة لجمعيات الاباء: من خلال تمكين هذه الجمعيات من جميع المعطيات المتعلقة بالدخول المدرسي، وتوزيع النصوص التشريعية والمذكرات وكل الوثائق المتعلقة بالحياة المدرسية، وتمكينها من صناديق للمراسلات وسبورة للإعلانات، ومقرات لعقد إجتماعاتها الرسمية أو التواصلية على أن لا يكون المقر الرسمي للجمعية بالمؤسسة، وما إلى ذلك من المستلزمات التي تطرقت لها المذكرة. اعتبرت الفترة التي أعقبت صدور الميثاق الوطني للتربية والتكوين فترة حاسمة ومنعطفا مهما في مسار جمعيات الآباء وفي علاقتها بالمدرسة المغربية، رغم استمرار تواجد معيقات واختلالات حالت دون تحقيق الأهداف المرجوة من تواجد هذه الإطارات الجمعوية، الاختلالات التي ستحاول تدابير الرؤية الاستراتيجية 2015-2030 تجاوزها. 2 – جمعيات أمهات وأباء وأولياء التلاميذ على ضوء الرؤية الاستراتيجية 2015-2030. قبل التطرق لما حملته الرؤية الاستراتيجية بخصوص جمعيات الآباء، نذكر أن دستور المملكة المغربية الصادر سنة 2011 حمَّل الأسرة والدولة على قدم المساواة مسؤولية تمتيع الطفل بحق التعليم الأساسي، فقد نص في المادة 32 بالحرف على أن " التعليم الأساس حق للطفل وواجب على الأسرة والدولة ". الأمر الذي زكى المسار الإيجابي والتقارب المهم ما بين الأسرة ممثلة في " جمعيات أمهات وأباء وأولياء التلاميذ " من جهة، والمدرسة المغربية من جهة أخرى، تقارب تُرجم عندما أُشركت هذه الجمعيات في بلورة التصور النهائي للرؤية الإستراتيجية من خلال اللقاءات التشاورية التي أفرزت في البداية التدابير ذات الأولوية التي انتهت أجرأتها سنة 2018. وقد نصت الرؤية الاستراتيجية من خلال تسع (9) تدابير على ضرورة إشراك الأسرة والجمعيات الممثلة لها في عدد من قضايا التربية والتكوين، وقد جاءت هذه التدابير على الشكل التالي: ● التدبير رقم 7 (الرافعة:1 ) : الذي دعى لتحسيس الأسر بخطورة الانقطاع في سن مبكر. ● التدبير رقم 9 (الرافعة:2 ) : نص على جعل تعميم التعليم الأولي إلتزاما للدولة والأسرة. ● التدبير رقم 11 (الرافعة:3 ) : دعى لحفز جمعيات المجتمع المدني على تعميم التعليم في الأوساط القروية. ● التدبير رقم 90 (الرافعة:15 ) : دعى في إطار إرساء نظام الحكامة الترابية إلى مأسسة مشروع المؤسسة بتعاون مع أولياء التلاميذ ومحيط المدرسة. ● التدبير رقم 92 (الرافعة:15 ) : نص على تشجيع الشراكة ما بين الدولة والمؤسسات وجمعيات المجتمع المدني ذات الصلة. ● التدبير رقم 101 (الرافعة:18 ) : أكد على جعل قيم الديموقراطية والمواطنة الفاعلة خيارا إستراتيجيا على مستوى علاقة المؤسسة بالمحيط ومن ذلك تقوية الروابط المباشرة والتواصل المنتظم مع الأسر من خلال ممثلي الآباء والأمهات والأولياء، وإشراكهم في الفعل الثقافي والتدبيري، وكذا تعزيز الشراكات المؤسساتية مع الأسرة والجمعيات المدنية … ● التدبير رقم 112 (الرافعة:22 ) : إعلان 2015/2030 مدى زمنيا لتعبئة وطنية من أجل تجديد المدرسة المغربية من قبل الدولة … والأسرة والمجتمع المدني. ● التدبير رقم 114 (الرافعة:22 ) : دعى إلى إرساء آليات كفيلة بتمكين الأسر من التتبع اليقظ لأبنائها، ومواكبتهم… ، والإسهام المنتظم في العناية بالمدرسة، وفي تحقيق مشروع المؤسسة. ● التدبير رقم 115 (الرافعة:22 ) : نص على إشراك الأسرة في تدبير المؤسسة عبر تثمين دور جمعيات الآباء … المدعوة بدورها لتجديد منهجيات عملها وتقوية تعاونها مع المؤسسة … وكذا توفير فضاءات التنسيق والحوار. ● التدبير رقم 116 (الرافعة:22 ) : دعى هذا التدبير لإقامة " مدرسة أمهات الآباء وأولياء التلاميذ " من خلال تنظيم دورات تكوينية لفائدة أسر التلاميذ خاصة في: محاربة الامية، برامج التوعية، مساعدة الأسر على استعمال الوسائل الديداكتيكية… – القانون الإطار رقم 51-17 : تفعيلا لمقتضيات الرؤية الاستراتيجية التي أقرها صاحب الجلالة محمد السادس نصره الله، والتي دعت إلى تحويل إختياراتها الكبرى لقانون إطار يجسد تعاقدا وطنيا ملزما للجميع، صدر بالجريدة الرسمية عدد 6805 بتاريخ 17 ذو الحجة 1440 الموافق ل 19 أغسطس 2019 قانون إطار رقم 51-17 نص بدوره على ضرورة اضطلاع الأسرة والجمعيات الممثلة لها بأدوارها كاملة تجاه المدرسة المغربية، وقد ورد ذلك في عدد من المواد سواء بلفظ الأسرة أو بمسمى جمعيات الآباء: ▪︎ الديباجة : جاء في دباجة القانون الإطار أن تحقيق الإنصاف وتكافؤ الفرص يستوجب الأستناد إلى مجموعة من الرافعات منها جعل التعليم الأولي إلزامية بالنسبة للدولة والأسر، ومواصلة الجهود الهادفة إلى التصدي للهدر والانقطاع المدرسيين، ووضع برامج تشجيعية لتعبئة وتحسيس الأسر بخطورة الانقطاع الدراسة عن سن مبكر. ▪︎ المادة 3 : من بين الأهداف التي تسعى منظومة التربية والتكوين إلى تحقيقها تعميم تعليم ذي جودة وفرض إلزاميته بالنسبة لجميع الأطفال في سن التمدرس، باعتباره حقا للطفل، وواجبا على الدولة وملزما للأسرة. ▪︎ المادة 6 : اعتبرت هذه المادة أن تحقيق أهداف المنظومة مسؤولية مشتركة بين الدولة والأسرة. ▪︎ المادة 19 : جاء فيها أن الولوج إلى التعليم المدرسي من قبل جميع الأطفال، إناثا وذكورا، البالغين سن التمدرس إلزامي، ويقع هذا الإلزام على عاتق الدولة والأسرة أو أي شخص مسؤول عن رعاية الطفل قانونيا. ▪︎ المادة 22 : نصت هذه المادة على ضرورة إصدار نص تنظيمي تحدد بموجبه قواعد اشتغال وأدوار ومهام جمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ في علاقتها بمؤسسات التربية والتكوين. – ملامح النص التنظيمي المرتقب: جاء التنصيص على إصدار هذا النص التنظيمي في القانون الإطار رقم 51-17 (المادة 20) في إطار التدابير والإجراءات التي وجب على الدولة القيام بها من أجل تعميم التعليم الإلزامي بالنسبة لجميع الأطفال من ذلك تفعيل دور جمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ في ترسيخ الصلات بين فضاءات التمدرس والأسر من أجل ضمان مواكبة المتعلمين أثناء الدراسة، وقد نص القانون الإطار في المادة 22 على أن يتم إصدار هذا النص التنظيمي في حدود 6 سنوات من تاريخ نشر هذا القانون في الجريدة الرسمية، وحسب تقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي رقم 2019/6 فيتوجب على هذا النص التنظيمي أن يستحضر جملة من الأمور أهمها: ▪︎ إستحضار خصوصية هذه الجمعيات وارتباطها بالسلطة الحكومية المكلفة بالتعليم المدرسي، مقارنة بغيرها من جمعيات المجتمع المدني. ▪︎ تحديد مفهوم الولاية على التلميذ(ة) أو أكثر وشروط ممارستها بالنسبة لغير الآباء والأمهات. ▪︎ إلزام المؤسسات عمومية كانت أم خاصة، بفسح المجال أمام إحداثها. ▪︎ مقتضيات تتعلق بطريقة تشكيلها وتنظيمها وتدبيرها، وتدقيق أدوارها ومهامها داخل المؤسسات التعليمية. ▪︎ توضيح علاقاتها، وتمويلها، وآليات دعمها من قبل الدولة والشركاء. سيكون إصدار وتنزيل هذا النص التنظيمي فرصة لتجويد أداء جمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ في ظل الفراغ التشريعي الحاصل الان، لكن لن يتأتى ذلك إلا بنهج مقاربة تشاركية في إعداد هذا النص، وإدراج أكبر عدد من التوضيحات القانونية والتنظيمية التي تحتاجها الجمعيات لمزاولة عملها بالشكل المطلوب، وتجاوز الفراغ التنظيمي الذي يطغى على مجموعة من مداخل تدخل الأسر وممثليهم في المدرسة المغربية. وينتظر من هذا النص التنظيمي كذلك تجاوز الوضعية التي تعيشها هذه الجمعيات، والتي لا تتناسب مع الترسانة النظرية التي سبق لنا أن أشرنا إلى بعضها، فكيف كان أداء جمعيات أمهات وآباء وأولياء التلاميذ طيلة مدة إشتغالها؟ وهل كان التنظير لها مترجما على أرض الواقع؟ هذه الأسئلة وغيرها سنحاول الإحاطة بها في الجزء الثاني من هذه المقالة إن شاء الله. ****************** البيبلوغرافيا: – دستور المملكة المغربية الصادر سنة 2011. – الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015-2030، الصادر عن المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي. – التقرير رقم 2019/6 ، الصادر عن المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي. – القانون الإطار رقم 17.51، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 6805 بتاريخ 19 غشت 2019